واشنطن وطهران.. بين الموقف الموحد في ضرب «داعش» وتجنب الظهور كحليفين

يلتزم الطرفان بمعاهدة عدم اعتداء لا يعتزمان الإقرار بها

مقاتلتان اميركيتان من طراز {إف - 18 إي} تنفذان ضربات ضد {داعش} في العراق أمس (رويترز)
مقاتلتان اميركيتان من طراز {إف - 18 إي} تنفذان ضربات ضد {داعش} في العراق أمس (رويترز)
TT

واشنطن وطهران.. بين الموقف الموحد في ضرب «داعش» وتجنب الظهور كحليفين

مقاتلتان اميركيتان من طراز {إف - 18 إي} تنفذان ضربات ضد {داعش} في العراق أمس (رويترز)
مقاتلتان اميركيتان من طراز {إف - 18 إي} تنفذان ضربات ضد {داعش} في العراق أمس (رويترز)

ضربت الطائرات المقاتلة الإيرانية أهدافا لمتشددين في العراق، كما أكد مسؤولون أميركيون وإيرانيون، في خطوة تدل على عزم طهران على القيام بعمليات عسكرية معلنة في ساحات معارك خارجية عوضا عن عمليات سرية تتم بالوكالة.
ومن أسباب هذا التحول تنامي الدور العسكري الإيراني في العراق في الحرب ضد متطرفي «داعش»، لكنه يوضح في الوقت ذاته تغييرا عميقا في الاستراتيجية الإيرانية التي تتجه نحو الخروج من الظل إلى العلن في استخدامها السافر للقوة الخشنة في إطار تعزيزها للنفوذ الشيعي في المنطقة. وأقر مسؤولون إيرانيون وآخرون في وزارة الدفاع الأميركية بأن إيران زادت من عملياتها العسكرية خلال الأسبوع الماضي مستخدمة طائرات مقاتلة تعود إلى حقبة السبعينات في قصف أهداف تقع في المنطقة العازلة التي تمتد بعمق 20 ميلا داخل العراق.
ويلقي التوجه العسكري الجديد الضوء على تشابك غير عادي بين المصالح في كل من العراق وسوريا، حيث تجد كل من طهران وواشنطن نفسيهما في مواجهة العدو ذاته بطريقة تتزايد وضوحها. وفي الوقت الذي لا يوجد فيه تنسيق مباشر بين إيران والولايات المتحدة، هناك على أرض الواقع معاهدة عدم اعتداء لا يعتزم أي من الطرفين الإقرار بها. وقال اللواء بحري جون كيربي، المتحدث باسم وزارة الدفاع، يوم الثلاثاء الماضي: «نحن نرسل فرقا إلى العراق وننسق مع الحكومة العراقية عند تنفيذ تلك المهام، أما أمر إخلاء المجال الجوي فهو منوط بالحكومة العراقية».
وظلت إيران لأشهر تزهو ببطولتها في أنحاء المنطقة، وعرضت أسلحة على الجيش اللبناني ودعمت المتمردين الحوثيين الشيعة في اليمن الذين سيطروا على العاصمة صنعاء التي شهدت تفجيرا بعبوة ناسفة لمنزل السفير الإيراني أول من أمس.
أما في سوريا، فقد ساعد كل من «حزب الله» وفيلق القدس الإيراني، الرئيس السوري بشار الأسد على البقاء في السلطة حتى الآن. وفي العراق، بزغ نجم اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، الذي قضى حياته المهنية في الظل وهو يخطط للهجمات الإرهابية، والتي أودت بعضها بحياة جنود أميركيين في العراق، مؤخرا كشخصية عامة وانتشرت صوره على مواقع التواصل الاجتماعي وهو في ساحات المعارك في العراق.
وكان التحول في الاستراتيجية الإيرانية في أجلى صوره في العراق، حتى إن مسؤولين أميركيين أقروا بالدور الحاسم الذي قامت به الجماعات المسلحة المدعومة من إيران خاصة في حماية بغداد من هجوم لتنظيم داعش، والذين يعملون في الوقت ذاته ضمن الحملة التي تقودها أميركا. وفي الوقت الذي ثبت فيه أهمية الدور العسكري الإيراني المتنامي على الصعيد الشعبي، في صد تقدم داعش، يشعر المسؤولون الأميركيون بالقلق من احتمال أن يؤدي هذا في النهاية إلى زعزعة استقرار العراق من خلال تعميق الانقسامات الطائفية. ويحمل السنة في العراق الجماعات المسلحة الشيعية المدعومة من إيران مسؤولية الانتهاكات الطائفية ويترددون في الانضمام إلى قتال المتطرفين بسبب النفوذ الإيراني. وأوضح كيربي قائلا: «لم تتغير رسالتنا إلى إيران اليوم عن رسالتنا عند بداية الأمر، وهي نفسها الرسالة الموجهة إلى أي دولة من دول الجوار في المنطقة المشتركة في قتال تنظيم داعش. وهذه الرسالة مفادها أننا لا نريد أن يحدث ما من شأنه إذكاء شعلة الخلافات الطائفية في البلاد». وأوضح اللواء الذي أكد بشكل غير مباشر الهجمات الجوية من خلال قوله إنه لا يوجد سبب يدعو إلى تكذيب التقارير الخاصة بهذا الأمر، أن الضربات الجوية محدودة حتى هذه اللحظة. وبدأت العمليات الجوية في نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) في محافظة ديالي شرق العراق وهي ساحة المعارك الأقرب إلى الأراضي الإيرانية، على حد قول السياسي الإيراني حميد رضا طراقي، الذي أكد أيضا وجود منطقة عازلة حظيت بقبول العراقيين. وقال طراقي: «لن يكون هناك أي تهاون مع أي تهديدات داخل المنطقة العازلة، وكانت هذه الأهداف بالقرب من تلك المنطقة»، مضيفا أن الهجمات أسفرت عن مقتل عشرات من المقاتلين المتطرفين.
وفي العراق هناك حاجة إلى درجة من التنسيق بين الجيش الأميركي وإيران، لكن هذا الأمر مثير للإحراج، حيث يجعل الأمر يبدو وكأن الولايات المتحدة تتعاون مع خصمها.
وعادة ما يقوم ضابط عراقي بدور الوسيط بين الحملة العسكرية التي تقودها أميركا وبين الإيرانيين. ويقول قادة عراقيون، إن طهران كثيرا ما كانت أسرع من واشنطن في تقديم المساعدة في الأزمات؛ فعندما اجتاح تنظيم داعش الموصل، وهي ثاني أكبر مدينة في العراق، خلال شهر يونيو (حزيران) واتجه إلى بغداد، اتخذ الرئيس أوباما نهجا محسوبا ودفع باتجاه القيام بتغييرات سياسية قبل الالتزام بأي عمل عسكري، في الوقت الذي هبت فيه إيران للمساعدة، وكانت أول دولة ترسل أسلحة إلى الأكراد في الشمال وسارعت بحماية بغداد وعملت مع الجماعات المسلحة التي تحظى بدعمها بالفعل. وقال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في مقابلة تلفزيونية مؤخرا: «عندما تعرضت بغداد لتهديدات، لم يتردد الإيرانيون في مساعدتنا أو مساعدة الأكراد حين تعرضت أربيل لتهديدات»، في إشارة إلى عاصمة الأكراد في الشمال. وأوضح التناقض بين الموقف الإيراني ونهج الولايات المتحدة بقوله، إن الإيرانيين «لم يكونوا مثل الأميركيين الذين ترددوا في مساعدتنا عندما واجهت بغداد الخطر وترددت في مساعدة قوات الأمن العراقية». وأضاف قائلا: «السبب في عدم تردد إيران في مساعدتنا هو نظرهم إلى (داعش) بوصفه تهديدا لهم وليس لنا فحسب».
وقال علي الخضيري، المسؤول الأميركي السابق في العراق: «كان الأمر بالنسبة إلى الإيرانيين خطيرا». أما فيما يتعلق بالدور الإقليمي المتنامي للواء سليماني، فقد كان الخضيري صريحا، حيث قال: «السليماني هو زعيم لبنان وسوريا والعراق واليمن. ولا يتمتع العراق بأي سيادة، حيث يقوده السليماني ورئيسه آية الله العظمى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي. وفي الوقت الذي تعد فيه كل من الولايات المتحدة وإيران خصمين عتيدين، إذا تمكنتا من التوصل إلى اتفاق حول برنامج إيران النووي، يمكن أن تصبح العلاقات طبيعية بما يشمل التعاون ضد الدولة الإسلامية. وكان هذا هو الأمر الذي أوضحه أوباما في خطابه إلى آية الله الشهر الماضي والذي حثه فيه على التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي. مع ذلك ربما أدى هذا الخطاب وكذلك الذي يسبقه، والذي تمنى فيه الشفاء العاجل للزعيم الإيراني بعد إجرائه جراحة، إلى نتائج عكسية»، على حد قول أحد المحللين، حيث أوضح نقطة ضعف شجعت إيران على استعراض قوتها ونفوذها بشكل أكبر. وقال أحد الصحافيين الإيرانيين المقربين من الحرس الثوري الإيراني: «عندما يرسل أوباما إلى زعيمنا متمنيا له الشفاء العاجل، فهذا يعد دليلا على الضعف، وتمت مناقشة الخطاب خلال الاجتماعات وخلصنا إلى أن أوباما بحاجة إلى اتفاق، إنه بحاجة إلينا. لن نكتب إليه خطابا مثل ذلك أبدا».
ويحدو السياسيين الشيعة في العراق الأمل في أن يؤدي إبرام اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني إلى مزيد من التعاون والتنسيق بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران في الحرب، رغم قول خبراء إنه لا يوجد أي مؤشر يدل على أن إيران سوف ترحب بالتنسيق المباشر. وفي مقابلة هذا الأسبوع، قال حاكم الزاملي، السياسي العراقي وأحد قادة الجماعات المسلحة الشيعية: «إذا كان هناك تنسيق حقيقي بين الولايات المتحدة الأميركية ومستشارين إيرانيين، كان العراق تحرر في غضون أسبوع». ويخشى السنة من أن يضفي مثل هذا الاتفاق الشرعية على إيران على الساحة الدولية ويجعلها تتجرأ على بسط نفوذها هنا وفي المنطقة. وقال مثال الآلوسي، أحد نواب البرلمان السنة، إن أي اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران يعني «تسليم الولايات المتحدة العراق إلى إيران».
وقد أوضحت إدارة أوباما أنها في الوقت الذي ترحب فيه بمساعدة إيران في قتال المتطرفين، لا يوجد تنسيق حقيقي وفعلي. وصرح وزير الخارجية الأميركي جون كيري يوم الثلاثاء الماضي في بروكسل، حيث التقى أعضاء آخرين في التحالف ضد (داعش) قائلا: «أعتقد أنه من الواضح أنه في حال قتال إيران لتنظيم داعش في مكان ما وإحراز تقدم، ستكون المحصلة النهائية إيجابية، لكن ليس هذا بالأمر الذي نقوم بالتنسيق فيه».
* خدمة «نيويورك تايمز»



«توترات القرن الأفريقي»... كيف يمكن احتواء التصعيد؟

ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
TT

«توترات القرن الأفريقي»... كيف يمكن احتواء التصعيد؟

ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)

تصاعد منحنى التوترات في القرن الأفريقي وسط سجالات بين الصومال وإثيوبيا وهجوم إعلامي يتجدد من أديس أبابا تجاه الوجود المصري في مقديشو، مع مخاوف من تصعيد غير محسوب وتساؤلات بشأن إمكانية احتواء ذلك المنسوب المزداد من الخلافات بتلك المنطقة التي تعد رئة رئيسية للبحر الأحمر وأفريقيا.

خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يرون أن «التصعيد سيكون سيد الموقف الفترة المقبلة»، خصوصاً مع تمسك مقديشو بخروج قوات حفظ السلام الإثيوبية من أراضيها وتشبث أديس أبابا بمساعيها للاتفاق مع إقليم الصومال الانفصالي، لإيجاد منفذ بحري البحر الأحمر رغم رفض مقديشو والقاهرة، فضلاً عن تواصل الانتقادات الإثيوبية الرسمية للقاهرة بشأن تعاونها العسكري مع الصومال.

وتوقعوا سيناريوهين أولهما الصدام مع إثيوبيا، والثاني لجوء أديس أبابا لحلول دبلوماسية مع ازدياد الضغوط عليها بعدّها أحد أسباب التصعيد الرئيسية في المنطقة.

وقدّم وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي، الاثنين، «شرحاً للتلفزيون الحكومي حول العلاقات المتوترة بين مقديشو وأديس أبابا»، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الصومالية الرسمية للبلاد، التي قالت إن أديس أبابا «انتهكت في 1 يناير (كانون الثاني) العام الحالي، السيادة الداخلية للدولة عقب إبرامها مذكرة تفاهم باطلة مع إدارة أرض الصومال».

