سنوات السينما: Tree of Life (2011)

جسيكا شستين في «شجرة الحياة»
جسيكا شستين في «شجرة الحياة»
TT

سنوات السينما: Tree of Life (2011)

جسيكا شستين في «شجرة الحياة»
جسيكا شستين في «شجرة الحياة»

Tree of Life (2011)
(ممتاز)
جمال كل شيء

عكست أفلام المخرج ترنس مالك رؤيته الفلسفية حول الحياة والعالم والروحانيات التي تربطه بالكون وخالقه، وتوحي له بسبر غور الطبيعة في شتى أشكالها. الشجر والأمطار والأنهار والسهوب والوديان والجبال والسماء، هي عناصر بصرية بديعة يلتقطها المخرج فيما يسرد، في الوقت ذاته، حكاية في صَدفة تتبدى، في بعض أفلامه، كما لو كانت مجرد أسطر موجزة فوق صفحات سيناريو بيضاء.
«شجرة الحياة» هو النموذج لهذا التوجه الروحاني؛ حيث لا تشكل القصة ولا شخصياتها سوى الجزء المكمل للفضاء الشاسع من حولها. في هذا الفيلم، وضمن رغبته عرض الحياة كما بدأت وكما هي اليوم، ينفصل عن الحكاية ذاتها لأكثر من أربعين دقيقة (من أصل 139 دقيقة) يجوب خلالها الكون متحدثاً بإيمان واضح عن إبداع الخالق وجمال ذلك الإبداع. يصور الكون البعيد وأعماق البحر معاً. يجوب الأرض والكواكب والأزمنة، ويذهب في كل اتجاه من شأنه تقديم صورة بانورامية للحياة كما نعرفها و- غالباً - كما لا نعرفها.
أصل الفيلم يعود إلى السبعينات، بعدما انتهى مالك من تصوير فيلمه المعروف «أيام الجنة»، وأخذ يفكر في فيلم يستعرض فيه تاريخ الحياة على الأرض. حينها سمى مشروعه «Q».
في استعراضه هذا، عمد مالك هنا إلى جماليات بديعة تناسب إيمانه الروحي. هو في مزيج فلسفي، شعري، جمالي، فني، قبل أن يكون الفيلم دراما عائلية تقع في خمسينات القرن الماضي، وتدور عن الأب الصارم في تأسيس عائلته، وكيف حفر ذلك أخدوداً في العلاقة بينه وبين أكبر أبنائه جاك (هنتر مكراكدن)، كاد أن يطيح بذلك الابن إلى هاوية الجريمة.
لا ينشغل المخرج كثيراً في العلم أو في التوثيق، ولا يبحث في النظريات؛ بل يوفرها كتمهيد روحاني لموضوع له علاقة وثيقة بالمؤسسة الدينية على الأرض. لب الموضوع هو كم يؤدي التشدد إلى نقيضه في الحياة. يدفع الأبناء إلى كره كل ما يمثله الأب من مواقف عوض أن يستمدها منه كما هي. الابن (يؤديه كبيراً شون بن) هو حالة مكبوتة أمام والده (براد بت)، ومنفلتة حين يغيب الأب في رحلة عمل تاركاً زوجته (جسيكا شستين) وابنه في انتظار طويل. تزيد هذه الازدواجية من الصراع في داخل الابن وتجعله - كما يقترح الفيلم في أحد مشاهده - على قاب قوسين من التخلص من أبيه بقتله حين يعود.
تنجلى لعبة الذكريات عن محاولة الخروج من الزمن الحالي وحياة المدينة صوب زمن (في الخمسينات) كانت الحياة فيه تتمتع بحرية أكبر. حرية تشبه حرية مئات طيور السنونو وهي تطير مشكِّلة حركة منسابة بارعة، كما في أحد المشاهد التي تدعم حب المخرج للتعامل مع الرمزيات بشاعرية.
الكاميرا هي عين مشتركة للمخرج ولجاك (بن) وللمشاهد، كما لو كانت تحلم بأن تحقق حلم الإنسان نفسه بالانطلاق بلا قيود؛ لكن حركة الانسياب الشكلي مهمة للغاية. مالك ومدير تصويره إيمانويل لوبيزكي ينجذبان صوب كل شكل فيه انسياب (خصوصاً وعلى نحو متكرر ذلك المشهد لأعشاب بحرية تتماوج كما لو كانت تؤدي رقصة ما). وهو - أي المخرج - مستعد لأن يقطع مشهداً تعتقد أنه سيستمر لأنه مهم، ويدلف إلى ما هو أهم، بمشهد يختلف عنه. وكم من مرة تتابع الكاميرا شخصية من شخصياتها وهي تتحرك وتتكلم، وتعتقد أنها ستواصل مصاحبتها لها، فإذا بها تتركها وتنحرف لالتقاط ما هو جانبي، وتحويله إلى ما هو أساسي.
بذلك يعامل مالك القصـة، لا معاملة من يريد سردها كحكاية؛ بل هي تتوالى كما لو كانت الحواشي، أما الأسس فهي الملاحظات البيئية والاجتماعية والسلوكية التي تنبت هذه الحكاية فيها.


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
TT

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)

نظراً للزخم العالمي الذي يحظى به مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي بجدة، اختارت «استديوهات كتارا»، ومقرها الدوحة، أن تكشف خلاله الستار عن أول فيلم روائي قطري طويل تستعد لإنتاجه، وهو «سعود وينه؟»، وذلك في مؤتمر صحافي ضمن الدورة الرابعة من المهرجان، مبينة أن هذا العمل «يشكل فصلاً جديداً في تاريخ السينما القطرية».

ويأتي هذا الفيلم بمشاركة طاقم تمثيل قطري بالكامل؛ مما يمزج بين المواهب المحلية وقصة ذات بُعد عالمي، كما تدور أحداثه حول خدعة سحرية تخرج عن السيطرة عندما يحاول شقيقان إعادة تنفيذها بعد سنوات من تعلمها من والدهما، وهذا الفيلم من إخراج محمد الإبراهيم، وبطولة كل من: مشعل الدوسري، وعبد العزيز الدوراني، وسعد النعيمي.

قصة مؤسس «صخر»

كما أعلنت «استديوهات كتارا» عن أحدث مشاريعها السينمائية الأخرى، كأول عرض رسمي لأعمالها القادمة، أولها «صخر»، وهو فيلم سيرة ذاتية، يقدم قصة ملهمة عن الشخصية العربية الاستثنائية الراحل الكويتي محمد الشارخ، وهو مبتكر حواسيب «صخر» التي تركت بصمة واضحة في عالم التكنولوجيا، باعتبارها أول أجهزة تتيح استخدام اللغة العربية، وأفصح فريق الفيلم أن هذا العمل ستتم معالجته سينمائياً ليحمل كماً مكثفاً من الدراما والتشويق.

«ساري وأميرة»

والفيلم الثالث هو الروائي الطويل «ساري وأميرة»، وهو عمل فنتازي يتناول الحب والمثابرة، يتم تصويره في صحراء قطر، وتدور أحداثه حول حياة قُطّاع الطرق «ساري وأميرة» أثناء بحثهما عن كنز أسطوري في وادي «سخيمة» الخيالي، في رحلة محفوفة بالمخاطر، حيث يواجهان الوحوش الخرافية ويتعاملان مع علاقتهما المعقدة، وهو فيلم من بطولة: العراقي أليكس علوم، والبحرينية حلا ترك، والنجم السعودي عبد المحسن النمر.

رحلة إنسانية

يضاف لذلك، الفيلم الوثائقي «Anne Everlasting» الذي يستكشف عمق الروابط الإنسانية، ويقدم رؤى حول التجارب البشرية المشتركة؛ إذ تدور قصته حول المسنّة آن لوريمور التي تقرر مع بلوغها عامها الـ89، أن تتسلق جبل كليمنجارو وتستعيد لقبها كأكبر شخص يتسلق الجبل، ويروي هذا الفيلم الوثائقي رحلة صمودها والتحديات التي واجهتها في حياتها.

وخلال المؤتمر الصحافي، أكد حسين فخري الرئيس التنفيذي التجاري والمنتج التنفيذي بـ«استديوهات كتارا»، الالتزام بتقديم محتوى ذي تأثير عالمي، قائلاً: «ملتزمون بتحفيز الإبداع العربي وتعزيز الروابط الثقافية بين الشعوب، هذه المشاريع هي خطوة مهمة نحو تقديم قصص تنبض بالحياة وتصل إلى جمهور عالمي، ونحن فخورون بعرض أعمالنا لأول مرة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي؛ مما يعكس رؤيتنا في تشكيل مستقبل المحتوى العربي في المنطقة».