رغم الخسارة القاسية أمام مانشستر سيتي برباعية نظيفة عكرت الاحتفال بالفوز باللقب الإنجليزي الغائب عن خزائنه منذ 30 عاماً، لا يزال بإمكان ليفربول أن يحقق رقماً قياسياً بإنهاء الموسم الحالي بحصوله على أكثر من 100 نقطة.
وخاض ليفربول مباراة الخميس أمام مانشستر سيتي بتشكيلته الكاملة مبدياً سعيه لمواصلة تحقيق أرقامه القياسية بعدما حسم اللقب بفارق 20 نقطة عن أقرب منافسيه، لكنه تلقى ضربة قاسية ليس بسبب الخسارة، بل النتيجة الكبيرة التي كانت من الممكن أن ترتفع عن ذلك. وبعدما حسم اللقب قبل نهاية الموسم بسبع جولات كاملة، والاعتراف بأن ليفربول قدم أحد أكثر المستويات إثارة للإعجاب في تاريخ الدوري الإنجليزي الممتاز، جاءت الخسارة الأخيرة لتلقي بعض الغبار على الإنجاز الكبير.
لقد بات تصنيف هذا الموسم على أنه الأفضل لليفربول في تاريخ الدوري الإنجليزي الممتاز يعتمد بشكل كبير على عدد النقاط التي سيجمعها الفريق بنهاية الموسم. فإذا انخفض هذا العدد عن حاجز المائة نقطة التي جمعها مانشستر سيتي قبل عامين، فلن يتم تسجيل هذا الإنجاز ضمن الأرقام القياسية للدوري الإنجليزي الممتاز، وهو الأمر الذي قد لا يعكس حقيقة أن ليفربول قد فاز باللقب دون منافسة تذكر، لدرجة أن المنافسين بدأوا يعترفون بعدم جدوى السعي لمنافسة الفريق بدءاً من نهاية شهر ديسمبر (كانون الأول)، كما أن الجولات المتبقية من الموسم بعد استئنافه باتت تُلعب في مدرجات خالية من الجماهير كتحصيل حاصل من أجل الحفاظ على نزاهة الدوري الإنجليزي الممتاز، ومن أجل تحديد الأندية التي ستهبط لدوري الدرجة الأولى والأندية التي ستنافس في المسابقات الأوروبية في الموسم المقبل، أما الصراع على اللقب فكان محسوماً منذ فترة طويلة لصالح كتبية ليفربول بقيادة المدير الفني الألماني يورغن كلوب.
قد يكون ليفربول بحاجة إلى نجمتين وليس نجمة واحدة لوضع هذا الموسم الاستثنائي لليفربول في سياقه الصحيح: النجمة الأولى للإشارة إلى جميع الاضطرابات التي حدثت بسبب تفشي فيروس كورونا وإقامة المباريات دون جمهور، والنجمة الثانية للتأكيد على أن سباق الدوري الإنجليزي الممتاز قد حسم في منتصف الطريق، بعدما سحق ليفربول منافسيه واحداً تلو الآخر، وظل يغرد وحيداً في صدارة جدول الترتيب طوال الموسم.
لهذين السببين، قد يكون من الصعب مقارنة الإنجاز الذي حققه ليفربول بغيره من الإنجازات التي تم تحقيقها من قبل في الدوري الإنجليزي الممتاز. ونظراً لأن هذا هو أول لقب للدوري الإنجليزي الممتاز يحققه ليفربول بعد 28 عاماً كاملة من المحاولات، يبدو من المنطقي أن نقارن هذا الموسم بغيره من مواسم الدوري الإنجليزي الممتاز بشكله الجديد، منذ عام 1992، وليس قبل ذلك.
