سرت مسقط رأس القذافي تتحول إلى ساحة لمعارك فاصلة

الأتراك يخططون لمهاجمتها... و«الجيش الليبي» يحشد قواته للدفاع عنها

TT

سرت مسقط رأس القذافي تتحول إلى ساحة لمعارك فاصلة

قُدّر لمدينة سرت الليبية أن تكون شاهداً على معارك فاصلة، تركت أثراً في تاريخ البلاد، بدأت أولاً بمقتل الرئيس الراحل معمر القذافي في 20 أكتوبر (تشرين الأول) من 2011، بمسقط رأسه، الذي تم «تطهيره» مع نهاية 2016 من عناصر تنظيم «داعش»، الذي اتخذها معقلاً لتدشين دولته المزعومة على أرضها.
لكن يبدو أن سرت الواقعة على الشريط الساحلي والتي تبعد نحو 450 كيلومتراً شرق طرابلس، ينتظرها مستقبل غامض، خاصة في ظل «تلهف» تركي للسيطرة عليها بسبب أهميتها الاستراتيجية. فهي من جهة تعد بوابة دخول إلى قاعدة الجفرة الجوية، (650 كيلومتراً جنوب شرقي العاصمة)، ومن جهة ثانية فإن القوة التي ستُحكِم قبضتها عليها ستقترب كثيراً من السيطرة على منطقة الهلال النفطي، وبالتالي تكون قد وضعت يدها على (قُوت ليبيا)، وشريانها الحيوي المتمثل في 60 في المائة من إنتاجها النفطي، في حين تتوزع النسبة الباقية على مناطق بجنوب البلاد.
والمعركة التي يُعد لها على تخوم مدينة سرت تختلف عما سبق من معارك طرابلس، أو ترهونة وبني وليد. فـ«الجيش الوطني»، الذي قال إنه انسحب قرابة 60 كيلومتراً إلى محور سرت الجفرة، بدأ في تنظيم صفوفه وتجميع قواته، وسط تعزيزات عسكرية غير مسبوقة في الحرب، التي بدأت قبل 14 أشهراً. يقول مسؤول عسكري بارز بـ«الجيش الوطني» لـ«الشرق الأوسط»، إن قوات الجيش انتهت من استعداداتها، وحشد جميع قواتها بالقرب من سرت؛ دفاعاً عن المدينة ضد أي هجوم للميلشيات الأتراك، لكنه لفت إلى أن المحور، الذي يسوده هدوء حذر منذ أيام، بدأ يشهد تحشيداً واسعاً على الجانب الآخر والدفع بأسلحة ثقيلة، فضلاً عن تحليق طيران على ارتفاعات منخفضة من وقت إلى آخر، «لكننا نلتزم ضبط النفس».
وامتداداً لذلك، تواصل جبهة السراج التصعيد باتجاه استمرار الحرب، مدفوعة بما حققته من انتصارات سابقة على محاور العاصمة. ويتزعم العقيد محمد قنونو، المتحدث باسم قوات «الوفاق» هذه الجبهة، والذي قال بلهجة متحدية خلال اليومين الماضيين «لا فارق يذكر بين سرت 2016 وسرت 2020... مرتزقة ومجرمون وإرهابيون يحتلون المدينة، ويجعلون منها منطلقاً لتهديد المدن الليبية... لكن المؤكد هو أن مصيرهم واحد، إما القتل أو السجن، أو التشريد في الصحراء».
لكن المسؤول العسكري بـ«الجيش الوطني» اعتبر هذه التصريحات «من باب الغرور»، وقال «هذه المعركة هي الفاصلة، وفيها سيعرف (المرتزقة) حجمهم الطبيعي، رغم الدعم التركي المهول الذي يتدفق عليهم بالقرب من سرت منذ أسبوعين».
وتأتي هذه التحركات وسط اتساع جبهة المناكفات الدولية، والاتهامات المتبادلة بين الداعمين لطرفي الحرب، وأبرزهم فرنسا وتركيا، التي قالت إن باريس تسعى لتعزيز الوجود الروسي على أرض ليبيا.
في هذا السياق، يرى موالون لـ«الجيش الوطني»، أن التقارير التي بثتها قوات «أفريكوم» عن دفع روسيا بـ14 طائرة «ميغ 29» و«سوخوي 24» للقتال مع الجيش «ما هو إلا ترويج لأكاذيب يراد بها إظهار قواتنا المسلحة، على أنها ضعيفة»، لكن بالمقابل، هناك في المعسكر الآخر من يشير إلى أن مئات من عناصر «فاغنر» يتمركزون الآن في قاعدة الجفرة، وأن هذه الطائرات توفر لهم التغطية والدعم اللازمين.
وسبق لتنظيم «داعش» دخول سرت أول مرة عام 2014 للسيطرة على الموانئ النفطية؛ بغية حصوله على الأموال لتغطية نفقاته، وتمكنت عناصره من الاستيلاء على حقل المبروك النفطي جنوب مدينة سرت، والذي تملك شركة «توتال» الفرنسية حصة فيه، وذلك عقب قتل خمسة من حراسه. لكن قوات عملية «البنيان المرصوص»، التابعة لحكومة «الوفاق»، تمكنت من دحرهم في 18 ديسمبر (كانون الأول) عام 2016.
ويتخوف سكان سرت من اندلاع المعركة في أي وقت، مؤكدين أنها ستتخذ طابعاً دولياً أوسع مما كانت عليه خلال الأشهر الأربعة عشر الماضية، بالنظر إلى ما يرصدونه من تحركات عسكرية هناك. وفي هذا السياق، قال الليبي محمد الميلودي في اتصال لـ«الشرق الأوسط»، «نعيش أياماً صعبة، ونفكر أن نترك منزلنا أسوة بمن سبقونا من الجيران؛ لأننا نرى تحشيداً عسكرياً على أطراف المدينة لم نره من قبل».
وقتل القذافي في 20 أكتوبر عام 2011، بعد وقت قصير من إلقاء القبض عليه في سرت، وقد أعلن المجلس الوطني الانتقالي وقتها أنه توفي متأثراً بجراحه التي أصيب بها في معركة بالأسلحة النارية.



