تحالف «الفتح» يضغط على رئيس الوزراء العراقي من بوابة «كورونا»

أطرافه تسعى إلى إثارة الأوساط الشعبية ضد الكاظمي

مقبرة لضحايا «كورونا» قرب النجف (إ.ب.أ)
مقبرة لضحايا «كورونا» قرب النجف (إ.ب.أ)
TT

تحالف «الفتح» يضغط على رئيس الوزراء العراقي من بوابة «كورونا»

مقبرة لضحايا «كورونا» قرب النجف (إ.ب.أ)
مقبرة لضحايا «كورونا» قرب النجف (إ.ب.أ)

بالرغم من التبرير الذي ساقه زعيم تحالف «الفتح» هادي العامري، لحضوره حفل تكليف رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ألا وهو «تحقيق الإجماع»، فإن حكومة الكاظمي التي لم تكمل شهرها الأول بعد هي الوحيدة من بين حكومات ما بعد 2003 بدون شهر عسل. فالطرف القوي (البيت الشيعي) الذي جاء بالكاظمي (البيت الشيعي) بقي، حتى لحظة التصفيق في قصر السلام لتكليف رئيس الوزراء الجديد، منقسماً على نفسه.
العامري الذي يتكلم عادة بصراحة لا يملكها سواه أقر بأن القبول بالكاظمي كان اضطرارياً مع بدائل رفضت قبله كان يمكن أن تكون مقدمة لشق البيت الشيعي أكثر، وبالذات القبول بالمرشح الثاني لرئاسة الحكومة عدنان الزرفي، الذي آثر الاعتذار، بعد أن كان قارب على تولي المنصب لو ذهب بتشكيلته إلى البرلمان.
الكاظمي، من جهته، كان يعرف أن حفل زفاف تكليفه القصير في قصر السلام انتهى عند بوابة القصر، ليواجه وحده مسؤولية إيجاد حلول لأزمات البلاد، في مقدمتها أزمة مالية حادة وأزمة صحية بدأت تتفاعل بطريقة أكثر سوءاً مما كانت عليه أيام حكومة تصريف الأعمال الطويلة، برئاسة عادل عبد المهدي (حوالي ستة شهور).
وهناك أيضاً المواجهة التي حصلت أواخر الأسبوع الماضي مع «كتائب حزب الله» الموالية لإيران، التي لا يزال الجدل يدور حول مصير معتقليها الـ14، وما إذا كانوا معتقلين تحت سلطة الكاظمي، أم تحت سلطة قوى «الحشد الشعبي»، وهو أقرب ما يكون إلى إطلاق سراح مثلما أوضح أمس الاثنين أبو علي العسكري، أحد قياديي «الكتائب»، الذي شن هجوماً عنيفاً على الكاظمي. وقال العسكري في تغريدة على «تويتر» إنه «تم إكمال جميع الإجراءات القانونية من التهم الكيدية الموجهة للإخوة، وسيتم رفع دعوى خطف ضد الكاظمي». وتوعد العسكري ببث «لقاء متلفز مع الشباب المحررين بتفصيل أكثر»، على حد قوله.
إلى ذلك، وطبقاً لمصدر سياسي رفيع المستوى، فإن اجتماع القوى السياسية الشيعية في منزل العامري، أول من أمس، انتهى بوجوب إيصال رسائل لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، تعبر عن «السخط» حيال أداء الحكومة في ملف أزمة «كورونا»، و«عدم الرضا» حيال استهداف «الحشد الشعبي». وحسب المصدر، فإن «الاجتماع المذكور حضره رئيس ائتلاف (دولة القانون) نوري المالكي و(رئيس هيئة الحشد) فالح الفياض»، وهو ما يعني ضمناً عدم حضور الصدريين وزعيم تيار «الحكمة» عمار الحكيم ورئيس ائتلاف «النصر» حيدر العبادي، الأمر الذي يؤكد استمرار الانشقاق داخل البيت الشيعي الذي قد يستثمره الكاظمي لصالحه، مع أن الغطاء الذي استخدم لعزل هذه القوى على الكاظمي يتعلق بالدرجة الأولى بملف «كورونا»، التي يراد تحميل الكاظمي مسؤولية تداعياتها.
غير أن الكاظمي يملك الحجة القاطعة بشأن عدم مسؤوليته بسبب كون عمر حكومته لا يتعدى عملياً الشهر من لحظة التشكيل حتى الاكتمال، فضلاً عن أن تداعيات «كورونا» تعود بالأساس إلى النظام الصحي المتهالك في العراق قبل الكاظمي بنحو 17 عاماً، وهو عمر كل الحكومات التي سبقته، يضاف إلى أن عمر أزمة «كورونا» يسبق تولي الكاظمي المسؤولية بأكثر من 3 شهور.
وطبقاً لما يراه المراقبون السياسيون، فإن الكاظمي نجح في كسب الجولة الأولى من المواجهة إعلامياً وشعبياً، وهو ما يؤشر لارتفاع شعبيته، وإنه في حال فتح مواجهة معه باستضافته داخل البرلمان، عبر بوابة «كورونا»، يمكن أن يساعد في إثارة غضب الناس عليه وعلى حكومته.
وفي سياق صيغ المواجهة مع الكاظمي، فإن قوى «الفتح» بدأت تركز على المهمة الوحيدة التي يتعين على الكاظمي القيام بها، وهي الانتخابات المبكرة. وهذا ما عبر عنه زعيم «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي، الذي طالب الكاظمي بـ«التغليس» (التغاضي) عن أي استهداف للمصالح الأميركية، مثلما كان يفعل سابقوه من رؤساء الحكومات، وهو أيضاً ما عبر عنه النائب عن تحالف «الفتح» أحمد الأسدي بأن «مهمة الكاظمي هي إعادة هيبة الدولة وإجراء انتخابات مبكرة».
وفي سياق ما أقدم عليه الكاظمي من خطوة ضد «الكتائب»، وصفت بأنها هي الأكثر جرأة من كل ما قامت به الحكومات السابقة، أو ما سوف يقدم عليه في المستقبل، يقول فرهاد علاء الدين رئيس المجلس الاستشاري العراقي لـ«الشرق الأوسط»، إن «ما قدمه الكاظمي حتى الآن غير محكوم عليه من قبل المراقبين»، مبيناً أن «هناك خلافات في وجهات النظر، حيث هناك من يرى أن يكمل على الأقل 100 يوم في المنصب، ونرى ما سيكون عليه الأداء خلال هذه الفترة». وأضاف أن «هناك فريقاً آخر يريد أن يحكم بما رأى لحد الآن، ويعتبر الأداء غير ما كان متوقعاً منه». وبين علاء الدين أن «الإجراءات الإدارية والأمنية والمالية حتى الآن تبدو غير منضبطة، وربما مبهمة، بقدر ما، تنطوي على علامات تفاؤل، فإنها تنطوي كذلك على علامات تشاؤم».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.