وزير خارجية الجزائر يحذّر من «صوّملة» ليبيا

TT

وزير خارجية الجزائر يحذّر من «صوّملة» ليبيا

حذر وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم، من «سيناريو صومالي في ليبيا»، بحجة «تداخل المصالح الأجنبية فيها، والحرب بالوكالة الجارية على أرضها»، وشدد على أن «كل الأطراف الليبية تريد تدخل الجزائر لحل الأزمة الداخلية»، وفهم من كلمة «تدخل الجزائر»، وساطة تعرضها على أطراف النزاع الليبي.
كان بوقادوم يرد على أسئلة صحافيين وباحثين، لدى استضافته، أمس، بمقر صحيفة حكومية بالعاصمة للحديث عن الملفات، التي تشتغل عليها الدبلوماسية الجزائرية، حيث أكد أن الجزائر «لديها علاقات ودية مع كل الأطراف الليبية، وهي بعكس دول كثيرة لم ترسل قطعة سلاح واحدة إلى ليبيا»، مشيراً إلى أن «دبلوماسيتنا تعمل في صمت لتجنيب جيراننا ويلات الحرب. فنحن نسعى لإطفاء النار المشتعلة عندهم، وليست لدينا أطماع في نفط ليبيا». وأضاف بوقادوم موضحاً: «الحرب بالوكالة الجارية في ليبيا ستحولها إلى صومال ثانٍ، ولهذا فإن غرضنا الوحيد هو إحلال السلم في هذا البلد الجار»، ومشدداً على أن أمن ليبيا «جزء من أمن الجزائر، وأي تهديد خارجي ضدها يشكل تهديداً مباشراً لأمن الجزائر».
وحسب بوقادوم، فقد «طالبت كل الأطراف الليبية بأن يكون للجزائر دور في حل النزاع، ولا بد لنا أن نساهم في بناء وئام في ليبيا وفي مالي أيضاً، غير أن الدول التي تدير حرباً بالوكالة هناك عليها أن تحترم القرار الليبي وسيادة البلد... ولا بديل في ليبيا إلا العمل السياسي ورفض العمل العسكري، ولا بديل لليبيين إلا الجزائر كبلد يريد لهم الخير ولا أطماع له في خيراتهم».
كان الرئيس عبد المجيد تبون قد ذكر في تصريحات لوسائل الإعلام في 12 من يونيو (حزيران) الماضي، أن كل الأطراف في ليبيا «لا تعترض على الوساطة التي تقترحها الجزائر لإيجاد حلّ للأزمة، يحقن دماء الليبيين»، وأكد أن الجزائر «ليست لها أطماع توسعية ولا اقتصادية في ليبيا، فهمَها الوحيد هو وقف اقتتال الفرقاء فيما بينهم، لأننا كجزائريين عشنا محنة شبيهة، ونعرف ماذا يعني سقوط أرواح»، وكان يشير بذلك إلى فترة الصراع مع الإرهاب في تسعينيات القرن الماضي. وقال تبون أيضاً إن «دور الوسيط الذي تقترحه الجزائر لا يعترض عليه السيد فايز السراج، ولا السيد خليفة حفتر. كما لا تعترض عليه القبائل الليبية». ويميز نوع من الفتور علاقة الجزائريين بقائد الجيش الليبي المشير حفتر، الذي سبق أن هدد الجزائر بشن عمل عسكري داخل ترابها، بذريعة أنها تدعم خصومه.
في موضوع آخر، كشف بوقادوم أن مباحثات جارية حالياً مع فرنسا حول استعادة أرشيف «ثورة التحرير»، الموجود بمراكز بحوث وأجهزة رسمية بفرنسا. وتحدث عن «وجود حواجز قانونية في ملف الذاكرة والتجارب النووية»، التي أجرتها فرنسا في صحراء الجزائر غداة استقلالها عام 1962، والتي يطالب الجزائريون بدفع تعويضات عن مئات المتضررين من الإشعاعات التي خلفتها.
ويرجح، بشأن حديثه عن «حواجز قانونية»، أنه يقصد نصوصاً وتشريعات في فرنسا، تتعامل مع قطاع من الأرشيف الخاص بفترات احتلال مستعمراتها سابقاً، على أنه من أسرار الدولة ومن أسرار الدفاع.
كما شدد وزير الخارجية على «استرجاع بقية رفات شهدائنا الموجودين بالمتاحف الفرنسية».
كانت الجزائر قد دفنت رفات 24 من قادة المقاومة الشعبية ضد الاستعمار خلال القرن الـ19، في الخامس من يوليو (تموز) الحالي، بمناسبة ذكرى الاستقلال، على أثر استلامها من فرنسا. ولم يذكر بوقادوم عدد الأشخاص الذين تترقب بلاده استعادة رفاتهم، في حين أفادت مصادر مطلعة على القضية، لـ«الشرق الأوسط»، بأن الأمر يتعلق بـ33 مقاوماً.
كان وزير المجاهدين، الطيب زيتوني، قد صرح الخميس الماضي، بأن حكومته تطالب الفرنسيين بالكشف عن مصير جثث 2200 شخص، تعرضوا للتصفية الجسدية خلال حرب التحرير (1954 ـ 1962).



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم