تقرير يرصد انتشار ظاهرة سبي النساء في «داعش»

«كتيبة الخنساء» النموذج الأبرز لدور المرأة داخل التنظيم الإرهابي

التنظيم يشكّل خروجا عن المألوف عند الحديث عن وضع المرأة داخل التنظيمات الإرهابية
التنظيم يشكّل خروجا عن المألوف عند الحديث عن وضع المرأة داخل التنظيمات الإرهابية
TT

تقرير يرصد انتشار ظاهرة سبي النساء في «داعش»

التنظيم يشكّل خروجا عن المألوف عند الحديث عن وضع المرأة داخل التنظيمات الإرهابية
التنظيم يشكّل خروجا عن المألوف عند الحديث عن وضع المرأة داخل التنظيمات الإرهابية

رصد تقرير مصري انتشار ظاهرة سبي النساء في تنظيم داعش الإرهابي، وذكر التقرير الذي أعده مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء الشاذة بدار الإفتاء، أن «التنظيم استغل النساء لتحقيق أهدافه من خلال تفسيرات خاطئة لمفهوم الجهاد في الإسلام، حيث حوّل النساء إلى سبايا وعبيد جنس يجري بيعهن لمن يدفع أكثر». وقال إبراهيم نجم، مستشار مفتي مصر لـ«الشرق الأوسط»، إن «التنظيمات الإرهابية حوّلت المرأة لميليشيات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتدريبهن على العمل الإعلامي للعمل على استقطاب أكبر قدر ممكن من النساء والشباب للتنظيم».
وأنشأت دار الإفتاء مرصدا لفتاوى التكفير والآراء الشاذة والمتشددة للرد عليها بطريقة علمية منضبطة لمواجهة الإرهاب الذي يجتاح العالم. وأشارت الدار في تقريرها أمس، إلى ما يرتكبه «داعش» من جرائم بحق المرأة تحت غطاء أوامر الإسلام وأحكامه.
وقال مستشار المفتي، إن «التقرير يؤكد أن شرذمة ممن يدعون الإسلام ويصفون أنفسهم - من دون غيرهم - بأنهم من يقيمون دين الله في الأرض يمتهنون المرأة ويستغلونها أبشع استغلال لتحقيق مآرب وأهداف دونية لا تمت للإسلام بأدنى صلة؛ حيث يجري التغرير بالنساء والفتيات المسلمات - كما الرجال والشباب - للانضمام لتلك التنظيمات الشاذة فكريا والمنحرفة عقديا وإنسانيا من أجل بسط نفوذها على رقعة من الأرض، والادعاء بإقامة دولة الإسلام وتنصيب أنفسهم أوصياء على المسلمين في العالم، وذلك من خلال طرق ووسائل تخالف الشريعة الإسلامية وتتناقض مع قواعد الإسلام ومبادئه التي جاءت إنصافا للمرأة وتكريما لها ورفعة لمكانتها، حيث أعطى الإسلام المرأة قيمة إيمانية تعبدية، فضلا عن قواعد تنظيمية حياتية تحقق مصالح المجتمع».
وقال الدكتور إبراهيم نجم لـ«الشرق الأوسط»، إن «مرصد الفتاوى التكفيرية بدار الإفتاء أداة ترصدية بحثية مهمة للغاية، تستطيع من خلاله الدار متابعة ورصد مقولات التكفير في جميع وسائط التواصل المقروءة والمسموعة والمرئية وعلى شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ورصد الظواهر والأسباب المؤدية لنشوء مثل تلك الآراء والفتاوى المتشددة».
وأكد تقرير دار الإفتاء، أمس، في رده على أن الإسلام نهى عن قتل النساء في الحرب، أن «التنظيم الإرهابي خالف جميع أحكام الإسلام ومبادئه في معاملة المرأة في الحروب، فقد قتل وسبى النساء وأعاد إحياء فصل كريه من فصول التاريخ البشري الذي أجمعت دول العالم على تحريمه وتجريمه، حيث أعاد إحياء الرق ليخرق المواثيق التي أجمع عليها العالم كله، واتخذ من النساء سبايا، ليستأنف من جديد الفتنة والفساد في الأرض».
ولفت التقرير إلى أن «النساء يعتبرن عنصرا مهما بالنسبة للتنظيمات الإرهابية في جذب مزيد من الأعداد المنضوية تحت لوائه، حيث نجد انتشار ظاهرة سبي النساء واستعبادهن، مما يؤكد استغلال هذا التنظيم للنساء بغية تحقيق أهدافه من خلال تفسيرات خاطئة لمفهوم الجهاد في الإسلام ليلبس على قليلي العلم والعقل من شباب المسلمين دينهم؛ حيث حوّل النساء إلى سبايا وعبيد جنس يجري بيعهن لمن يدفع أكثر».
وقال مرصد دار الإفتاء في تقريره، إن «التنظيم يشكّل خروجا عن المألوف عند الحديث عن وضع المرأة داخل التنظيمات الإرهابية، حيث عمد إلى تغيير الصورة المرسومة عن حجم العنف الذي يمارس ضد المرأة داخل هذه التنظيمات، ليحولنا إلى النقيض تماما حيث العنف الذي تمارسه المرأة، وأن هذا التنظيم الإرهابي عمد إلى تجنيد النساء منذ اللحظة الأولى لظهوره، حيث أنشأ عدة كتائب تحت أسماء مختلفة، يستغل فيها النساء كمحاربات ضد النساء أو كميليشيات إلكترونية تهدف إلى جذب مزيد من العناصر النسائية للتنظيم حول العالم».
ولفت التقرير إلى أن «كتيبة الخنساء هي النموذج الأبرز لدور المرأة داخل ذلك التنظيم التكفيري الإرهابي، حيث لا يحق للمرأة أن تخرج من دون محرم، أو أن تكشف عن وجهها أو كفيها، وتتولى المرأة الداعشية بنفسها عمليات الاعتقال والتعذيب التي تمارس ضد النساء اللاتي خرجن عن قواعد التنظيم».
وكشف التقرير عن أن تأسيس كتيبة الخنساء يبرهن على حجم التحولات التي تحدث داخل التنظيمات الإرهابية، فقد ابتكر تنظيم داعش إجراءات وأساليب جديدة تختلف عما كان معهودًا في تنظيم القاعدة - التنظيم الأم الذي انشق عنه، حيث سمح تنظيم داعش للنساء بلعب المزيد من الأدوار التنفيذية، مما يمثل عنصر جذب للنساء والفتيات اللاتي قد يجدن فيه أحد أشكال تحرر المرأة داخل تلك المجتمعات المتطرفة شديدة الانغلاق.
وحول الدور الإعلامي الذي تلعبه المرأة داخل التنظيم، أفاد التقرير بأن التنظيم لم يكتفِ بحشد الأنصار من الشباب، ودعوة الأحداث منهم إلى تنفيذ عملياته الانتحارية؛ بل تجاوز ذلك إلى تحويل النساء إلى ميليشيات إلكترونية، حيث تعد مواقع التواصل الاجتماعي ساحة الحرب لمن سمين أنفسهن «المناصرات»، مضيفا: «كما دشنت مؤسسة جديدة خاصة بالنساء تحت اسم مؤسسة الزوراء، لتعليم النساء وإعدادهن للحروب وحمل السلاح، وكذلك تعليمهن كيفية الإسعاف في وقت الحروب، وتدريبهن على العمل الإعلامي، للعمل على استقطاب أكبر قدر ممكن من النساء»، لافتا إلى أن المواد الإعلامية تتضمن إرشادات للمرأة حول كيفية دعم الجهاد والمجاهدين.. وهذه تعد المرة الأولى التي يقدم فيها تنظيم إرهابي تكفيري قائم على العنف والقتل معلومات تتعلق بالمرأة.
من جهة أخرى، رصد التقرير أهم وأبرز الأسباب التي تدفع بالنساء إلى الانضمام لـ«داعش» من دون غيره من التنظيمات، منها: محاولة التكفير عن الذنوب، وحب المغامرة، والمشاركة في قتال الكفار، على حد زعمهم.
وأضاف التقرير أن هناك عنصر جذب آخر للنساء في تلك التنظيمات قد يظهر جليا مدى الدعم والإعجاب من نساء مسلمات أوروبيات يعبرن عن دعمهن لنساء «داعش»، وهذا يرجع إلى الرغبة في تحدي الصورة النمطية الغربية عن المرأة المسلمة الضعيفة مهضومة الحقوق، بصورة أخرى لنساء يحملن السلاح وقادرات على تنفيذ أقصى عمليات القتل، وربما نوع جديد من الثقافة الناشئة التي تطلق عليها «سلطة الفتاة الجهادية».
وشدد التقرير على أن جميع هذه الانتهاكات والخروقات الهمجية التي يرتكبها التنظيم بحق المرأة لا تمت لأي دين بصلة.
وسبق أن أطلقت الإفتاء المصرية حملة دولية تواصلت فيها مع وسائل الإعلام الأجنبية والشعوب الغربية لعدم استخدام مصطلح «الدولة الإسلامية» عند الحديث عن «داعش» واستبدال مصطلح «دولة المنشقين عن القاعدة في العراق والشام».



