على موقع «بوكس أوفيس» كتب من أطلقوا على أنفسهم «نحب الشبح» التعليق التالي: شبح الأوبرا «هو الأفضل على الإطلاق. سنشاهده للمرة التاسعة في أقرب فرصة، وسوف نراه مرة عاشرة».
قلت ساخرا: لا بد أن هؤلاء أصيبوا بـ«فيروس» عشق الشبح. شاهدت لمرتين عرضا على الإنترنت جرى على مسرح «رويال ألبيرت هول» في لندن، شاركت في ملاحقة تفاصيله أكثر من كاميرا رشيقة، قدمته في عرض هارموني بصري سمعي مدهش. في المرة الأولى أعجبت بـ«شبح الأوبرا»، وفي الثانية أحببت العمل، وقررت مشاهدته على مسرح «هير ماجيستي ثياتر» حيث يعرض، فعمل بهذا المستوى من التكامل والإتقان لا يمكن الاستمتاع ببذخه وغناه وروعته إلا مباشرة. بعد ذلك، تولدت لدي رغبة في مشاهدة «شبح الأوبرا» مرة ثانية وثالثة. لقد انتقل إلي «فيروس الشبح» مثل الآخرين فعلا!
* عمل استثنائي
حقا، لو لم يكن أندرو لويد ويبر صاحب العملين الموسيقيين الضخمين «كاتس»، و«إيفيتا»، وهما من أفضل الأعمال الموسيقية العالمية، و«صن ست بوليفار»، والمسرحية الغنائية «جوزيف أند أميزنغ تيكنيكلور دريم كوت»، و«جيسس كريست سوبر ستار»، وعدد كبير من الأعمال الموسيقية الأخرى، لكفاه تحفته الفنية الرائعة «شبح الأوبرا» التي تحولت إلى ظاهرة في عالم الأوبرا والمسرح الغنائي، وأصبح قناع «شبحها» أيضا أيقونة.
يعد أندرو لويد ويبر، وهو مخرج / منتج، واحدا من أفضل الموسيقيين المعروفين في العالم. ولم يقتصر عمله على ما أنتجه لنفسه، بل هناك أعماله لآخرين، من ضمنها «لابيت» و«ديزي بولز إت أوف». وقد حصل ويبر، كمؤلف موسيقي، على 7 جوائز «توني»، و7 «أوليفر»، وواحدة «غولدن غلوب»، وأوسكار، وجائزتي «إيمي» العالمية. أما أعماله الموسيقية الخاصة به، فقد نالت أيضا الكثير من الجوائز المحلية والعالمية، ومن ضمنها: 7 جوائز «توني» الأميركية للمتميزين مسرحيا، والمعروفة بـ«توني أويرد». ويمتلك لويد 6 مسارح في لندن.
وضع ويبر عمله الموسيقي الضخم «شبح الأوبرا» استنادا إلى رواية الفرنسي، غاستون ليروه، الصادرة عام 1911، «الذي لا بد أن يكون عانى تجاهلا تاما، هو وروايته الأصلية، التي لم يكن ممكنا، حتى سنوات قريبة، العثور على نسخة منها، وهي التي حظيت باحترام كبير في حينها». على ما كتب، تشارلز هارت، الذي شارك في كتابة النص المغنى وكلمات الأغاني بالتعاون مع ريتشارد ستيلغوي. وقد أنتج أكثر من فيلم استنادا إلى الرواية نفسها، كان أولها فيلم رعب أميركي (صامت) عام 1925.
* العاشق الشبح
هي حكاية فتاة الكورس كريستين دايي (تلعب الدور هارييت جونز)، المغنية الشابة الموهوبة، التي بقدر من التدريب الجيد تصبح مشهورة عالميا. كانت كريستين تتمرن في «أوبرا بابولير»، حيث تقع أحداث غريبة لا تفسير لها، حين لفتت انتباه الشبح، كما تطلق عليه دار الأوبرا (يطلق على نفسه إيريك، ويلعب دوره، حاليا، جيرونيمو راوش)، واستولت على مشاعره «لكنه ليس شبحا، إنه موسيقي عبقري مشوه، اختبأ لسنوات بعيدا عن الأنظار، تفاديا لنظرات الغرباء القاسية».
