قرار قضائي «غير مألوف» يمنع وسائل الإعلام من استصراح السفيرة الأميركية

«سابقة» استدعت ردوداً سياسية وقانونية وإعلامية

دياب مجتمعًا مع السفيرة الأميركية في وقت سابق (أرشيفية)
دياب مجتمعًا مع السفيرة الأميركية في وقت سابق (أرشيفية)
TT

قرار قضائي «غير مألوف» يمنع وسائل الإعلام من استصراح السفيرة الأميركية

دياب مجتمعًا مع السفيرة الأميركية في وقت سابق (أرشيفية)
دياب مجتمعًا مع السفيرة الأميركية في وقت سابق (أرشيفية)

سجّل قاضٍ لبناني سابقة على الأراضي اللبنانية بإصدار قرار نادر وغير مألوف، يمنع فيه وسائل الإعلام اللبنانية والعاملة على الأراضي اللبنانية من استصراح السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيّا لمدة عام، تحت طائلة التغريم وتوقيف الوسيلة الإعلامية المخالفة عن العمل.
والقرار الذي فاجأ كثيرين على الأراضي اللبنانية، وصفه حقوقيون بأنه «غير اعتيادي وغير مألوف ومستغرب وغير مسبوق»، كون التعاطي مع الدبلوماسيين يتم وفق أعراف دبلوماسية أولاً، وليس من صلاحيات قضاء العجلة، فضلاً عن أن القرار يفرض وصاية قضائية غير مسبوقة على الإعلام اللبناني ووسائل الإعلام العاملة على الأراضي اللبنانية، وهي الأولى من نوعها.
ورفضت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد القرار، قائلة في تغريدة لها في «تويتر»: «أتفهم غيرة القضاء على أمن الوطن من تدخل بعض الدبلوماسيين في شؤونه الداخلية. لكن لا يحق لأحد منع الإعلام من نقل الخبر والحد من الحرية الإعلامية... وفي حال لدى أحد مشكلة مع الإعلام فليكن الحل عبر وزارة الإعلام والنقابة والدور الاستشاري للمجلس الوطني للإعلام وانتهاءً بمحكمة المطبوعات».
وأصدر قاضي الأمور المستعجلة في صور محمد مازح أمس، قراراً يمنع بموجبه أي وسيلة إعلامية لبنانية من أخذ تصريح للسفيرة الأميركية دوروثي شيا. وجاء الحكم بناءً على دعوى تقدمت بها اللبنانية فاتن علي قصير التي رأت أن السفيرة شيا وخلال مقابلة مع قناة «الحدث» أول من أمس، أدلت «بتصريحات مسيئة للشعب اللبناني ومثيرة للفتن والعصبيات ومن شأنها تأجيج الصراعات المذهبية والطائفية وتشكّل خطراً على السلم الأهلي والعيش المشترك»، حسبما زعمت في نص الدعوى.
وكانت السفيرة شيا قد قالت في مقابلة مع قناة «الحدث» أول من أمس، إنّ «(حزب الله) بنى دولة داخل الدولة استنزفت لبنان»، وأنّ «دويلة (حزب الله) كلفت الدولة اللبنانية مليارات الدولارات». وقالت: «مليارات الدولارات ذهبت لدويلة (حزب الله) بدل الخزينة الحكومية».
واللافت في القرار أنه يمنع جميع الوسائل الإعلامية من استصراحها وإجراء مقابلات معها، إذ نص على «منع أي وسيلة إعلامية لبنانية أو أجنبية تعمل على الأراضي اللبنانية سواء أكانت مرئية أو مسموعة أو مكتوبة أو إلكترونية بإجراء أي مقابلة مع السفيرة الأميركية أو أي حديث معها لمدة سنة تحت طائلة وقف الوسيلة الإعلامية عن العمل لمدة مماثلة في حال عدم التقيد بهذا القرار وتحت طائلة إلزام الوسيلة بدفع 200 ألف دولار أميركي كغرامة إكراهية» في حال عدم الالتزام بهذا الأمر. وأبلغ القاضي وزارة الإعلام والمجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع بهذا القرار لتعميمه على وسائل الإعلام.
ويؤكد الخبير الدستوري والباحث القانوني الدكتور أنطوان صفير، أن القرار يمثل سابقة في القضاء اللبناني، قائلاً: إن القرار «مستغرب، وخارج عن سياق الصلاحيات»، مشدداً على أن الملف تعالجه وفق القانون وزارة الخارجية، وهو مرتبط بالعلاقات الدبلوماسية وليس بالسلطة القضائية».
وقال صفير لـ«الشرق الأوسط» إن موضوع منع وسائل الإعلام «ينطوي على مخاطر كبيرة»، ذلك أن «قاضي الأمور المستعجلة يمكنه اتخاذ قرار بحق وسيلة إعلامية واحدة، وليس جميع وسائل الإعلام»، مؤكداً أن ملف السفراء «خارج صلاحيات القضاء أساساً».
ورأى رئيس مؤسسة «جوستيسيا» البروفسور بول مرقص، أن هذا القرار «غير اعتيادي وغير مألوف» لأن العلاقات الدبلوماسية بين الدول «تخضع لاتفاقيات دولية بينها اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، وبالتالي، هذه الاتفاقيات تعطي للسفراء امتيازات وحصانات وتفرض أصولاً ومعايير للتعاطي معهم».
وقال مرقص لـ«الشرق الأوسط» إن هذا القرار الذي يمنع وسائل الإعلام من استصراح السفيرة «هو بمثابة عقوبة عليها، كونه يمنعها من التصريح، خلافاً للأصول الخاصة والامتيازات والحصانات التي تمنحها الاتفاقيات الدولية لممثلي البعثات الدبلوماسية» مثل التخاطب عبر وزارة الخارجية. وشدد على أن قراراً مشابهاً «لا يعود حكماً لقاضي الأمور المستعجلة». وقال إنه من الناحية القانونية، بمثابة «أمر على عريضة» قابل للاعتراض عليه أمام القاضي نفسه الذي يمكن له الرجوع عنه وقابل للفسخ أمام محكمة الاستئناف.
في الردود، سخر الوزير السابق الدكتور ريشار قيومجيان، من القرار، وقال ساخراً: «‫إنجاز قضائي ودبلوماسي عظيم سينقذ لبنان اقتصادياً ومالياً ويفتح الباب أمام المساعدات من كل حدب وصوب ‫بانتظار التبليغ الشرعي والفتوى ذات الصلة»، مستهجناً تخطي اتفاقية فيينا.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.