كريستوفر نولان يسعى إلى إنقاذ السينما بفيلمه الجديد

بينما ينقذ بطله العالم من حرب ثالثة

كريستوفر نولان خلال التصوير
كريستوفر نولان خلال التصوير
TT

كريستوفر نولان يسعى إلى إنقاذ السينما بفيلمه الجديد

كريستوفر نولان خلال التصوير
كريستوفر نولان خلال التصوير

يتماثل المخرج كريستوفر نولان مع بطل فيلمه الجديد «Tenet» من حيث لم يكن المخرج ليتخيل إمكانية ذلك. فبطل الفيلم يحارب لإنقاذ العالم، ومخرجه نولان يحارب لإنقاذ السينما. وضعان متشابهان يلخصهما فيلم ومخرجه.
في «تَنت» يسعى «البطل» (لا اسم آخر له) لمواجهة احتمالات نشوب حرب عالمية ثالثة متعددة الجبهات والأطراف. ليس سعياً بالتمني فقط، ولا بسبب قوة بدنية ذات معجزات خارقة؛ بل عبر سلسلة من التداخلات بين الزمن الحاضر والأزمنة «المعترضة» كما يسميها المخرج كريستوفر نولان.
في الواقع، كريستوفر نولان كان يحاول، قبل انتشار «كورونا»، تقديم فيلم ناجح يتبع سلسلة أعماله النيرة في هذا المجال، من «باتمان يبدأ» (2005) مروراً بالجزأين الثاني والثالث من «باتمان» (2008 و2012) وصولاً إلى «نجمي» (2014) و«دنكرك» (2017) بفيلم آخر يعكس فيه قدراته على إنجاز أفلام لا تغيب عن البال. لا تعبر المسافة بين الشاشة الكبيرة وموقع المشاهد سريعاً؛ بل تبقى عنده خلال وبعد العرض ولمدة طويلة.
لم يكن يعلم، وقد بدأ تصوير الفيلم في الثاني والعشرين من مايو (أيار) في العام الماضي، أن صالات السينما ستضطر لإغلاق أبوابها في ربيع العام التالي (2020) بسبب وباء طارئ. وحين تم الإعلان عن موعد عرض الفيلم في خريف السنة الماضية لم يكن هناك من يرتاب في أن «تَنِت» لن ينجز المهمة في الموعد المحدد. مع مداهمة الوباء حياتنا تم تأجيل العرض للسابع عشر من هذا الشهر، ثم تم تأجيله، قبل نحو عشرة أيام، إلى التاسع والعشرين منه. والآن يتحدثون عن تأجيل جديد حتى الثاني عشر من الشهر المقبل.
بذلك تحول «تَنِت» من فيلم ينتظره الجميع بسبب نوعية أفلام مخرجه، إلى فيلم مرشح لأن يعيد للسينما حضورها ويحقق النجاح الواسع الذي يطمح إليه جميع المشاركين فيه. بكلمات أخرى، وجد نولان نفسه يحمل فوق كاهله مهمة إنقاذ العروض السينمائية بكاملها، والمسؤول عن استدراج المشاهدين لترك راحة منازلهم والتغلب على الخوف الداخلي والعودة إلى الصالات. وكل ذلك بسبب إن «تَنِت» هو الفيلم الأكثر ترقباً بين أفلام السينما الكبيرة هذه الأيام.
لا يرضى نولان تحقيق أي فيلم، ولا يرضى بالاكتفاء بعرض أفلامه في الصالات المعتادة. هو مخرج السينما ذات النظام الواسع والشاشة العريضة. «تَنِت» هو الفيلم الحادي عشر له؛ لكنه أيضاً الفيلم السادس الذي يصوره بنظام «70mm IMAX» وهذا وحده يخبرنا الكثير.
عاين نولان هذا المشروع منذ سنوات بعيدة. جذوره – كرواية - تعود إلى خمس عشرة سنة مضت، بينما كان ينفذ «باتمان يبدأ». ما هو غريب بالفعل ويدل على تصميم فريد أنه أحاط هذا المشروع بالسرية التامة في كل مراحله.
هذا مخرج طلب من ممثليه (جون ديفيد واشنطن، وروبرت باتنسُن، وإليزابيث دَبيكي، وكنيث براناف) قراءة السيناريو مرة واحدة فقط، وليس في راحة مكاتبهم أو منازلهم. كان عليهم دخول حجرة مغلقة في ستوديو «وورنر» (ممولة المشروع بنحو 205 ملايين دولار) وقراءته كاملاً في جلسة واحدة، ومن دون وجود أحد آخر في الغرفة.
هذه السرية وضعت «وورنر» على المحك. لقد اعتادت - كما سواها من الشركات الكبرى - أن تملأ المسافة الزمنية بين التحضير والتصوير وبين موعد إطلاق الفيلم بالأخبار والدعوات لحضور التصوير، وبالمقابلات المبكرة، وإطلاق الدعايات المتنوعة؛ لكن هذه المرة استجابت للمخرج نولان، وعزفت عن كل هذه المسائل، وحين كان لا بد لها من الإعلان عن هذا المشروع ولو بكلمات محدودة، أعلنت أنه فيلم «ملحمة أكشن مستوحاة من عالم الجاسوسية الدولية». عبارة جميلة؛ لكنها لا تقول شيئاً.
حتى «الترايلرز» المتوفرة على النت لا تقول الكثير: توفر مشاهد متتابعة معظمها مشاهد أكشن وسيارات سريعة وأخرى تنقلب، وطيران في الأجواء؛ لكنها لا تكشف شيئاً عن طبيعة الموضوع.
ما هو معروف على نحو مؤكد هو أن هذا الفيلم يتعامل مع الزمن. لكن في تصريح نادر لكريستوفر نولان قبل سنة تماماً قال إن الفيلم «ليس رحلة في الزمن؛ لكن الأزمنة تعترض الزمن الذي تقع فيه الأحداث».
من الوهلة الأولى لا يفصح ذلك عن شيء محدد؛ لكن فهم الكلمات المختارة يقود إلى أن الفيلم ليس نسخة أخرى من «ماتريكس»، ولا هو رحلة في الزمن على غرار «عربة الزمن» بل هو عن مفهوم الزمن بحد ذاته. مفهوم كان المخرج تعرض إليه أكثر من مرة، آخرها في «نجمي» (Interstellar) ومن قبله في «بداية» (Inception) بل تطرق إليه في «أرق» (Insomnia) سنة 2002 (ثاني فيلم طويل من إخراجه بعد «Memento» سنة 2000.
كل الممثلين في الفيلم يشاركون نولان السرية من ناحية، والطموح لنجاح ساحق حالما يجد الفيلم طريقه للعروض التجارية. المقابلات التي أجراها روبرت باتنسُن وإليزابيث دَبيكي تفادت الحديث عن الفيلم من زاوية شرح ما فيه أو إضافة أي معلومة فعلية عنه.
على سبيل المثال، كل ما ذكره باتنسُن عن لقائه الأول مع المخرج نولان هو «التقيت به في مطلع عام 2019، وجلسنا لثلاث ساعات تحدثنا فيها حول كل شيء ما عدا الفيلم. في نهاية المطاف أفصح نولان عن سبب هذا اللقاء، وكان موجزاً قدر الإمكان».
والممثل واشنطن (الذي تعرفنا عليه في «Blackkklansman» قبل عامين) كرر الحديث نفسه، فقال لمجلة «إنترتينمنت ويكلي» قبل نحو أسبوع: «التقينا وتحدثنا عن كل شيء ما عدا هذا المشروع».
رغم ذلك، وبالبحث المضني، استطاع هذا الناقد تحديد بعض الأسماء المتداولة في الفيلم. كلمة «Tenet» تعني «مبدأ»؛ لكنها في الفيلم اسم المنظمة التي سينضم إليها واشنطن، بطل الفيلم. واسم «بطل» لن يتغير، بمعنى أنه الاسم الذي سيتداوله الفيلم خافياً اسم الشخصية الحقيقي.
كون جون ديفيد واشنطن هو من يؤدي شخصية «البطل»، وكون الفيلم جاسوسياً على نحو كبير، قد يغري منتجي سلسلة «جيمس بوند» بإسناد هذه الشخصية إلى الممثل، والطلب من نولان تحقيق الفيلم البوندي السادس والعشرين.
في كل الأحوال، فإن ما يؤول إليه الوضع هو لعبة انتظار لنتيجة حاسمة على أكثر من وجه: بطل الفيلم سينقذ العالم أو ما تبقى منه. المخرج سينبري لإنقاذ وضع السينما الحالي بجذب الجمهور الكبير إلى الصالات. والجمهور ينتظر مثل هذا الفيلم - الحدث لكي يتحرك بعيداً عن الشاشات الصغيرة التي انشغل بها، ويدخل مجدداً عالم الشاشات الضخمة التي تداهمه بصورها من حيث لا يعلم.


مقالات ذات صلة

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)
سينما بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

يأتي فيلم «سعود وينه؟» بمشاركة طاقم تمثيل قطري بالكامل؛ مما يمزج بين المواهب المحلية وقصة ذات بُعد عالمي.

«الشرق الأوسط» (جدة)

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
TT

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)

نظراً للزخم العالمي الذي يحظى به مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي بجدة، اختارت «استديوهات كتارا»، ومقرها الدوحة، أن تكشف خلاله الستار عن أول فيلم روائي قطري طويل تستعد لإنتاجه، وهو «سعود وينه؟»، وذلك في مؤتمر صحافي ضمن الدورة الرابعة من المهرجان، مبينة أن هذا العمل «يشكل فصلاً جديداً في تاريخ السينما القطرية».

ويأتي هذا الفيلم بمشاركة طاقم تمثيل قطري بالكامل؛ مما يمزج بين المواهب المحلية وقصة ذات بُعد عالمي، كما تدور أحداثه حول خدعة سحرية تخرج عن السيطرة عندما يحاول شقيقان إعادة تنفيذها بعد سنوات من تعلمها من والدهما، وهذا الفيلم من إخراج محمد الإبراهيم، وبطولة كل من: مشعل الدوسري، وعبد العزيز الدوراني، وسعد النعيمي.

قصة مؤسس «صخر»

كما أعلنت «استديوهات كتارا» عن أحدث مشاريعها السينمائية الأخرى، كأول عرض رسمي لأعمالها القادمة، أولها «صخر»، وهو فيلم سيرة ذاتية، يقدم قصة ملهمة عن الشخصية العربية الاستثنائية الراحل الكويتي محمد الشارخ، وهو مبتكر حواسيب «صخر» التي تركت بصمة واضحة في عالم التكنولوجيا، باعتبارها أول أجهزة تتيح استخدام اللغة العربية، وأفصح فريق الفيلم أن هذا العمل ستتم معالجته سينمائياً ليحمل كماً مكثفاً من الدراما والتشويق.

«ساري وأميرة»

والفيلم الثالث هو الروائي الطويل «ساري وأميرة»، وهو عمل فنتازي يتناول الحب والمثابرة، يتم تصويره في صحراء قطر، وتدور أحداثه حول حياة قُطّاع الطرق «ساري وأميرة» أثناء بحثهما عن كنز أسطوري في وادي «سخيمة» الخيالي، في رحلة محفوفة بالمخاطر، حيث يواجهان الوحوش الخرافية ويتعاملان مع علاقتهما المعقدة، وهو فيلم من بطولة: العراقي أليكس علوم، والبحرينية حلا ترك، والنجم السعودي عبد المحسن النمر.

رحلة إنسانية

يضاف لذلك، الفيلم الوثائقي «Anne Everlasting» الذي يستكشف عمق الروابط الإنسانية، ويقدم رؤى حول التجارب البشرية المشتركة؛ إذ تدور قصته حول المسنّة آن لوريمور التي تقرر مع بلوغها عامها الـ89، أن تتسلق جبل كليمنجارو وتستعيد لقبها كأكبر شخص يتسلق الجبل، ويروي هذا الفيلم الوثائقي رحلة صمودها والتحديات التي واجهتها في حياتها.

وخلال المؤتمر الصحافي، أكد حسين فخري الرئيس التنفيذي التجاري والمنتج التنفيذي بـ«استديوهات كتارا»، الالتزام بتقديم محتوى ذي تأثير عالمي، قائلاً: «ملتزمون بتحفيز الإبداع العربي وتعزيز الروابط الثقافية بين الشعوب، هذه المشاريع هي خطوة مهمة نحو تقديم قصص تنبض بالحياة وتصل إلى جمهور عالمي، ونحن فخورون بعرض أعمالنا لأول مرة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي؛ مما يعكس رؤيتنا في تشكيل مستقبل المحتوى العربي في المنطقة».