تركيا أمام «الخط الأحمر» المصري في معركة سرت

الخارجية الأميركية لـ «الشرق الأوسط»: من الضروري وقف النار فوراً... {أفريكوم}: التدخل الروسي يؤخر الحل

تركيا أمام «الخط الأحمر» المصري في معركة سرت
TT

تركيا أمام «الخط الأحمر» المصري في معركة سرت

تركيا أمام «الخط الأحمر» المصري في معركة سرت

في وقت تتجه فيه الأنظار إلى معركة مرتقبة قد تشهدها مدينة سرت الليبية بين قوات حكومة «الوفاق»، بدعم من الجيش التركي، وقوات «الجيش الوطني»، بدعم محتمل من الجيش المصري، يُعتبر موقف الولايات المتحدة محورياً لجهة حصول المعركة أو تفاديها.
ورغم الانتقادات التي توجّه للأميركيين بخصوص ما يوصف بـ«غض الطرف» عن الانخراط العسكري التركي في ليبيا، فإن تصريحاتهم الرسمية الأخيرة توحي بميلهم إلى وقف المعركة المرتقبة، من خلال التشديد على رفضهم القتال «الهجومي»، وعودة الحوار الليبي – الليبي.
وأجاب مسؤولون أميركيون من السياسيين والعسكريين عن أسئلة وجهتها «الشرق الأوسط» حول سياستهم الليبية. لكن ردودهم تميّزت بإصرار على عدم تناول الدور التركي بالاسم، والاكتفاء بالإشارة إليه من خلال الحديث العام عن الأطراف الخارجية كافة، التي تتدخل في ليبيا.
التقرير التالي يحاول تقديم إجابات لبعض الأسئلة الساخنة التي تتعلق بليبيا حالياً:

معركة سرت والجفرة
تحشد قوات حكومة «الوفاق» منذ أسابيع قواتها، استعداداً للتحرك شرق مدينة مصراتة في اتجاه سرت الساحلية، وكذلك في اتجاه الجفرة بعمق الصحراء الليبية (قرابة 270 كلم جنوب سرت). وجاءت هذه الحشود في أعقاب تمكن قوات «الوفاق»، بدعم جوي تركي وإسناد من آلاف المرتزقة السوريين، من السيطرة على كامل المنطقة الغربية، بعد اضطرار «الجيش الوطني» إلى الانسحاب منها. وسمح هذا الانسحاب لقوات «الوفاق» بأن تركّز ثقلها على جبهتين فقط (سرت والجفرة)، بعدما كانت موزعة على جبهات كثيرة في غرب البلاد: قاعدة الوطية الجوية، مدن الساحل الغربي (صبراتة وصرمان)، جبهات الجبل الغربي (الأصابعة)، وصولاً إلى محاور جنوب طرابلس وجنوبها الشرقي، ومنها إلى ترهونة وبني وليد. وبعد إكمال السيطرة على مناطق الغرب، تحركت قوات «الوفاق» بسرعة، مستغلة نكسات «الجيش الوطني»، وحاولت التقدم نحو سرت، وسيطرت على محطتها الكهربائية (30 كيلومتراً غرب المدينة). لكن هجومها فشل بعدما تعرضت لضربات جوية، تردد أنها أوقعت عشرات القتلى من أبناء مدينة مصراتة التي تشكّل رأس الحربة لقوات «الوفاق»، وتُعتبر مصدراً أساسياً لتيارات الإسلاميين الذين تدعمهم تركيا.

من قام بالقصف؟
ليس واضحاً تماماً. «الجيش الوطني» الليبي يقول إن سلاحه الجوي يقوم بالمهمات المطلوبة منه، بما في ذلك تأمين غطاء جوي لحماية سرت. لكن تقارير أخرى تفيد بأن طيارين تابعين لمجموعة «فاغنر» الروسية هم من يقوم بذلك.
وبحسب القيادة الأميركية لأفريقيا (أفريكوم)، تشارك طائرات حربية تابعة لهذه المجموعة الروسية في العمليات القتالية الجارية حالياً قرب سرت (حيث تقع قاعدة جوية ضخمة هي قاعدة القرضابية)، وكذلك الجفرة، حيث تقع قاعدة ضخمة بين ودان وهون في الصحراء الليبية.
ووزعت «أفريكوم» أخيراً صوراً تؤكد وصول ما لا يقل عن 14 طائرة حربية من طرازي «ميغ 29» و«سوخوي 24» إلى ليبيا، بعدما جاءت مباشرة من روسيا عبر سوريا، حيث أعيد طلاؤها لـ«إخفاء» حقيقة مصدرها. وتقول ناطقة باسم «أفريكوم» في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، إن القيادة الأميركية «لا تملك حالياً دليلاً على أن الطائرات الروسية في ليبيا يطير بها (طيارون من) القوات المسلحة الروسية. ولكن هناك قلقاً من أن الطائرات الروسية يقودها مرتزقة لا يملكون الخبرة» للقيام بهذه المهمة. مضيفة «يمكن لـ(أفريكوم) أن تؤكد أن هناك قرابة 2000 شخص يعملون لـ(فاغنر) في ليبيا». لكن الناطقة امتنعت عن القول إن كانت تعتقد «أفريكوم» أن مجموعة «فاغنر» يمكن أن تنتشر في ليبيا، لو لم تكن قد نالت موافقة من أعلى سلطة في الكرملين. وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر من مرة أن حكومة بلاده لا تتدخل في ليبيا، مشيراً إلى أنه في حال كان هناك مواطنون روس بالفعل فإنهم لا يمثلون حكومته. غير أن ناطقة «أفريكوم» تقول في تصريحاتها لـ«الشرق الأوسط»، إن «الشركات الأمنية الخاصة المدعومة من الحكومة الروسية، مثل مجموعة (فاغنر)، تعمل بنشاط في 16 دولة على امتداد قارة أفريقيا»، بما في ذلك ليبيا.

