هيئة الانتخابات التونسية تواجه أزمة في الحكم المحلي

استقالات جماعية لأعضاء المجالس البلدية بسبب الصراعات السياسية

وقفة احتجاجية في تونس ضد العنف السياسي (إ.ب.أ)
وقفة احتجاجية في تونس ضد العنف السياسي (إ.ب.أ)
TT

هيئة الانتخابات التونسية تواجه أزمة في الحكم المحلي

وقفة احتجاجية في تونس ضد العنف السياسي (إ.ب.أ)
وقفة احتجاجية في تونس ضد العنف السياسي (إ.ب.أ)

كشفت الانتخابات البلدية الجزئية التي جرت أمس في بلديتي حاسي الفريد (القصرين) وجبنيانة (صفاقس)، عن نسبة إقبال ضعيفة لم تتجاوز خلال الساعات الأولى من الاقتراع حدود 3 في المائة من قائمة الناخبين المسجلين، لكنها كشفت في الوقت ذاته عن صعوبات تواجه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في مواجهة موجات الاستقالة الجماعية الصادرة عن أعضاء المجالس البلدية، نتيجة صراعات سياسية وآيديولوجية بين مختلف مكونات تلك المجالس التي غالباً ما تعكس المشكلات السياسية المسيطرة على المشهد في تونس.
ومن المنتظر خلال الشهرين المقبلين إجراء 9 انتخابات بلدية جزئية، وهي بلديات تابعة لولايات القصرين والكاف ونابل والمنستير القيروان وصفاقس، ليرتفع عدد البلديات التي تم حلها رسمياً بعد الاستقالات الجماعية إلى 20 بلدية؛ 10 بلديات أعيدت فيها الانتخابات و9 بلديات انتخاباتها بصدد الإنجاز، وهو ما انعكس على أداء هيئة الانتخابات التي لم تخصص اعتمادات مادية وبشرية لمثل هذه المحطات الانتخابية.
وفي هذا الشأن، كشف عادل البرينصي نائب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لـ«الشرق الأوسط»، عن تعقد مهمة الهيئة نتيجة كثرة الانتخابات البلدية الجزئية، وتعددها وجوانبها الفجائية، لأنها ليست محددة بتاريخ ثابت مثل بقية المحطات الانتخابية. واعتبر أنها أرهقت أعضاء هيئة الانتخابات المجبرين على إجرائها حتى لا تعرف الديمقراطية المحلية حالة فراغ على مستوى التسيير. وقال أيضاً إن الهيئة لا تعتمد على ميزانية خاصة للانتخابات البلدية الجزئية، بل تجتهد في تمويلها من مواردها الذاتية. كما اضطرت خلال الفترة الماضية لتمديد عقود عمل من تعاقدت معهم خلال الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت السنة الماضية بغية استكمال هذه الانتخابات التي باتت مرهقة للغاية، على حد تعبيره.
وكشف البرينصي عن اعتزام هيئة الانتخابات تنظيم مؤتمر مهم سيخصص لتقييم عمل الهيئة خلال الأشهر الماضية، ومن المنتظر أن تطالب بعدد من التعديلات والتنقيحات، سواء على مستوى مهامها وتدخلاته المتعددة على مستوى الحكم المحلي، أو كذلك على مستوى الميزانية المخصصة لها، التي لا تتضمن بند مصاريف خاصاً بالانتخابات البلدية الجزئية التي تكاثرت وتجاوزت طاقة هيئة الانتخابات.
على سبيل المثال، بالنسبة للانتخابات البلدية بمنطقة حاسي الفريد من ولاية القصرين في وسط غربي تونس، فقد تمت تعبئة 180 شخصاً موزعين بين أعضاء مكاتب اقتراع ورؤساء مراكز ومكاتب اقتراع، للإشراف على العملية الانتخابية، التي ستتم في 22 مركز اقتراع و30 مكتب اقتراع، منها 12 مركزاً استثنائياً سيتم فتحها من الساعة العاشرة صباحاً، وغلقها في حدود الساعة الرابعة بعد الظهر. وتتنافس على مقاعد بلدية حاسي الفريد 12 قائمة انتخابية، ونتيجة الصورة السلبية للأحزاب السياسية لدى عموم التونسيين، فإن الأنشطة الدعائية للحملة كانت محدودة، ولم تتجاوز 40 نشاطاً، تراوحت جلها بين الاجتماعات والاتصال المباشر بالناخبين. وتأتي هذه الانتخابات بعد تقدم 10 أعضاء من إجمالي 18 عضواً في المجلس البلدي باستقالة جماعية لوالي الجهة، مما نتج عنه حل المجلس بعد انقضاء 15 يوماً من تاريخ تقديم الاستقالة.
كانت الانتخابات البلدية التي أجريت في 2018 قد أفرزت فوز حركة «النهضة» بـ6 مقاعد، و«نداء تونس» (ليبرالي) بـ4 مقاعد، فيما فازت ثلاث قوائم مستقلة بـ8 مقاعد.
ومنذ إجراء أول انتخابات بلدية في 6 مايو (أيار) 2018 بعد ثورة 2011، ستجري هيئة الانتخابات 20 عملية انتخابية بلدية جزئية، وقد أحصت الهيئة استقالة 620 مستشاراً بلدياً خلال عامين، وهي نسبة قدرها نائب رئيس الهيئة الانتخابية بنحو 9 في المائة، واعتبرها كبيرة، علماً بأن فترة النيابة البلدية ستمتد ثلاث سنوات أخرى، وذلك في ظل مؤشرات سياسية تشير إلى أن العدد سيرتفع أكثر فيما تبقى من المدة النيابية. كما أن هناك ولاة (كبار المسؤولين الحكوميين على مستوى الجهات) قد تلقوا إعلامات بالاستقالات، ولكن إحالتها على الهيئة يكون بعد 15 يوماً من قبولها، وفق ما ينص على ذلك القانون الانتخابي.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.