فرنسا في مواجهة الإرهاب بالساحل الأفريقي

تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)
تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)
TT

فرنسا في مواجهة الإرهاب بالساحل الأفريقي

تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)
تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)

غداة إعلان باريس مصرع 13 جندياً من مواطنيها، في حادث تحطم مروحيتين عسكريتين في جمهورية مالي الأفريقية، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعلن في مؤتمر صحافي أن بلاده تدرس جميع الخيارات الاستراتيجية المتعلقة بوجودها العسكري في منطقة الساحل الأفريقي.
في تصريحاته، أكد ماكرون أنه أمر الجيش الفرنسي بتقييم عملياته ضد المسلحين في غرب أفريقيا، مشيراً إلى أن جميع الخيارات متاحة، وموضحاً أن بلاده «ترغب في مشاركة أكبر من قبل حلفائها في المنطقة من أجل مكافحة الإرهاب».

هل يمكن عد تصريحات ماكرون بداية لمرحلة فرنسية جديدة في مكافحة الإرهاب على أراضي القارة السمراء، لا سيما في منطقة دول الساحل التي تضم بنوع خاص «بوركينا فاسو، ومالي، وموريتانيا، والنيجر، وتشاد»؟
يتطلب منا الجواب بلورة رؤية واسعة للإشكالية الأفريقية في تقاطعاتها مع الإرهاب بشكل عام من جهة، ولجهة دول الساحل من ناحية ثانية.
بداية، يمكن القطع بأن كثيراً من التحديات الحياتية اليومية تطفو على السطح في تلك الدول، لا سيما في ظل التغيرات المناخية التي تجعل الحياة صعبة للغاية وسط الجفاف، الأمر الذي يولد هجرات غير نظامية من دولة إلى أخرى. وفي الوسط، تنشأ عصابات الجريمة المنظمة والعشوائية معاً، مما يقود في نهاية المشهد إلى حالة من الانفلات الأمني، وعدم مقدرة الحكومات على ضبط الأوضاع الأمنية، وربما لهذا السبب أنشأ رؤساء دول المنطقة ما يعرف بـ«المجموعة الخماسية»، التي تدعمها فرنسا وتخطط لها مجابهتها مع الإرهاب، والهدف من وراء هذا التجمع هو تنسيق أنشطتهم، وتولي زمام الأمور، وضمان أمنهم، من أجل الحد من تغلغل الإرهاب الأعمى في دروبهم.
على أنه وفي زمن ما يمكن أن نسميه «الإرهاب المعولم»، كانت ارتدادات ما جرى لتنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا، من اندحارات وهزائم عسكرية العامين الماضيين، تسمع في القارة الأفريقية بشكل عام، وفي منطقة الساحل بنوع خاص، ولم يكن غريباً أو عجيباً أن تعلن جماعات إرهابية متعددة، مثل «بوكو حرام» وحركة الشباب وغيرهما، ولاءها لـ«داعش»، وزعيمها المغدور أبي بكر البغدادي.
وتبدو فرنسا، فعلاً وقولاً، عازمة على التصدي للإرهاب القائم والآتي في القارة السمراء، وقد يرجع البعض السبب إلى أن فرنسا تحاول أن تحافظ على مكاسبها التاريخية السياسية أو الاقتصادية في القارة التي تتكالب عليها اليوم الأقطاب الكبرى، من واشنطن إلى موسكو، مروراً ببكين، ولا تود باريس أن تخرج خالية الوفاض من قسمة الغرماء الأفريقية، أي أنه تموضع عسكري بهدف سياسي أو اقتصادي، وفي كل الأحوال لا يهم التوجه، إنما المهم حساب الحصاد، وما تخططه الجمهورية الفرنسية لمواجهة طاعون القرن الحادي والعشرين.