15 ألف طالب يمني في تعز تسربوا خلال فصل دراسي واحد

المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
TT

15 ألف طالب يمني في تعز تسربوا خلال فصل دراسي واحد

المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)

في حين يواصل المعلمون في محافظة تعز اليمنية (جنوب غرب) الإضراب الشامل للمطالبة بزيادة رواتبهم، كشفت إحصائية حديثة أن أكثر من 15 ألف طالب تسربوا من مراحل التعليم المختلفة في هذه المحافظة خلال النصف الأول من العام الدراسي الحالي.

وعلى الرغم من قيام الحكومة بصرف الرواتب المتأخرة للمعلمين عن شهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول)، فإن العملية التعليمية لا تزال متوقفة في عاصمة المحافظة والمناطق الريفية الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية بسبب الإضراب.

ويطالب المعلمون بإعادة النظر في رواتبهم، التي تساوي حالياً أقل من 50 دولاراً، حيث يُراعى في ذلك الزيادة الكبيرة في أسعار السلع، وتراجع قيمة العملة المحلية أمام الدولار. كما يطالبون بصرف بدل الغلاء الذي صُرف في بعض المحافظات.

الأحزاب السياسية في تعز أعلنت دعمها لمطالب المعلمين (إعلام محلي)

ووفق ما ذكرته مصادر عاملة في قطاع التعليم لـ«الشرق الأوسط»، فإن محافظتي عدن ومأرب أقرتا صرف حافز شهري لجميع المعلمين يقارب الراتب الشهري الذي يُصرف لهم، إلا أن هذه المبادرة لم تُعمم على محافظة تعز ولا بقية المحافظات التي لا تمتلك موارد محلية كافية، وهو أمر من شأنه - وفق مصادر نقابية - أن يعمق الأزمة بين الحكومة ونقابة التعليم في تلك المحافظات، وفي طليعتها محافظة تعز.

