على الرغم من تداعيات فيروس «كورونا المستجد» (كوفيد- 19) اقتصادياً على العالم، إلا أن صفقة «أدنوك» الإماراتية أعطت صورة لحماس المستثمرين في الفرص ذات القيمة المضافة. وتعكس الصفقة التي اقتربت من 21 مليار دولار، مدى قدرة الإمارات على جذب استثمارات نوعية، حتى وإن كانت في أصعب الظروف، وفقاً لرئيس المجموعة.
وبقيمة 20.7 مليار دولار، من المقرر أن يستثمر كونسورتيوم يضم «غلوبال إنفراستراكشر بارتنرز» و«بروكفيلد لإدارة الأصول»، وصندوق الثروة السيادي السنغافوري (جي آي سي)، وصندوق معاشات التقاعد لمعلمي أونتاريو، و«إن إتش للاستثمار والأوراق المالية»، و«سنام» الإيطالية، في أصول محددة لخطوط أنابيب غاز تابعة لـ«أدنوك»، في واحدة من أكبر صفقات البنية التحتية للطاقة على مستوى العالم.
الدكتور سلطان الجابر، وزير دولة في الإمارات، الرئيس التنفيذي لـ«أدنوك» ومجموعة شركاتها، يوضح في حوار لـ«الشرق الأوسط»، أن عدة عوامل ساهمت بشكل كبير في استقطاب الاستثمارات الأجنبية، من ضمنها المصداقية، وبيئة أعمال آمنة، بدعم من منظومة تشريعية متكاملة، وسجل حافل باحترام الشراكات، وكذلك تاريخ الدولة كان له دور محوري في استقطاب الشركاء الاستراتيجيين.
وبيَّن الجابر أن الصفقة تسهم في تمكين استراتيجية «أدنوك» المتكاملة للغاز، والتي تشمل العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي في الغاز بالإمارات، مشيراً إلى أنها تمثل نموذجاً لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية في مجال الطاقة والبنية التحتية.
وتطرق إلى وضع أسواق النفط، مؤكداً بدء عودة التوازن بين العرض والطلب واستقرار الأسعار، مع بدء النشاط الاقتصادي العودة التدريجية في مختلف أنحاء العالم.
> أعلنتم عن صفقة تزيد عن 20 مليار دولار مع ائتلاف دولي. ما مدى أهمية هذا المشروع بالنسبة لمجموعة «أدنوك»؟
- تعد هذه الصفقة الأحدث والأكبر لمجموعة «أدنوك» منذ إعلانها في عام 2017 عن توسيع نطاق برنامجها للشراكات الاستراتيجية والاستثمارات المشتركة، والذي يهدف إلى تعزيز قيمة أصول الشركة في جميع مراحل وجوانب الأعمال. كما أنها تمثل نموذجاً لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة الضخمة، في مجال الطاقة والبنية التحتية على مستوى دولة الإمارات والمنطقة، وتعكس كذلك ثقة المستثمرين العالميين في «أدنوك»، باعتبارها شريكاً مفضلاً وموثوقاً، كما تسهم هذه الاتفاقية الجديدة في تعزيز مكانة «أدنوك»، ودورها المحوري في تحفيز الاستثمار المسؤول والمستدام، بما يسهم في تحقيق قيمة إضافية لدولة الإمارات.