في حديثها المطول مع صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية، كانت وزيرة الجيوش الفرنسية، فلورانس بارلي، تشير إلى أن فرنسا تقود جهوداً أوروبية لتشكيل قوة عسكرية لمحاربة تنظيمي «داعش» و«القاعدة» في منطقة الساحل الأفريقي، وأن هناك خطوات جديدة في الطريق تهدف إلى تعزيز المعركة ضد العناصر الإرهابية هناك، وإن طال زمن الصراع أو المواجهة.
ما الذي يجعل فرنسا تتحرك على هذا النحو الجاد الحازم في توجهها نحو الساحل الأفريقي؟
المؤكد أن تدهور الأوضاع في الساحل الأفريقي، وبنوع خاص المثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، قد أزعج الأوروبيين أيما إزعاج، لا سيما أن هذا التدهور يفتح الأبواب لهجرات غير شرعية لسواحل أوروبا، حكماً سوف يتسرب في الوسط منها عناصر إرهابية تنوي إلحاق الأذى بالقارة الأوروبية ومواطنيها.
يكاد المتابع للشأن الإرهابي في الساحل الأفريقي يقطع بأن فرنسا تقود عملية «برخان 2»، وقد بدأت «برخان 1» منذ اندلاع أولى شرارات الأزمة الأمنية في منطقة الساحل، فقد التزمت فرنسا التزاماً حاراً من أجل كبح جماح التهديد الإرهابي.
بدأت العملية في يناير (كانون الثاني) 2013، حين تدخلت فرنسا في شمال مالي، عبر عملية «سيرفال»، بغية منع الجماعات الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة من السيطرة على البلاد.
والثابت أنه منذ ذلك الحين، توحدت العمليات الفرنسية التي تضم زهاء 4500 جندي تحت اسم عملية «برخان». وتعمل القوات الفرنسية في هذا الإطار على نحو وثيق مع القوات المسلحة في منطقة الساحل.
ويمكن للمرء توقع «برخان 2»، من خلال تحليل وتفكيك تصريحات وزيرة الجيوش الفرنسية بارلي التي عدت أن دول الساحل الأفريقي تقع على أبواب أوروبا. وعليه، فإن المرحلة المقبلة من المواجهة لن تكون فرنسية فقط، بل الهدف منها إشراك بقية دول أوروبا في مالي بقيادة عملية «برخان 2»، في إطار وحدة مشتركة تدعى «تاكوبا»، بغية مواكبة القوات المسلحة المالية.
ولعل المتابع لتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العام الحالي يرى أن الرجل يكاد ينزع إلى ما مضي في طريقه جنرال فرنسا الأشهر شارل ديغول، ذاك الذي اهتم كثيراً بوحدة أوروبا والأوروبيين بأكثر من التحالف مع الأميركيين أو الآسيويين.
ماكرون الذي أطلق صيحة تكوين جيش أوروبي مستقل هو نفسه الذي تحدث مؤخراً عما أطلق عليه «الموت السريري» لحلف الناتو. وعليه، يبقى من الطبيعي أن تكون خطط فرنسا هادفة إلى جمع شمل الأوروبيين للدفاع عن القارة، وعدم انتظار القوة الأميركية الأفريقية (أفريكوم) للدفاع عن القارة الأوروبية.
