السجل الخاص للعلاقة بين «فتى بروكلين» و«المرأة الشديدة الحساسية»

رسائل أناييس نن وهنري ميللر... عقدان مشحونان بالشغف والترقب والخوف

السجل الخاص للعلاقة بين «فتى بروكلين» و«المرأة الشديدة الحساسية»
TT

السجل الخاص للعلاقة بين «فتى بروكلين» و«المرأة الشديدة الحساسية»

السجل الخاص للعلاقة بين «فتى بروكلين» و«المرأة الشديدة الحساسية»

صداقة عميقة وعلاقة حب رومانسي استمرتا على امتداد المسار الطويل لحياة الكاتبين أناييس نن وهنري ميللر. هذا ما نكتشفه من خلال رسائلهما من الفترة 1032 - 1953، التي تضمنها كتاب «شغف بالأدب» الصادر عن «دار المدى» بترجمة أسامة منزلجي.
في هذا الكتاب، يُنشر للمرة الأولى السجل الخاص لهذه العلاقة بين «فتى بروكلين» و«المرأة الشديدة الحساسية»، وكانت الرسائل عاملاً في استمرار تلك العلاقة ومدّها بأسباب الحياة.
عندما التقيا، كان كلاهما كاتباً واعداً أكثر منه كاتباً متكرساً، على الرغم من أنَّ ميللر كان قد كرّس نفسه بكل جديّة للكتابة منذ عام 1924 تاركاً آخر عمل تلقّى عنه أجراً كمدير لهيئة الموظفين في شركة «ويسترن يونيون تيليغراف» في نيويورك. لم يكن حتى ذلك الحين قد نشر أي شيء، («ليس لأنَّ عملي كان مُثقلاً بالإباحيّة»، كما كتب قائلاً في عام 1957، «بل، كما بتُّ الآن مُقتنعاً، لأنني لم أكن قد اكتشفت هويتي بعد»).
الرسائل التي يفوق عددها المئتين والخمسين رسالة، تغطي فترة عقدَين هما الأهم في علاقتهما. فقد أنتجا خلال سنوات حبهما أهم أعمالهما الأدبية، وآمن كل منهما بمقدرة الآخر وعبقريته. كتبت أناييس نن لهنري ميللر في إحدى رسائلها: «أفكارك لا تقاس، وأسلوبك مبهر، ورواياتك مثل البراكين. أحب المبدع الكامن فيك، ذلك الذي يغني للحياة ويمنحها معنى لا يفهمه الآخرون».
الرسائل كما يقول محررها غونثر شتولمن: «تم انتقاؤها من ذلك الكم الضخم من الرسائل، أو، بالأحرى مما نجا منه. إنها مختارات من تشكيلة واسعة من الرسائل الأصلية وقد حُدِّدَ عددها وفقاً لمتطلبات المساحة المُتاحة. ومن خلال كلمات الطرفين العفوية، غير المُراقَبَة، نستطيع أنْ نشارك في المولد، والازدهار والنضج المحتوم لشغف عظيم، أدبي إلى أقصى مدى».
وعلى الرغم مما يزخر به بعض هذه الرسائل من حرارة، تكشف عن المفاهيم الأدبية للكاتبَين. على الرغم، كما قالت أناييس نن في رسالة لها: «إننا لم نتحدث، تحدثنا عن حرفتنا».
يبدأ الكم الهائل في سويسرا في شهر فبراير (شباط) عام 1932، بعد أنْ فرّتْ أناييس نن من علاقة مضطربة لها. كان هنري ميللر في ديجون، في مدرسة كارنو (في تجربة كئيبة، تحدث عنها في الجزء الختامي من «مدار السرطان»)، وهو يجاهد أن يحتفظ بعمله كمعلم للغة الإنجليزية، وهو عمل أمّنه له هيو غيلر، بعد مناشدة مُلحّة من زوجته. وتنتهي الرسائل بعد واحد وعشرين عاماً بما يمكن تسميتها رسالة «قبول» لأناييس نن، تضمنت «نظرة مُقتضبة، استرضائية، نحو ماضي علاقتهما».