ماذا تريد روسيا؟
حذّرت الولايات المتحدة أكثر من مرة، أخيراً، من خطورة السماح لروسيا بإقامة قاعدة لها في ليبيا، معتبرة ذلك تهديداً محتملاً لأمن حلف شمال الأطلسي (الناتو). وقال عميد مشاة البحرية الأميركية برادفرد غيرنغ، مدير العمليات بـ«أفريكوم»، إن روسيا «تواصل الضغط من أجل موطئ قدم استراتيجي على الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي، وهذا يأتي على حساب أرواح ليبيين أبرياء».
وفي حال أنشأت روسيا قاعدة لها على السواحل الليبية، ستكون القاعدة الثانية لها على المتوسط بعد طرطوس السورية، وسيكون في مقدورها في هذه الحالة نشر منظومة صاروخية طويلة المدى في «موقع استراتيجي قريب من أوروبا»، وهو أمر يصفه مسؤولون عسكريون أميركيون بأنه يمثّل «تغييراً في قواعد اللعبة».
ويرفض مسؤولون أميركيون الغوص في تفاصيل القاعدة الروسية المزعومة، وهل التحذير منها يعتمد فقط على مخاوف أمنية من تهديد محتمل لـ«الناتو» في أوروبا، أم أن هناك أدلة تؤكد أن الروس يعملون فعلاً على إنشاء موطئ قدم لهم في ليبيا.
ويبدي الأميركيون حذراً شديداً في حديثهم عن هذا الموضوع؛ إذ اكتفت الناطقة باسم «أفريكوم» بالقول، «إننا نعتقد أن التدخل الروسي في ليبيا لا يؤدي سوى إلى تأخير الحل السياسي».
وكانت حكومة «الوفاق» قد وزعت قبل أيام ما وصفتها بـ«اعترافات» أدلى بها الباحث الاجتماعي مكسيم شوغالي، الذي قُدّم بوصفه جاسوساً روسياً معتقلاً منذ عام 2019 في ليبيا. وتضمنت الاعترافات المزعومة أن بلاده كانت تعمل على إنشاء قاعدة لها في ليبيا. ونفت الشركة التي كان يعمل لها شوغالي اتهامات حكومة طرابلس، وأطلقت حملة إعلامية، قبل أسابيع، للضغط من أجل تأمين الإفراج عنه. وأثارت موسكو علناً قضيته مع مسؤولين ليبيين (عضو المجلس الرئاسي أحمد معيتيق)، وعلى الأرجح مع تركيا أيضاً. وثمة تكهنات بأن الأميركيين هم من لفت نظر حكومة طرابلس إلى تحركات شوغالي؛ ما أدى إلى توقيفه (علماً بأنه اجتمع آنذاك بسيف الإسلام القذافي).
وإذا ما تأكدت «الاعترافات» المزعومة، التي نشرتها حكومة «الوفاق» على لسانه، بما في ذلك حديثه عن سعي روسيا إلى قاعدة في ليبيا، فإن الأميركيين يعلمون بالتأكيد أكثر مما يقولون بخصوص التهديد المحتمل لـ«الناتو» من الضفة الجنوبية للمتوسط. لكن لا بد من الأخذ في الاعتبار أن أي أقوال منسوبة لشوغالي قد تكون انتزعت منه بالإكراه على أيدي ميليشيات مسلحة في طرابلس، وهو أمر ركّز عليه الفيلم الدعائي، الذي بُث دفاعاً عنه أخيراً في موسكو.

ماذا تريد أميركا؟
يقول ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، «لنكن واضحين، الولايات المتحدة تعارض تصاعد التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا من كل الجهات. ومن الضروري وقف إطلاق النار فوراً واحترام حظر السلاح، الذي تفرضه الأمم المتحدة على الأطراف كافة. نحض جميع الأطراف على التزام وقف النار، واستئناف المفاوضات فوراً. ويجب أن نبني على التقدم الذي تحقق من خلال محادثات (5 + 5)، التي تقوم بها الأمم المتحدة (بين عسكريي حكومة الوفاق والجيش الوطني) وعملية برلين».
ويعني «وقف النار الفوري» أن الأميركيين يعارضون الهجوم الذي تحضّر له حكومة «الوفاق» والأتراك، وهو أمر تبلغته حكومة «الوفاق» في اللقاء، الذي جمع رئيس مجلسها الرئاسي فائز السراج مع السفير الأميركي في ليبيا ريتشارد نورلاند وقائد «أفريكوم» الجنرال، ستيفن، تاونسند في مدينة زوارة غرب ليبيا في 22 من يونيو (حزيران) الحالي.
وقالت قيادة «أفريكوم»، إن هذا اللقاء «عُقد للتشديد على الموقف الأميركي بخصوص أن السلام في ليبيا يجب أن يتحقق من خلال عملية سياسية، وليس بوسائل عسكرية». وأوضحت، أن اللقاء «ركّز على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار وإنهاء العمليات القتالية الهجومية من كل الأطراف».
ورغم هذا التعبير الواضح على رفض القتال «الهجومي»، فإن تصريحات مسؤولي «الوفاق» ومسؤولين أتراك أكدت لاحقاً رفضهم وقف النار قبل انسحاب «الجيش الوطني» من سرت والجفرة.