هذه الرؤية تؤكدها تصريحات الوزيرة بارلي التي أشارت إلى أن فرنسا تبذل الجهود الكبيرة من أجل أن يكون هناك أوروبيون أكثر في الصفوف الأولى مع فرنسا ودول الساحل. وقد أعلنت الوزيرة الفرنسية بالفعل أن «التشيكيين والبلجيكيين والإستونيين قد استجابوا أولاً، كما أن آخرين حكماً سينضمون إلى عملية (تاكوبا) عندما تصادق برلمانات بلادهم على انتشارهم مع القوات الفرنسية».
لا تبدو مسألة قيادة فرنسا لتحالف أوروبي ضد الإرهاب مسألة مرحباً بها بالمطلق في الداخل الفرنسي، لا سيما أن الخسائر التي تكمن دونها عاماً بعد الآخر في منطقة الساحل قد فتحت باب النقاش واسعاً في الداخل الفرنسي، فقد قتل هناك العشرات من الجنود منذ عام 2013، مما جعل بعض الأصوات تتساءل عن نجاعة تلك العملية، وفرصها في الحد من خطورة التنظيمات الإرهابية، وقد وصل النقاش إلى وسائل الإعلام الفرنسية المختلفة.
غير أنه، على الجانب الآخر، ترتفع أصوات المسؤولين الفرنسيين، لا سيما من الجنرالات والعسكريين، الذين يقارنون بين الأكلاف والخسائر من باب المواجهة، وما يمكن أن يصيب فرنسا وبقية دول أوروبا حال صمت الأوروبيين وجلوسهم مستكينين لا يفعلون شيئاً. فساعتها، ستكون الأراضي الأوروبية من أدناها إلى أقصاها أراضي شاسعة متروكة من الدول، وستصبح ملاجئ لمجموعات إرهابية تابعة لـ«داعش» و«القاعدة».
ما حظوظ نجاحات مثل هذا التحالف الأوروبي الجديد؟
يمكن القول إن هناك فرصة جيدة لأن يفعل التحالف الفرنسي الأوروبي الجديد حضوره، في مواجهة الإرهاب المتغلغل في أفريقيا، لا سيما أن الهدف يخدم عموم الأوروبيين، فتوفير الأمن والاستقرار في الجانب الآخر من الأطلسي ينعكس حتماً برداً وسلاماً على بقية عموم أوروبا.
ولم يكن الإعلان الفرنسي الأخير هو نقطة البداية في عملية «برخان 2» أو «تاكوبا»، فقد سبق أن أعلن رئيس الجمهورية الفرنسية، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بمعية رئيس بوركينا فاسو السيد روش كابوريه، وهو الرئيس الحالي للمجموعة الخماسية لمنطقة الساحل، إبان مؤتمر قمة مجموعة الدول السبع في بياريتز، إنشاء الشراكة من أجل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل.
وترمي هذه الشراكة مع بلدان المنطقة إلى تعزيز فعالية الجهود المبذولة في مجالي الدفاع والأمن الداخلي، وإلى تحسين سبل تنسيق دعم الإصلاحات الضرورية في هذين المجالين، وتمثل ضرورة المساءلة مقوماً من مقومات هذه الشراكة.
