هل يكفي الركوع على الركبة لمواجهة العنصرية؟

35 % من لاعبي الدوري الإنجليزي الممتاز من أصحاب البشرة السمراء لكن تمثيلهم في المناصب القيادية والتدريبية لا يتماثل مع نسبتهم

لاعبو الدوري الإنجليزي تضامنوا من أجل حياة السود لكن هؤلاء ينتظرون مزيداً من الفرص في عالم كرة القدم (أ.ف.ب)
لاعبو الدوري الإنجليزي تضامنوا من أجل حياة السود لكن هؤلاء ينتظرون مزيداً من الفرص في عالم كرة القدم (أ.ف.ب)
TT

هل يكفي الركوع على الركبة لمواجهة العنصرية؟

لاعبو الدوري الإنجليزي تضامنوا من أجل حياة السود لكن هؤلاء ينتظرون مزيداً من الفرص في عالم كرة القدم (أ.ف.ب)
لاعبو الدوري الإنجليزي تضامنوا من أجل حياة السود لكن هؤلاء ينتظرون مزيداً من الفرص في عالم كرة القدم (أ.ف.ب)

كان جميع اللاعبين في الدوري الإنجليزي الممتاز يرتدون قمصاناً مكتوباً على ظهرها «حياة السود مهمة» بدلاً من أسمائهم، في الجولة الأولى بعد استئناف المسابقة، كما كانوا يرتدون شارات سوداء عليها أيضا عبارة «حياة السود مهمة». وفي بداية كل مباراة، كل اللاعبين يركعون على ركبتهم، والأمر نفسه ينطبق أيضاً على أفراد طاقم التحكيم والطاقم التدريبي لكل فريق. في حقيقة الأمر، كانت هذه الخطوة قوية ومؤثرة بشكل لا يُصدّق وجعلتني عاجزةً عن الكلام؛ حيث بدأت أدرك أن أعين العالم كانت ترى بياناً قوياً وغير مسبوق للوحدة ضد العنصرية في فترة غير مسبوقة.
وكبادرة رمزية لدعم الكفاح من أجل المساواة العرقية، كان ذلك بمثابة بيان قوي من الدوري الإنجليزي الممتاز، الذي أرى أنه الأقوى والأفضل في عالم كرة القدم. لكن هذه اللفتة لا يمكن أن تصرف انتباهنا عن العمل الحقيقي والتغيير الكبير اللذين يجب القيام بهما من قبل الدوري الإنجليزي الممتاز والأندية التي تلعب به.
وتشير الأرقام والإحصائيات إلى أن 35 في المائة من لاعبي الدوري الإنجليزي الممتاز من أصحاب البشرة السمراء، لكن تمثيل السود في المناصب التنفيذية أو الإدارية أو القيادية بعيد كل البعد عن هذه النسبة. وهناك كثير من العبارات التي يمكن استخدامها لوصف هذا الوضع في الأمور السياسية والتاريخية، مثل «امتياز البيض» أو «التفوق الأبيض»، لكن هذه العبارات باتت تعكس بدقة الوضع الحالي في كرة القدم الإنجليزية.
لقد كانت الصورة النمطية القديمة للرجال السود هي أنهم بطبيعتهم رياضيون أقوياء، لكن لا يمكن الوثوق بهم لإدارة الميزانيات أو قيادة الأشخاص. وهذه هي الأحكام المسبقة المتأصلة والمتجذرة في مجتمعاتنا، وستكون مواجهتها أكثر إزعاجاً من مجرد وضع شارة سوداء على أكمام اللاعبين، لكن من دون التعامل معها لن يتغير الوضع المتعلّق بعدم التنوع العرقي في المناصب الإدارية والتنفيذية في الدوري الإنجليزي الممتاز، ومجالس إدارات الأندية. لقد حان الوقت الآن لتحريك عجلات التغيير.
نؤمن بقدرة كرة القدم على قيادة التغيير في هذا الصدد، لكنني لا أستطيع أيضاً قبول فكرة أن كل شخص أبيض في أي دور إداري أو تنفيذي في هذه اللعبة يستحق تعيينه في هذا المنصب أكثر من أي شخص أسود منافس له. لقد حصل بعض الأشخاص على فرص العمل في هذه المناصب لأنهم من أصحاب البشرة البيضاء ولديهم علاقات أفضل. إن الإحصائيات المتعلقة بهذا الأمر محرجة للغاية، ولن يتغير أي شيء ما لم يجرِ قبولها ومواجهتها.
خلال الأسبوع الماضي، كشفت رابطة اللاعبين المحترفين بدقة عن نسبة الموظفين السود في كل مستوى من المستويات، ودعت جميع الجهات الأخرى لأن تتسم بالشفافية بالقدر ذاته. وكشفت الرابطة عن أن 30 في المائة من أعضائها من أصحاب البشرة السمراء.
لقد سمعتُ اللاعب الإنجليزي جيرمين ديفو يتساءل عما إذا كان الأمر يستحق الحصول على دورات تدريبية في مجال التدريب أم لا، لأنه لا يرى أيّاً من اللاعبين السود الذين كان يتطلع إليهم في حياته يعملون في مجال التدريب، وهو الأمر الذي جعله يعتقد أن فرص العمل في مجال التدريب لن تكون متاحة لأشخاص مثله من أصحاب البشرة السمراء. لقد عمل كل من غاريث ساوثغيت وفرانك لامبارد وستيفن جيرارد في مناصب تدريبية ممتازة في نهاية مسيرتهم الكروية من دون أي خبرات.