وزير الخارجية والتعاون الدولي الصومالي (وكالة الأنباء الرسمية)

ولم تتمكن أديس أبابا من تنفيذ الاتفاق غير الشرعي الذي ألغاه البرلمان الصومالي، كما أن الصومال نجح دبلوماسياً في الحفاظ على سيادة البلاد واستقلال أراضيه، عبر القنوات المفتوحة في كل الاجتماعات بالمحافل الدولية، وفق تقدير أحمد معلم فقي.

وبشأن مستقبل العلاقات الدبلوماسية للبلدين، أشار فقي إلى أن «العلاقات لم تصل إلى طريق مسدودة، فسفارة الدولة مفتوحة وتعمل هناك، بينما تعمل سفارة أديس أبابا هنا في مقديشو، والسفير الإثيوبي حالياً يوجد في بلاده، بيد أن طاقم سفارته موجود، كما أن طاقمنا لا يزال موجوداً هناك».

وكشف فقي في مقابلة متلفزة الأحد، أن الحكومة الصومالية ستتخذ إجراءات سريعة لنقل السفارة الإثيوبية إلى موقع جديد خارج القصر الرئاسي في المستقبل القريب.

وفي أبريل (نيسان) 2024، طرد الصومال السفير الإثيوبي، واستدعى مبعوثه من أديس أبابا، قبل أن تعلن وزارة الخارجية الصومالية أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في إفادة، أنها طلبت من المستشار الثاني في سفارة إثيوبيا لدى الصومال، مغادرة البلاد في غضون 72 ساعة، واتهمته بممارسة «أنشطة لا تتفق مع دوره الدبلوماسي، وتشكل خرقاً لاتفاقية (فيينا) للعلاقات الدبلوماسية الصادرة عام 1961».

وتدهورت العلاقات بين الصومال وإثيوبيا، إثر توقيع الأخيرة مذكرة تفاهم مع إقليم (أرض الصومال) الانفصالي بداية العام الحالي، تسمح لها باستخدام سواحل المنطقة على البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، وسط رفض من الحكومة الصومالية ودول الجامعة العربية، لا سيما مصر، التي تشهد علاقاتها مع أديس أبابا توتراً بسبب تعثر مفاوضات سد النهضة الإثيوبي.

وفي مواجهة تلك التحركات، حشد الصومال، دعماً دولياً وإقليمياً، لمواقفه، ضد المساعي الإثيوبية، وأبرم بروتوكول تعاون عسكري مع مصر، وفي أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة مساعدات عسكرية إلى مقديشو.

إثيوبيا هي الأخرى تواصل الدفاع عن اتفاقها مع إقليم أرض الصومال، وقال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، أواخر أكتوبر الماضي، إن بلاده تسعى للوصول السلمي إلى البحر الأحمر، وتتمسك بموقف واضح بشأن هذه القضية.

وعادت وكالة الأنباء الإثيوبية، السبت، للتأكيد على هذا الأمر، ونقلت عن نائب المدير التنفيذي لمعهد الشؤون الخارجية عبده زينبي، قوله إن سعي إثيوبيا للوصول إلى البحر أمر بالغ الأهمية، لافتاً إلى أن الحكومة تعمل بشكل وثيق للغاية مع جميع الجهات الفاعلة الإقليمية لضمان ذلك.

وبتقدير مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير صلاح حليمة، فإن «تلك التوترات تزيد من حدة السخونة في منطقة القرن الأفريقي»، لافتاً إلى أن «إثيوبيا تتحمل زيادة منسوب التوتر منذ توقيع اتفاقية مع إقليم انفصالي مخالفة للقانون الدولي ومهددة لسيادة الصومال».

وبرأي الخبير في الشؤون الأفريقية، مدير مركز دراسات شرق أفريقيا في نيروبي، الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، فإن «كلا الطرفين (الصومال وإثيوبيا) لا ينوي خفض التصعيد، بل كلاهما يتجه إلى التصعيد والتوترات بينهما مرشحة للتصاعد»، لافتاً إلى أن «كل المحاولات التي تمت الشهور الأخيرة للوساطة، سواء كانت تركية أو أفريقية، لم تفعل شيئاً يذكر لخفض التصعيد».