{الخط الأحمر} المصري
حددت القيادة المصرية، على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي، خطاً أحمر لتركيا في ليبيا. تمثّل الموقف المصري في البدء بدعوة إلى استئناف محادثات التسوية السياسية بين الأطراف الليبية والتزام هدنة؛ ما يعني بقاء خطوط الانتشار العسكرية كما هي بعد انسحاب «الجيش الوطني» من غرب البلاد. لكن تركيا وحلفاؤها استمروا في التهديد بالتوجه شرقاً، والسيطرة على سرت والجفرة، وسط تقارير عن جسر جوي جديد للطائرات التركية إلى مصراتة، ونقل مزيد من الأسلحة والتعزيزات. واستدعى ذلك، كما يبدو، انتقال الرئيس السيسي بنفسه إلى قاعدة سيدي براني غرب مصر، حيث أبلغ جنوده بالاستعداد لاحتمال القيام بعمل عسكري في ليبيا، معلناً بشكل واضح أن سرت والجفرة خط أحمر لأمن بلاده القومي.
وواضح أن المصريين يعتبرون أن خطط تركيا لليبيا تتضمن استهدافاً مباشراً لهم، من خلال إنشاء نظام تهمين عليه جماعة «الإخوان» في طرابلس، مع ما يعني ذلك من إمكان انتقال «إخوان مصر»، الذين تؤويهم تركيا، إلى ليبيا كي يكونوا على خط تماس مباشر مع مصر (بعدما فقدوا قاعدة أخرى لهم في السودان). وتنظر مصر، كما يبدو، إلى مثل هذا الاحتمال بقلق، رافضة السماح بعودة الوضع إلى سابق عهده عندما كان متشددون مصريون يتخذون من ليبيا قاعدة لهم (مجموعة هشام عشماوي في درنة أحد أبرز الأدلة على ذلك).

فرنسا ـ تركيا
الموقف الفرنسي الحالي شديد الوضوح بمعارضته للدور التركي في ليبيا، وقد عبّر عنه علناً الرئيس إيمانويل ماكرون. ويخشى الفرنسيون أن يستخدم الرئيس رجب طيب إردوغان ليبيا لابتزاز أوروبا مثل ما فعل سابقاً بورقة المهاجرين، الذين فتح حدود بلاده أمامهم لـ«غزو» أوروبا، بحسب ما يقول منتقدون لسياساته.
وإضافة إلى ذلك، يخشى الفرنسيون أيضاً أن ينجح إردوغان في إنشاء قاعدة لتيارات الإسلام السياسي المتشدد في ليبيا، مشيرين إلى نقل الأتراك إلى هذا البلد ما يصل إلى 10 آلاف مرتزق سوري من جماعات، بعضها يوصف بالتشدد، وبعضها كان جزءاً من «داعش» و«النصرة».
ويجادل الأتراك، في المقابل، بأن الفرنسيين كانوا يدعمون «الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر، الذي يعتبرونه «غير شرعي»، بينما هم جاءوا إلى ليبيا بناءً على طلب من «الحكومة المعترف بها من الأمم المتحدة»، في إشارة إلى حكومة فائز السراج المنبثقة من «اتفاق الصخيرات» بالمغرب في ديسمبر (كانون الأول) عام 2015.
وتعترف الأمم المتحدة بالفعل بحكومة السراج، لكن منتقدين يقولون إن هذه الحكومة تفتقد الشرعية كونها لم تحصل على ثقة مجلس النواب الليبي، وكون فترة صلاحيتها المنصوص عليها في اتفاق الصخيرات تتحدث عن سنة ونصف السنة فقط، وهي فترة انقضت منذ زمن طويل.
وعلى رغم استمرار اتصالات فرنسا مع حكومة السراج، فإن هناك احتمالاً بأن تلجأ باريس إلى سحب غطاء الشرعية عنها؛ ما يعني اقترابها أكثر من الموقف المصري، الذي يتحدث عن جهة واحدة لها الشرعية في ليبيا، هي مجلس النواب المنتخب من الشعب (انتخابات 2014). وقد أعلن رئيس هذا المجلس، المستشار عقيلة صالح عيسى، دعمه الواضح للموقف المصري، بما في ذلك إمكان التدخل عسكرياً إذا حاولت تركيا السيطرة على سرت والجفرة، والتقدم شرقاً نحو الهلال النفطي.

