تحول جيل الألفية في تركيا والمعروف باسم «جيل z» لظاهرة يحاصرها الاهتمام بعد صدور قرار بتغيير موعد امتحانات القبول الجامعية من أواخر يوليو (تموز) لشهر يونيو (حزيران)، وسط تفسيرات لهذا القرار بوصفه «تحايلا» من الحكومة الحالية لإرغام هؤلاء الشباب على الذهاب لتقضية الصيف، وإنقاذ السياحة، دون اعتبار لتفشي فيروس «كورونا».
وهذا الجيل في تركيا يُشير إلى هؤلاء الشباب الذين ولدوا في مطلع الألفية الجديدة، ممن تعرفوا على بلادهم من خلال الحزب الحاكم في البلاد، والرئيس رجب طيب إردوغان. ينتمي هذا الجيل للعالم الديجيتال ممن يقضي وقتا أطول على وسائل التواصل الاجتماعي، بحسب تقرير لقناة دويتشه فيله الألمانية.
وقال عدد من طلاب هذا الجيل إن قرار تأجيل الامتحان، الذي يؤديه كُل طالب سنوياً، هو محاولة لإرغامهم على قضاء الإجازة لإنقاذ موسم السياحة، بينما تنفي الحكومة التركية هذه الاتهامات.
من بين هؤلاء أسلي البالغ من العمر 19 عاماً من أنقرة الذي يعتبر تقديم موعد الامتحان «مسألة مُريبة»، مؤكداً أن يتم إعطاء الاقتصاد وصناعة السياحة الأولوية على صحتنا أمر «فظيع».
بينما قال فاتح، وهو أيضاً طالب من أنقرة: «نحن في وضع لا نعرف فيه من نثق بعد الآن». يقول فاتح إنه لم يكن من الواضح ما إذا كان الاختبار سيعاد جدولته حقاً أم لا، مضيفاً، «هذه تركيا، أي شيء يمكن أن يحدث».
ويظهر غضب هذا الجيل تجاه سياسات الحكومة الحالية في مظاهر متعددة أبرزها الأسبوع الماضي حين صدم شبان أتراك الرئيس رجب طيب إردوغان عندما قالوا له، خلال لقاء مباشر عبر الفيديو، إنهم لن يصوتوا في الانتخابات المقبلة.
وكتب الآلاف تعليقاتٍ انتقادية وساخرة أثناء ظهور إردوغان. كما انتشر هاشتاق «OyMoyYok» (لن تحصل على صوتي). ثم انتقل الشباب إلى المنصة التالية – تويتر، حيث انتشرت انتقاداتهم والهاشتاقات مثلما تنتشر حرائق الغابات، وفق التقرير.
وفوجئ المنظمون بانهمار التعليقات الغاضبة التي وصلت إلى 342 ألف تعليق، يتوعد فيها الشباب إردوغان بالفشل في الانتخابات المقبلة، قبل أن ينتبه القائمون على البث، ويغلقون خاصية «التعليق».
منذ هذه الحملة الثورية، أصبح ما يسمى بالجيل Z موضوع بحث. إنها الفئة العمرية التي وُلدت بين عامي 1995 و2010، وهو جيل يُقدّر أنه يضُم ما يقرب من 13 مليون شاب. ويمكنهم لعب دورٍ حاسمٍ في الانتخابات المقبلة. وسيتمكّن العديد منهم قريبًا من التصويت لأول مرة وفي نفس الوقت يُمثّلون إمكانية الصوت التي يصعب فهمها.
وقامت دراسة واسعة النطاق أجراها معهد Gezici Araştir Merkezi بتسليط الضوء على الجيل Z في اثني عشر مقاطعة تركية - وكان الهدف من الدراسة في المقام الأول هو تقديم رؤى حول معتقداتهم الدينية ونظرتهم للعالم وخياراتهم المفضلة.
