صيف مستعر في ليبيا مع انقطاع الكهرباء الطويل والحرب (صور)

عاملون في الشركة العامة للكهرباء الليبية يستبدلون كابلات في طرابلس (أ.ف.ب)
عاملون في الشركة العامة للكهرباء الليبية يستبدلون كابلات في طرابلس (أ.ف.ب)
TT

صيف مستعر في ليبيا مع انقطاع الكهرباء الطويل والحرب (صور)

عاملون في الشركة العامة للكهرباء الليبية يستبدلون كابلات في طرابلس (أ.ف.ب)
عاملون في الشركة العامة للكهرباء الليبية يستبدلون كابلات في طرابلس (أ.ف.ب)

صار ضجيج المولدات الكهرباء صوتاً مألوفاً يكسر هدوء الليل في طرابلس لساعات طويلة، مع انقطاع للتيار الكهربائي يضع الليبيين أمام صيف حار لا يقل سعيراً عن الحرب التي وضعت أوزارها مؤخراً في العاصمة.
قبل أيام سمحت السلطات الأمنية للشيخ المُسن أبو القاسم الككلي بالعودة إلى منزله في مشروع الهضبة في جنوب طرابلس بعد توقف المعارك في المنطقة بين القوات الموالية لحكومة «الوفاق» وقوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر التي انسحبت من كل الغرب الليبي.

ورغم خلو الحي الذي يقطن فيه من مخلفات الحرب والألغام، تظل فرحة العودة منقوصة، بسبب انقطاع الكهرباء التي تضررت بنيتها كثيراً كما كل البنى التحتية الأخرى بسبب المعارك التي استمرت أكثر من سنة.
ويحرص أبو القاسم على التخفيف والتضامن مع فرق صيانة الكهرباء التي تعمل على إصلاح محطة كهرباء تعرضت للقصف ودمرت بالقرب من بيته، فيقطع سيراً على الأقدام متكئاً على عصا عشرات الأمتار التي تفصل المنزل عن المحطة ويحمل للعمّال الماء والمشروبات الباردة.
ويقول الككلي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، «الكهرباء هي الحياة، لا يمكن الإقامة في المنزل من دونها، وهؤلاء الشباب جنود حقيقيون يقضون ساعات طويلة منذ أيام، في محاولة لإنهاء أعمال الصيانة، وإرجاع الكهرباء لمئات المنازل في المنطقة».

ويضيف «عندما انتهت الحرب في طرابلس فرحنا كثيراً، لكن الفرحة منقوصة مع اكتشافنا سرقة كوابل الأعمدة وتدمير المحطة المجاورة لمنزلي، وهو كابوس إضافي يثقل علينا ويجعل صيفنا أكثر لهيباً».
ويستعد الشيخ السبعيني لركوب سيارة ابنه الذي جاء لنقله إلى منزل آخر يقيم فيه مؤقتاً، ويقول «منذ أسبوع، يحضرني ولدي خالد كل يوم إلى منزلي لتفقده»، مضيفاً «طلبت من أفراد أسرتي عدم العودة حتى تعود الكهرباء لا يمكن تأمين الماء ولا تشغيل أجهزة التبريد من دونها»، وتابع: «الصيف حلّ مبكرا وجعل الحرارة في منازلنا شبيهة بوهج الأفران الحجرية».
ويؤكد مسؤول الصيانة في شركة الكهرباء المهندس عادل المشاي، أن الفرق تعمل ليلاً نهاراً من أجل إعادة التيار الكهربائي في أسرع وقت، ويشرح الصعوبات التي تواجهها «حجم الدمار بفعل الحرب كبير جداً، ونحن نعمل في ظروف صعبة للغاية، مع نقص في بعض المعدات وعدد محدود من أفراد الصيانة».
ويشير إلى أن «هناك محطات دمرت بالكامل وبعضها احترق، بعض الأعمدة اختفت من مواقعها، على المواطن الصبر؛ لأن الحمل ثقيل علينا».
وتسببت المعارك التي شهدتها المناطق الواقعة جنوب العاصمة لنحو 14 شهراً في دمار كلي لعشرات محطات نقل الكهرباء، إلى جانب سرقة آلاف الأمتار من أسلاك الأعمدة، ما أغرق المنطقة في ظلام تام.
ويرى مسؤول الإعلام بالشركة العامة للكهرباء في ليبيا محمد التكوري، أن أعمال الصيانة التي خلفتها الحرب جنوب طرابلس تحتاج إلى أشهر من العمل؛ نظراً لفداحة الأضرار.
ويقول من داخل مقر الشركة الحكومية في طرابلس «العجز في تأمين الطاقة في معظم مدن ليبيا، خصوصاً خلال الذروة الصيفية، أمر ليس بجديد. المتغير الآن هو أن العجز سيكون أكبر في العاصمة تحديداً وبعض المناطق؛ نظراً لتسبب الحرب بأضرار جسمية لخطوط نقل الطاقة من محطات الإنتاج شرق وغرب طرابلس».
ويتابع التكوري «تنتج ليبيا نحو خمسة آلاف ميغاواط حالياً، والطلب خلال الذروة يرتفع إلى أكثر من سبعة آلاف ميغاواط، وهذا عجز ضخم لا يمكن تعويضه إلا عبر استكمال المشروعات الكبرى لمحطات الإنتاج الجديدة».

وتشهد ليبيا فوضى ونزاعاً على السلطة منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011؛ ما يمنع أي إصلاحات على المستويات الاقتصادية والتنمية.
واستهدفت مجموعات مسلحة خلال السنوات الأخيرة عمال شركات أجنبية لم تتمكن من استكمال تشييد خمس محطات جديدة لإنتاج الكهرباء في مناطق مختلفة في البلاد.
وكان يفترض أن يبلغ مجموع إنتاج هذه المحطات أكثر من خمسة آلاف ميغاواط، وتجاوزت الخسائر المالية لقطاع الكهرباء خلال السنوات الست الماضية 1.5 مليار دولار.
ويقول التكوري «لا يمكن للشركات استئناف أعمالها في مثل هذه الظروف يجب توفير مناخ آمن لتشجيع عودتها، واستكمال مشاريع استراتيجية لا تغطي العجز والطلب المتنامي على الكهرباء فحسب، بل توفر فائض طاقة يمكن بيعه لدول مجاورة».
وتشكو شركة الكهرباء من عمليات تخريب تقوم بها عصابات إجرامية في سرقة أسلاك نقل الطاقة التي يتم تفكيكها وصهرها وبيع النحاس الموجود في الأسلاك في السوق السوداء.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.