نحن نقر بأنهم يستحقون تماماً الحصول على تلك الفرص، والعمل في تلك المناصب، لأنهم كانوا لاعبين عظماء وقادة بارزين داخل الملعب، وسوف يفقدون وظائفهم بسرعة في حال تحقيق نتائج سيئة. لكن في الوقت ذاته يجب أن نواجه الحقيقة المتمثلة في أن اللاعبين أصحاب البشرة السمراء يجدون صعوبة كبيرة في اتخاذ المسار ذاته.
ويجب أن نعرف أن هناك مواهب هائلة بين أصحاب البشرة السمراء، وأن الأمر لا يقتصر على الـ35 في المائة من اللاعبين السود الذين يلعبون في الدوري الإنجليزي الممتاز. ويجب أن ندرك أن عدداً كبيراً من أبرز المديرين الفنيين في الدوري الإنجليزي الممتاز خلال القرن الحالي حتى الآن، مثل أليكس فيرغسون، وأرسين فينغر، وجوزيه مورينيو، وجوسيب غوارديولا، ويورغن كلوب، لم يكونوا لاعبين عظماء. لقد كان مورينيو يعمل مترجمًا قبل دخوله عالم التدريب، وأنا أعلم أن هناك رجالاً من أصحاب البشرة السمراء أذكياء ويمكنهم التحدث بست لغات ويفهمون اللعبة جيداً ويعشقونها؛ فهل يمكنهم أن يدخلوا مجال التدريب مثل المدير الفني البرتغالي؟ وبالتالي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: متى ننظر إلى ما هو أبعد من لاعبي كرة القدم؟ من المؤكد أننا لو فعلنا ذلك فسنجد علماء رياضيين ومحللي أداء رائعين من أصحاب البشرة السمراء.
ولهذا السبب، فإنني أطالب بتطبيق قانون يشبه «قاعدة روني» في دوريات المحترفين بإنجلترا، التي تلزم الأندية بإجراء مقابلة مع مدرب واحد على الأقل من أصحاب البشرة السمراء والأقليات العرقية، في حال خلوّ منصب المدير الفني. ببساطة، يجب ألا يشعر أيّ نادٍ بأنه مضطر لتعيين مدير فني أسود البشرة، لكن يجب أن يوسّع دائرة المرشحين لتولي المنصب، وأن يتعامل مع مجموعة أكبر من المرشحين. ويجب أن يكون هناك هدف في هذا الصدد، كأن يكون ثلث المرشحين للأدوار الإدارية والتنفيذية من خلفيات سوداء أو ينتمون لأقليات عرقية أخرى. الأمر لا يتعلق بمنح أي شخص وظيفة على طبق من ذهب من دون أن يبذل أي مجهود، لكنه يتعلق بالنظر إلى فئات كانت مهمشة دائما في السابق.
ولا يختلف الأمر عن القواعد المنظمة لنسبة وجود اللاعبين المحليين في قوائم الأندية، وهي القواعد التي جرى وضعها بسرعة كبيرة ودون احتجاج وكان لها تأثير كبير: ارتفعت الاستثمارات في أكاديمية الناشئين، وشعر المديرون الفنيون لأكاديميات الناشئين بأهمية العمل الذي يقومون به، وتم تحفيزهم للعمل بشكل أكبر، وحصل اللاعبون الشباب في الأندية الكبرى على المزيد من الفرص، وتغيرت الممارسات التي كنا نراها في سوق انتقالات اللاعبين. والآن، فإننا بحاجة إلى وضع سياسة تشجع الجيل القادم من المديرين الفنيين والمسؤولين التنفيذيين من أصحاب البشرة السمراء لكي يطوروا من أنفسهم حتى يكونوا مرشحين قادرين على المنافسة عندما يحين الوقت لعملهم في مجال التدريب، بدلاً من شعورهم بالتهميش، وبالتالي الاستسلام، لأنهم لا يرون أنهم سيحصلون على الفرص كغيرهم من أصحاب البشرة البيضاء.
ويوجد نادي أستون فيلا، الذي أعمل به مديرة رياضية لكرة القدم للسيدات، في أكثر المدن تنوعاً من الناحية الثقافية في البلاد. إنني ممتنة للغاية لوجودي في هذا المنصب، وأعتقد أنني حصلت على هذه الوظيفة بناءً على مجموعة من العوامل، رغم أنني امرأة من أصحاب البشرة السمراء، لكن الحقيقة هي أنني حصلت على فرصة رائعة، وأنا الآن في وضع يسمح لي بإلهام شخص أسود آخر من هذا المجتمع المتنوع الذي نخدمه للتفوق في عالم كرة القدم، أو يُلهم أي نادٍ آخر لتعيين أشخاص من أصحاب البشرة السمراء في المناصب الإدارية.
لا أحد يطالب بوجود 20 مديراً فنياً من أصحاب البشرة السمراء في الدوري الإنجليزي الممتاز، لكن كل ما نريده هو أن نرى مستوى تمثيل «غير محرج» للسود، بشكل يعكس التنوُّع الموجود داخل الملعب والمجتمعات التي نخدمها عبر المجتمع البريطاني. إن الشارة التي يرتديها اللاعبون على أكمامهم ليست مجرد إشارة إلى تضامن الدوري الإنجليزي الممتاز، لكنها أيضاً بمثابة إشارة على أنه يجب القيام بالمزيد من العمل واتخاذ المزيد من الخطوات لمواجهة العنصرية.