ظروف صعبة

وفق بيانات وزعتها مؤسسة «ألف» لدعم وحماية التعليم، فإنه وفي ظل الظروف الصعبة التي يمر بها قطاع التعليم في مدينة تعز وعموم مناطق سيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، ازدادت تداعيات انقطاع الرواتب والإضراب المفتوح الذي دعت إليه نقابة المعلمين، مع إحصاء تسرب أكثر من 15 ألفاً و300 حالة من المدارس خلال النصف الأول من العام الدراسي الحالي.

وقال نجيب الكمالي، رئيس المؤسسة، إن هذا الرقم سُجل قبل بدء الإضراب المفتوح في جميع المدارس، وتعذر استئناف الفصل الدراسي الثاني حتى اليوم، معلناً عن تنظيم فعالية خاصة لمناقشة هذه الأزمة بهدف إيجاد حلول عملية تسهم في استمرار العملية التعليمية، ودعم الكادر التربوي، حيث ستركز النقاشات في الفعالية على الأسباب الجذرية لانقطاع الرواتب، وتأثيرها على المعلمين والمؤسسات التعليمية، وتداعيات الإضراب على الطلاب، ومستقبل العملية التعليمية، ودور المجتمع المدني والمنظمات المحلية والدولية في دعم قطاع التعليم.

المعلمون في عدن يقودون وقفة احتجاجية للمطالبة بتحسين الأجور (إعلام محلي)

وإلى جانب ذلك، يتطلع القائمون على الفعالية إلى الخروج بحلول مستدامة لضمان استمرارية التعليم في ظل الأزمات، ومعالجة الأسباب التي تقف وراء تسرب الأطفال من المدارس.

ووجهت الدعوة إلى الأطراف المعنية كافة للمشاركة في هذه الفعالية، بما في ذلك نقابة المعلمين اليمنيين، والجهات الحكومية المعنية بقطاع التعليم، ومنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية.

آثار مدمرة

كانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) قد ذكرت منتصف عام 2024، أن أكثر من 4.5 مليون طفل في اليمن خارج المدرسة بسبب تداعيات سنوات من الصراع المسلح. وأفادت بأن شركاء التعليم يعيدون تأهيل وبناء الفصول الدراسية، ويقدمون المساعدة التعليمية للملايين، ويعملون على إعادة الآخرين إلى المدارس، وعدّت أن الاستثمار في التعليم هو استثمار في مستقبل الأجيال.

وتقول المنظمة إنه منذ بداية الحرب عقب انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية، خلفت الهجمات التي تعرض لها أطفال المدارس والمعلمون والبنية التحتية التعليمية آثاراً مدمرة على النظام التعليمي في البلاد، وعلى فرص الملايين من الأطفال في الحصول على التعليم.

1.3 مليون طفل يمني يتلقون تعليمهم في فصول دراسية مكتظة (الأمم المتحدة)

وأكدت المنظمة الأممية أن للنزاع والتعطيل المستمر للعملية التعليمية في جميع أنحاء البلاد، وتجزئة نظام التعليم شبه المنهار أصلاً، تأثيراً بالغاً على التعلم والنمو الإدراكي والعاطفي العام والصحة العقلية للأطفال كافة في سن الدراسة البالغ عددهم 10.6 مليون طالب وطالبة في اليمن.

ووفق إحصاءات «اليونيسيف»، فإن 2,916 مدرسة (واحدة على الأقل من بين كل أربع مدارس) قد دمرت أو تضررت جزئياً أو تم استخدامها لأغراض غير تعليمية نتيجة سنوات من النزاع الذي شهده اليمن.

كما يواجه الهيكل التعليمي مزيداً من العوائق، تتمثل في عدم حصول أكثر من ثلثي المعلمين (ما يقرب من 172 ألف معلم ومعلمة) على رواتبهم بشكل غير منتظم منذ عام 2016، أو انقطاعهم عن التدريس بحثاً عن أنشطة أخرى مدرة للدخل.