«المعدة هي بيت الداء» عبارة طبية قالها أبقراط منذ ألفي عام وهي ما زالت صحيحة في القرن الحادي والعشرين. فهناك توازن دقيق يجب المحافظة عليه بين أنواع البكتيريا المفيدة للجسم التي تنتشر في المعدة والجهاز الهضمي، ويعتمد عليها الإنسان في صحته ومعدلات نشاطه. واختيار الأنظمة الغذائية الملائمة التي تعزز من نمو هذه البكتيريا يقي الجسم من العديد من الأمراض ويمنع الخمول ويحافظ على اللياقة.
البكتيريا المفيدة اسمها «مايكروبيوتا» وهي متعددة الأنواع ويصل عددها إلى 40 تريليون بكتيريا، في الإنسان الفرد، أغلبها يعيش في الأمعاء. وهناك بالطبع أنواع ضارة تنمو في حالات اختلال التوازن أو سوء التغذية وتؤدي إلى العديد من الأمراض. ويعتمد توازن بكتيريا الجهاز الهضمي على الطعام الذي يتناوله الإنسان.
وإضافة إلى تنوع الطعام المفيد لبكتيريا الأمعاء تنصح هيئة الصحة البريطانية بمراعاة الكميات لأن الإسراف في تناول الطعام، بكافة أنواعه، يؤدي إلى التخمة والأضرار الصحية المستقبلية.
والنصيحة العامة هي ضرورة تناول المزيد من الألياف وبحجم لا يقل عن 30 غراما يوميا. وتأتي الألياف من عدة أنواع من الأطعمة مثل الخبز والأرز الأسمر والفواكه والخضراوات والبقول والحبوب الكاملة. ومع الألياف يحتاج الإنسان أيضا إلى شرب المزيد من المياه التي تمتصها الألياف مثل الإسفنجة. وبوجه عام يحتاج الإنسان إلى شرب كوب من الماء مع كل وجبة مع تجنب المشروبات التي تحتوي على الكافيين لأنها تسبب عسر الهضم.
لا بد أيضا من الحد من الدهون وتجنب الأكلات المقلية مثل البطاطس والبرغر لأنها أصعب في الهضم، وتزيد من الوزن، وتضر بتوازن البكتيريا المفيدة في المعدة والأمعاء. والبديل هو تناول اللحوم الخفيفة مثل الدجاج والأسماك وتناول الحليب منزوع الدسم وشوي اللحوم بدلا من قليها.
وتختلف درجة احتمال التوابل بين شخص وآخر والأفضل تجنب الشطة والتوابل والثوم والبصل لمن يعاني من حساسية منها خصوصا أنها غير مفيدة بالمرة لبكتيريا المعدة.
هناك أيضا بعض الأطعمة الحامضية التي تثير متاعب في الهضم ويجب عدم الإسراف في تناولها مثل الطماطم والليمون والبرتقال وبعض صلصات السلطة والمشروبات الغازية.
ويجب مراعاة حساسيات المعدة التي تكون أحيانا مضادة لسكر الحليب (لاكتوز) وهي تثار من تناول الحليب والكريم والجبن وأحيانا الشيكولاته، ويجب الامتناع عنها أو الحد منها جميعا.
وإلى جانب الأطعمة يجب أيضا مراعاة المشروبات التي تزيد من حموضة المعدة مثل القهوة والشاي والكولا وبعض المشروبات الغازية. والأفضل الاكتفاء بالماء والشاي الأخضر. وإن كان من الضروري تناول القهوة صباحا يجب الاكتفاء بفنجان واحد أو اثنين يوميا.
من أهم الأغذية المفيدة لبكتيريا الأمعاء تناول الزبادي أو خلاصة «بروبيوتكس» من الصيدليات. وتظهر فوائد التحول الغذائي بعد أربعة أسابيع من تناول جرعة يومية. ويفضل الزبادي اليوناني الطبيعي المحتوي على بكتيريا حية من دون إضافات ولا سكر.
وتحافظ البكتيريا المفيدة أو «بروبيوتكس» على التوازن الطبيعي في الأمعاء خصوصا بعد نوبات المرض أو تناول مضادات حيوية. ولكنها ليست مصنفة كدواء، ولذلك لا تخضع للاختبارات الدقيقة التي تمر بها الأدوية. وهناك العديد من الأنواع المتاحة في محلات الأغذية الصحية وهي تختلف في تأثيرها ويجب الحرص عند تناولها إضافة للطعام العادي. وفي حالات خاصة يتم تناول هذه البكتيريا كدواء من أنواع أكثر تأثيرا تباع في الصيدليات.
من الوظائف المهمة لبكتيريا الأمعاء مكافحة البكتيريا الضارة التي تسبب الإصابة بالإسهال والعدوى وحساسية الأمعاء. وتحمي البكتيريا المفيدة من الالتهابات وتحافظ على صحة الكبد وتحمي من السمنة بتنظيم عملية التمثيل الغذائي.