سيكون هناك بطبيعة الحال من يعربون عن استيائهم من هذه المقارنة ويقولون إن كرة القدم لم تبدأ في عام 1992، وأن كثيراً من الإنجازات الكبيرة قد تحققت في القرن السابق أو نحو ذلك، لكن من حيث التاريخ الحديث، فإن كل ما يحتاج أي شخص إلى معرفته هو أنه في السنوات بين آخر لقب للدوري حققه الفريق تحت قيادة بيل شانكلي (عام 1973) وآخر لقب قبل انطلاق الدوري الإنجليزي الممتاز بشكله الجديد (عام 1990)، كان هناك موسم واحد فقط (موسم 1980 -1981 عندما حصل أستون فيلا على اللقب وحل إبسويتش تاون وصيفاً) لم يُنهِ فيه ليفربول الموسم في المركز الأول أو في مركز الوصيف. لقد كان ذلك بمثابة إنجاز كبير للغاية، وهو الأمر الذي جعل انتظار النادي لمدة 30 عاماً كاملة للحصول على لقب الدوري الإنجليزي الممتاز مرة أخرى شيئاً غير قابل للتصور بالنسبة لمؤيدي ومحبي هذا النادي العريق.
وعندما تبتعد عن منصات التتويج طوال كل هذه السنوات العجاف بهذه الطريقة الواضحة، يكون من السهل أن يشعر البعض بأن النادي لن ينجح في إعادة مجده القديم على الإطلاق. لقد كان هيديرسفيلد تاون فريقاً لا يمكن التغلب عليه ذات يوم، وكان بريستون فريقاً لا يقهر من قبل، لكن ما الذي حدث لهما الآن؟ وكان هناك حتى من بدأ يشعر بالقلق من أن الانزلاق الشهير لقائد ليفربول السابق ستيفن جيرارد أو وصول مانشستر سيتي إلى آفاق جديدة من التميز قد يمثلان نوعاً من اللعنة التي تمنع ليفربول من تحقيق النجاح.
لكن المدير الفني الألماني القدير يورغن كلوب وعد في بداية توليه مسؤولية الفريق بأن يحول المشككين في قدرات النادي إلى مؤمنين بقدرته على العودة إلى منصات التتويج مرة أخرى، وبالفعل نجح في تحقيق ما وعد به وحوّل الحلم إلى حقيقة. إن ليفربول لم ينجح في العودة إلى منصات التتويج فقط، لكنه نجح في أن يجد ضالته في كلوب، الذي يعد تجسيداً حياً لأسطورة النادي شانكلي، وهذا هو السبب الذي يجعل الفوز بهذا اللقب له مذاق مختلف عن الـ18 لقباً التي فاز بها ليفربول قبل إطلاق الدوري الممتاز.
وبدأ البعض، خصوصاً من أنصار مانشستر يونايتد، يقللون من هذا الإنجاز الاستثنائي الذي حققه ليفربول، فلم نرَ أي تعليق من نجم يونايتد السابق والمحلل الحالي بقنوات «سكاي سبورتس» غاري نيفيل. كما خرج علينا البعض الآخر بالقول إنه ما زال يتعين على ليفربول أن يواصل حصد مزيد من الألقاب والبطولات حتى يثبت أنه عاد إلى مكانته السابقة. ومع ذلك، فعندما ننظر إلى المستويات التي قدمها ليفربول خلال العامين أو الثلاثة الماضية، فإننا ندرك من دون أدنى شك أن الأمر لن يستغرق وقتاً طويلاً حتى يحصد ليفربول مزيداً من الألقاب والبطولات، وأن هذا النادي قد أصبح بالقوة نفسها التي كان عليها من قبل.