مقالات ذات صلة

إيدرسون بعد مفاوضات الاتحاد: لم أحسم مستقبلي

رياضة سعودية إيدرسون حارس السيتي في مواجهة مهاجم ميلان (رويترز)

إيدرسون بعد مفاوضات الاتحاد: لم أحسم مستقبلي

قال إيدرسون إنه لم يتخذ أي قرار بشأن مستقبله مع مانشستر سيتي وسط اهتمام أندية في الدوري السعودي للمحترفين لكرة القدم.

ذا أتلتيك الرياضي (نيويورك)
رياضة عالمية إنزو ماريسكا (رويترز)

ماريسكا: تشيلسي جاهز للموسم رغم الهزيمة الثقيلة

قال إنزو ماريسكا، مدرب تشيلسي المنافس في الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم، إن لاعبيه يحاولون حتى الآن التأقلم مع أسلوبه وخططه في اللعب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية سافينيو يحتفل بهز شباك باراغواي في «كوبا أميركا» محمولاً (أ.ب)

هل يستطيع سافينيو أن يحجز مكاناً في التشكيلة الأساسية لمانشستر سيتي؟

أصبح سافينيو منافساً قوياً لرافينيا، من أجل حجز مكان في التشكيلة الأساسية للبرازيل في «كوبا أميركا».

رياضة عالمية رودري وفرحة الفوز ببطولة كأس الأمم الأوروبية (أ.ف.ب)

هل رودري أفضل لاعب خط وسط في تاريخ الدوري الإنجليزي؟

تتضمن قائمة الألقاب والبطولات التي حصل عليها رودري كل ما يمكن الفوز به تقريباً في عالم كرة القدم

رياضة عالمية رأسية هالاند في طريقها لهز شباك سلتيك في اللقاء الودي (أ.ف.ب)

جولة مانشستر سيتي: نجوم واعدون وفرصة لغريليش للتألق

بعد استبعاده من قائمة المنتخب الإنجليزي في نهائيات «يورو 2024»، يعلم غريليش أنه سيواجه تحدياً كبيراً هذا الموسم


بعد فرارها من «طالبان»... أفغانية سترقص مع فريق اللاجئين في «أولمبياد باريس»

 الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)
الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)
TT

بعد فرارها من «طالبان»... أفغانية سترقص مع فريق اللاجئين في «أولمبياد باريس»

 الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)
الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)

حققت الأفغانية مانيزها تالاش حلمها بالأداء خلال مسابقات «أولمبياد باريس 2024» المقامة في العاصمة الفرنسية، ضمن فريق اللاجئين، بعد هروبها من قبضة «طالبان».

وترقص تالاش (21 عاماً) «بريك دانس»، وكانت أول راقصة معروفة في موطنها الأصلي (أفغانستان)، لكنها فرَّت من البلاد بعد عودة «طالبان» إلى السلطة في عام 2021. ومع ظهور رقص «البريك دانس» لأول مرة في الألعاب الأولمبية في باريس، ستصعد تالاش إلى المسرح العالمي لتؤدي ما هي شغوفة به.

وتقول تالاش في مقابلة أُجريت معها باللغة الإسبانية: «أنا أفعل ذلك من أجلي، من أجل حياتي. أفعل ذلك للتعبير عن نفسي، ولأنسى كل ما يحدث إذا كنت بحاجة إلى ذلك»، وفقاً لما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست».

ترقص تالاش «بريك دانس» وهي في عمر السابعة عشرة (حسابها الشخصي - إنستغرام)

شبح «طالبان»

يرفض العديد من الأفغان المحافظين الرقص، وفكرة مشاركة النساء محظورة بشكل خاص. وفي ظل حكم «طالبان»، مُنعت النساء الأفغانيات فعلياً من ممارسة العديد من الأنشطة الرياضية. منذ عودة الجماعة إلى السلطة قبل 3 سنوات، أغلقت الحكومة مدارس البنات، وقمعت التعبير الثقافي والفني، وفرضت قيوداً على السفر على النساء، وحدَّت من وصولهن إلى المتنزهات وصالات الألعاب الرياضية.

مقاتل من «طالبان» يحرس نساء خلال تلقي الحصص الغذائية التي توزعها مجموعة مساعدات إنسانية في كابل (أ.ب)

وقال تقرير للأمم المتحدة عن حقوق الإنسان هذا العام إن «عدم احترام (طالبان) للحقوق الأساسية للنساء والفتيات لا مثيل له في العالم». منذ اليوم الذي بدأت فيه تالاش الرقص، قبل 4 سنوات، واجهت العديد من الانتقادات والتهديدات من أفراد المجتمع والجيران وبعض أفراد الأسرة. وقالت إنها علمت بأنها إذا أرادت الاستمرار في الرقص، فليس لديها خيار إلا الهروب، وقالت: «كنت بحاجة إلى المغادرة وعدم العودة».

فريق اللاجئين

سيضم الفريق الذي ظهر لأول مرة في ألعاب «ريو دي جانيرو 2016»، هذا العام، 36 رياضياً من 11 دولة مختلفة، 5 منهم في الأصل من أفغانستان. وسيتنافسون تحت عَلَم خاص يحتوي على شعار بقلب محاط بأسهم، للإشارة إلى «التجربة المشتركة لرحلاتهم»، وستبدأ الأولمبياد من 26 يوليو (تموز) الحالي إلى 11 أغسطس (آب). بالنسبة لتالاش، التي هاجرت إلى إسبانيا، تمثل هذه الألعاب الأولمبية فرصة للرقص بحرية، لتكون بمثابة رمز الأمل للفتيات والنساء في أفغانستان، ولإرسال رسالة أوسع إلى بقية العالم.

انتقلت إلى العيش في إسبانيا بعد هروبها من موطنها الأصلي (حسابها الشخصي - إنستغرام)

وفي فبراير (شباط) الماضي، تدخلت صديقة أميركية لتالاش، تُدعي جواركو، بالتقديم إلى عناوين البريد الإلكتروني الأولمبي لمشاركة الفتاة الأفغانية، وفي اليوم التالي، تلقت رداً واحداً من مدير فريق اللاجئين الأولمبي، غونزالو باريو. وكان قد تم إعداد فريق اللاجئين المتوجّه إلى باريس، لكن المسؤولين الأولمبيين تأثروا بقصة تالاش وسارعوا إلى تنسيق الموارد. وافقت اللجنة الأولمبية الإسبانية على الإشراف على تدريبها، وكان المدربون في مدريد حريصين على التطوع بوقتهم.

وقال ديفيد فينتو، المدير الفني للمنتخب الإسباني: «شعرت بأنه يتعين علينا بذل كل ما في وسعنا. في شهر مارس (آذار)، حصلت تالاش على منحة دراسية، مما سمح لها بالانتقال إلى مدريد والتركيز على الاستراحة. وبعد بضعة أسابيع فقط، وصلت الأخبار بأنها ستتنافس في الألعاب الأولمبية». يتذكر جواركو: «لقد انفجرت في البكاء، وكانت تبتسم».

وقالت تالاش: "كنت أبكي بدموع الفرح والخوف".وجزء من مهمة الألعاب الأولمبية المعلنة هو "دعم تعزيز المرأة في الرياضة على جميع المستويات" وتشجيع "مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة". ولهذا السبب، كانت العلاقة بين الحركة الأولمبية وأفغانستان مشحونة منذ فترة طويلة. وقامت اللجنة الأولمبية الدولية بتعليق عمل اللجنة الأولمبية في البلاد في عام 1999، وتم منع أفغانستان من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية في سيدني.

شغفها حقق هدفها

لم يغِب عن تالاش أن موسيقى «البريك» و«الهيب هوب»، المحظورة في موطنها، أعطتها هدفاً لحياتها، وساعدت أيضاً في إنقاذ عائلتها. وقالت: «هذا أكبر بكثير من أي حلم حلمت به من قبل أو حتى يمكن أن أفكر فيه»، مضيفة: «إذا قالت (طالبان) إنها ستغادر في الصباح، فسوف أعود إلى منزلي بعد الظهر».

ويحكي جواد سيزداه، صديق تالاش وزعيم مجتمع «الهيب هوب» في كابل: «إذا سألت الأجانب عن أفغانستان، فإن الشيء الوحيد الذي يتخيلونه هو الحرب والبنادق والمباني القديمة. لكن لا، أفغانستان ليست كذلك». وأضاف: «أفغانستان هي تالاش التي لا تنكسر. أفغانستان هي التي أقدم فيها بموسيقى الراب، ليست الحرب في أفغانستان وحدها».

وعندما كانت تالاش في السابعة عشرة من عمرها، عثرت على مقطع فيديو على «فيسبوك» لشاب يرقص «بريك دانس» ويدور على رأسه، في مشهد لم يسبق لها أن رأت شيئاً مثله. وقالت: «في البداية، اعتقدت أنه من غير القانوني القيام بهذا النوع من الأشياء». ثم بدأت تالاش بمشاهدة المزيد من مقاطع الفيديو، وأصابها الذهول من قلة الراقصات. وأوضحت: «قلتُ على الفور: سأفعل ذلك. أنا سوف أتعلم».

وقامت بالتواصل مع الشاب الموجود في الفيديو (صديقها سيزداه) الذي شجعها على زيارة النادي المحلي الذي تدرب فيه، والذي كانت لديه محاولة لتنمية مجتمع «الهيب هوب» في كابل، ولجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي لدعوة جميع الأعمار والأجناس للرقص وموسيقى الراب. كان هناك 55 فتى يتدربون هناك. كانت تالاش الفتاة الأولى.

وقال سيزداه (25 عاماً): «إذا رقص صبي، فهذا أمر سيئ في أفغانستان وكابل. وعندما ترقص فتاة، يكون الأمر أسوأ. إنه أمر خطير جداً. رقص الفتاة أمر غير مقبول في هذا المجتمع. لا توجد إمكانية لذلك.

انتقلت إلى العيش في إسبانيا بعد هروبها من موطنها الأصلي (حسابها الشخصي - إنستغرام)

كنا نحاول أن نجعل الأمر طبيعياً، لكنه كان صعباً للغاية. لا يمكننا أن نفعل ذلك في الشارع. لا يمكننا أن نفعل ذلك، كما تعلمون، في مكان عام»، وفقا لما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست».

كانت تالاش أول فتاة تنضم إلى نادي الرقص «Superiors Crew» في كابل.

تهديدات بالقتل

بعد استيلاء «طالبان» على السلطة، فرَّ أعضاء النادي إلى باكستان. وفي أحد الأحداث الجماعية الأولى للفريق في النادي الصغير، انفجرت سيارة مفخخة في مكان قريب. ووقعت إصابات في الشارع، لكن الراقصين بالداخل لم يُصابوا بأذى. ومع انتشار أخبار بأن تالاش كانت ترقص، بدأت تتلقى تهديدات بالقتل.

مقاتل من «طالبان» يقف في الحراسة بينما تمر امرأة في العاصمة كابل يوم 26 ديسمبر 2022... وشجب مفوض حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة القيود المزدادة على حقوق المرأة بأفغانستان (أ.ب)

كان من المفترض أن يكون النادي مكاناً آمناً، ولكن في أحد الأيام دخل رجل مدعياً أنه راقص يريد التعلم. وبدا مريباً لباقي الأعضاء، ووفقاً لتالاش وسيزداه، سرعان ما داهمت قوات إنفاذ القانون النادي، وألقت القبض على الرجل الذي كان يحمل قنبلة. قال سيزده: «إنهم قالوا إنه عضو في (داعش). لقد أراد فقط أن يفجِّر نفسه».

رحلة الهروب للنجاة!

وبعد بضعة أشهر من الواقعة، غادرت قوات «حلف شمال الأطلسي» والجيش الأميركي أفغانستان، وعادت «طالبان» إلى السلطة في 2021، وقال سيزداه إن مالك العقار اتصل به وحذره من العودة، وإن الناس كانوا يبحثون عن أعضاء الفريق، وقال سيزداه: «هناك أسباب كثيرة» للمغادرة. «الأول هو إنقاذ حياتك».

وقام العشرات من أعضاء نادي «الهيب هوب» بتجميع ما في وسعهم وتحميلهم في 3 سيارات متجهة إلى باكستان. أخذت تالاش شقيقها البالغ من العمر 12 عاماً، وودعت والدتها وأختها الصغرى وأخاً آخر.

وقالت تالاش: «لم أكن خائفة، لكنني أدركت أنني بحاجة إلى المغادرة وعدم العودة. كان هذا مهماً بالنسبة لي. لم أغادر قط لأنني كنت خائفة من (طالبان)، أو لأنني لم أتمكن من العيش في أفغانستان، بل لأفعل شيئاً، لأظهر للنساء أننا قادرون على القيام بذلك؛ أنه ممكن». اضطرت تالاش إلى ترك والدتها في أفغانستان، وتحقق الحلم الأولمبي ولم شمل الأسرة.

لمدة عام تقريباً، عاشوا بشكل غير قانوني في باكستان دون جوازات سفر وأمل متضائل. لم يشعروا بالأمان في الأماكن العامة، لذلك قضى 22 شخصاً معظم اليوم محشورين معاً في شقة. لم يكن هناك تدريب أو رقص. تلقت تالاش كلمة مفادها أن مسؤولي «طالبان» اتصلوا بوالدتها في كابل للاستفسار عن مكان وجود الفتاة الصغيرة. وقالت: «أحياناً أتمنى أن أنسى كل ذلك»، ثم تواصل أعضاء نادي «الهيب هوب» مع السفارات ومجموعات المناصرة والمنظمات غير الحكومية للحصول على المساعدة. وأخيراً، وبمساعدة منظمة إسبانية للاجئين تدعى People HELP، تم منحهم حق اللجوء في إسبانيا.

انقسم الفريق، وتم نقل تالاش وشقيقها إلى هويسكا، وهي بلدة صغيرة في شمال شرقي إسبانيا. كانت لديها وظيفة تنظيف في صالون محلي، ورغم عدم وجود استوديو أو نادٍ مخصص للاستراحة، فقد وجدت صالة ألعاب رياضية تسمح لها بالرقص بعد ساعات العمل. بعد سنوات من الانفصال، تم لم شمل تالاش وعائلتها أخيراً حيث يعيشون الآن في نزل للاجئين بمدريد.