الراحل إيان هولم اشترك في أكبر الإنتاجات بشروطه

أدى مشاهد الموت بقوة الصمت

إيان هولم
إيان هولم
TT

الراحل إيان هولم اشترك في أكبر الإنتاجات بشروطه

إيان هولم
إيان هولم

هناك صورة جامعة لمئات السينمائيين الأساسيين من كتاب وممثلين ومخرجين، وكلما رحل واحد منهم ساد فراغ أسود مكانه. الصورة الآن، وعبر السنين، باتت تضم عشرات فقط.
آخر هؤلاء الكبار الممثل البريطاني إيان هولم الذي ودع الحياة يوم الجمعة الماضي عن 88 سنة قضى أكثر من نصفها فوق خشبة المسرح وأمام كاميرات الأفلام.
ممثل جيد وفي هذا لا خلاف بين اثنين، لكن المميز بالنسبة إليه حقيقة أنه لم يكن ليستخدم الكثير من تعابير الوجه لا من حركات الأيدي ولا حتى من الحوار أحياناً ليوصل ما في داخله على الشاشة.
لا علم لأحد كيف حافظ هولم على ميزاته تلك واشترك في الوقت ذاته في بعض أكبر الإنتاجات السينمائية التي عادة ما تطلب من الممثل عطاءً مختلفاً عن ذلك الذي يوفره في أفلام فنية. لكنه فعل ذلك في سلسلة «سيد الخواتم» وكان، رغم حجم دوره، مبهراً.

من شكسبير إلى قيصر
وُلد في منطقة إيسكس سنة 1931 وقرر أنه يريد أن يصبح ممثلاً منذ سنوات شبابه الأولى. توجه إلى لندن ودرس التمثيل مشتركاً في طاقم «رويال شكسبير كومباني» في السنة الأولى من تأسيسها العام 1960. وما لبث أن برهن عن جدارته ولعب شخصية هنري الخامس عام 1965 بنجاح مكنه من الفوز ببضع جوائز مهمة حينها. ومن شكسبير انتقل إلى مسرحيات هارولد بنتر، وعندما لعب بطولة «العودة» (The Homecoming) سنة 1973. يلتقط جوائز أخرى. لكنه اعترف في مذكراته ببعض الفشل. لقد أصيب بالجمود لدى تأديته دوره في The Iceman Cometh سنة 1976 ووصف ذلك الحادث بأنه «تشويه في ذاكرتي لن أنساه».
قبل ذلك كان أصبح من ممثلي الشاشة الكبيرة. لم يلعب الأدوار الأولى مباشرة، لكنه برز في بضعة أفلام كانت خير تقديم لموهبته وشاهداً مبكراً على احتوائه القدرة على التعبير.
شارك في فيلم «الموضب» (The Fixer) للأميركي جون فرانكنهايمر سنة 1968 (كان ظهوره السينمائي الثالث) وانتقل منه إلى فيلم عن مسرحية ويليام شكسبيرA Midsummer Night‪’‬s Dream وتبعه في العام التالي بفيلم ساخر من إخراج رتشارد أتنبورغ عنوانه «يا لها من حرب جميلة» (Oh‪!‬ What a Lovely War). وعندما فكر الأميركي بممثل يؤدي شخصية أحد أعيان العائلة القيصرية في «نيكولاس وألكسندرا» (1971) اختاره للغاية. بقي في إطار التاريخ لفيلمه اللاحق «ماري، ملكة الاسكوتلنديين» لتشارلز جاروت.
في عام 1976 برع في دور الملك جون في «روبِن وماريان» ثم لعب دور عربي في فيلم بيتر أس. هَنت Shout at the Devil في السنة نفسها. كما لعب دور عربي آخر في «سر أو مت» لديك رتشاردس.
الفيلم الفاصل في تلك الفترة كان «كائن فضائي» Alien سنة 1979. لعب هولم في فيلم ريدلي سكوت ذاك شخصية أحد ملاحي الفضاء الذين يقضي عليهم الوحش الكاسر الذي تسلل إلى المركبة. هناك صراخ ورعب وألم عندما يقضي الوحش على باقي الملاحين. يكاد هولم أن يجسد حالة من الوئام مع الموت عزف عنها الآخرين.
استمد هولم اختياره لتمثيل شخصيته من حقيقة أنه يؤدي شخصية روبوت وليس شخصية آدمية. لكن اكتشافنا نحن، كمشاهدين، لهذه الحقيقة أنها تأتي بعد موته وليس قبل. لا يفسر هذا الاكتشاف لماذا قرر الممثل نهايته على هذا النحو فقط، ولو أن الاكتشاف يوضح الكثير في هذا المجال، بل يبقى في البال أكثر من مشاهد موت الآخرين.

خبرته العميقة
تم ترشيح إيان هولم لأوسكار أفضل ممثل مساند عن «عربات النار» (Chariots of Fire) سنة 1982. لكن مواطنه جون غيلغد اقتنص الأوسكار منه عن دوره في «آرثر». هذا لم يمنع من أن هولم واصل تقدمه ولو غالباً في أدوار مساندة.
هل كان ذلك مقدراً له أو نتيجة اختيارات مسبقة؟ لماذا لم ينجح هولم في تسلم دور بطولة إلا نادراً؟
ما تكشفه سيرته وأفلامه هو أنه كان أقصر من أن يستولي على الأدوار التي تتطلب من هم أطول قامة. كذلك لم يكن من النوعية ذاتها لتوم كروز وروبرت داوني جونيور (كلاهما يوازيه في المسافة بين القدمين والرأس)، بل كان ممثلاً يحب أن يستعين بخبرته العميقة لدخول أي شخصية يؤديها. هذا يتطلب أدواراً خاصّة لم تُكتب له إلّا نادراً.
أحد هذه المرات النادرة نجدها في فيلم الكندي أتوم إيغويان «الآخرة الحلوة»، «the sweet hereafter» سنة 1997 إذ لعب شخصية محامٍ يسعى لإقناع والدي طفل مات في حادثة، برفع دعوى قضائية.
في هذا الفيلم التأملي يكاد يكون أفضل ما في العمل.
قامته القصيرة ساعدته في تمثيل شخصية بيلبو في ثلاثية «سيد الخواتم». مرة أخرى نجده متأقلماً بشروطه في إنتاج كبير. أدى الدور بدفء وإحكام جعله أكثر قبولاً بين الجمهور الأميركي والغربي عموماً من العديد من الشخصيات الأخرى التي حفلت بها تلك الثلاثية.
الاندماج في الأدوار بشروطه لم يكن عائقاً أمام نجاحه ولا مهمة صعبة بالنسبة إليه. رغم ذلك، هو لم يظهر في الدور ذاته في فيلمين مختلفين. فبما أنه تحاشى أن يصبح نجماً، منحه ذلك ميزة أن ينتقل بين الشخصيات وبين الأدوار كدوره في فيلم «الهوبيت: معركة الجيوش الخمسة» سنة 2014.
إيان هولم: أفضل عشرة أفلام
1979:Alien
1981: Time Bandits
1985: Wetherby
1988: Another Woman
1989: Henry V
1990: Hamlet
1994: The Madness of King George
1997: The Sweet Hereafter
2001: Lord of the Rings 1
2004: The Aviator



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».