«الوطني الليبي» يواصل تحشيده العسكري في محاور سرت

TT

«الوطني الليبي» يواصل تحشيده العسكري في محاور سرت

تتواصل عمليات التحشيد العسكري لقوات الجيش الوطني الليبي في محاور سرت بوسط ليبيا، وشرق مدينة مصراتة (غرب) خارج العاصمة، حيث أعلنت شعبة الإعلام الحربي للجيش عن تحرك تعزيزات تابعة للواء 73 مُشاة، للالتحاق بهذه المحاور، وبثت لقطات مصورة تظهر دبابات محمولة على متن شاحنات. بالإضافة إلى آليات عسكرية ومدافع ثقيلة في طريقها إلى جبهة القتال.
في غضون ذلك، أبلغ محمد سيالة، وزير خارجية حكومة «الوفاق»، يوسف بن علوي مسؤول الشؤون الخارجية بسلطنة عمان، الذي يترأس المجلس التنفيذي للجامعة العربية، في اتصال هاتفي رفض حكومته للدعوة المصرية، واعتبر في بيان له مساء أول من أمس أن «القاهرة لم تلتزم بالقواعد الإجرائية في توجيه الدعوة للاجتماع»، كما أن الملف يحتاج إلى نقاشات ومداولات معمقة لا مجرد اتصال بالفيديو. مؤكدا أن الرفض نابع من عدم اتباع الإجراءات والقواعد المعمول بها في أي اجتماع حتى يحقق الغاية المرجوة منه، وعلى رأس ذلك التشاور مع حكومته، باعتبارها المعنية بالاجتماع، وحذر من أن «إهمال كل ذلك يؤدي إلى تعميق الهوة، وإحداث الانقسام، ولن يخدم في شيء العمل العربي المشترك».
في المقابل، رحب عبد الهادي الحويج، وزير الخارجية بالحكومة الموازية في شرق ليبيا، بالدعوة المصرية لعقد الاجتماع الوزاري العربي، الذي سيناقش العدوان التركي على إحدى الدول الأعضاء بالجامعة العربية، وطالب بتفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك، وسحب الاعتراف من حكومة السراج «غير الدستورية وغير المعتمدة، والمنتهية الصلاحية»، على حد تعبيره.
وتلقت الأمانة العامة للجامعة العربية طلبا رسميا، أول من أمس، من مصر لعقد اجتماع طارئ لمجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية، لبحث تطورات الأوضاع في ليبيا، عبر تقنية «الفيديو كونفرانس».
في غضون ذلك، تصاعدت قضية العثور على «كميات كبيرة» من الألغام الأرضية في مناطق عدة بجنوب العاصمة الليبية طرابلس، أمس، بعدما اتهمت عملية «بركان الغضب»، التابعة لقوات «الوفاق» «الجيش الوطني»، بزرع عبوات ناسفة «روسية الصنع» لقتل المواطنين العائدين إلى ديارهم بعد 14 شهراً من النزوح. لكن المتحدث باسم الجيش اللواء أحمد المسماري، نفى ضلوع قواته في ارتكاب أي عمليات تنال من المواطنين في طرابلس، مطالباً بتحقيق سريع في «هذه الجرائم».
ورصد الحقوقي الليبي عبد المنعم الحر، تجربة ميدانية استمرت خمسة أيام مع فريق من المختصين لتوثيق الأضرار التي لحقت بالممتلكات المدنية والمؤسسات الخدمية، في مناطق جنوب طرابلس، التي شهدت النزاع المسلح، وقال إنه «لا تزال هناك قذائف حية وألغام لم يتم انتزاعها، في ظل غياب رجال الأمن». كما تحدث عن «عمليات نهب للممتلكات الخاصة، واستخدام العمال الأفارقة في تنظيف مخلفات الحرب، قبيل دخول فرق الهندسة العسكرية لإزالة الألغام».
وقال العقيد صلاح النمروش، وكيل وزارة الدفاع بـ«الوفاق»، إن «عناصر اللجان المشتركة والفرق العسكرية لإزالة الألغام قدموا نماذج للتضحية والفداء في سبيل عودة المواطنين النازحين بأمان وسلام إلى منازلهم، بعد أن أجبروا على تركها». مبرزا أن التقارير الأولية لخبراء الهندسة العسكرية تفيد بأن الألغام التي تم زرعها في طرابلس هي ألغام «روسية الصنع». فيما تنفي روسيا رسمياً أن تكون لها قوات تقاتل على الأرض الليبية.
في الشأن ذاته، بحثت اللجنة الليبية المشتركة لإزالة المفخخات مع بعثة المساعدة والدعم الثنائية الإيطالية (MIASIT) لإزالة الألغام، وضع خطة عمل لمسح المناطق محل الخطورة، بالإضافة إلى «توفير التسهيلات اللازمة وتقديم المساعدة بالتدريب والمعدات المتعلقة بكشف الأساليب الحديثة في التفخيخ والألغام المبتكرة».
في سياق قريب، حددت «بركان الغضب» أماكن المقابر الجماعية الثمانية، وتاريخ العثور عليها، وأعداد الجثث التي عثرت عليها في كل منها، وهي الحوادث التي طالب «الجيش الوطني» بـ«تحقيق سريع فيها لكشف الجناة، والادعاءات التي لحقت به».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.