مجلس النواب الليبي
برز دور رئيس مجلس النواب الليبي بشكل لافت أخيراً؛ إذ ظهر في المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيس السيسي مع المشير حفتر، والذي أُعلنت فيه مبادرة إطلاق الحوار الليبي – الليبي (إعلان القاهرة). كما سافر عقيلة صالح إلى الجزائر، وقابل رئيسها عبد المجيد تبّون الذي عرض وساطة بين الليبيين واستقبل لاحقاً، في إطار مسعاها هذا، فائز السراج. ومعلوم أن رئيس مجلس النواب الليبي كان يُصنّف سابقاً بأنه من معرقلي الحل في ليبيا (فرضتها عليه لجنة العقوبات في مجلس الأمن). وكان لافتاً في الفترة الماضية أن الأميركيين أطلقوا إشارات إلى رصدهم «اختماراً» للحراك السياسي في شرق ليبيا، في إشارة إلى وجود أصوات لا تدين بولاء كامل للمشير حفتر. ومعلوم أن خلافات نشأت بين الرجلين في الفترة الماضية، وتصاعدت بعد محاولة حفتر الحصول على «تفويض شعبي» خلال محاولته الفاشلة للتقدم نحو طرابلس، علماً بأنه معيّن في منصبه من مجلس النواب، الذي يتخذ من طبرق مقراً له. وتتبع لهذا البرلمان حكومة موازية في شرق البلاد برئاسة عبد الله الثني.
ويترافق رصد الأميركيين لـ«الاختمار» السياسي في شرق ليبيا مع استياء واضح يبدونه إزاء حفتر والحكومة الموازية. ومن مؤشرات هذا الاستياء انفتاح حكومة الشرق على حكومة الرئيس بشار الأسد في دمشق، وإعادة فتح سفارة ليبيا في العاصمة السورية، وهو أمر يتعارض كلياً مع سياسة واشنطن، الهادفة إلى عزل النظام السوري وخنقه اقتصادياً، ومنع أي تعامل معه (بما في ذلك معاقبة من يقوم بذلك).
كما كان لافتاً أن الأميركيين قالوا أخيراً إنهم قلقون من أنباء عن رصد طائرة المشير حفتر في كراكاس، علماً بأن واشنطن تحاول أيضاً خنق نظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو وإطاحته.
وهناك نقطة خلاف أخرى بين الأميركيين وحكومة شرق ليبيا وجيشها الوطني، وهي ورقة صادرات النفط الليبية المتوقفة منذ نهاية العام الماضي. إذ منع مناصرون لحكومة الشرق والمشير حفتر تصدير النفط من موانئ الهلال النفطي، ومن حقول النفط في جنوب البلاد من أجل الضغط على حكومة السراج لوقف تمويلها التدخل التركي، بما في ذلك دفع رواتب المرتزقة السوريين من خزينة الدولة الليبية. وقالت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا أمس (الجمعة)، إن مرتزقة روساً ومن جنسيات أخرى دخلوا حقل الشرارة النفطي (بجنوب البلاد) لمنع استئناف الصادرات النفطية.



ما تأثير التوترات بين مصر وإسرائيل على استدامة «اتفاقية الغاز»؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2017 (رويترز)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2017 (رويترز)
TT

ما تأثير التوترات بين مصر وإسرائيل على استدامة «اتفاقية الغاز»؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2017 (رويترز)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2017 (رويترز)

تُصر مصر على أن تضع «صفقة الغاز» مع إسرائيل في إطارها التجاري في ظل تعدد الملفات الخلافية بين البلدين. وعزز ذلك النفي الرسمي القاطع من جانب القاهرة بشأن وجود ترتيبات للقاء يجمع بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ما يطرح تساؤلات حول تأثير استمرار التوتر على استدامة الصفقة التي تستمر حتى عام 2040.

وقال رئيس «هيئة الاستعلامات» المصرية، ضياء رشوان، إن الحديث عن الترتيب للقاء بين الرئيس المصري ورئيس الوزراء الإسرائيلي في واشنطن «شائعة لا أساس لها من الصحة مطلقاً»، مشيراً في تصريحات إعلامية، مساء الجمعة، إلى أن «هذه الأخبار المتداولة يروّجها الإعلام الإسرائيلي في الأساس».

وكانت تقارير إسرائيلية قد أشارت إلى محاولة واشنطن ترتيب لقاء بين السيسي ونتنياهو، ضمن زيارة محتملة من كليهما إلى الولايات المتحدة قريباً للقاء الرئيس دونالد ترمب.

وتتعدد ملفات الخلاف بين مصر وإسرائيل وتتعلق بالأوضاع في قطاع غزة وتحميل إسرائيل مسؤولية عدم البدء في تنفيذ المرحلة الثانية من «اتفاق وقف إطلاق النار»، وكذلك فتح معبر رفح مع وجود رغبة إسرائيلية لأن يكون في اتجاه واحد، وملف تهجير الفلسطينيين، والتواجد الإسرائيلي في «محور فيلادلفيا» والتأكيد المصري على ضرورة إيجاد مسار سياسي لدولة فلسطينية، ما يتعارض مع توجهات اليمين الإسرائيلي المتطرف.

وظلت «صفقة الغاز» التي أعلن نتنياهو، الأربعاء الماضي، الموافقة عليها أسيرة موقف إسرائيلي رافض لإتمامها رغم الإعلان عنها في أغسطس (آب) الماضي، قبل أن تتدخل الولايات المتحدة التي تعد شركاتها جزءاً من الصفقة للضغط على إسرائيل لضمان عدم انهيار الصفقة.

وذكرت «الخارجية الأميركية» في بيان، الخميس، أن «موافقة إسرائيل على اتفاقية الغاز التي أبرمتها شركة (شيفرون) مع مصر، إنجاز كبير للأعمال التجارية الأميركية والتعاون الإقليمي». وأضافت أن «اتفاقية الغاز بين إسرائيل ومصر لا تعزز أمن الطاقة فحسب، بل تدعم أيضاً الجهود الأوسع نطاقاً لتحقيق الاستقرار وإعادة إعمار غزة».

واعتبر خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن المصالح الأميركية يمكن أن تضمن استدامة «اتفاق الغاز»، لكن ذلك لا يمنع من تأثر التعاون في مجال الطاقة بين مصر وإسرائيل بالتوترات الإقليمية، وكذلك بما تؤول إليه تطورات الصراع في غزة وانعكاساته على العلاقة بين الطرفين.

سياج أمني على الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

وتمتلك شركة «شيفرون» الأميركية 40 في المائة من حقل «ليفياثان» الإسرائيلي الذي يتم من خلاله تصدير الغاز إلى مصر إلى جانب شركة «نيو ميد إنرجي» الإسرائيلية، وتُقدر احتياطات الحقل بنحو 600 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.

وسبق أن أوقفت إسرائيل تصدير الغاز إلى مصر دون إخطار مسبق في ظل حربها على قطاع غزة وكذلك مع بدء الضربات على إيران خلال يونيو (حزيران) الماضي، وفي ذلك الحين أكد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أن «الحكومة وفّرت بدائل لتأمين احتياجات البلاد خلال فترات توقُّف الإمدادات الإسرائيلية، عبر تشغيل سفن لاستقبال الغاز المسال لضمان استمرار تشغيل المصانع ومحطات الكهرباء دون انقطاع».

الباحث في الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، سعيد عكاشة، قال إن الولايات المتحدة لديها رغبة في استدامة «اتفاقية الغاز» بين مصر وإسرائيل بما يحفظ الحقوق التجارية لشركاتها، وفي حال جرى استخدامه كأداة ضغط سياسي على مصر فإن القاهرة لن ترضخ لذلك وهو ما يجعل الاتفاق لا يترك تأثيرات سياسية على علاقة البلدين.

وأضاف عكاشة أن التحولات الإيجابية في العلاقة بين البلدين تتوقف على بدء دخول المرحلة الثانية من اتفاق «وقف إطلاق النار» وإيجاد مسار واضح لدولة فلسطينية مستقبلية وتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني ووقف أي محاولات من شأنها تهجير الفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء، موضحاً: «يمكن أن يفتح ذلك المجال أيضاً لعقد لقاء في المستقبل بين الرئيس السيسي ونتنياهو كما يضمن استدامة صفقة الغاز». وأشار إلى أن ملف الطاقة دائماً ما يشكل مشكلة، وسبق أن تسببت الهجمات على أنابيب الغاز المصرية في سيناء في أعقاب الاضطرابات الأمنية في عام 2011 في توقف الإمدادات المصرية إلى إسرائيل، وكان من الصعب تحمل تكلفة التأمين وتضررت القاهرة كما الوضع بالنسبة لإسرائيل.

مصر تعدد خياراتها لتحقيق الاكتفاء المحلي من الغاز الطبيعي (وزارة البترول المصرية)

وأوضح عكاشة أنه «في حال جرى عرقلة الاتفاق الذي أعلن نتنياهو التصديق عليه أخيراً، فإنه سيكون أمام التزامات قانونية يصعب تجاوزها، كما أن مصر أثبتت خلال الأشهر الماضية أنها لن تقبل بأن يتم الضغط عليها سياسياً بورقة الغاز».

وفي مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي، أعلن نتنياهو رفض التصديق على الاتفاق «بسبب تحركات الجيش المصري في شمال سيناء»، وهدّد بتجميده أو إلغائه إذا لم يُحصَل على موافقته الشخصية على أي خطوات لاحقة، قبل أن يُعاد التصديق عليه بعد استكمال المفاوضات.

ووقّع البلدان صفقة لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر في عام 2019، قبل تعديلها لتنص على توريد 130 مليار متر مكعب من الغاز الإسرائيلي لمصر بقيمة 35 مليار دولار حتى عام 2040، بمعدل يومي قدره 1.8 مليار قدم مكعب.

خبير أسواق الطاقة، رمضان أبو العلا، يرى أن المصلحة الأميركية في استدامة «صفقة الغاز» تشكّل عاملاً مهماً في التزام إسرائيل بالاتفاق، خاصة أنه يحقق مكاسب إيجابية لجميع الأطراف الموقعة على الصفقة، لكن في الوقت ذاته فإن الحكومة المصرية تتوقع جميع الاحتمالات، ما يجعلها تعتمد على 4 سفن لـ«التغييز» لاستقبال الغاز المسال.

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

وسبق أن تحدث خبراء لـ«الشرق الأوسط» عن توجه القاهرة نحو تنويع مصادر الغاز الطبيعي دون انتظار موقف إسرائيل من الصفقة أبرزها إنشاء 4 محطات لتمويل السفن بالغاز الطبيعي، والتوسع في استيراد سفن الغاز من دول مختلفة، إلى جانب تعزيز الاكتشافات المحلية، وتشجيع الشركات الأجنبية على توسيع عمليات التنقيب.

وتبلغ احتياجات مصر اليومية من الغاز الطبيعي نحو 6.2 مليار قدم مكعب يومياً، وتستهدف الحكومة زيادة إنتاج الغاز الطبيعي بنهاية العام الحالي إلى نحو 5 مليارات قدم مكعب يومياً، ويُقدر حالياً بنحو 4.2 مليار قدم مكعب يومياً، خاصة مع زيادة الاحتياجات اليومية لنحو 7 مليارات قدم مكعب يومياً في أشهر الصيف، وفق تقديرات حكومية.


