ثقافة العنف وعدالة الحرب

فولتير
فولتير
TT

ثقافة العنف وعدالة الحرب

فولتير
فولتير

لن يختلف أي قارئ لروائع الأدبيات العالمية عن ملاحظة تواتر سلوك العنف ومفاهيمه وأشكاله المختلفة، باعتباره أحد أهم معطيات أي عمل أدبي، إضافة إلى جوانب أخرى، منها المال والعاطفة والسياسة، التي تعبر من محركات السلوك البشري بصفة عامة. ألم تزخر روائع شكسبير بكل أنواع العنف وأشكاله المختلفة؟! فمظاهر العنف التي نقترفها أو تُقترف ضدنا تذكرنا بمقولات لماكبث مثل «إن خنجري الحثيث لا يرى الطعنة»، ومع ذلك نجد التيار الغالب من الأدباء والفلاسفة والساسة يستهجنون هذه الثقافة الإنسانية، ألم يقل مارتن لوثر كينج: «إن العنف هو أقصى درجات الضعف، وإن الرد عليه بعنف إنما يضاعف العنف»، بينما قال غاندي الحكيم: «العين بالعين سيجعل العالم ضريراً»، فيما أكد آخر: «إن العنف هو الملاذ الأخير للضعفاء»؟! ومع ذلك فالعنف يظل سلوكاً بشرياً يلازمنا ولا يزال ينتشر في سلوكياتنا المختلفة.
كل هذا يدفعنا للتأكيد على الاعتقاد بوجود ما يمكن أن نسميه «ثقافة العنف»، فهي ظاهرة إنسانية وردت مع بدء الخليقة وفقاً للكتب السماوية المقدسة، وأكدتها العلوم الإنسانية، فالعلماء النفسيون صنفوا العنف بدءاً من «العنف النفسي» الذي يمارس بلا استخدام لوسائل قسرية، صعوداً إلى العنف السلوكي من الفرد إلى الجماعة إلى الدولة، والذي نطلق عليه «الحرب». فوفقاً لمفهوم «مستوى التحليل» في العلوم الاجتماعية، خاصة علم السياسة، فإن العنف متدرج الطابع، وفقاً لمستوى من يقترفه، كما أنه مصنف لأنواع من العنف سواء باستخدام الضرب إلى استخدام السلاح بأنواعه إلى القتل، فإذا ما استبعدنا الأسباب المرتبطة بالعلة النفسية لمقترفه، فإن فلسفة استخدام العنف تكاد تكون متطابقة على كل المستويات، فالفرد أو الدولة يستخدمان العنف لأسباب عدة، سواء في إدارة العلاقات الفردية أو الجماعية، بغرض إذعان الخصم لإرادتنا في أمور ما كان ليفعلها لولا ذلك، وفقاً للتعبير المستخدم في العلوم الاجتماعية.
ومع ذلك، فالشعار العام هو أن العنف مرفوض بكل أشكاله، ولكن يبدو أنه كلما صعد مستوى مُقترفه، كلما قلّ الرفض العام له، فالعنف على المستوى الفردي مرفوض، بل مُجرم، إلا في حالة الدفاع عن النفس، وفقاً للتشريعات الداخلية في كل الدول، ويكون استخدام الدولة له مقصوراً على ضوابط محددة، ولكن هذا يبدو أنه يتغير بنسب متفاوتة، خاصة عندما تلجأ الدولة لاستخدامه أو للاستعداد للحرب، وهنا فإن المعايير الثقافية والأخلاقية والسياسية والقانونية تكون لها الأولوية، خاصة إذا ما بدأت الدولة الاستعداد للعنف أو اللجوء إليه، حماية لشعوبها ومصالحها، وعند هذا الحد تتحول من «ثقافة عنف» إلى عدالة الحرب، ولا سيما مع عدم وجود سلطة مركزية عالمية لحماية الدولة، لأننا نعيش في عالم يسيطر عليه مفهوم «المساعدة الذاتية».
هذا يُدخلنا إلى مخزون ثقافي وسياسي واسع لمفهوم «الحرب العادلة»، الذي تطرق له «أغسطين» في القرن الخامس وطوّره «توما الأكويني» في رائعته الفكرية الدينية «Summa Theologicae» في القرن الثالث عشر، والذي بمقتضاه حاول أن يضع ضوابط لثقافة عدالة الحرب وشروطها وأشكالها، مروراً بالسلوكيات المطلوبة لإدارتها. ولا خلاف أنه تأثر كثيراً بفكر كثير من الفلاسفة الإسلاميين، لأن حقيقة الأمر أن لنا في هذا الأمر جذوراً أكثر مما للغرب ذاته، فالتقدير أن أساس القانون الدولي الإنساني بمشتقاته المعروفة باتفاقيات جنيف الأربع وغيرها إنما ترجع جذورها الحقيقية في التاريخ الإسلامي، من خلال وصايا الرسول - عليه الصلاة والسلام - لسلوكيات الحرب وما تبعها من تطوير.
لقد تطورت ثقافة الحرب العادلة إلى أن باتت عرفاً دولياً، فالدولة المقبلة على حرب عادلة تحتاج إلى معايير محددة، منها وجود هدف عادل وليس في التقدير أهم من عدالة الحق في الحياة والأمن أمام التهديدات الخطيرة، كذلك أن تكون الملاذ الأخير للدولة، فضلاً عن امتلاك النوايا الصحيحة والعادلة والإعلان عنها، وأن تكون الوسائل العسكرية متناسبة مع الهدف حتى لا يتم إلحاق أضرار غير ضرورية بالخصم، وقد تبع ذلك عدد من القواعد الخاصة بالسلوك العادل لاستخدام القوة، ولكن لا توجد أطر أخلاقية حاسمة جامعة تنهي الاختلافات بالنسبة للتطبيقات والتفسيرات لهذه المعايير.
يتذكر المرء ما تقدم، ومعها سخرية «فولتير» من كل ما سبق بجملته الشهيرة: «إن القتل مُحرم، وكل القتلة تجب معاقبتهم إلا إذا قتلوا أعداداً كبيرة أثناء عزف الأنفار لهم» (يقصد الحرب)، وتبعه ماكس ستاينر بمقولته: «تسمي الدولة عنفها قانوناً، ولكن عنف الفرد جريمة». لكن أمام خطورة التحديات الفجة والكوارث المتوقعة التي تواجهنا فإن المرء لا تسعه إلا السخرية من انطباق هذه المقولات علينا، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار أن السخرية الكبرى ستكون من نصيبنا بعد حقب ممتدة، ونحن نورث أبناءنا أمانة وتركة ثقافية وسياسية واقتصادية مهلهلة برتوش أعدائنا، متسترين بشعار الأخلاق الحميدة، لأننا لم نتحرك لحمايتها أمام المخاطر والتهديدات والكوارث التي تستهلكنا وتغيّر من هويتنا.
رحم الله الفيلسوف الروماني العظيم، بابليوس ريناتوس، الذي قال: «إن أردت السلام فاستعد للحرب»!



مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)

تحت عنوان «النقد الفلسفي» انطلقت صباح اليوم، فعاليات مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة بدورته الرابعة، الذي يقام بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر بيت الفلسفة بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة، هو أول مؤتمر من نوعه في العالم العربي ويشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً من تعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة مثل الفلسفة والأدب والعلوم.

ويتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطور الفكر المعاصر.

الدكتور عبد الله الغذامي (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويسعى المتحدثون من خلال هذا الحدث إلى تقديم رؤى نقدية بناءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي ومفاهيم مثل «نقد النقد» وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

وتسعى دورة المؤتمر لهذا العام لأن تصبح منصة غنية للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش، حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

ويأتي المؤتمر في ظل الاحتفال بـ«اليوم العالمي للفلسفة» الذي يصادف الخميس 21 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، والذي أعلن من قبل «اليونيسكو»، ويحتفل به كل ثالث يوم خميس من شهر نوفمبر، وتم الاحتفال به لأول مرة في 21 نوفمبر 2002.

أجندة المؤتمر

وعلى مدى ثلاثة أيام، تضم أجندة مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة؛ عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتتح اليوم بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد بيت الفلسفة، وكلمة لأمين عام الاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتتضمن أجندة اليوم الأول 4 جلسات: ضمت «الجلسة الأولى» محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

كما ضمت الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أمّا الجلسة الثالثة، فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما تضم الجلسة الرابعة، محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، ويرأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما تضم أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

الدكتور أحمد البرقاوي عميد بيت الفلسفة (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويتكون برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر 2024) من ثلاث جلسات، تضم الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، ويرأس الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وتضم الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، ويرأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وتضم الجلسة الثالثة، محاضرة الدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم إي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

ويتكون برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تتناول الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي على طلاب الصف الخامس» تشارك فيها شيخة الشرقي، وداليا التونسي، والدكتور عماد الزهراني.

وتشهد الجلسة الثانية، اجتماع حلقة الفجيرة الفلسفية ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.