أميركا تقترب من «فقدان السيطرة» على «كورونا»

في ظل ارتفاع الإصابات في كثير من الولايات

لافتة تعلن إعادة إغلاق منشأة في هيوستن بولاية تكساس التي تشهد طفرة في الإصابات بفيروس «كورونا» (أ.ب)
لافتة تعلن إعادة إغلاق منشأة في هيوستن بولاية تكساس التي تشهد طفرة في الإصابات بفيروس «كورونا» (أ.ب)
TT

أميركا تقترب من «فقدان السيطرة» على «كورونا»

لافتة تعلن إعادة إغلاق منشأة في هيوستن بولاية تكساس التي تشهد طفرة في الإصابات بفيروس «كورونا» (أ.ب)
لافتة تعلن إعادة إغلاق منشأة في هيوستن بولاية تكساس التي تشهد طفرة في الإصابات بفيروس «كورونا» (أ.ب)

حذّر وزير الصحة الأميركي، أليكس أزار، من أن الولايات المتحدة قد تفقد السيطرة على تفشي وباء «كورونا»، في ظل الارتفاع الجديد في حالات الإصابات بالفيروس التاجي في كثير من الولايات الأميركية. وحذّر من أن «النافذة تنغلق» على فرصة البلاد في اتخاذ إجراءات فعالة للحد من انتشار الفيروس؛ حيث تجاوز عدد الحالات المؤكدة 2.5 مليون مصاب.
وقال وزير الصحة، خلال مقابلة على شبكة «سي إن إن»، أمس، إن «هذا وضع خطير للغاية. النافذة تغلق لوقف انتشار الفيروس. علينا أن نتصرف، والناس أفراداً عليهم التصرف بمسؤولية. نحن بحاجة إلى المسافة الاجتماعية، نحتاج إلى ارتداء أغطية الوجه». واعترف بأن الولايات المتحدة تشهد ارتفاعاً في الحالات، وبأن غالبية المصابين الجدد من الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً، ما يعني أن «عدداً كبيراً من هؤلاء سيكونون بدون أعراض، ما يمثل تحدياً مختلفاً للسلطات التي تحاول السيطرة على تفشي المرض».
وقال أزار، أثناء ظهوره على شبكة «سي بي إس» أمس، إنه يجب على الأميركيين ممارسة الإجراءات الذكية لمنع الفيروس من الانتشار، بما في ذلك الابتعاد الاجتماعي وارتداء الأقنعة، لكنه أكد أن الاقتصاد الأميركي يحتاج لـ«العودة إلى العمل». وفيما يتعلق بإعادة فتح الاقتصاد، أوضح أن «الأمر لا يتعلق بإعادة الفتح أو عدم إعادة الفتح. لدينا كثير من المناطق في الولايات التي أعيد فتحها، مثل تلك الولايات الجنوبية التي لا تعاني من ذلك». وقال: «علينا العودة إلى العمل، والعودة إلى المدرسة والعودة إلى الرعاية الصحية. لقد رأينا ولايات أعيد فتحها، مثل بعض المقاطعات هنا، التي لم تشهد مثل هذا التفشي»، محذراً أنه «إذا لم نتصرف بمسؤولية، فسوف نرى حكام الولايات يتراجعون عن عمليات إعادة الفتح تلك».
وتابع الوزير قائلاً: «يجب أن نصل إلى السبب الذي يجعلنا نرى هذه الحالات تتصاعد في بعض المناطق. نحن نتحكم، جمعياً كأفراد، في سلوكنا الفردي للتأكد من أننا نمارس الإبعاد الاجتماعي المناسب، وارتداء أقنعة الوجه، عندما لا نكون قادرين على ممارسة النظافة الشخصية الجيدة، وخاصة حماية الأكثر ضعفاً منا».
وجاءت الارتفاعات الجديدة في عدد الحالات بعد أسابيع من بدء إعادة فتح الولايات، التي تم إغلاقها إلى حد كبير منذ شهور بسبب القيود المفروضة لمنع الفيروس من الانتشار. وحتى يوم أمس، أبلغت الولايات المتحدة عن أكثر من 2.5 مليون حالة من فيروس كورونا، وأكثر من 125 ألف حالة وفاة. وفي الأسابيع الأخيرة، عانت أجزاء عدة في البلاد من طفرات في عدد الحالات، ما دفع ولايات مثل تكساس وفلوريدا، إلى إيقاف خطط إعادة الفتح، وعودة إجراءات الإغلاق.
من جانبه، قال كبير خبراء الأمراض المعدية، أنتوني فاوتشي، إنه «متفائل بحذر» بأن لقاحاً للفيروسات التاجية سيكون متاحاً بحلول بداية عام 2021. لكنه حذر من أن الولايات المتحدة لن تصل على الأرجح إلى مناعة القطيع إذا رفض جزء كبير من السكان تناوله. وقال خلال مقابلة مع «سي إن إن» إنه سيقبل بلقاح فعال ولو بنسبة 70 إلى 75 في المائة، مشيراً إلى أن هذه النسبة ستوصل إلى مستوى مناعة القطيع. لكنه حذر من أنه «من المحتمل ألا تتمكن الولايات المتحدة من إخماد تفشي المرض إذا رفض 30 في المائة من السكان تناول اللقاح، كما أظهرت بعض استطلاعات الرأي». وأضاف فاوتشي، وهو عضو رئيسي في فرقة العمل المعنية بالفيروس التاجي بالبيت الأبيض، أن «هناك شعوراً عاماً مناهضاً للقاحات بين بعض الأشخاص في هذا البلد، وهي نسبة كبيرة مقلقة من الناس، بشكل نسبي».
وأظهرت استطلاعات أن شريحة كبيرة من الأميركيين مترددون في تلقي لقاح لفيروس «كورونا»، حتى لو كان مجاناً أو منخفض التكلفة لهم. ووجد مسح أجرته شبكة «سي إن إن» في مايو (أيار) أن نحو ثلث الأميركيين لن يسعوا للحصول على لقاح إذا كان متاحاً ورخيصاً على نطاق واسع. وأظهر استطلاع أجرته صحيفة «واشنطن بوست» في أوائل الشهر الحالي، أن 15 في المائة من الأميركيين يقولون إنهم بالتأكيد لن يحصلوا على لقاح، حتى لو كان مجانياً ومتاحاً على نطاق واسع لأي شخص. ومناعة القطيع هي حالة تكون فيها شريحة كافية من السكان في مأمن من مرض معدٍ من خلال اللقاح أو لديهم أجسام مضادة من المرض، ما يجعل انتشاره غير محتمل، وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.
في غضون ذلك، أعلنت ولاية نيويورك، التي كانت مركز تفشي المرض في الولايات المتحدة خلال شهري أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، وأصدرت إجراءات صارمة للبقاء في المنزل، عن تسجيل أقل عدد من الوفيات يوم الأحد. لكن ولاية تكساس أعلنت في المقابل أنها تسجل 5 آلاف إصابة يومياً بعدما كانت الإصابات بحدود 2000 حالة في اليوم خلال الأسابيع الماضية.



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».