> في ظل الظروف الاستثنائية التي يعيشها العالم نتيجة وباء «كورونا» وما صاحبه من تداعيات، كيف استطاعت «أدنوك» جذب هذا الاستثمار؟
- منذ بداية أزمة «كورونا»، ركزنا في «أدنوك» على صحة وسلامة كوادرنا البشرية، وعلى استمرارية الأعمال والإنتاجية في كل أنشطتنا، وتعتبر هذه الصفقة جزءاً من استراتيجيتنا لتعزيز القيمة. وكان العمل على هذا المشروع بالتحديد قد بدأ في الربع الثالث من العام الماضي، وضاعفنا جهودنا خلال الأشهر الأخيرة، وكثفنا التواصل مع الشركاء لإنجاز هذا المشروع، دون السماح للظروف الاستثنائية بالتأثير على مجريات الأعمال، ومع التركيز الدائم على الهيكلة الذكية لهذا الاستثمار، بما يضمن تحقيق عوائد جيدة لكل الأطراف المشاركة، يضاف إلى ذلك أن الإمارات - وبفضل رؤية القيادة وتوجيهاتها - تمتلك مصداقية كبيرة، وتوفر بيئة أعمال آمنة وموثوقة ومستقرة، تدعمها منظومة تشريعية متكاملة، وسجل حافل باحترام الشراكات في مختلف المجالات، وكذلك تاريخ الدولة وإمكانياتها وتنافسيتها في استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وكان لهذه العوامل دور محوري في استقطاب مجموعة متميزة من الشركاء الاستراتيجيين. ويؤكد توقيع صفقة بهذا الحجم وفي مناخ اقتصادي صعب، الثقة الكبيرة لمجتمع الاستثمار العالمي في دولة الإمارات كوجهة للاستثمار الآمن، وفي «أدنوك» كشريك موثوق يحظى بأفضل التصنيفات الائتمانية على مستوى العالم، بالنسبة لشركات قطاع النفط والغاز.
كما تعكس الاتفاقية أيضاً مدى قوة ومتانة الأصول المتميزة في البنية التحتية لقطاع الطاقة في دولة الإمارات، والاهتمام الكبير من المؤسسات الاستثمارية الرائدة في العالم بهذه الأصول ذات العوائد الجيدة والمخاطر المنخفضة. وجدير بالذكر هنا أن «أدنوك» لديها سجل حافل في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، بما في ذلك الاستثمار الكبير الذي تم العام الماضي في البنية التحتية لخط أنابيب النفط في «أدنوك»، من شركتي «بلاك روك» و«كي كي آر»، وغيرهما من كبار المستثمرين العالميين، والذي كان بقيمة تقارب 5 مليارات دولار.
> هل بالإمكان تقديم فكرة عن هذه الصفقة وكيفية هيكلتها؟ وما القيمة التي ستحققها «أدنوك» من هذه الاتفاقية؟ وكيف ستستثمر رأس المال الناجم عن هذه الاتفاقية؟
- بشكل مختصر، قامت «أدنوك» بتحديد مجموعة من أنابيب نقل الغاز، ومن خلال هيكلية ذكية، تم تجميع هذه الأنابيب تحت مظلة واحدة تم تقييمها بأكثر من 76 مليار درهم (20.7 مليار دولار)، واستقطبنا مجموعة من المستثمرين لمشاركتنا في نسبة 49 في المائة من هذه المجموعة من الأنابيب، مقابل 37 مليار درهم (10 مليارات دولار) تعتبر استثماراً استراتيجياً من مصادر خارجية، وستبقى نسبة الأغلبية (51 في المائة) مع «أدنوك»، علماً بأن مدة الاتفاقية هي 20 سنة، يتم خلالها تطبيق تعريفة متفق عليها على كميات الغاز التي يتم ضخها في هذه الأنابيب، مع احتفاظنا بكامل حقوق التحكم والإدارة والتشغيل لمجموعة الأنابيب المشمولة. وتتيح هيكلية الاتفاقية المبتكرة لـ«أدنوك» الاستفادة من رؤوس أموال عالمية، واستثمارها في مشاريع جديدة تدعم استراتيجية «أدنوك» للنمو الذكي، والقيام بواجبها في المساهمة في نمو وتطور الاقتصاد والازدهار في دولة الإمارات.
> كيف تتماشى هذه الاتفاقية مع استراتيجية «أدنوك» للغاز والتكرير والبتروكيماويات؟
- هذه الصفقة تسهم في تمكين استراتيجية «أدنوك» المتكاملة للغاز التي تشمل العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي في الغاز بدولة الإمارات، إذ توفر هذه الاتفاقية رأس مال ضخم يمكن الاستفادة منه في مشاريع للاستفادة من موارد غاز جديدة، أو تسريع العمل على تطوير المشاريع القائمة. إضافة إلى ذلك، هناك تكامل وتنسيق في جوانب أنشطة وأعمال «أدنوك» في قطاع النفط والغاز؛ حيث إن توفير إمدادات مستقرة وذات تكلفة مجدية من الغاز، يسهم في دعم مشاريع وصناعات «أدنوك» في مجال التكرير والبتروكيماويات، مما يسهم في خلق مزيد من الفرص التي تدعم النمو وتسهم في تسريع تطبيق خطط تنويع الاقتصاد في الإمارات.