إن أي شخص يبحث عن الموسم المثالي للدوري الإنجليزي الممتاز سيجد صعوبة في عدم الإشارة إلى الموسم الذي حقق فيه آرسنال اللقب من دون تلقي أي خسارة في موسم 2003 - 2004، على الرغم من أن اللقب قد حُسم آنذاك بعدد أقل من النقاط (90 نقطة)، بالمقارنة بعدد النقاط التي كان مانشستر يونايتد قد جمعها عندما فاز بلقب الدوري في الموسمين السابقين. وهناك منافس قوي في هذا الصدد، وهو الموسم الأول للمدير الفني البرتغالي جوزيه مورينيو مع تشيلسي، عندما حصد اللقب بعدد قياسي آنذاك وصل إلى 95 نقطة. وظل هذا العدد من النقاط صامداً كرقم قياسي لم يتمكن أي فريق من تحطيمه، حتى جاء مانشستر سيتي بعد عقد من الزمان بقيادة المدير الفني الإسباني جوسيب غوارديولا، وبالتحديد في موسم 2017 - 2018، عندما فاز باللقب بمائة نقطة، قبل أن ينجح في الحفاظ على اللقب ويحسم البطولة بـ98 نقطة في الموسم التالي.
هذه هي المواسم التي يمكن مقارنتها بالإنجاز الذي حققه ليفربول هذا الموسم، لكن ليفربول حصل على لقب الدوري بعد غياب دام 30 عاماً، كما أنه حقق هذا الإنجاز في الموسم التالي لفوزه بلقب دوري أبطال أوروبا وكأس العالم للأندية.
ولم يفز آرسنال أبداً بلقب دوري أبطال أوروبا، ولم يتمكن تشيلسي من الفوز بهذه البطولة إلا بعد رحيل مورينيو، واستغرق الأمر من السير أليكس فيرغسون 13 عاماً من الأعوام الـ26 التي قضاها في «أولد ترافورد» لكي يجمع بين الفوز بلقبي الدوري الإنجليزي الممتاز ودوري أبطال أوروبا في موسم واحد. أما كلوب ففعل ذلك في غضون خمس سنوات فقط، حتى وإن لم يكن ذلك في موسم واحد.
صحيح أن تفشي فيروس كورونا قد أفسد الإطار الزمني المعتاد للدوري الإنجليزي الممتاز هذا الموسم، لكن حتى لو كان الموسم قد لُعب كما كان مخططاً له لكان ليفربول قد توج بطلاً للدوري الإنجليزي الممتاز قبل وقت طويل من المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا.
ومع الأخذ في الاعتبار أن ليفربول قد وصل إلى المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا خلال الموسمين الماضيين، وحصل على 97 نقطة في الدوري الإنجليزي الممتاز ولم يخسر سوى مباراة واحدة الموسم الماضي وكان من المفترض أن يفوز باللقب لولا وجود خصم بقوة وشراسة مانشستر سيتي بقيادة غوارديولا، فإن كل هذه المؤشرات تعكس شيئاً واحداً فقط؛ وهو أن ليفربول قد عاد بكل قوة.
أما الجدل المثار بشأن ترتيب الإنجاز الذي حققه ليفربول هذا الموسم في قائمة الإنجازات التي تحققت في تاريخ الدوري الإنجليزي الممتاز فلا يمكن حسمه بشكل منطقي وصحيح إلا بعد انتهاء الموسم بالكامل، لكن الشيء الواضح للجميع هو أن كلوب قادر على تحويل الفرق التي يتولى تدريبها إلى آلة لا تتوقف عن الدوران وتحقيق الفوز. وعلى الرغم من أن البعض يرى أن طريقة الضغط العالي والقوة البدنية الهائلة التي يعتمد عليها كلوب قد لا تنجح في تحقيق النجاح لفترات طويلة بسبب المجهود الكبير الذي تتطلبه، فمن الواضح أن هذه الطريقة تحقق نجاحاً كبيراً على المدى القصير.
وفي النهاية، فما كان موجوداً في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي قد عاد مرة أخرى الآن، وهو أنه إذا كنت تريد أن تفوز بأي بطولة في إنجلترا فيتعين عليك أن تتغلب على ليفربول أولاً.
ليفربول عاد قوة كبيرة... والرقم القياسي للنقاط شرط دخوله التاريخ
توقف الموسم بسبب {كورونا} وعدم وجود منافسة شرسة أجهضا التقييم الحقيقي للإنجاز الرائع
ليفربول عاد قوة كبيرة... والرقم القياسي للنقاط شرط دخوله التاريخ
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة