The Colour of Pomegranates
(1969) (ممتاز)
حكاية شاعرين
شهدت حياة سايات نوفا (المولود في 14 يونيو (حزيران)، 1712) تضاريس غريبة مثيرة للإمعان. والده من حلب (على الأرجح) ووالدته من أرمينيا وهو وُلد في مدينة تبيليسي، جورجيا. كذلك كانت بالغة التلوين أدبياً وفنياً: أجاد اللغات الأرمنية والجيورجية والأذربيجانية والفارسية وكتب الشعر كما عزف وغنّى أشعاره. في عام 1795 طلب منه شاه إيران حينها (آغا محمد خان) اعتناق الإسلام فرفض فأصدر أمره بقطع رأسه. هذا لم يمنع من أن أكثر من 200 قصيدة شعر بالأرمنية جالت البلاد من حينها عدا عما لا يُحصى من الأشعار المكتوبة بلغات أخرى. وهذا حسبما ورد في كتاب لتشارلز دوست تم نشره سنة 1997.
المخرج سيرغي باراجانوف المولود في التاسع من يناير (كانون الثاني) سنة 1924 والمتوفى في العشرين من هذا الشهر سنة 1990. التقى مع سايات - نوفا في ناحيتين: هو أيضاً أرمني عاش في جورجيا واحتوى على الثقافتين، ومثله مات مضطهداً. فيلمه «لون الرمان» (أو «سايات - نوفا» كما كان عنوانه الأصلي سابقاً) لم ينل قبول الحزب الشيوعي فتم منعه، ثم تم تقطيعه واختزال مدة عرضه إلى 72 دقيقة من أصل نحو ساعتين. النسخة المتوفرة على أسطوانات هي المختصرة. ويُقال إن هناك نسخة أصلية محفوظة في متحف أرمينيا.
هذا فيلم غريب ومثير للإعجاب رغم أنه لا يعمد إلى شرح نفسه. عوض سرد قصة حياة الشاعر يوفرها المخرج باراجانوف صوراً ولقطات ومشاهد. هناك تعليق صوتي لكن بلا حوار يُذكر. هناك صور ثابتة ولقطات لا يتحرك من فيها، ثم الكثير من المشاهد التي تلتقطها الكاميرا من زاوية وبعد لا يتغيران ملتقطة ما يقع فيها إنما من دون أي رغبة في تذليل الرموز المستنتجة لحساب سرد حكاية.
سيجد المُشاهد نفسه يتساءل ما يعنيه مشهد رجل يحفر حفرة أو الصبي (المقصود به سايات نوفا نفسه) وهو يقتطع قطعة خبز حملها والداه بينهما والجميع ينظر إلى الكاميرا. المرأة التي تتشح بحجاب أحمر في لقطة قريبة. ما سر وجود الحيوانات (جمال، غزلان، خرفان، حمير، بقر، طيور مختلفة) في العديد من مشاهده.
في الواقع يحفل الفيلم بسؤال في كل مشهد منه. هو موزاييك من اللقطات الرمزية باستخدامات تقترب من السينما التجريبية وبالتأكيد للفيلم عالمه الفانتازي والسوريالي، إنما لا شيء فيه يشبه أي فيلم آخر أقدمت السينما على إنتاجه.
كل هذا مقصود لذاته وليس لأن المخرج يفتقد القدرة أو الرغبة في سرد حياة الشاعر بقليل من الاعتيادية. في عرف باراجانوف، كما ذكرت لي زوجته حين التقيت بها في أوكرانيا قبل نحو 20 سنة، أن شاعراً مثل سايات - نوفا كان أكثر من مجرد قصة حياة بالنسبة لبارادجانوف. كان عالماً شاسعاً من الشعر والفن.
للأسف لم توافق المنظومة الشيوعية على هذه القراءة ومنعت الفيلم كما ذكرنا، ثم ساقت المخرج إلى السجن. الناقد الراحل رون هولواي أنجز فيلماً تسجيلياً جيداً عن المخرج بعنوان «باراجانوف: مرثاة» يكشف العديد من حياته التي لم تثمر إلا عن عدد قليل من الأفلام.