براءة العيساوي من تهم الإرهاب في انتظار محاكمته بـ«الفساد»

السلطات العراقية تفرج عن قائدين في الحرس الجمهوري السابق

TT

براءة العيساوي من تهم الإرهاب في انتظار محاكمته بـ«الفساد»

أعلن مجلس القضاء الأعلى في العراق تبرئة وزير المالية الأسبق والزعيم السني البارز رافع العيساوي من تهم الإرهاب التي كان حكم عليه بالإعدام غيابيا بسببها، الأمر الذي جعله يخرج من العراق عام 2013.
وكانت أزمة العيساوي مع رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بدأت بعد قيام السلطات العراقية باعتقال 9 من عناصر حمايته بتهمة الإرهاب على أثر مظاهرة في الرمادي ضد سياسات الحكومة آنذاك. وقال المجلس في بيان أمس إنه «لاعتراض وزير المالية الأسبق رافع العيساوي على الأحكام الصادرة بحقه في قضايا الفساد الإداري، ونظرا لتسليم نفسه، واستنادا لأحكام المادة (247) من قانون أصول المحاكمات الجزائية تم قبول اعتراضه وإطلاق سراحه بكفالة ضامنة». وأضاف البيان «تم تحديد موعد لإجراء محاكمته عنها مجددا، حيث ستدقق المحكمة وقائع وأدلة الدعوى وتناقشها مع الجهات الإدارية والتحقيقية بحضور المتهم ومحامي الدفاع والجهات التي قدمت الشكوى بموجب محاكمة حضورية علنية وفقا للقانون». وأكد الخبير القانوني أحمد العبادي، وهو في الوقت نفسه المحامي الذي ترافع في قضية العيساوي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «بموجب القانون العراقي فإن الأحكام الغيابية التي تصدر بحق المتهم تسقط بمجرد قيامه بتسليم نفسه وتعاد محاكمته من جديد»، مبينا أن «العيساوي كان أبدى استعداده للمثول أمام القضاء العراقي لقناعته بأنه برئ من التهم التي وجهت له»، نافيا أن «يكون قد صدر عليه حكم إدانة بل أحكام غيابية تسقط بمجرد مثول المتهم أمام القضاء وهو ما حصل».
وبشأن ما إذا كان الأمر صفقة سياسية في هذا الوقت بالذات، يقول العبادي: «إنني أتحدث بالقانون ولا شأن لي بما عدا ذلك لكن القضية ليست وليدة ساعتها، حيث كنا نعمل من أجل تهيئة الأرضية القانونية لكي يأتي العيساوي بوصفه متهما ويواجه القضاء بنفسه منذ أكثر من 8 شهور». وحول الأحكام الأخرى التي تنتظر العيساوي، يقول العبادي إن «العيساوي خرج بكفالة من قبل أحد النواب وهو ينتظر موعدا جديدا لمحاكمته حضوريا خلال شهر يوليو (تموز) المقبل بتهم تتعلق بالفساد المالي والإداري».
إلى ذلك تظاهر العشرات أمام مقر مجلس القضاء الأعلى رفضا لقرار القضاء الإفراج عن العيساوي فيما قالت أطراف سياسية في كتل «الفتح» و«دولة القانون» و«الحكمة» أن عودة العيساوي تمثل صفقة سياسية تمهد لعودة كل المطلوبين للقضاء العراقي بمن فيهم طارق الهاشمي، نائب الرئيس العراقي الأسبق، وذلك بناء على ضغوط خارجية.
وتزامن الإفراج بكفالة عن العيساوي بكفالة مع إطلاق سراح اثنين من كبار قادة الحرس الجمهوري السابق بعد انتهاء محكوميتهما، وذلك من سجن الحوت في مدينة الناصرية جنوب بغداد هما اللواء الركن وليد توفيق التكريتي الذي حكم عليه بالسجن 17 سنة. وشغل التكريتي منصب آمر لواء في الحرس الجمهوري. أما القائد الثاني فهو العميد الركن برزان عبد الغفور سليمان، قائد الحرس الجمهوري في عهد صدام حسين.
وبينما يرى القيادي في ائتلاف دولة القانون سعد المطلبي أن تبرئة العيساوي تمهد لعودة كل المطلوبين للقضاء العراقي فإن القيادي السني والمتهم هو الآخر أثيل النجيفي يقول في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «اتهام الدكتور رافع العيساوي كانت بالأساس قضية غير واقعية ولا يمكن تصديقها»، مضيفا أن «القضايا التي تمت فبركتها ضده لم تكن تستند إلى أي أدلة موضوعية، بل كانت تعتمد بالدرجة الأولى على إبعاده عن العراق، وعدم تسهيل أمر عرضه على القضاء، وبالتالي منعه من حرية التقاضي».
وأضاف النجيفي أن «تبرئته من التهمة بعد عودته هو أمر طبيعي ومتوقع»، مبينا أن «هذه التبرئة سوف تغضب بعض القيادات السنية التي وجدت في الفراغ الذي تركه العيساوي فرصة لتقدمها».
لكن المطلبي يقول إن «العيساوي ما زالت تنتظره عدة قضايا بشأن الفساد المالي والإداري»، مضيفا أن «أحد الشهود في قضية اتهام العيساوي بالإرهاب غير إفادته لدى المحاكم المختصة ما أدى إلى الإفراج عنه». وأوضح المطلبي أن «الإفراج عن العيساوي يجعل جميع الظروف مهيأة لعودة جميع المطلوبين بالإرهاب من الخارج وإعادتهم إلى العراق والعملية السياسية».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.