- أمعاء صحية
يقول الدكتور روري روبرتسون من مؤسسة «هيلث لاين» إن الوجبات الغذائية تؤثر على مدى صحة الأمعاء وأنواع البكتيريا التي تعيش فيها. وهو يقترح العديد من الأنظمة الغذائية التي تساهم في صحة الأمعاء والبكتيريا المفيدة ومنها:
> ضرورة تناول وجبات متنوعة للحفاظ على توازن مئات الأنواع من بكتيريا الأمعاء التي تقوم بوظائف متعددة. وكلما تعددت أنواع الوجبات تنوعت أيضا أنواع البكتيريا وزادت فوائدها للجسم. ويعترف الدكتور روبرتسون أن نظام الغذاء الغربي لا يتنوع بالقدر الكافي مقارنة بأغذية الدول الأخرى التي تتوجه أكثر إلى تنوع الأغذية النباتية. وهو يشير إلى وجبات المناطق الريفية، خصوصا في أفريقيا وأميركا اللاتينية كنماذج أفضل من المأكولات الغربية في أوروبا وأميركا.
> الاعتماد أكثر على الخضراوات والبقول والفواكه لأنها من أفضل مصادر الحفاظ على بكتيريا مفيدة في الأمعاء. وتحتوي الخضراوات والفواكه والبقول على ألياف قد لا يمتصها الجسم بالكامل ولكنها تغذي بكتيريا الأمعاء. من نماذج هذه الأكلات الحبوب الكاملة والبقول مثل الفول والفاصوليا البيضاء واللوبيا والعدس والخضراوات مثل الخرشوف والبازلاء والبروكلي والفواكه. وتمنع هذه الأطعمة وجود بكتيريا ضارة في الأمعاء كما تمنع الالتهابات.
> تناول الأغذية ذات البكتيريا الحية مثل الزبادي الطبيعي والكفير الذي يمكن إضافته للحليب والجبن وأنواع صينية مثل كيمشي وكومبوتشا. وهي غنية بأنواع من البكتيريا المفيدة التي تسمى «لاكتوباسيلي». وأثبتت عدة دراسات طبية، وفقا للدكتور روبرتسون، فوائد الزبادي والبكتيريا الحية في المحافظة على صحة الأمعاء وإنعاش البكتيريا المفيدة.
> الامتناع عن تناول بدائل السكر التي تستخدم في تحلية المشروبات الغازية. فهي قد تكون مفيدة في خفض الوزن ولكنها تضر ببكتيريا الأمعاء وتقلل من عددها. وفي تجربة على الفئران ثبت أن بدائل السكر تخفض الوزن ولكنها مع ذلك زادت غلوكوز الدم وعرقلت فاعلية تعامل الأنسولين مع خفض الغلوكوز. وفي تجارب مماثلة كانت النتيجة مماثلة في الإنسان وسلبية على بكتيريا المعدة.
> تناول الأطعمة التي تنشط بكتيريا الأمعاء وهي تسمى أطعمة «برويبايوتيك» وهي تحتوي على ألياف ونشويات لا يمتصها الجسم ولكنها تغذي البكتيريا المعوية. وتشمل هذه الأطعمة الفواكه والخضراوات والحبوب ومن فوائدها أيضا خفض نسب الكولسترول وبالتالي خفض نسب الإصابة بالسكر وأمراض القلب.
> ضرورة تناول الحبوب الكاملة فهي تحتوي على قشور ونشويات غير قابلة للهضم حتى وصولها إلى المصران الغليظ حيث تقوم البكتيريا باختزالها. وهي مفيدة بشكل عام للصحة وتساهم في الحفاظ على الوزن وعلى صحة الأمعاء.
> التوجه نحو حمية غذائية نباتية تفيد الأمعاء أكثر من الأطعمة التي تتكون من اللحوم. وتشير دراسات طبية إلى أن الاعتماد المكثف على اللحوم يؤدي إلى نمو بكتيريا ضارة تسبب العديد من الأمراض. والحميات النباتية لها أيضا فوائد أخرى مثل خفض الكولسترول والتهابات الأمعاء.
> التوجه نحو أطعمة تحتوي على «بوليفينول»، فهي مفيدة في خفض ضغط الدم ومعدلات الكولسترول. ولا يقوم الجسم بهضم عناصر «بوليفينول» وإنما تقوم بالمهمة بكتيريا الأمعاء. وتشمل هذه الأطعمة الكاكاو والشاي الأخضر وقشر العنب واللوز والبصل والبروكلي.
> يمكن أيضا تناول مستحضرات «بروبايوتيك» من متاجر المستحضرات الصحية وهي تحتوي على بكتيريا حية. وهي لا تسكن بالضرورة في الأمعاء بصفة دائمة ولكنها تساعد على تغيير بيئة البكتيريا المنتشرة فيها. وتظهر أهمية هذه المستحضرات في المرضى الذين تناولوا مضادات حيوية، لأنها تعيد إلى الأمعاء مستويات البكتيريا المفيدة التي كانت سائدة قبل المرض.
وقد زاد الوعي والاهتمام في السنوات الأخيرة بأهمية بكتيريا الأمعاء للصحة العامة. ويتوجه خبراء الغذاء حاليا إلى نصيحة العامة بالحفاظ على توازن البكتيريا المفيدة والاعتماد على تنوع الأطعمة والتحول نحو الأغذية النباتية والبقول والحبوب الكاملة.