ولا يخلو المشهد الفرنسي من براغماتية مستنيرة، إن جاز التعبير، فالفرنسيون لن يقبلوا أن يستنزفوا طويلاً في دفاعهم عن الأمن الأوروبي، في حين تبقى بقية دول أوروبا في مقاعد المتفرجين ليس أكثر، وربما لمح الفرنسيون مؤخراً من طرف خفي إلى فكرة الانسحاب الكامل الشامل، إن لم تسارع بقية دول القارة الأوروبية في إظهار رغبة حقيقية في تفعيل شراكة استراتيجية تستنقذ دول الساحل الأفريقي من الوقوع لقمة سائغة في فم الجماعات الإرهابية، في منطقة باتت الأنسب ليتخذها الإرهابيون مخزناً استراتيجياً ومنطقة حشد لهم، وفي مقدمة تلك الجماعات مجموعات إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة تجتمع تحت راية جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، وأخرى تابعة لتنظيم داعش على غرار التنظيم الإرهابي في الصحراء الكبرى، التي تقوم بتنفيذ كثير من الهجمات ضد القوات المسلحة في منطقة الساحل، والقوات الدولية التي تدعمها، والتي تضم بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الإبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، المكلفة بدعم تنفيذ اتفاق السلام المنبثق عن عملية الجزائر العاصمة، ودعم جهود إرساء الاستقرار التي تبذلها السلطات المالية في وسط البلاد.
ولعل كارثة ما يجري في منطقة الساحل الأفريقي، ودول المجموعة الخماسية بنوع خاص، غير موصولة فقط بالجماعات الراديكالية على اختلاف تسمياتها وانتماءاتها، فهناك مجموعات أخرى مهددة للأمن والسلام الأوروبيين، جماعات من قبيل تجار المخدرات والأسلحة، وكذا مهربو البشر، وتهريب المهاجرين غير الشرعيين، وهذا هاجس رهيب بدوره بالنسبة لعموم الأوروبيين.
على أن علامة استفهام تبقى قلقه محيرة بالنسبة لباريس وقصر الإليزيه اليوم، وهي تلك المرتبطة بالإرادة الأوروبية التي تعاني من حالة تفسخ وتباعد غير مسبوقة، تبدت في خلافات ألمانية فرنسية بنوع خاص تجاه فكرة استمرار الناتو، وطرح الجيش الأوروبي الموحد.
باختصار غير مخل: هل دعم الأوروبيين كافة لعملية «برخان 2» أمر مقطوع به أم أن هناك دولاً أوروبية أخرى سوف تبدي تحفظات على فكرة المساهمة في تلك العمليات، خوفاً من أن تستعلن فرنسا القوة الضاربة الأوروبية في القارة الأفريقية من جديد، مما يعني عودة سطوتها التي كانت لها قديماً في زمن الاحتلال العسكري لتلك الدول، الأمر الذي ربما ينتقص من نفوذ دول أخرى بعينها تصارع اليوم لتقود دفة أوروبا، في ظل حالة الانسحاب من الاتحاد التي تمثلها بريطانيا، والمخاوف من أن تلحقها دول أخرى؟
مهما يكن من أمر الجواب، فإن تصاعد العمليات الإرهابية في الفترة الأخيرة، أو حدوث عمليات جديدة ضد أهداف أوروبية في القارة الأفريقية، وجريان المقدرات بأي أعمال إرهابية على تراب الدول الأوروبية، ربما يؤكدان الحاجة الحتمية لتعزيز توجهات فرنسا، وشراكة بقية دول أوروبا، ويبدو واضحاً أيضاً أن بعضاً من دول أفريقيا استشرفت مخاوف جمة من تعاظم الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، مثل تشاد التي وافقت على تعبئة مزيد من الجيوش في المثلث الحدودي الهش مع النيجر وبوركينا فاسو.