«شروق الشمس» الأميركية لإعمار غزة... هل تؤخر الخطة العربية الشاملة؟

فلسطيني يمشي وسط أنقاض المباني المدمرة جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطيني يمشي وسط أنقاض المباني المدمرة جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«شروق الشمس» الأميركية لإعمار غزة... هل تؤخر الخطة العربية الشاملة؟

فلسطيني يمشي وسط أنقاض المباني المدمرة جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطيني يمشي وسط أنقاض المباني المدمرة جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

تسريبات أميركية تشير لوجود خطة بشأن إعمار جزء من قطاع غزة، تحمل اسم «شروق الشمس» أعدها فريق يقوده جاريد كوشنر، صهر الرئيس دونالد ترمب، والمبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بينما تتعثر «الخطة العربية الشاملة» بشأن الإعمار الذي يعد أبرز ملامح المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بالقطاع المتعثرة حالياً.

تلك الخطة الأميركية المتداولة، تأتي بينما تبحث مصر إقامة مؤتمر لتمويل إعمار كامل غزة بالشراكة مع واشنطن بعد تأجيله نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ويعتقد خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه عودة لمخططات تهجير الفلسطينيين مجدداً رغم الرفض المصري والعربي، ما قد يطرح 3 سيناريوهات: المضي في تلك الخطة الأميركية الجزئية في رفح الفلسطينية، ومن ثمّ تأجيل نظيرتها العربية الشاملة؛ أو الدمج بين الخطتين دون تهجير؛ أو تعطيل كل الخطتين لتعثر إتمام الاتفاق».

وتحدث تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، الجمعة، عن خطة أعدها كوشنر وويتكوف تسمى «مشروع شروق الشمس» بين الحكومات الأجنبية والمستثمرين لتحويل ركام غزة إلى وجهة ساحلية مستقبلية، ونقل سكان غزة «من الخيام إلى الشقق الفاخرة»، و«من الفقر إلى الازدهار»، دون تحديد أين سيقيم نحو مليوني فلسطيني نازح خلال فترة إعادة البناء.

وبحسب المسودة «ستبلغ تكلفة المشروع الإجمالية 112.1 مليار دولار على مدى عشر سنوات»، على أن تلتزم الولايات المتحدة بتقديم منح وضمانات ديون لـ«جميع مسارات العمل المطروحة» خلال تلك الفترة، لكن التحديات هائلة، وفق الصحيفة، لافتة إلى أن إعادة إعمار غزة مشروطة بأن تقوم «حماس» بـ«نزع السلاح وتفكيك جميع الأسلحة والأنفاق».

وسيُنفّذ الإعمار عبر أربع مراحل، تبدأ من الجنوب في رفح وخان يونس، ثم تتجه شمالاً إلى «مخيّمات الوسط»، وأخيراً إلى العاصمة غزة، وتتضمن إحدى الشرائح، المعنونة بـ«رفح الجديدة»، تصوراً لجعلها «مقر الحوكمة» في غزة وموطناً لأكثر من 500 ألف نسمة، يعيشون في مدينة تضم أكثر من 100 ألف وحدة سكنية، و200 مدرسة أو أكثر، وأكثر من 75 منشأة طبية، و180 مسجداً ومركزاً ثقافياً.

وهذه التسريبات تأتي بعد نحو 8 أيام من نقل موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مسؤول إسرائيلي قوله إن «تل أبيب وافقت مبدئياً على دفع تكاليف إزالة الأنقاض من قطاع غزة وأن تتحمل مسؤولية العملية الهندسية الضخمة، وذلك بعد طلب من الولايات المتحدة الأميركية، وستبدأ بإخلاء منطقة في رفح جنوب القطاع من أجل إعادة إعمارها».

طفل فلسطيني نازح ينتظر مع حاويته لتلقي حصص غذائية متبرع بها في مطبخ خيري في خان يونس (أ.ف.ب)

وفي 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أكد كوشنر، في مؤتمر صحافي بإسرائيل، أن إعادة إعمار غزة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي «مدروسة بعناية وهناك اعتبارات جارية حالياً في المنطقة الخاضعة لسيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي، إذا أمكن تأمينها لبدء البناء، بوصفها غزة جديدة، وذلك بهدف منح الفلسطينيين المقيمين في غزة مكاناً يذهبون إليه، ومكاناً للعمل، ومكاناً للعيش»، مضيفاً: «لن تُخصَّص أي أموال لإعادة الإعمار للمناطق التي لا تزال تسيطر عليها (حماس)».

مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، يرى أن «خطة ترمب للسلام تعطي منذ البداية مساحة أكبر للأميركيين والإسرائيليين، والخطة الجديدة المطروحة للإعمار من جانب واشنطن، محاولة لتحقيق هدف تهجير الفلسطينيين مرة أخرى».

فيما يعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، أن «خطة شروق الشمس» تؤكد أن الولايات المتحدة لم تتخل عن فكرتها في ترحيل جزئي لسكان غزة مع ضخ استثمارات عقارية تحقق أمن إسرائيل فقط.

