ملاحظات على الانقسام داخل «البيت الشيعي»... وفرص الكاظمي

منذ جاءت كتلتا «الفتح» بزعامة هادي العامري و«سائرون» المدعومة من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر برئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي، عام 2018، بدا الانقسام كبيراً داخل ما يُسمّى بـ«البيت الشيعي».
وطوال فترة السنة والنصف سنة التي تولى فيها عبد المهدي السلطة حتى مظاهرات أول أكتوبر (تشرين الأول) 2019، لوحظ اتساع الخلاف بين أقطاب هذا «البيت». وبعد استقالة عبد المهدي ظلت حكومته لأكثر من 5 أشهر «حكومة تصريف أعمال» بسبب عجز القيادات الشيعية عن الاتفاق على مرشح مقبول للجميع.
لذلك؛ فشل مرشحان (محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي) من بين أكثر من 30 مرشحاً في تشكيل حكومة تخلف عبد المهدي، حتى اضطرت القيادات الشيعية إلى الاتفاق على مصطفى الكاظمي، التي كانت قد رفضته بقوة من قبل. والواقع أن الكاظمي عاد إلى الواجهة نتيجة لتناقضات «البيت الشيعي»، بعدما رشحه رئيس الجمهورية الدكتور برهم صالح، بعدما كان رفض مرشحين سابقين غير متفق عليهم.
وفي النتيجة، جاء الكاظمي هذه المرة بدعم من زعيم تيار «الحكمة» عمّار الحكيم وزعيم ائتلاف «النصر» حيدر العبادي، واضطرار باقي القيادات الشيعية في تحالف «الفتح» إلى القبول به. غير أنه ما كان متوقعاً أن يستعجل كل من الكاظمي وخصومه داخل «البيت الشيعي» المواجهة إلى «الضرب تحت الحزام» منذ «واقعة الدورة» وما تلاها وما سيليها. وهنا، في تعليق لـ«الشرق الأوسط»، يقول أثيل النجيفي، القيادي في «جبهة الإنقاذ»، إنه «مهما تحدثنا عن قوة هذه الفصائل والدولة العميقة، فإن ما يظهر من قوتها سببه استغلالها لشرعية الدولة... بينما إذا نظرنا من منظار الشرعية فإن القوة الحقيقية بيد الكاظمي وليس بيدهم». ويضيف النجيفي «حتى كتلهم في البرلمان لا تستطيع أن تضفي الشرعية على تلك الفصائل إلا بموافقة القائد العام للقوات المسلحة وتعاونه»، وبيّن «لدى لكاظمي ورقة ثانية رابحة هي كره الشارع لتلك الكتل السياسية ورغبته في التخلص منها. وهو ما يعني أن هذه الفصائل ستخسر أكثر كلما تقاطعت مع الكاظمي واعتمدت على كتلها». ومضى النجيفي قائلاً «وهناك الورقة الثالثة الرابحة بيد الكاظمي، وهي التأييد الدولي وقلق الجميع من العقوبات التي يمكن أن تطال العراق إذا تغلبت إرادة تلك الفصائل على إرادة الكاظمي التي تمثل الشرعية أمام العالم، بالإضافة إلى قوة الأجهزة الأمنية من جيش وقوة مكافحة الإرهاب وشرطة وانتشارها وسياقاتها بالمقارنة مع تلك الفصائل». وأوضح النجيفي «من هذا كله نستنتج بأن الكاظمي يمتلك القدرة للتغلب على تلك الفصائل المنفلتة وإلزامها بالرضوخ لسياقات الدولة ومؤسساتها شريطة أن يثبت على هذا، وألا يقع في الأخطاء التي وقع فيها سابقوه».
أما أستاذ الأمن الوطني الدكتور حسين علاوي، فرأى خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، أن الكاظمي «نجح في إدارة نهج الدولة، وذلك يأتي من خلال تحفيز قوى الدولة الوطنية، سواء في الجهاز الحكومي أو من قبل القوى السياسية العراقية أو حتى القوى الشعبية الاجتماعية... وسيكون هناك عمل بالتعاون بين الحكومة العراقية والكتل البرلمانية لوضع معايير للإصلاح الإداري في هيكل الدولة والحكومة».
وأوضح علاوي، أن «الكاظمي يحاول أن يجعل القوى السياسية اليوم تفكّر بخيارين يتمثلان أولاً بطريق الدولة الذي يحاول من خلال الجهاز الحكومي وضع العراق على سكة الدولة من خلال تنظيم السياسة العامة، وثانياً التنبيه إلى طريق اللادولة الذي تحاول بعض الأطراف سلوكه، والذي سيهدد المصالح الوطنية وثقة المواطن بالسلطة السياسية نتيجة انخفاض مؤشرات فرص القانون في حالة الذهاب بهذا الطريق الصعب».
أما الدكتور ياسين البكري، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية، فيقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «المواجهة بدأت بالفعل، وهناك مؤشرات إيجابية من خلال رفض الرضوخ لمطالب وتهديدات إطلاق سراح المعتقلين»، مشيراً إلى أن «الاستطاعة متعلقة بالإرادة السياسية، باعتبار أن أدوات الدولة ليست قليلة، لكنها فقط تحتاج إلى تفعيل عبر الإرادة».
وأضاف البكري، أن «ما جرى من عملية اعتقال ورفض إطلاق السراح تؤشر إلى إرادة وإلى قدرة، وإن كان ما زال مبكراً الحكم النهائي. هذا الأسبوع سيحدد المسار القادم بين تفعيل الدولة أو تعطيلها». وأردف «سياق الإرادة نفسه ينطبق على التغيرات الإدارية... الدولة مختطفة من الدولة العميقة التي تمثلها القيادات الإدارية والقيادات الوسطية، وبالتالي، فإن أي إصلاح أمني يحتاج بالتوازي إلى إصلاح إداري».
ختاماً، لعل التطور اللافت في سياق المعركة بين الكاظمي وخصومه، أن زعيم تيار «الحكمة»، وفي سياق إصراره على دعم الكاظمي، أعلن عن تشكيل أول كتلة برلمانية داعمة للكاظمي مكوّنة من 40 نائباً، الأمر الذي يعني أن الكاظمي بدأ يتحوّل إلى «معادلة صعبة» في العملية السياسية في العراق. وهو ما قد تفرزه الأيام المقبلة سواءً على صعيد المواجهة المفتوحة مع الفصائل أو التغلب على الأزمتين المالية والوبائية.