بمساعدة الشبح، تصبح كريستين المغنية الأولى للفرقة. لكن مأساة تنتظر السوبرانو الشابة، إذ تقع في غرام الشاب الوسيم راؤول (يلعب دوره ليام تامن)، فيكونت مدينة شانيي، وهي لا تدري أن «ملاك الموسيقى» (الشبح)، يحبها بعمق. تعمي الغيرة عيني الشبح، ويختطف كريستين غير عابئ بما قد يفعله راؤول لاستعادتها.
* الفصل الأول
تبدأ الأوبرا بمزاد علني على مسرح «أوبرا باريس» عام 1905. يعرض صندوق موسيقى على شكل قرد يتحرك ميكانيكيا. يشغل الصندوق وتنطلق منه موسيقى بينما تتحرك صنجتان نحاسيتان يحملهما القرد بيديه. يراهن راؤول على الصندوق الذي يبدو أنه يرتبط بذكرى ما في حياته. تعرض ثريا ضخمة. يعلن مدير المزاد أنها تضررت في حريق تعرضت له الأوبرا، وجرى إصلاحها وتحديثها، بتزويدها بمصابيح كهربائية. ترتفع الثريا فجأة إلى السقف في مشهد بالغ الإثارة، وينتقل المسرح إلى زمن شباب راؤول.
العام هو 1881. فريق الأوبرا يتمرن على مسرحية «هانيبال». يصل مدير المسرح ويخبر الجميع بأنه تقاعد، وأن مالكين جديدين هما أندريه وفيرمن سيديران المسرح. يطلب أندريه من كارلوتا غويدتشيللي، مغنية الفرقة الأولى، أن تغني، وحين تبدأ تسقط خلفية المسرح وتكاد تقتلها. تتهامس الفتيات: «هذا من أفعال شبح الأوبرا». تنفعل كارلوتا وتثير زوبعة كلامية. يتلقى المديران الجديدان من السيدة جيري، مديرة الباليه، ورقة ملاحظات بعث بها الشبح، تتضمن 3 شروط: أجرة شهرية تبلغ 20 ألف فرانك، وحجز المقصورة رقم 5 له كل ليلة، وتوقف كارلوتا نفسها عن الغناء. تقترح ميغ، ابنة جيري المسؤولة عن فرقة الباليه، أن تقوم صديقتها كريستين دايي بدور كارلوتا. تحت إلحاح السيدة جيري، يقبل المديران الاقتراح. تغني كريستين ويراقب راؤول أداءها من مكتب الإدارة،، يصفق لها. تتردد الانفعالات والمشاعر من خلال صوت لا نرى صاحبه. تسأل ابنة جيري صديقتها كريستين عن مدربها، فتكتفي بالقول إنه «ملاك الموسيقى». يدخل راؤول غرفة كريستين ويهنئها على أدائها. يتذكر الشابان أنهما كانا صديقي لعب في طفولتهما. يدعو راؤول كريستين إلى عشاء ويلح عليها. يخرج لإحضار معطفه. يسمع صوت غريب. يظهر شبح خلف المرآة، إنه «ملاك الموسيقى». تنفتح المرآة. يجر الشبح كريستين إلى داخلها وتنغلق. يعود راؤول ولا يجد كريستين. يرحل الشبح وكريستين من تجويف تحت مبنى دار الأوبرا، عبر بحيرة باتجاه ملجأ الشبح، الذي يشرح لها أنه كان يعلمها الغناء لكي تغني من ألحانه.
تستيقظ كريستين في اليوم التالي على صوت صندوق الموسيقى. الصوت نفسه الذي سمع في المشهد الأول. الشبح خلف الأورغون غارق في التأليف. تقترب منه كريستين وتنزع القناع عن وجهه. يستدير غاضبا، وتفزع هي لغضبه ومنظر وجهه المشوه. حين يهدأ الشبح تعيد إليه كريستين القناع.
تظهر كريستين فجأة، وتعلم المجموعة بظهورها. طلب الشبح استبدال كريستين بكارلوتا يثير المديرين الجديدين، فيؤكدان لكارلوتا أنها ستبقى النجمة الأولى في الأوبرا الجديدة. الشبح يحذر من ذلك. وعندما لا يستجاب لتحذيره، تفقد كارلوتا صوتها وتنق مثل ضفدع. يصعد راؤول وكريستينا إلى السطح، وتروي له ما جرى مع الشبح، فيعرض عليها حمايتها، ويتفقان على ترك المكان ليلا. لكن كريستين التي تبدي تعاطفا ما مع الشبح، وربما عاطفة تجاه «ملاك الموسيقى» الذي علمها ويريد أن يفرضها مغنية أولى للفرقة، لا تقوى على الذهاب قبل أن تغني له أغنية أخيرة:
يغنى لي في منامي
يزورني في أحلامي
ذلك الصوت الذي ناداني باسمي
فهل بت أحلم ثانية وقد عرفت الآن
أن شبح الأوبرا هنا في عقلي؟
* الفصل الثاني
في الليلة التالية، يخطف الشبح كريستين ويحاول إجبارها على الزواج به، ويهدد بنسف مبنى الأوبرا بمتفجرات يحتفظ بها في الأقبية إن لم توافق على طلبه. ترفض كريستين ذلك، إلى أن تعلم أن الشبح علم بمحاولة راؤول إنقاذها. يسجنه في غرفة للتعذيب. لإنقاذ راؤول وبقية العاملين في الأوبرا، توافق كريستين على الزواج بالشبح، الذي يحاول إغراق راؤول. تستجديه كريستين ألا يفعل. يستجيب الشبح، وينقذ راؤول ويخرجه من غرفة التعذيب ويطلب إليه الهرب. وحين ينفرد بكريستين، ينزع القناع عن وجهه ليقبلها على جبينها، فيحصل منها على قبلة مقابلة، يعلن بعدها أنه لم يسبق أن حصل على قبلة، ولم يسمح له بتقبيل أحد أصلا. في هذا المشهد، تختفي بشاعة وجه الشبح، خلف المشاعر الإنسانية الطاغية التي تحدثها قبلة كريستين، بينما يظهر جوهره هو كفنان مبدع وإنسان حساس ذي مشاعر دافئة. في النهاية، يسمح الشبح لراؤول وكريستين بالهرب، شرط أن تزوره هي يوم وفاته، وتذهب إلى صحيفة وتنشر خبر رحيله.
بعد وفاته، تذهب كريستين إلى مخبأ الشبح وتنفذ وصيته. في اليوم التالي تكتب الصحيفة: «مات إيرك».
«شبح الأوبرا»، عرض مسرحي غنائي مذهل، يروي قصة أوبرا في زمنين، حيث نشاهد مسرحا على المسرح له مقصوراته ومشاهدوه أيضا. وتبلغ فيه قوة المؤثرات الصوتية والضوئية مرحلة تقنية متقدمة جدا تثير الدهشة لما تخلقه من مناخ يضفى صدقية على الأحداث التراجيدية، ويقدم مشاهد جمالية لا تنسى.
ويعد «شبح الأوبرا» من الأعمال القليلة التي يتوفر فيها تكامل الموسيقى والخط الدرامي والملابس والديكور وأداء المغنين والأوركسترا وتناغم الكل، بما يؤكد أن كل من شارك في العمل أعطى أقصى ما لديه من خبرة وقدرات، من أجل إمتاع المشاهد وإشباع ذوقه المتطلع إلى ما هو أبعد من قصة حب تراجيدية. كل شيء نظم بدقة، حتى تغيير الديكورات والملابس، جرت بسلاسة حافظت على انجذاب المتلقي. وقد تمكن مخرج العمل هال برنس من توأمة الأداء المسرحي مع التعقيدات الكبيرة للموسيقى الأوبرالية، ليكمل هذا التوالف النادر بين مختلف عناصر إنتاج عمل ضخم.
* {شبح الأوبرا} في سطور
* عرضت «شبح الأوبرا» في أكثر من 30 بلدا، على مسارح 151 مدينة. شاهدها أكثر من 100 مليون منذ عرضت أول مرة عام 1986. حصلت على أكثر من 50 جائزة مسرح كبرى، من ضمنها 3 جوائز «أوليفر» السنوية، و7 جوائز «توني» (توني أويرد). وكان ألبوم الأغاني والموسيقى الخاصة بها الأكثر مبيعا، إذ باع 40 مليون نسخة. لاحقا، بيع قناع الشبح، الذي وضعه جيرارد بتلر في العروض الأولى، على الإنترنت، بـ6350 جنيها إسترلينيا. ويعد عرض «شبح الأوبرا» أطول العروض على مسارح برودواي الأميركية، ويوصف بأنه أكثر أعمال أندرو لويد اكتمالا.
بلغت تكاليف إنتاج «شبح الأوبرا» مليوني جنيه إسترليني، أنفق 900 ألف منها على التجهيزات والملابس. وكان دخل الأوبرا الإجمالي من عرضها في العالم إلى اليوم 6 مليارات دولار.