هذه الرسائل، التي تزودنا بملامح سيريّة ثاقبة جديدة، تكشف لنا عن الأيام الهادئة في كليشي، وعن «مختبَر المزركشات السوداء» حيث يصقل كاتبان حرفتهما. وهي تمدنا أحياناً بسرد هزلي، وتارة مؤثر، عن أزمة عام 1934 - 1935، عندما غادرت أناييس نن باريس لكي تقوم بمحاولة، تحت إشراف أوتو رانك، للتدرب على المعالجة النفسية في نيويورك، بينما بقي ميللر، عشيّة طبع كتابه الأول، في منزله الجديد. وتلقي الرسائل الضوء على خلفية حقبة الأربعينات، واكتشاف ميللر من جديد لأميركا، بعد رحلة رعتها إلى حد كبير أناييس نن، وشكّلتْ نهاية آماله الأخيرة في عيشهما معاً.
لقد اختيرت الرسائل على أساس ما تثيره من اهتمام، وحسب ترابطها الوثيق، وكمحاولة لإعداد سرد متواصل عن علاقتهما وظروفها، والمرحلة التي عاشاها. وقد تم نقلها بصعوبة عن نسخ أصلية كُتِبَتْ بخط اليد أو طُبعت على الآلة الكاتبة، أو عن نسخ بالكربون، بعضها مع إضافات على الهوامش من قِبَل أحد الكتّاب، كما أنَّ المساحة المحدودة، حتى بعد الانتقاء الأوّلي الصعب غالباً، جعل من الضروري حذف مواد سطحية بالنسبة إلى القصة الشخصية –نقاشات مطوَّلة حول دوستويفسكي، وبروست، ود. هـ لورنس، ونقد مُفصّل مُتبادل لأعمال كل منهما للآخر التي كانت في طور الإنجاز، وتأملات في أفلام، وكتب، وما إلى ذلك، تضمنتها رسائل في عشرين صفحة أو أكثر من الصفحات المطبوعة على الآلة الكاتبة. وأحياناً لا ترد إلا مقاطع من تلك الرسائل، والباقي حذفه المُحرّر. وبعض الرسائل المهمة، التي سبق أنْ نُشرت على أجزاء أو بعد إجراء بعض التعديل عليها، استعيدت نسخها الأصلية الكاملة؛ وبعض المقاطع التي حُذِفَتْ سابقاَ أُعيدتْ في هذا الكتاب، إلى جانب بضع رسائل أساسيّة ظهرتْ أيضاً في المجموعة الأوّلية.
يقول محرر الكتاب غونثر شتولمن: «في أواخر عام 1953 كتبت أناييس نن لهنري ميللر قائلة: لقد بدأتُ أقرأ اليوميات من جديد سعياً إلى حل المشكلات المتعلّقة بنشرها». نحن نعلم أنَّ سنين عديدة مرّتْ قبل أنْ نتعرف على هذا المشروع الضخم –وهو الموضوع الذي يتكرر ذِكره على امتداد هذه الرسائل. ولكن حتى حينئذٍ، في عام 1966 لم تكن أناييس نن قد وجدت حلاً لـ«المشكلات الإنسانية». كل ما استطاعت أنْ تفعل، حتى تتجنب التشويه، هو أنْ تستثني من هذا السجل بضعة جوانب كانت حيوية لتكوينها كامرأة وككاتبة: زواجها، ومغامراتها، وعمق تورطها مع هنري ميللر. كتبت تقول: «أن أقول الحقيقة يعني أنْ أتعلم».