ويتوقع رئيس المعهد مراد جيزيتشي بأن «هذا الجيل سيكون اللاعب الرئيسي في الانتخابات البرلمانية المقبلة في عام 2023». إذْ سوف يُشكّل الشباب 12 في المائة من إجمالي الأصوات وسيطرحون قضاياهم في الانتخابات المتمحورة بشكلٍ أساسي حول «العدالة» و«الدخل».
ويصف الباحث جيزيتشي هؤلاء الشباب بأنهم «أكثر صداقة للبيئة ورأفة وحساسية وانعكاسية» من الأجيال الأكبر سنًا. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت الدراسة أن 55 في المائة من جيل الألفية لديهم تأثير على سلوك تصويت والديهم. وليس العكس: «87.5 في المائة من المراهقين الذين شملهم الاستطلاع ذكروا أن والديهم لا يمكنهم التأثير على تفضيلاتهم»، ويقول رئيس المعهد: «يبدو أنهم لا يفكرون كثيرًا في القيم التقليدية».
عدم رضا
فيما يتعلق بالأزمة الاقتصادية، لا يُتوقع أن يتحمس الشباب الأتراك لحزب إردوغان - فبطالة الشباب في الفئة العمرية من 15 إلى 24 عامًا بلغت حوالي 25 في المائة منذ شهور وفقًا لمكتب الإحصاء التركي (TÜIK). لذلك ينتقل العديد من الشباب الأتراك المؤهلين إلى دول أوروبية أخرى – وهي هجرة المواهب التي يُمكن أن يكون لها تأثير سلبي طويل المدى على سوق العمل التركي.
وتنتشر مشاعر الإحباط والتشاؤم بين هؤلاء الشباب تجاه مستقبلهم بعد الدراسة الجامعية، ويقول باريس أولغين، الذي تخرج هذا العام من جامعة سابنسي في إسطنبول إن الأحزاب السياسية في البلاد لا تمثله، ولن يعطي صوته لأي منها، موضحاً أنه «متشائم» بشأن مستقبل بلاده؛ وهو ما سيضطره للسفر للخارج رغم ارتباطه ببلده.
كما تشكو الطالبة سيمجي كورالتان، البالغة من العمر 17 عامًا، من الريبة التي تسود بلدها. «لا يمكنك التنبؤ بما سيحدث في العامين المقبلين هنا». وبفضل تعليمها المدرسي لديها فرص في الخارج، لكنها في الواقع ستغادر بلدها دون رغبة.
وبحسب آخر استطلاع أصدره المكتب الإحصاء الحكومي، بلغت نسبة البطالة بين الشباب ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً في البلاد لنحو 25 في المائة منذ شهور، وأوضح أن هذا السبب دفع العديد من الشباب الأتراك المؤهلين لمغادرة البلاد إلى أوروبا، وهو ما ستكون عواقبه وخيمة على سوق العمل بتركيا.
سياسة للمسنين فقط؟
وبحسب الصحفي والأكاديمي كان إرتونا، لا يُمكن الوصول إلى هؤلاء الشباب «بالطريقة القديمة». نظرًا لأن جيل Z يتنقّل بشكلٍ أساسي في الشبكات الاجتماعية، توجد حاجة إلى لغة جديدة تمامًا. «نحن نتحدث عن الشباب الذين يستخدمون YouTube كمحرك بحث ويتابعون الأخبار على Instagram». بالإضافة إلى ذلك، يحتاج المرء بشكلٍ عاجل إلى تقديم المزيد من الحلول لمشاكلهم الخاصة بفئتهم العمرية، كما يقول إرتونا.
تنتقد العالمة السياسية نزية أونور كورو الحكومة لأن حزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ وحزب الحركة القومية المتطرفة MHP يُخاطبان في المقام الأول كبار السن والمحافظين وسكان الريف. وهم بعيدون جدًا عن نمط حياة الشباب. «كانت موجة الغضب المحيطة بمراجعة الحسابات المركزية نقطة تحول. تمامًا مثل الانتخابات البرلمانية المقبلة في عام 2023 التي ستكون نقطة تحول إذا قام ناخبو الجيل Z بتخطي الموازين».