> هل تخططون لعقد مزيد من الشراكات المماثلة في المستقبل؟
- في إطار سعي «أدنوك» المستمر لتنفيذ استراتيجيتها لتعزيز القيمة عبر الشراكات الاستراتيجية، وخلق فرص استثمارية مشتركة وتحفيز النمو الذكي، نرحب دائماً بدراسة الأفكار والمقترحات لشراكات استراتيجية مماثلة في المستقبل؛ خصوصاً إذا كانت تتماشى مع أهدافنا بزيادة القيمة من أصولنا المتعددة والمتنوعة، في مختلف جوانب مجالات قطاع النفط والغاز، بدءاً من الاستكشاف والتطوير والإنتاج، مروراً بالتكرير والغاز والبتروكيماويات والمشتقات والصناعات التحويلية، وانتهاءً بالنقل والتوزيع.
> ما هي نظرتكم لأوضاع الاقتصاد العالمي وأسواق النفط خلال هذه المرحلة؟ وأيضاً ما هي رؤيتكم للعالم في مرحلة ما بعد «كورونا»؟
- لا يزال العالم يترقب تطورات تداعيات جائحة «كوفيد- 19» التي تسببت في أزمة غير مسبوقة في تاريخ البشرية، اجتمعت خلالها ثلاثة عوامل، هي انتشار وباء عالمي له تداعيات صحية كبيرة، وتباطؤ أو توقف نشاط الاقتصاد العالمي، وكذلك تقلبات كبيرة في أسواق النفط. وبدأنا نشهد في الأسابيع الأخيرة مؤشرات إيجابية، منها اتفاق «أوبك+» الذي أعاد الثقة للأسواق، وساهم في بدء عودة التوازن بين العرض والطلب واستقرار الأسعار، كما بدأ النشاط الاقتصادي في العودة التدريجية بمختلف أنحاء العالم، وهذا ساهم في زيادة الطلب على النفط في الصين وغيرها من دول شرق آسيا، وكذلك في بعض دول أوروبا وأميركا الشمالية. وخلال الفترة الماضية، تم تعزيز التدابير والإجراءات الصحية في مختلف أنحاء العالم، وارتفع مستوى الوعي بكيفية الوقاية والحماية من «كوفيد- 19»، وهذه جميعها مؤشرات طيبة حول بدء عودة الحياة إلى طبيعتها. وفي الواقع، كان موضوع سؤالك هذا أحد المحاور الأساسية التي جرى نقاشها خلال «ملتقى أبوظبي للرؤساء التنفيذيين لشركات النفط والغاز» الذي استضافته «أدنوك» الأسبوع الماضي. وكان هناك إجماع في آراء المشاركين حول وجود مؤشرات لبدء عودة النشاط الاقتصادي في مختلف أنحاء العالم، مما ساهم في ارتفاع الطلب على النفط؛ لكن لا يزال من المبكر تحديد المسار المستقبلي للاقتصاد بشكل دقيق. ولا بد من مرور بعض الوقت حتى يرجع نشاط الاقتصاد العالمي وأسواق النفط إلى المستويات الطبيعية؛ لكن بشكل عام فإن المؤشرات الحالية تدفعنا إلى التفاؤل والإيجابية.
وفي رأيي، المهم حالياً هو العمل على ثلاثة مسارات متوازية ومتزامنة، تشمل: استمرار الحذر واليقظة وتطبيق إجراءات الوقاية والحماية الصحية، وضمان استمرارية الأعمال في جميع المجالات، والمسار الثالث مهم جداً، يتمثل في البدء من الآن بالتخطيط المستقبلي ودراسة الفرص الجديدة التي بدأت تظهر من التوجهات العالمية الجديدة في مرحلة ما بعد «كورونا»؛ خصوصاً في المجالات الواعدة والقادرة على الإسهام في تسريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية.