مصراتة... من معقل للمتشددين إلى منصة لنفوذ الأتراك

وزير الدفاع التركي خلوصي أكار في زيارة لطرابلس مؤخراً (أ.ف.ب)
وزير الدفاع التركي خلوصي أكار في زيارة لطرابلس مؤخراً (أ.ف.ب)
TT

مصراتة... من معقل للمتشددين إلى منصة لنفوذ الأتراك

وزير الدفاع التركي خلوصي أكار في زيارة لطرابلس مؤخراً (أ.ف.ب)
وزير الدفاع التركي خلوصي أكار في زيارة لطرابلس مؤخراً (أ.ف.ب)

يتوقع كثير من السياسيين والمراقبين أن يتزايد احتكار مدينة مصراتة لـ«صناعة القرار» بين مدن الغرب الليبي، وذلك على أثر تحولها إلى مركز ثقل للأتراك في ليبيا، مما يعزز نفوها في قادم الأيام. ورأى جبريل أوحيدة عضو مجلس النواب الليبي، أن «المعارك الضارية التي خاضتها ميليشيات مصراتة في البلاد بعد ثورة 17 فبراير (شباط) جعلها منسلخة عن محيطها المحلي، مما عزز محاولة الأتراك التفرد والتمركز بها حالياً».
وأضاف أوحيدة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن المدينة «باتت تخشى من مصيرها المحتوم» نظراً لما وصفه بـ«الجرائم العديدة التي اقترفتها عناصر ميليشياتها بحق أبناء مدن وقبائل عديدة سواء بالغرب أو بالجنوب»، وقال: «هذا أمر يستغله الأتراك بشكل مباشر خاصة مع العزف على أوتار الولاءات والانتماءات التاريخية تأسيساً على وجود عائلات ذات أصول تركية بالمدنية».
ولفت أوحيدة إلى ما يردده بعض سكان مصراتة بأن «تركيا ستعمل على ضمان استمرار فرض زعامة المدينة على باقي المناطق الليبية»، لكنه قال: «لقد قطع هذا التحالف التركي - القطري خط الرجعة على المدينة، لتكون بمثابة حصان طروادة الذي يستغلونه في السيطرة على خيرات ليبيا وانتهاك سيادتها ومصادرة قرارها السياسي والعسكري (...) ولكننا كشعب وجيش منتبهون لهذا المشروع وسنتصدى له وسنجهضه».
في مقابل ذلك، قال رمضان زرموح وزير الجرحى الأسبق في حكومة علي زيدان، إن «الأمر ليس بالصورة التي يتم الترويج لها حول أن مصراتة باتت معقلاً وقاعدة للأتراك في ليبيا، وتركيا تمتلك علاقات منذ فترة طويلة مع مدن ليبية وليس مصراتة فقط»، نافياً الحديث عن «وجود علاقات تربط أنقرة بقيادات (التشكيلات العسكرية) بمصراتة أو دعمها بالسلاح».
ورأى زرموح في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن هذا يندرج ضمن «حرب نفسية ومحاولة تشويه مستمرة تستهدف مدينته»، متابعاً: «عدد سكان مصراتة حوالي 600 ألف، ومع ذلك الجميع يصور وجود وزيرين من أبناء المدينة بالحكومة على أنه هيمنة لمصراتة على العاصمة». وزاد زرموح من نفيه، وقال: «الأتراك يدعموننا وفقاً لمذكرة التفاهم بالخبرة الفنية وليس بالسلاح كما يتردد، وتشكيلاتنا المسلحة أغلبها الآن في ساحة المعركة بالقرب من سرت».
وينسب إلى الميليشيات المسلحة في مصراتة ارتكاب كثير من التجاوزات، بينها الاعتداء على مدينة تاورغاء المجاور عقب إسقاط نظام القذافي عام 2011 وأحرقوا منازلهم وشردوا قرابة 40 ألف مواطن من أهلها.
واتفقت أنقرة مع حكومة «الوفاق» وفق مصدر تركي لـ«رويترز» على إمكانية استخدام تركيا لقاعدتين عسكريتين في ليبيا، الأولي هي قاعدة الوطية الجوية، والثانية قاعدة مصراتة البحرية، وهو الأمر الذي أحدث ردود فعل غاضبة في الأوساط الليبية، وبخاصة شرق وجنوب البلاد.
وبجانب ما ذهب إليه كثير من السياسيين في البلاد من أن مصراتة مرشحة لاحتكار صناعة القرار الذي سيطبق على مناطق غرب البلاد، قال أستاذ القانون الدستوري الليبي محمد الزبيدي، إن «الأتراك يتسللون إلى الدول عبر المناطق التي يشعرون أنها تقوي نفوذهم، وبالتالي كانت مصراتة في مقدمة المدن التي تنتمي لأنقرة، كونها معقلاً لإخوان ليبيا والميليشيات المسلحة، مما سهل على تركيا التغلغل هناك واتخاذ المدينة كمنصة للتمكن من باقي المناطق الليبية، ثم التفكير في الاستيلاء والتمركز بقاعدتها البحرية».
وأرجع الزبيدي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «استخدام الثقل العسكري للمدينة ساهم في قلب الموازين السياسية والعسكرية بالبلاد، مما جعل مصراتة تُوصف في الفترة الأخيرة بأنها صانعة الوزراء والمسؤولين، وذلك بجانب كونها تضم أغلب العناصر الإرهابية المنتمية لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، بالإضافة إلى (أنصار الشريعة) و(الجماعة الليبية المقاتلة)، وجمعيهم ممن فروا تحت ضربات (الجيش الوطني) أثناء معارك شرق ليبيا قبل عام 2017».
ونوه إلى أن كل من نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي أحمد معيتيق، ووزير داخلية «الوفاق» فتحي باشاغا، ورئيس المصرف المركزي الصديق الكبير، وكذلك رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله، يتحدرون من مصراتة، بالإضافة إلى أغلب قيادات التشكيلات العسكرية مثل آمر غرفة عمليات سرت الجفرة إبراهيم بيت المال، وغيره.
ولفت الزبيدي إلى أن «التنسيق المبكر في السنوات الأولى لثورة فبراير ما بين تركيا وتلك الشخصيات والقيادات العسكرية بمصراتة هو ما سهّل بدرجة كبيرة المهمة التركية الراهنة بالتغول في أراضينا لسرقة ثرواتنا النفطية»، متابعاً: «الجميع يشهد اليوم مسلسل تصعيد ميليشيات مصراتة على باقي المجموعات المسلحة الموجودة بالغرب الليبي وخاصة ميليشيات طرابلس، فضلاً عن دعمهم بالعتاد، كل شحنات السلاح الحديث التي تصل من تركيا إلى ليبيا تصب أولاً في مصراتة».



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.