وبشيء من التفاصيل، يوضح الخبير السوداني في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، أن «إقدام الصومال على طرد دبلوماسي إثيوبي رفيع من أراضيه تحت مبررات التدخل في الشؤون الداخلية، يأتي متزامناً مع طبيعة التحركات الرسمية التي تنتهجها مقديشو بشأن التشاور والإعداد لاستبدال بعثة لحفظ السلام في الصومال، تكون أكثر قبولاً وترحيباً عند مقديشو، بالحالية».

ومن المعلوم أن مقديشو «لا تريد قوات إثيوبية ضمن بعثة حفظ السلام الأفريقية» داخل أراضيها، تحت أي اسم بعد مساعيها لإنشاء منفذ بحري مقابل الاعتراف بإقليم انفصالي، لذلك ارتفع صوت الصومال عالياً خلال الفترة الأخيرة مطالباً الاتحاد الأفريقي بضرورة عدم إشراك قوات إثيوبية ضمن البعثة الجديدة التي من المقرر أن تتولى مهامها بحلول عام 2025م»، وفق الحاج.

ولم يتوقف موقف أديس أبابا عند التمسك بمواقفها التي ترفضها مقديشو، بل واصلت مهاجمة وجود القاهرة بالصومال، ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية عن الباحث الإثيوبي يعقوب أرسانو، الأحد، دعوته إلى «ضرورة تقييم دور مصر في الصومال ووجودها الذي قد يؤدي إلى تصعيد عدم الاستقرار في جميع أنحاء منطقة القرن الأفريقي»، متحدثاً عن أن «القاهرة تورطت في الصومال كقوة مزعزعة للاستقرار».

ووفقاً ليعقوب، فإن «نفوذ مصر في الصومال ربما يكون جزءاً من استراتيجية أوسع لإضعاف إثيوبيا»، لافتاً إلى أنه «إذا فشلت مصر في فرض سيطرتها، فقد تقع الأسلحة بأيدي الجماعات الإرهابية، ما يشكل تهديدات فورية لكل من الصومال وإثيوبيا»، عادّاً أن «السماح لمصر بكسب النفوذ قد يؤدي إلى توتر العلاقات بين إثيوبيا والصومال، وسيقوض أمن واستقرار الصومال على وجه الخصوص».

ويعدّ الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، الهجوم الإثيوبي تجاه القاهرة نتيجة أن «أديس أبابا تفهم جيداً خطورة دور المصري إذا دعمت الصومال، لذا فهي تحاول وقف دور مصري داعم للصومال، لذلك ربما يكون ما يثار بالإعلام الإثيوبي فقط للتضليل».

ويستبعد أن «تصل الأمور إلى حرب بين إثيوبيا والصومال أو إثيوبيا ومصر»، لافتاً إلى أن «انتخابات أرض الصومال في هذا الشهر سيكون لها دور في مستقبل مذكرة التفاهم، خصوصاً إذا فاز عبد الرحمن عرو أمام الرئيس الحالي موسى بيحي عبدي بالانتخابات الرئاسية المقررة في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، فيتوقع أن يقوم بإلغاء مذكرة التفاهم لقربه من الصومال».

ويرجع الخبير السوداني، عبد الناصر الحاج، الموقف الإثيوبي تجاه مصر، إلى أنه «منذ توقيع القاهرة ومقديشو على اتفاقية أمنية في أغسطس (آب) الماضي، باتت تجتاح أديس أبابا مخاوف كبيرة من تشكيل حلف عسكري استخباراتي جديد في منطقة القرن الأفريقي يجمع مصر والصومال وإريتريا، وهي ذات الدول الثلاث التي تجري علاقة إثيوبيا بهم على نحو متوتر وقابل للانفجار».

ويرى السفير حليمة أن «احترام إثيوبيا للقوانين وعدم اللجوء لتصرفات أحادية وسياسة فرض الأمر الواقع، السبيل الوحيد لاحتواء أي تصعيد بمنطقة القرن الأفريقي»، مضيفاً أن «هذا يحتاج إيجاد حلول لملف سد النهضة ووقف مساعي إبرام الاتفاقية مع إقليم أرض الصومال، وبدء علاقات قائمة على الاحترام والتعاون مع دول منطقة القرن الأفريقي».