دمشق تربط «السيادة» على مزارع شبعا بترسيم الحدود اللبنانية ـ السورية

TT

دمشق تربط «السيادة» على مزارع شبعا بترسيم الحدود اللبنانية ـ السورية

يقول عدد من الذين شاركوا في مؤتمر الحوار الوطني الأول الذي عُقد بالبرلمان في أبريل (نيسان) 2006 بدعوة من رئيسه نبيه بري، إن المشاركين أجمعوا على سحب السلاح الفلسطيني من خارج المخيمات، وتنظيمه وضبطه داخلها، وترسيم الحدود اللبنانية - السورية، واستعيض في حينه عن الترسيم بتحديد الحدود، بناء على طلب الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، بذريعة أن الترسيم يتم بين دولتين متخاصمتين، بخلاف تحديد الحدود بين دولتين شقيقتين.
ويؤكد المشاركون في الحوار أن نصر الله أخذ على عاتقه التواصل مع القيادة السورية للبحث في إمكانية البدء في تحديد الحدود اللبنانية - السورية التي يبلغ طولها حوالى 375 كيلومتراً، إضافة إلى طلب مساعدتها في مسألة السلاح الفلسطيني؛ خصوصاً أنه لم يعد هناك مبرر لوجوده خارج المخيمات، وتحديداً في بلدة الناعمة الشوفية الواقعة جوار مطار رفيق الحريري الدولي، وفي بلدة قوسايا في البقاع الأوسط.
ويكشف هؤلاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوار الذي أطلقه في حينه الرئيس بري شاركت فيه جميع المكونات السياسية على اختلاف انتماءاتها، ويرى أنه كان من الأفضل أن يتولى هو شخصياً «اللقاء الوطني» الذي استضافه أمس رئيس الجمهورية ميشال عون، ويعزون السبب إلى أنه الأقدر على جمع جميع الأطراف تحت سقف البرلمان، وهذا ما لم يؤمِّنه عون؛ لأن من قاطعه يعتبر أن من أقحم نفسه طرفاً في الخلافات بين القوى السياسية لا يستطيع أن يؤمِّن الحضور الوازن للقاء بعبدا. ويؤكد المشاركون أن دمشق استجابت في البدء لطلب لبنان تحديد الحدود؛ لكنها عادت وعدلت موقفها، مع أن الحكومة اللبنانية في حينها بادرت إلى تشكيل وفد سياسي – أمني - عسكري للتفاوض مع سورية، للتفاهم على آلية لتحديد الحدود بين البلدين، شرط أن يبدأ التفاوض من شمال لبنان.
ويعزون السبب إلى أن الحكومة فوجئت بطلب النظام في سوريا أن يبدأ ترسيم الحدود من منطقة مزارع شبعا المحتلة وتلال كفرشوبا، ويقولون إن لبنان تمنى على دمشق التوصل إلى اتفاق يقوم على إبرام الحكومتين اللبنانية والسورية لوثيقة توقع بينهما، وتُرفع إلى الأمم المتحدة للتأكيد على لبنانية المزارع التي كانت احتلتها إسرائيل في حرب يونيو (حزيران) 1967، وألحقها مجلس الأمن بالقرارين 338 و242، بذريعة أن قوة من حرس الحدود والجمارك السورية كانت توجد فيها أثناء الحرب.
لكن دمشق استجابت شفوياً لطلب لبنان، بدلاً من أن تبرم وثيقة رسمية مع بيروت يصار إلى رفعها لمجلس الأمن لإلحاق المزارع بالقرار 425. وهذا ما عطل «تحديد» الحدود بين البلدين، وبالتالي فإن النظام في سوريا أبقى على المزارع كورقة ضغط يستخدمها لاحقاً في التفاوض مع إسرائيل، وبالتالي فإن ملكية المزارع كانت ولا تزال لبنانية، بينما السيادة فيها تبقى خاضعة لسوريا. وهكذا لم تنجح الجهود لإقناع دمشق بالتخلي عن سيادتها للمزارع التي أُلحقت بملف الصراع الإسرائيلي - السوري، ولاحقاً بإيران التي أصبحت من خلال «حزب الله» طرفاً فيه، وهذا ما عكسه أخيراً نائب رئيس الوزراء السوري وزير الخارجية وليد المعلم برفضه ترسيم الحدود، وهو بذلك يستعيد الموقف نفسه الذي أعلنه سلفه فاروق الشرع، وترتبت عليه سجالات في الداخل اللبناني بين مؤيد ومعارض.
أما بخصوص السلاح الفلسطيني خارج المخيمات الذي لم يعد له مبرر، واتخاذ «الجبهة الشعبية - القيادة العامة» بزعامة أحمد جبريل من الناعمة وقوسايا مركزين عسكريين، فإن دمشق بادرت في حينها إلى إيفاد الأخير إلى بيروت باسم قوى التحالف الفلسطيني المدعومة سورياً وإيرانياً للتفاوض مع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، من دون أن تؤدي المفاوضات إلى جمع السلاح، ما يعني أن دمشق اختارته لهذه المهمة لتمرير رسالة إلى الخارج، وهي أن قوى التحالف هي الممثل الوحيد للفلسطينيين، بالنيابة عن «منظمة التحرير» بقيادة محمود عباس «أبو مازن».
وعليه فإن دمشق توخت من رفضها ترسيم الحدود توجيه رسالة تتجاوز «قانون قيصر» إلى المجتمع الدولي الذي يلح على الحكومة اللبنانية، لوقف التهريب بإقفال المعابر غير الشرعية المتداخلة جغرافياً بين البلدين.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.