ووفق «وول ستريت جورنال»، فإن «بعض المسؤولين الأميركيين الذين اطّلعوا على (خطة شروق الشمس) يبدون شكوكاً جدّيةً بشأن مدى واقعيتها. فهم يستبعدون أن توافق حركة (حماس) على نزع سلاحها لبدء تنفيذ الخطة». وذكرت الصحيفة أنه «حتى في حال حدوث ذلك، يشكّك المسؤولون في قدرة الولايات المتحدة على إقناع دول ثرية بتحمّل تكلفة تحويل بيئة ما بعد الحرب إلى مشهد حضري عالي التقنية».

وعلى مقربة من هذه الشكوك، قال وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، في تصريحات الجمعة: «لن تقنع أحداً بالاستثمار في غزة إذا كان يعتقد أن حرباً أخرى ستندلع بعد عامين أو ثلاثة»، وأضاف: «لدينا ثقة كبيرة بأننا سنحصل على المانحين لجهود إعادة الإعمار والدعم الإنساني على المدى الطويل».

ويرى حسن أن روبيو يتحدث بحديث إسرائيل نفسه بشأن نزع سلاح «حماس»، ومن الصعب بدء المرحلة الثانية في ضوء عدم تحقيق التزاماتها مثل نشر «قوات الاستقرار» ونزع سلاح الحركة.

تلك التسريبات الأميركية، جاءت بعد نحو 17 يوماً من إعلان وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في مؤتمر صحافي ببرلين، مع نظيره الألماني، يوهان فاديفول: «أننا نتشاور مع الولايات المتحدة لتكوين رئاسة مشتركة لمؤتمر الإعمار، ونأمل التوافق على توقيت في أسرع وقت ممكن لعقد هذا المؤتمر، بالتعاون مع الشركاء».

تجمع فلسطينيون نازحون لتلقي حصص غذائية تبرع بها أحد المتبرعين في مطبخ خيري في خان يونس (أ.ف.ب)

وبعد ذلك قال رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، في جلسة بـ«منتدى الدوحة»، أخيراً: «إننا سنواصل دعم الشعب الفلسطيني، لكننا لن نمول إعادة إعمار ما دمره الآخرون»، ووصفت وقتها تلك التصريحات القطرية، من جانب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، بأنها «ضغط على واشنطن لدفع إسرائيل لتنفيذ انسحاب وبدء إعمار».

وكان مؤتمر إعمار قطاع غزة الذي كانت ستنظمه القاهرة في نهاية نوفمبر الماضي، أجل دون ذكر السبب، فيما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، تميم خلاف لـ«الشرق الأوسط»، نهاية الشهر الماضي، إن القاهرة تعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين على تهيئة البيئة المناسبة لنجاح مؤتمر «التعافي المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة». في معرض ردّه على سؤال عن سبب تأجيل المؤتمر.

ويرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق أن ما يطرح أميركياً قد يؤخر عملية الإعمار وفق «الخطة العربية الشاملة»، مشيراً إلى أن تعثر مؤتمر الإعمار بسبب عدم إنهاء المرحلة الأولى وعدم انسحاب إسرائيل. وحول المتوقع، إزاء الخطة الجديدة للإعمار، أوضح أنه يمكن التزاوج بين الخطتين العربية والأميركية شريطة ألا يحدث تهجير للفلسطينيين.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني أن مستقبل الإعمار قد يشهد المضي في الخطة الأميركية بشكل منفرد، وتأخير الخطة العربية الشاملة، أو استمرار التعثر لعدم إنهاء المرحلة الأولى وعدم دخول أي من الخطتين حيز التنفيذ.


الأمم المتحدة: احتجاز الحوثيين موظفينا يُهدد العمل الإنساني في اليمن

المنظمات والوكالات الأممية العاملة في صنعاء تعرضت لانتهاكات حوثية واسعة (إ.ب.أ)
المنظمات والوكالات الأممية العاملة في صنعاء تعرضت لانتهاكات حوثية واسعة (إ.ب.أ)
TT

الأمم المتحدة: احتجاز الحوثيين موظفينا يُهدد العمل الإنساني في اليمن

المنظمات والوكالات الأممية العاملة في صنعاء تعرضت لانتهاكات حوثية واسعة (إ.ب.أ)
المنظمات والوكالات الأممية العاملة في صنعاء تعرضت لانتهاكات حوثية واسعة (إ.ب.أ)

أدانت الأمم المتحدة بشدة قيام الجماعة الحوثية باحتجاز 10 موظفين أمميين إضافيين في 18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في خطوة وصفتها بـ«الاحتجاز التعسفي»، محذّرة من أن هذا التصعيد يُهدد بشكل مباشر استمرارية العمل الإنساني في اليمن.

وحسب المنظمة الدولية، ارتفع إجمالي عدد موظفيها المحتجزين لدى الجماعة إلى 69 موظفاً، ما يضع واحدة من كبرى عمليات الإغاثة في العالم أمام مخاطر غير مسبوقة.

وقال المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، في بيان، إن هذه الاحتجازات «تجعل إمكانية إيصال المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين غير قابلة للاستمرار»، مشيراً إلى أن القيود المفروضة على عمل المنظمة تؤثر بشكل مباشر على ملايين اليمنيين المحتاجين، وتحرمهم من الحصول على المساعدات المنقذة للحياة، في بلد أنهكته الحرب والفقر وانهيار الخدمات الأساسية.

المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك (الأمم المتحدة)

وأضاف دوجاريك أن الأمين العام دعا إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الأفراد المحتجزين تعسفياً، بمن فيهم موظفو الأمم المتحدة، والعاملون في المنظمات غير الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني، إضافة إلى أفراد من البعثات الدبلوماسية، مطالباً الحوثيين بإلغاء إحالة موظفي المنظمة إلى الملاحقة القضائية.

وشدّد البيان الأممي على ضرورة احترام القانون الدولي، بما في ذلك الامتيازات والحصانات الممنوحة للأمم المتحدة وموظفيها، مؤكداً أن هذه الحصانات «أساسية لتمكين العمل الإنساني في بيئة آمنة ومحايدة»، ولا يمكن التفريط بها دون تعريض حياة العاملين والمستفيدين من المساعدات للخطر.

تحذير من شلل الإغاثة

يأتي هذا التحذير الأممي في ظل تصعيد متواصل من جانب الحوثيين ضد المنظمات الدولية؛ حيث تتهم الجماعة موظفين أمميين وعاملين في المجال الإنساني بالتجسس لصالح أطراف خارجية، وهي اتهامات تنفيها الأمم المتحدة بشكل قاطع، وتؤكد أنها لا تستند إلى أي أدلة.

وترى منظمات حقوقية أن هذه الاتهامات تُستخدم غطاءً لاعتقالات تعسفية واسعة، تستهدف تكميم الأصوات المستقلة وإحكام السيطرة الأمنية في مناطق نفوذ الجماعة.

طائرة تابعة لبرنامج الأغذية العالمي بعد إقلاعها من مطار صنعاء الخاضع للحوثيين (إ.ب.أ)

وخلال السنوات الماضية، لجأ الحوثيون إلى توظيف الجهاز القضائي الخاضع لهم ليكون أداةً للضغط والترهيب، عبر إحالة معارضين وصحافيين وموظفين أمميين إلى محاكم متخصصة بتهم تتعلق بالأمن القومي أو «التخابر»، في مسار يقول مراقبون إنه يقوّض العدالة، ويزيد من عزلة مناطق سيطرة الجماعة التي تحوّلت إلى أشبه بمعتقل كبير.

وتؤكد الأمم المتحدة أن استمرار هذه الممارسات يجعل من الصعب الحفاظ على وجود إنساني فعّال في صنعاء ومناطق أخرى خاضعة لسيطرة الحوثيين، خصوصاً في ظل المخاطر المتزايدة التي يتعرض لها الموظفون المحليون والدوليون.

وعلى الرغم من ذلك، تُشدد المنظمة على التزامها بمواصلة تقديم الدعم الإنساني لملايين اليمنيين، مع تحذيرها من أن أي تصعيد إضافي قد يفرض إعادة تقييم للأنشطة الإنسانية في بعض المناطق.

مخطط تفجيري

في سياق موازٍ، أعلنت الأجهزة الأمنية في محافظة مأرب (شرق صنعاء) عن تحقيق إنجاز أمني نوعي، تمثل في ضبط قيادي بارز تابع للجماعة الحوثية المدعومة من النظام الإيراني، في عملية استباقية استندت إلى معلومات استخباراتية دقيقة ومتابعة ميدانية مكثفة.

ونقل الإعلام الرسمي عن مصدر أمني في شرطة مأرب قوله إن الأجهزة الأمنية نفذت العملية «باحترافية عالية»، بعد رصد تحركات القيادي الحوثي (ع.ع.د)، الذي كلفته الجماعة بقيادة عدة خلايا إرهابية داخل المحافظة. وحسب المصدر، كانت هذه الخلايا تعمل على استهداف الأمن والاستقرار وقيادات مدنية وعسكرية، من خلال تصنيع وزراعة العبوات الناسفة في مناطق متفرقة.

حشد حوثي في ميدان السبعين بصنعاء دعا إليه زعيم الجماعة (أ.ف.ب)

وأوضح المصدر أن العملية نُفذت بتنسيق محكم بين مختلف الأجهزة الأمنية في المحافظة، وأسفرت عن مداهمة مخبأ القيادي الحوثي والقبض عليه، وضبط عدد من العبوات الناسفة المموهة، إضافة إلى أجهزة ومعدات خاصة بعمليات التفجير. وأشار إلى أن المخبأ كان يُستخدم وكراً لتصنيع العبوات الناسفة، ومقراً لإدارة الخلايا الإرهابية وتوجيه عملياتها.

ولفت إلى أن الجماعة الحوثية كانت تُعدّ هذا القيادي ليكون بديلاً عن القيادي السابق أحمد قطران، الذي أُلقي القبض عليه في وقت سابق، وظهر لاحقاً في تسجيل مصوّر بثه الإعلام الأمني، تضمن اعترافات حول مخططات تخريبية استهدفت محافظة مأرب.

وأكّد المصدر الأمني أن التحقيقات مع القيادي الحوثي المضبوط لا تزال جارية، تمهيداً لإحالته إلى القضاء المختص بعد استكمال الإجراءات القانونية، مشيراً إلى أن هذا الإنجاز يضاف إلى سلسلة من النجاحات الأمنية التي حققتها أجهزة الأمن في مأرب خلال الفترة الماضية، ويعكس مستوى الجاهزية واليقظة في مواجهة التهديدات الحوثية.