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

«العودة إلى متوشالح... معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» بالعربية

«العودة إلى متوشالح... معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» بالعربية
TT

«العودة إلى متوشالح... معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» بالعربية

«العودة إلى متوشالح... معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» بالعربية

صدر حديثاً عن «محترف أوكسجين للنشر» في أونتاريو كتابٌ جديد بعنوان: «العودة إلى متوشالح - معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» للكاتب المسرحي الآيرلندي جورج برنارد شو، وقد نقله إلى العربية المترجم السوري أسامة منزلجي. ويأتي الكتاب ضمن سلسلة «أوكلاسيك»، (أوكسجين + كلاسيك = أوكلاسيك) التي يسعى من خلالها المحترف إلى «تقديم الكلاسيكيات بنهج جديد ومغاير عماده الاكتشاف وإعادة الاكتشاف»، وجاء الكتاب في 352 صفحة.

من التقديم:

«نحن هنا أمام كتابٍ يتخذ فيه برنارد شو من المسرحية والحوار والنقد السياسي طريقاً نحو البشرية وهي تعيش إحدى لحظاتها التاريخية الأكثر دماراً، ولنَكُن بعد قراءة الاستهلال حيالَ نظرياتٍ فلسفية وسياسية وأدبية تدفعنا للتفكير في طريقة تفاعلنا مع العالم وقد أمسى نموذج الحضارة على المحك، اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى، فلا محيد عن الكوارث التي يُلحقها الإنسان بنفسه وبالطبيعة. فما الذي يحتاج إليه ليصبح أكثر نضجاً وحكمةً؟ يفترض شو أن ثلاثة قرون أو أكثر من عمر الإنسان كفيلة بأن تجعله يبلغ كماله العقلي في مسار تطوّرهِ وتحقيقه غايات وجوده السامية، فهل الامتداد الأفقي للزمن يحقق ذلك؟ من أين نبدأ؟ وأين ننتهي؟ هذا ما يقدمه لنا كتاب (العودة إلى متوشالح) كونه كتاباً يتحدّى الفناء! منطلقُه الأزل ومنتهاه الأبد. يبدأ من آدم وحواء في جنة عدن، وينتهي في عام 31920 ميلادي وقد أمسى بمقدور الإنسان العيش لما يتجاوز الثلاثمائة عام، وصولاً إلى ولادته من بيضة! إنه كتاب عصيٌّ على التصنيف، له أن يجسد تماماً ماهية (الخيال العلمي)، بوصف الخيال مع جورج برنارد شو (1856 - 1950)، يستدعي العلم والفلسفة والفكر بحق، مقدّماً هجائية كبرى لداروين والانتقاء الظرفي، مفضلاً تسميته الانتقاء التصادفي، فإذا استطعنا أن نُثبت أنَّ الكون بأكمله خُلِقَ عبر ذلك الانتقاء، فلن يطيق عيش الحياة إلّا الأغبياء والأوغاد.

يتخذ الكتاب معبره إلى الخيال من حقيقة أن البشر لا يعيشون مدةً كافية، وعندما يموتون يكونون مجرد أطفال، واجداً في لامارك والنشوء الخلّاق سنده، لنكون حيال عملٍ خالدٍ، لا هو مسرحية ولا رواية، بل مزيج بينهما، مسرحية تُقرأ ولا تُجسّد، ورواية يتسيّدها الحوار...

حملت المسرحيات الخمس العناوين التالية: (في البدء)، و(مزمور الأخوان بارناباس)، و(الأمر يحدث)، و(مأساة رجل عجوز)، و(أقصى حدود الفكرة)، وعبر حوارات عميقة حول مكانة العلم والتطور والفن والإبداع يسافر بنا برنارد شو عبر الأزمنة ليناقش الأفكار التي يطرحها أبطاله منذ آدم وحواء مروراً بالزمن الحاضر، ومضيّاً نحو المستقبل البعيد وقد وصلت البشرية إلى ذروتها، وتخلَّص الناس من الحب والجنس والعاطفة، وأصبحوا كائنات منطقية خالصة! لكن عبقرية برنارد شو في هذا الكتاب تكمن في تعامله مع فكرة الخلود، بحيوية وسخرية، مستكشفاً العواقب النفسية لطبيعة العقل البشري الذي يحتاج إليه الإنسان ليعيش ألف عام ويحكم نفسه بنفسه، ويتخلّص من الصراع والحروب والآفات التي تبدأ به وتنتهي بإفنائه»

جورج برنارد شو، كم هو معروف، كاتب مسرحي وروائي ومفكّر وناشط سياسي آيرلندي، وُلد في دبلن عام 1856 وتوفي عام 1950. عُرف بآرائه الساخرة المثيرة للجدل، ونزوعه التقدمي والرؤيوي، واشتراكيته الفابية. ألّف 5 روايات، و60 مسرحية، ضمّنها أفكاره ومقارباته السياسية والتاريخية والفلسفية، عدا عن مئات المقالات والمقدمات الفكرية لأعماله. من مسرحياته: «السلاح والإنسان»، 1894، و«الإنسان والسوبرمان»، 1903، و«بجماليون»، 1913. حين فاز بجائزة نوبل للآداب عام 1925 رفضها، قائلاً: «أستطيع أن أسامح نوبل على اختراعه الديناميت، لكنْ وحده شيطان بهيئة إنسان من كان بمقدوره اختراع جائزة نوبل»، لكنه عاد وقبل الجائزة بشرط ألا يتلقى قيمتها المالية.

أما أسامة منزلجي فهو مترجم سوري له كثير من الترجمات مثل رواية «ربيع أسود»، 1980، و«مدار السرطان» و«مدار الجدي» وثلاثية «الصلب الوردي»، لهنري ميللر، و«أهالي دبلن» لجيمس جويس، و«غاتسبي العظيم» و«الليل رقيق» و«هذا الجانب من الجنة» لسكوت فيتزجيرالد، ومسرحيات وروايات لتينسي وليامز وبول أوستر وفيليب روث وتيري إيغلتون وآلي سميث وإريكا يونغ.