مصر تعيد الرونق السياحي لـ«ميت رهينة» الأثرية

على بعد 24 كيلومتراً جنوب القاهرة، وفي محافظة الجيزة، تقع مدينة ميت رهينة، التي تضم شواهد أثرية من التاريخ المصري؛ حيث كانت المدينة عاصمة لمصر الموحدة على مدى فترات زمنية طويلة، لموقعها الجغرافي المميز وسط مصر، لكن هذه العاصمة التاريخية تعرضت لتعديات بشرية وبيئية على مدار الزمن، أدت إلى تدمير بعض آثارها أو إخفائها. والآن تسعى الحكومة المصرية لاستعادة رونق المدينة التاريخية، ووضعها على خريطة السياحة، عبر مشروع تطوير يتضمن تحديد مسارات الزيارة لمنطقة المعابد، وإقامة سوق سياحية لبيع الهدايا التذكارية، ومركز للزوار يحكي تاريخ العاصمة القديمة لمصر، بتكلفة 26 مليون جنيه، بحسب ما نشره الموقع الرسمي للرئاسة المصرية.
وفي سياق الإعداد لتنفيذ مشروع التطوير، زار وفد من وزارة الآثار المنطقة أخيراً لوضع خطة التطوير، وفقاً للدكتورة إلهام أحمد، مديرة منطقة ميت رهينة الأثرية، التي أوضحت لـ«الشرق الأوسط» أن «خطة التطوير تتضمن إعداد مسارات للزيارة، وفتح المعابد الأثرية في المنطقة للزيارة؛ حيث إن المكان الوحيد المسموح بزيارته حالياً هو المتحف، بينما باقي المعابد مغلقة، أو تحتاج لترميم بسبب المياه الجوفية؛ حيث تحتاج المنطقة مشروعاً لتخفيض منسوب المياه الجوفية بها».
ومنطقة ميت رهينة هي عاصمة مصر الفرعونية، منذ عهد الملك مينا «نعرمر»، وكانت تسمى «الجدار الأبيض»، ثم سميت «منف» فيما بعد، ومنها نقل التمثال الشهير لرمسيس الثاني إلى ميدان رمسيس في منتصف الخمسينات من القرن الماضي، والذي نقل فيما بعد إلى المتحف المصري الكبير، وتضم مجموعة من المعابد، من بينها معبد الإله بتاح، ومعبد التحنيط، ومعبد الإلاهة حاتحور، ومتحف رمسيس الثاني، وتمثال مصغر لأبي الهول.
وحملت المنطقة في البداية اسم مدينة «إنب حدج» أو الجدار الأبيض، وكانت أول عواصم مصر القديمة الموحدة، في بداية عصر الأسرات، نهاية الألف الرابعة قبل الميلاد، بحسب الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «الملك مينا اختار هذا الموقع لأنّه يتوسط مصر التي كانت تشبه بزهرة اللوتس، (ساقها الوادي، والزهرة في الدلتا)، والعاصمة تتوسط الزهرة لإحكام قبضة الحكم»، وتطور اسمها فيما بعد إلى منف، المأخوذ من «نفر منف» بمعنى الأثر الجميل، وفي العصور الحديثة أصبح اسمها ميت رهينة، أي طريق الأسود، وتقع غرب النيل، وجبانتها هي منطقة سقارة.
وظلت منف عاصمة لمصر الفرعونية نظراً لموقعها الاستراتيجي، حتى عندما انتقلت العاصمة المصرية إلى طيبة (الأقصر)؛ حيث بقيت منف العاصمة الإدارية، وفيها توج الإسكندر الأكبر عندما جاء إلى مصر، ومن أبرز ملامحها في العصور القديمة، المبنى الأبيض الذي كان مقراً للملك، والحكم، وفقاً لعبد البصير.
وتضمّ ميت رهينة معبداً أثرياً يسمى معبد بتاح الكبير، كانت مساحته أكبر من معابد الكرنك بالأقصر، وفقاً لإلهام، لكنه تعرض للتدمير بفعل العوامل الجوية، موضحة أن «المعبد يضم مجموعة من المقاصير أو المعابد الصغيرة، من بينها معابد رمسيس، وسخمت، وحتحور، وبيت أبيس، ومقابر كبار الكهنة، ومقصورة سيتي، التي أغلقت بالإسمنت عام1996 لحمايتها من تعديات الأهالي».
ويشبه معبد هتحور معبد دندرة في الأقصر؛ حيث يضم 12 عموداً لحتحور، تم ردمها خوفاً من تعرضها للتدمير بفعل تأثيرات المياه الجوفية، ويحتاج المعبد لترميم، لإظهار أعمدته الأثرية، وفقاً لإلهام.
وفي عام 2017 نفذت بعثة أميركية مشروعاً لتطوير المنطقة، تضمن إنشاء ممشى خشبي في المعابد، ووضع لوحات إرشادية داخل المتحف، وتنفيذ منطقة للأطفال، ومركز للزوار وكتيبات إرشادية، وتعد الوزارة حالياً لاستكمال المشروع بهدف تحويل المنطقة إلى منطقة سياحية، وفتح المعابد الموجودة بها على غرار المعابد في الأقصر.
وانتهت وزارة السياحة والآثار من تنفيذ سور حول المنطقة الأثرية بطول 8 كيلومترات، وفقاً لإلهام التي قالت إن «هذا السور قضى على نحو 90 في المائة من التعديات على المنطقة الأثرية من قبل الأهالي؛ حيث تعاني المنطقة من التعديات ومن الحفائر خلسة، بسبب الزحف العمراني على حدود المنطقة الأثرية»، مشيرة إلى أنه «يجري العمل على تطوير البوابة لإلكترونية للمنطقة والمتحف المفتوح».
ولعل أشهر المقتنيات الأثرية داخل المنطقة ذلك التمثال الضخم للملك رمسيس الثاني، الذي ظهر في أحد مشاهد فيلم «ثرثرة فوق النيل» عندما جلس أبطال الفيلم فوق جسد التمثال، وظهرت الفنانة ميرفت أمين وهي تقبله.
ويزن التمثال 100 طن، وهو موجود داخل مأوى، وفقاً لإلهام التي قالت إن «مشروع التطوير سيتضمن تنفيذ عزل لسطح مأوى التمثال، ووضع شبابيك زجاجية لحمايته».
ومن الصعب إعادة نصب هذا التمثال، لأنه ضخم جداً وغير مكتمل، وفقاً لعبد البصير. وتخفي ميت رهينة كثيراً من الآثار في باطن الأرض، التي يعلن عن اكتشاف بعضها كل فترة، عبر ما يمسى بحفائر الإنقاذ التي تنفذ في أعقاب ضبط عمليات حفر خلسة من الأهالي بالمنطقة، كان آخرها العثور على تمثال على هيئة «الكا» للملك رمسيس الثاني. وترجع صعوبة تنفيذ الحفائر الأثرية بالمنطقة إلى طبيعة الأرض الطينية، التي غطّاها طمي النيل خلال الحقب الزمنية المتوالية، وفقاً لعبد البصير الذي يؤكد أهمية المنطقة الأثرية والتاريخية.