لوركا يقترح نظرية جديدة في الإبداع

سمّاها «الدويندي» وتشمل الشعر والموسيقى ومصارعة الثيران

لوركا يقترح نظرية جديدة في الإبداع
TT

لوركا يقترح نظرية جديدة في الإبداع

لوركا يقترح نظرية جديدة في الإبداع

ما الذي يجعلنا غير قادرين على تذوق عمل أدبي أو فني، رغم أنه يبدو مستوفياً الشروط والقواعد. نقرأ رواية قوية في لغتها، بارعة في رسم ملامح الشخصيات، متقنة في الحبكة، لكننا لا نشعر بأي انفعال بعد الانتهاء منها. نطالع لوحة تشكيلية تشارف تخوم الحداثة، في اللون ومعالجة السطح وتوزيع الظل والضوء، لكننا نعبرها سريعاً دون أن تؤثر فينا. نستمع إلى مقطوعة موسيقية يؤديها عازفون بارعون لكنها لا تترك فينا أثر... في كل هذه المواقف يكون التساؤل الحائر: لماذا لم نصب بالنشوة، ولم نستمتع بالعمل؟
الإجابة يسوقها الشاعر والمسرحي والموسيقي الإسباني المعروف فيديريكو غارثيا لوركا، الذي تم إعدامه على يد قوات الجنرال فرانكو الفاشية في 19 أغسطس (آب) 1936، عن عمر لم يتجاوز 38 عاماً، لكنه أصبح واحداً من أهم أدباء القرن العشرين... إجابة لوركا جاءت عبر عدد من المحاضرات ألقاها تعبيراً عن فلسفته الجمالية، ونقلها للعربية أحمد يعقوب عبر كتاب «فيديريكو غارثيا لوركا...اللعب ونظرية الدويندي»، الصادر مؤخراً في القاهرة عن مؤسسة «أروقة» للنشر والترجمة والتوزيع.

قوة غامضة
يشير يعقوب في تقديمه للمحاضرات إلى أنها تتضمن ما يمكن تسميته «نظرية لوركا الجمالية»، وفلسفته في الحكم على الإبداع، حيث يسعى لاستنباط السر وراء التجلي والتفرد والأصالة في عمل ما دون غيره، سواء في الشعر أو القصة أو الغناء أو الموسيقى، أو حتى مصارعة الثيران. هذا السر هو ما يطلق عليه الشاعر «دويندي»، وهي كلمة إسبانية تعني حرفياً «مَلَكة»، لكنها تبقى ترجمة غير دقيقة في هذا السياق، ومن هنا أبقى المترجم على هذا اللفظ، كما هو، في لغته الأصلية.
«قوة غامضة يشعر بها الجميع، ولا يستطيع أي أحد تفسيرها حتى لو كان فيلسوفاً»، هكذا يضع لوركا تعريفاً أولياً لهذا «الدويندي»، تعريفاً لا يقودنا إلى الفهم الواضح اليسير المباشر، بل قد يزيد الأمر غموضاً، خصوصاً أن لوركا يشدد على أن ما يذهب إليه في تلك المحاضرات التي ألقاها في الأرجنتين وكوبا بدايات ثلاثينيات القرن الماضي لا علاقة له بـ«الإلهام» أو «الوحي» أو حتى «شيطان الشعر».

ما هو «الدويندي» إذن؟
يجيبنا لوركا: «لو كان لدينا عازف جيتار بارع يأسر الجميع بغنائه وموسيقاه، فإن (الدويندي) هو هذا الشيء الذي يخرج من قلبه، وروحه، ويسرى من رأسه حتى أخمص قدميه، شيء لا علاقة له بالحنجرة، أي جماليات الصوت وحلاوته وطلاوته! انظر إلى سلسلة من الجبال الرواسي بشموخها وجلالها، إن ما يمنحها كل هذه (الهيبة) هو (الدويندي)».

روح التمرد
هنا قد يسأل سائل: وهذا الشيء الغريب الغامض المدهش أين نجده، وكيف نعثر عليه؟ مرة أخرى يجيبنا لوركا: لا توجد خارطة أو قوات نظامية تساعدك في هذه المهمة، فـ«الدويندي» روح عصية على الإمساك، والمعلوم لدينا أنها حادة قوية قادرة على سفك الدم، كما يفعل الزجاج ببشرتنا، إنها روح التمرد على القوالب الجاهزة، وتحدي الأنماط الشائعة، والبحث عن صوت خاص في الإبداع يخرج من القلب بعد أن يكون صاحبه قد احترق به، وانفعل معه من فرط الصدق والمعاناة في التجربة الشعورية.
يضرب لوركا بعضاً من الأمثلة الشعرية التي تتجسد فيها هذه الحالة، فيتوقف على سبيل المثال أمام أبيات من ملحمة غنائية شهيرة في التاريخ الإسباني القديم يقول مطلعها:
«داخل البستان سأموت
في مشتل الزهور قتلوني
كنت سأغادر يا أمي
ذهبتُ أقطف الأزهار
لكني قطفت الموت..»
كما يضرب مثالاً آخر بأغنية من الفولكلور الإسباني تقول:
«العيون التي نظرت إليك بها
للظل أعطيتها
كانت حبيبتي جميلة
بالشفتين اللتين لامست الهواء بهما
للجبال أعطيتها»
ويبدي لوركا اهتماماً خاصاً بتجليات نظريته في مجال مصارعة الثيران، حيث يبدو مفتوناً بشكل خاص ببراعة بعض النماذج النسائية في هذا السياق: «مصارعات يعشقن الحياة، لكنهن لا يهبن الموت، وحين يصارعن الثور فهن يعرفن أن الثور هنا مجرد رمز للخرافات والخوف، وكل ما من شأنه أن يسجن الروح، ويمنعها من الانطلاق. المصارعات هنا يتحلين بالقوة والشجاعة والبراعة في المناورة. إنهن مثال للمحاربات الجميلات اللواتي يجمعن بين عطر الأنوثة والبأس في الميدان».

مقبرة أدبية
في محاضرة أخرى، يشرح لوركا لماذا اتخذ قراراً لا رجعة عنه بالاعتذار عن أي تكريم أو حضور أي وليمة تقام على شرف شخصه المتواضع، فهو يرى أنه لا توجد لحظة أكثر حزناً من التصفيق البارد الرتيب، كما أن أي تكريم ما هو إلا لبنة جديدة توضع في بناء مقبرتنا الأدبية. ويشير المؤلف إلى أن مبررات الشاعر العظيم، قد لا تبدو هنا مقنعة للبعض، خصوصاً في ظل تهافت الأدباء عادة على مثل هذه الاحتفاليات، لكن يحسب له أنه كان صادقاً، والتزم بما قال حرفياً حتى أنه ذهب إلى حد اعتبار أن الخطابات المكتوبة لتكريمه أشبه بجلود الحيوانات تجلب الفأل السيئ.
ويؤكد لوركا على أهمية المسرح، باعتباره منبراً مجانياً للضحك أو البكاء، لافتاً إلى أنه بإمكانه أن يكون سبباً في تقدم الدولة أو انحطاطها، «الأمر يعتمد على نوعية الأعمال المقدمة فهي يمكن أن تشحذ حساسية الناس للقيم والمبادئ، أو تخدر أمة بأكملها، كما أن المسرح الذي لا يعكس الهموم الحقيقية لمجتمعه لا يستحق أن يسمى مسرحاً أصلاً، بل غرفة ألعاب فارغة».
ويختتم المترجم كتابه بمحاضرة قصيرة حول أغاني ما قبل النوم للأطفال، وفيها يقوم لوركا بدراسة تحليلية موسيقية تقارن ما بين النغمات والألحان في هذه النوعية من الأغاني لدى إسبانيا وعدد من نظيراتها الأوربية، لا سيما روسيا وفرنسا، وتبدو هذه الدراسة على شيء من التعقيد نظراً لطبيعتها شديدة التخصص، لكن ما يلفت النظر حقاً هو الطريقة التي استهل بها لوركا المحاضرة بقوله: «في هذه المحاضرة لا أعتزم، كما في السابق، تحديد مفاهيم، إنما سأقدم تأكيدات، لا أريد أن أخطط، إنما أقترح وأشجع الطيور على الرفرفة بجناحين ناعسين، أشجع زاوية مظلمة على سحابة ممتدة، وأشجعكم أنتم على إهداء بعض مرايا الجيب للسيدات اللواتي يحضرن.
كنت أرغب في النزول إلى ضفاف القصب، من تحت القرميد الأصفر، عند مخارج القرى حيث يأكل النمر الأطفال»، ويتابع لوركا في مقدمته الغريبة غير التقليدية قائلاً: «أنا في هذه اللحظة بعيد عن الشاعر الذي ينظر إلى الساعة، بعيد عن الشاعر الذي يصارع التمثال، الذي يصارع النوم، الذي يكافح علم التشريح. لقد هربت من أصدقائي، وسأذهب مع ذلك الصبي الذي يأكل الفاكهة الخضراء ويراقب النمل يلتهم الطائر الذي سحقته سيارة».



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.