وساطة روسية بين «الفليق الخامس» وقوات النظام في درعا

بعد وقوع قتلى باشتباكات السبت الماضي

بعد اشتباكات قرب حاجز للنظام السوري في درعا السبت الماضي (الشرق الأوسط)
بعد اشتباكات قرب حاجز للنظام السوري في درعا السبت الماضي (الشرق الأوسط)
TT

وساطة روسية بين «الفليق الخامس» وقوات النظام في درعا

بعد اشتباكات قرب حاجز للنظام السوري في درعا السبت الماضي (الشرق الأوسط)
بعد اشتباكات قرب حاجز للنظام السوري في درعا السبت الماضي (الشرق الأوسط)

وصل وفد روسي إلى درعا، جنوب سوريا، والتقى عناصر وقيادات في «الفيلق الخامس» المدعوم من قاعدة حميميم بعد مقتل عناصر من قوات النظام بهجوم من «الفيلق»، السبت الماضي، وذلك في محاولة لتخفيف التوتر في الجنوب السوري.
وقتل اثنان من عناصر «الفيلق الخامس» في بلدة محجة بريف درعا الشمالي الشرقي، بعد اشتباكات مع عناصر من فرع أمن الدولة التابع لقوات النظام السوري عند مدخل البلدة، فيما قتل الرائد علي يوسف معلا من مرتبات الفرقة الخامسة، المسؤول عن الحاجز الواقع شرق محجة، حيث دارت الاشتباكات، والمجند أحمد وليد الصباح من مرتبات فرع أمن الدولة، على خلفية الاشتباكات التي دارت مع عناصر «الفيلق الخامس»، أعقبتها حالة توتر شديدة في مناطق سيطرة الفيلق وبلدة محجة إثر مقتل العناصر.
وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط»، إن القوات الروسية سارعت للتدخل، واتجه رتل عسكري روسي مع عناصر من الفيلق من مدينة بصرى الشام شرق درعا، معقل قوات الفيلق الخامس جنوب سوريا، إلى بلدة محجة، بعد محاصرة مجموعة الفيلق في البلدة من قبل قوات النظام التي استقدمت تعزيزات عسكرية إلى نقاطها في محيط محجة بعد الحادثة، وعلى أثر تدخل الجانب الروسي، فضت الاشتباكات بين عناصر الفيلق وأمن الدولة، وأخذ الفيلق القتيلين من عناصره، وأسعفوا 3 آخرين أصيبوا بجروح جراء الاشتباكات، وفك الطوق العسكري على مجموعة الفيلق التي حوصرت داخل بلدة محجة.
وأضافت المصادر أنّ التوتر امتد ليشمل المناطق التي ينحدر منها القتلى والمصابون من عناصر الفيلق التي ينتشر بها عناصر النظام في بلدات كحيل وصيدا، شرق درعا، حيث غادرت عناصر النظام من حواجزها على مداخل ومخارج هذه البلدات، دون اشتباكات أو خلاف مع عناصر الفيلق، خوفاً من ردات الفعل، وقام عناصر الفيلق الخامس الذي شُكل من عناصر التسوية والمصالحة برعاية روسية بوضع عناصره على هذه الحواجز.
من جهتها، قالت مصادر محلية من بلدة محجة، «إن أسباب الاشتباكات بين الفيلق الخامس وعناصر أمن الدولة، بدأت بخلاف، وتطورت إلى اشتباكات، بعد أن أقدم عناصر حاجز أمن الدولة عند مدخل البلدة الشرقي على ضرب أحد المواطنين، يدعى وسيم الأحمد من أبناء البلدة، كان يشغل منصب رئيس المجلس المحلي المدني سابقاً قبل سيطرة النظام على البلدة، ما دفع عناصر الفيلق للتدخل ومهاجمة الحاجز وتطور إلى اشتباك مسلح، باعتبار أن وسيم محسوب على عناصر الفيلق الخامس الموجودة في البلدة، ويحظى بعلاقات جيدة معهم، كما أن خلافاً سابقاً حدث قبل فترة وجيزة بين عناصر الفيلق الخامس الموجودين في بلدة محجة، وفرع أمن الدولة، بعد أن قام أبو أكرم شبانة المسؤول عن عناصر الفيلق في بلدة محجة بإطلاق النار في حفل زفاف شقيقه، وقدوم دورية من أمن الدولة إلى الحفل، وطالبت بتسليم السلاح الذي أطلق النار، حينها حدث خلاف مع عناصر الفيلق والدورية، وتطورت إلى ضرب عناصر الدورية، وانتهت بانسحاب الدورية وعناصر الفيلق، دون وقوع اشتباكات مسلحة حينها».
وقال ناشطون إن مجهولين استهدفوا بالأسلحة الخفيفة حاجزاً يتبع لفرع المخابرات الجوية قرب بلدة عين ذكر في ريف درعا الغربي، وهي من المناطق التي كان ينتشر فيها تنظيم «داعش» سابقاً قبل سيطرة النظام على المنطقة برعاية روسية في يوليو (تموز) 2018.
يذكر أنه قتل تسعة عناصر من قوات الفيلق الخامس في درعا، السبت الماضي 20 يونيو (حزيران)، بعد انفجار عبوة ناسفة مركونة على الطريق العامة عند بلدة كحيل بريف درعا الشرقي، مستهدفة حافلة كان يستقلها حوالي 40 عنصراً من قوات اللواء الثامن في الفيلق الخامس الروسي في درعا، الذين معظمهم مقاتلون سابقون في صفوف فصائل المعارضة، ممن أجروا تسويات مع النظام، وانظموا لقوات الفيلق الخامس في درعا بعد اتفاق التسوية، وخرجت أثناء تشييع عناصر الفيلق مظاهرة كبيرة في مدينة بصرى الشام بمشاركة أعداد كبيرة، وحضور وجهاء عشائر المنطقة وأعضاء اللجان المركزية للتفاوض، طالبت بخروج إيران من سوريا، وهتفت ضد «حزب الله»، وقال قائد قوات الفيلق الخامس في درعا أحمد العودة، في عزاء عناصر الفيلق، إن «حوران قريباً ستكون جسماً واحداً وجيشاً واحداً لحماية حوران، وليكون الأداة الأقوى لحماية سوريا كلها»، بالتزامن مع الدعوات التي أطلقها الفيلق الخامس لضم المزيد من أبناء المنطقة الجنوبية إلى قوامه، وإقبال أعداد كبيرة من الشباب للانضمام إلى الفيلق الخامس يتم تدريبهم في مدينة بصرى الشام، معقل قوات الفيلق الخامس جنوب سوريا.
ويلاحظ في جنوب سوريا نشاط لـ«الفيلق الخامس» وتدخله في معظم الحوادث العسكرية التي تحدث جنوب سوريا، خصوصاً في مناطق نفوذه، ما اعتبره مراقبون بمثابة الضوء الأخضر الروسي للحد من خروقات وانتهاكات قوات النظام السوري، خصوصاً في مناطق التسويات، باعتبارها الضامن الدولي لاتفاقات التسوية التي تحدث في سوريا، وتسعى لتكون صاحبة الدور الأول في أي اتفاقيات دولية تخص سوريا، كما حظيت قوات الفيلق بتأييد شعبي كبير جنوب سوريا، لتدخل الفيلق في عدة مناسبات تظهر السلطة الممنوحة له على حساب قوات النظام في المنطقة، ومنع الأخيرة من ارتكاب خروقات باتفاق التسوية الذي ترعاه روسيا في المنطقة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.