تختصر حكاية «محمد. م» (42 عاماً) اللاجئ الفلسطيني في مخيم عين الحلوة جنوب لبنان، حكايات لاجئين كُثر فقدوا، نتيجة الأزمة المالية والاقتصادية التي ترزح تحتها البلاد، أعمالهم ووظائفهم وباتوا وعائلاتهم يبيتون من دون طعام. فمحمد، وهو رب أسرة من 6 أفراد، كان يعمل في السنوات الماضية بمجال البناء خارج المخيم ويتقاضى يومياً 35 ألف ليرة (ما يعادل حوالي 23 دولاراً أميركياً وفق سعر الصرف الرسمي غير المعتمد عمليا منذ أشهر)، ويعمل نحو 6 أيام بالأسبوع، إلا أنه ومع تدهور الأوضاع نهاية عام 2019، تراجع عمله ليقتصر على يومين بالأسبوع وصولاً منذ شهرين تقريباً ليومين في الشهر، ما اضطره وبما توفر من مواد إلى إنشاء عربة صغيرة يجول بها مدينة صيدا كل يوم بحثاً عن التنك والبلاستيك والزجاج ومواد أخرى يبيعها نهاية النهار بـ10 أو 15 ألف ليرة. ويقول محمد لـ«الشرق الأوسط» إنه في كثير من الأحيان لا يكون الحظ حليفه فلا يتمكن من جمع شيء، ما يعني أن يبيت وأولاده من دون طعام، «علماً بأننا ومنذ مدة نتناول وجبة وحيدة من الحبوب أو الخضار، فحتى المناقيش ونتيجة غلاء الأسعار أصبحت وجبة مميزة لا أستطيع تأمينها للأولاد بشكل دائم».
وبعد أن كانت نسبة البطالة في المخيمات الفلسطينية التي ترزح بمعظمها تحت خط الفقر تتجاوز الـ60 في المائة في السنوات الماضية، تؤكد مصادر حركة «فتح» أنها تجاوزت حالياً الـ80 في المائة، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن معظم اللاجئين الذين يعملون في البناء والزراعة وكعمال نظافة فقدوا أعمالهم بسبب الأزمة، أما الموظفون في بعض المؤسسات الذين ما زالوا في وظائفهم وتبلغ نسبتهم نحو 10 في المائة إنما يتقاضون ربع راتب. وتضيف المصادر: «للأسف وبعدما كان عدد من الأشخاص يعملون بجمع الخردة داخل عين الحلوة، تضاعفت الأعداد منذ فترة وبتنا نرى الكثيرين يبحثون في القمامة عن الطعام أو مواد يبيعونها لتأمين قوتهم اليومي».
وتعيش نحو 30 في المائة من العائلات الفلسطينية في لبنان على تحويلات أبنائها الذين يعيشون في الخارج، إلا أن الإجراءات المصرفية الأخيرة أثرت على هؤلاء، فتراجعت نسب التحويلات أو انخفضت قيمتها نتيجة الانهيار الحاصل في سعر الليرة اللبنانية وقرار مصرف لبنان إعطاء التحويلات لأصحابها بالعملة المحلية.
ودعا أمين سر حركة «فتح» وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان فتحي أبو العردات منظمة غوث اللاجئين «أونروا» والمجتمع الدولي إلى إعلان حالة طوارئ لإغاثة اللاجئين في لبنان باعتبارهم أصلاً يرزحون تحت فقر شديد، وقد أتت الأزمة المالية لتفاقم أحوالهم بعدما بات القسم الأكبر منهم من دون عمل، خاصة أن معظمهم يعمل كمياوم. وأشار أبو العردات في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «أونروا» منحت منذ شهر تقريباً كل لاجئ مسجل على لوائحها مبلغ 112 ألف ليرة لبنانية، موضحاً أنهم أصروا على أن يكون هذا المبلغ شهرياً «لكننا لم نسمع أي التزامات في هذا المجال»، لافتاً إلى أن هناك مساعدات تصرف أيضاً للاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا من سوريا ويبلغ عدد من تبقى منهم نحو 27 ألفاً. وأضاف: «نحاول كمنظمة تحرير أن نقدم ما تيسر من مساعدات، لكن الاتكال اليوم يبقى على اللاجئين المغتربين الذين يرسلون الأموال لعائلاتهم».
ونبّه أبو العردات إلى أن كل ما يحصل اليوم من تقديم إعانات ومساعدات إنما «يؤخر الانفجار الاجتماعي - الأمني»، وكلما تفاقمت الأوضاع وازداد الجوع، أصبحت الأوضاع أصعب. وقال: «اليوم الوضع الأمني ممسوك ونبذل جهوداً كبيرة بالتعاون مع الدولة اللبنانية لإبقائه كذلك، لكن وكما يُدرك الجميع الجوع كافر!».
ولعل ما زاد الطينة بلة هو عدم صرف حركة «فتح» وفصائل «منظمة التحرير الفلسطينية» رواتب ومساعدات لنحو 18 ألف لاجئ منذ 3 أشهر نتيجة الظروف التي تمر بها، ما زاد الضغط الاقتصادي على المجتمع الفلسطيني في لبنان والذي يتأثر نحو 30 في المائة منه بهذا الإجراء.
80 % من فلسطينيي لبنان بلا عمل... ومخاوف من انفجار اجتماعي ـ أمني
80 % من فلسطينيي لبنان بلا عمل... ومخاوف من انفجار اجتماعي ـ أمني
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة