عدم تبني العمليات الإرهابية في تونس.. بين الخيار الاستراتيجي والتبعية

العقول المدبرة إقليمية ودولية.. وعناصر التنفيذ تونسية

عدم تبني العمليات الإرهابية في تونس.. بين الخيار الاستراتيجي والتبعية
TT

عدم تبني العمليات الإرهابية في تونس.. بين الخيار الاستراتيجي والتبعية

عدم تبني العمليات الإرهابية في تونس.. بين الخيار الاستراتيجي والتبعية

من أبرز «ألغاز» العمليات الإرهابية التي تستهدف تونس منذ سنوات أنها «تختلف عن بقية الجرائم الإرهابية في دول عربية أخرى؛ لأنه لا وجود لجهة تتبناها بدءا من الاعتداء على المدرسة والسفارة الأميركيتين بتونس، وجريمتي اغتيال القياديين السابقين في المعارضة اليسارية شكري بلعيد ومحمد البراهمي».
فما الذي يفسر هذه الخصوصية التونسية بالنسبة للعمليات الإرهابية التي يعتبر خبراء الشؤون الأمنية والسياسية، مثل فيصل الشريف، أن من أبرز أهدافها عادة «القيام بحملة إعلامية بهدف إبلاغ رسائل سياسية مباشرة وأخرى مشفرة» تبرر الجريمة السياسية الأخلاقية التي ارتكبوها عند تورطهم في العنف السياسي «غير المشروع»؟
عبد الله العبيدي الخبير في السياسة الدولية والدبلوماسي السابق اعتبر في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «سر هذا اللغز» ناجم عن كون المجموعات الإرهابية التي تورطت إلى حد الآن في جرائم إرهابية في تونس، مثل جرائم قتل الأمنيين والعسكريين والمعارضين بلعيد والبراهمي، هي «مجرد فروع لتنظيمات إرهابية عالمية موجودة في دول أخرى، من بينها ليبيا والجزائر وبلدان جنوب الصحراء أو في المشرق العربي والإسلامي».
وحسب الدبلوماسي عبد الله العبيدي فإن «الفرع لا يتبنى العمليات الإرهابية؛ لأن ذلك من اختصاصات الجهات التي تقف وراءه ماليا وسياسيا ولوجيستيا»، ودور أعضاء «فروع» الجماعات الإرهابية يختزل في التنفيذ وليس في اتخاذ القرارات أو رسم المخططات «كما لا يعتبر تبني العملية وخطة متابعتها إعلاميا وسياسيا من مشمولاتها».
وحسب هذا الطرح، يجب البحث عن «العقل المدبر إقليميا ودوليا» للعمليات الإرهابية التي ارتكبت في تونس منذ الإطاحة بحكم الرئيس زين العابدين بن علي في يناير (كانون الثاني) 2011؛ «لأن عناصر التنفيذ التونسية لا علاقة لها غالبا بالتصور ورسم خطة التحرك، ولا بتوظيفها إعلاميا في هذا الاتجاه، بخلاف القيادات المركزية لتنظيمات القاعدة وداعش مثلا، حيث يكون التوظيف الإعلامي جزءا من المعركة».
لكن بدرة قعلول، رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والأمنية والعسكرية بتونس، أعربت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «جرائم الإرهابيين التي ارتكبت في تونس خلال الأعوام الماضية موقعة وإن لم يصدر بلاغ رسمي عن الجهة التي نفذتها».
بدرة قعلول، استدلت بعملية ذبح ضابط تونسي قبل أسبوع على الحدود الجزائرية - التونسية من قبل عصابة تضم نحو 10 إرهابيين اختفت بعد الجريمة، «بما يؤكد أن الإرهابيين من عصابة مرتبطة بـ(تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي) المختص في مثل هذا النوع من الجرائم في المناطق الجبلية والغابية بالجزائر ومناطق أخرى منذ سنوات. والذبح يوحي إليهم وإلى العصابات الجديدة التي بايعت تنظيم داعش الإرهابي».
في المقابل فإن نصر الدين بن سلطانة، الجامعي والخبير في الدراسات الأمنية والدبلوماسية، يرى أن «الإرهابيين في تونس انتقلوا من السرية، التي اعتمدوها ما بين 2011 و2013، إلى العلنية، مثلما تكشفه مثلا عملية اغتيال 5 من الحراس الشخصيين لوزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو في مدينة القصرين في الوسط الغربي لتونس في يونيو (حزيران) الماضي بمناسبة زيارة زوجته وأبنائه لبيتهم في المدينة ليلا». وقد أعلن وقتها أن «تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي» تبنى الجريمة فيما نسبها آخرون إلى «تنظيم عقبة بن نافع».
ويصنف بن سلطانة ميلشيات «عقبة بن نافع» المسلحة ضمن تنظيم القاعدة قبل أن «يبايع» زعيمه التونسي «قيادة حركة داعش الإرهابية» في سوريا.
ويتفق الخبيران بدرة قعلول ونصر الدين بن سلطانة على كون الجناح العسكري لتنظيم أنصار الشريعة - الذي صنفته حكومة علي العريض الأمين العام الحالي لحركة النهضة الإسلامية في أغسطس (آب) 2013 تنظيما إرهابيا - يقف بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في اغتيال المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
ويستدل هذان الخبيران بكون الندوات الصحافية التي عقدها وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو وعدد من كبار قادة الأمن التونسي خلال العامين الماضيين أكدت التهمة التي وجهها وزير الداخلية الأسبق لتنظيم أنصار الشريعة بالضلوع في جريمة اغتيال المعارض شكري بلعيد في فبراير (شباط) 2013.
وتؤكد بدرة قعلول على كون الجماعات الإرهابية «الليبية» بزعامة «تنظيم أنصار الشريعة» ونظيراتها في الجزائر ومالي تقف وراء الجرائم الإرهابية في تونس، وإن لم تصدر بيانات رسمية لتبنيها «بخلاف التقليد السائد عربيا ودوليا».
إلا أن الكاتب العام لنقابات الأمن التونسية الصحبي الجويني، وعدد من رفاقه، يعتبرون أن «مصالح الأمن التونسية تعرف هوية مرتكبي الجرائم ومن يقف وراءها، وإن لم تقم العصابات الإجرامية بنشر بلاغات تنسب فيها العمل لنفسها في محاولة لصرف أنظار الأمنيين عنها ومحاولة إرباكهم».
قيادات نقابات الأمن التونسي تعتبر أن «الإرهابيين في تونس معروفون لدى الأمنيين، بمن فيهم بعض الساسة الضالعين في العنف السياسي وفي الإرهاب والذين يحاولون (التمويه) والتنصل من مسؤوليتهم في استفحال أعمال العنف والإرهاب، وخاصة من جرائم اغتيال السياسيين والأمنيين والعسكريين، مما أثار تعاطفا كبيرا مع الضحايا ونقمة غير مسبوقة على خصومهم».
في هذا المناخ العام يعتبر كثير من الخبراء الأمنيين والعسكريين، وبينهم الدبلوماسي السابق نصر الدين بن سلطانة، أن «المسكوت عنه في الجرائم الإرهابية التي ترتكب في تونس أن كثيرا منها لا يقع تبنيه رسميا من قبل ميليشيات مسلحة في تونس، لكن كثيرا ما تتبناها مجموعات مسلحة ليبية وتونسية وجزائرية مرتبطة بإرهابيين تونسيين لديهم امتدادات في مخيمات العنف والإرهاب المنتشرة في ليبيا، وخاصة في المناطق الشرقية غير بعيد عن درنة وبنغازي».
وحذرت بدرة قعلول، رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والأمنية والعسكرية بتونس، من سيناريو استفحال الهجمات الإرهابية ذات العلاقة بالمستجدات الأمنية في ليبيا، وخاصة بعد أن استفحل الصراع المسلح في المنطقة الغربية لليبيا وبلغ بوابة «بوكمّاش، راس الجدير» التونسية - الليبية وتطور من معارك برية إلى أخرى تشارك فيها وحدات عسكرية جوية من قواعد تابعة للجيش الليبي في قبيلة «الزنتان» وطرابلس.



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.