جبايات الانقلابيين على المخابز تثير استياء في صنعاء

TT

جبايات الانقلابيين على المخابز تثير استياء في صنعاء

لم تتوقف حملات الميليشيات الحوثية وأساليبها الابتزازية بحق منتسبي القطاعات التجارية والاقتصادية والصحية وممتهني المهن الأخرى المتعددة بمناطق سيطرتها، بل توسعت وازدادت حدتها لتطال هذه المرة العشرات من ملاك الأفران وبائعي الخبز، تلك الفئة التي كثيراً ما ارتبط عملها بلقمة عيش المواطن البسيط في العاصمة صنعاء.
مصادر خاصة في العاصمة المختطفة أفادت لـ«الشرق الأوسط» بأن ميليشيات الحوثي أقدمت خلال اليومين الماضيين على إغلاق العشرات من المخابز والأفران بشوارع وأحياء متفرقة من صنعاء بحجة مخالفتها للأوزان والأسعار والتعليميات الحوثية المقرة عبر عناصر الجماعة المعينين في وزارة الصناعة والتجارة الانقلابية.
وأكدت المصادر أن حملات ميليشيات التموين الحوثية أسفرت في غضون يومين فقط عن إغلاق 72 مخبزاً في مديريات معين وآزال والوحدة والسبعين بالعاصمة، مع استمرار 18 لجنة جباية شكلتها الجماعة مؤخراً، وتضم العشرات من الموظفين المواليين لها المدعومين بعربات ومسلحين، في استهداف وإغلاق ما تبقى من المخابز المنتشرة في المديريات المستهدفة.
وأكد أحد ملاك المخابز بصنعاء أن إغلاق الجماعة لأفرانه، مع عشرات من المخابز والأفران الأخرى، جاء عقب نزول ميداني مفاجئ، صاحبته سلسلة من اتهامات وادعاءات باطلة وجهت لهم من قبل مسحلي الجماعة بهدف تخويفهم وابتزازهم، ومن ثم نهبهم.
وأشار مالك المخابز، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن السبب الحقيقي الذي يقف وراء معاودة استهداف الجماعة لهم وإغلاق مخابزهم هو رفضهم المطلق هذه المرة لدفع إتاوات مالية غير قانونية فرضها الحوثيون مجدداً عليهم.
وقال: «إن الميليشيات عندما بدأت قبل شهر من الآن بحملات نهب وابتزاز مسعورة واسعة بحق التجار، وغيرهم من اليمنيين في العاصمة، أدركنا تماماً، وكما عودتنا هذه الجماعة بممارساتها، أن الدور سيأتي عما قريب علينا، وسيطالنا في أقرب فرصة».
وفي الوقت الذي أغلقت فيه الجماعة أكثر من 70 مخبزاً في غضون يومين من حملتها الانتقامية، كشفت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» عن فرض الميليشيات، في سياق حملتها الأخيرة، مبالغ مالية تراوحت بين 100 و500 ألف ريال على المخابز الكبيرة، وبين 30 و80 ألف ريال على المخابز الصغيرة والمتوسطة، تحت تسميات وذرائع واهية (الدولار نحو 650 ريالاً).
وتوقعت المصادر المحلية أن تستمر الجماعة في إغلاق تلك المخابز التي استهدفتها مؤخراً غير آبهة بمعاناة وأوضاع السكان في صنعاء.
ورغم التداعيات والمعاناة الكبيرة التي ستحدث من وراء استمرار إغلاق الانقلابيين للمخابز، ورفض ملاكها الخضوع لابتزاز مسلحي الجماعة، وما لها من تأثير مباشر على السكان بصنعاء، وحرمانهم من الحصول على رغيف العيش، فإن تلك الخطوة لاقت استحساناً وقبولاً كبيراً لدى شريحة من السكان في صنعاء، حيث أشاد بعض منهم، خلال حديثهم مع «الشرق الأوسط»، بتلك المواقف الشجاعة التي اتسم بها كثير من ملاك المخابز، وعدم رضوخهم لدفع جبايات لجيوب الحوثيين.
وفي المقابل، شكا السكان في صنعاء من انعدام رغيف الخبز عقب إغلاق سلطة الميليشيات للعشرات من المخابز والأفران في مناطقهم.
وأفاد مواطن بحي مذبح بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» بأنه ظل خلال يومين ماضيين لساعات طويلة وهو يبحث عن مخبز لشراء رغيف العيش لإشباع جوع أطفاله، لكنه وجد أنها توقفت عن العمل.
وقال: «الإجراءات الحوثية الأخيرة غير القانونية التي طالت أصحاب المخابز قد طالتهم بصفتهم مواطنين قبل غيرهم، وحرمتهم من الحصول على رغيف العيش، خصوصاً في ظل انعدام مادة غاز الطهي التي تحتكرها الجماعة وتبيعها عبر عقال الحارات الموالين لها، وفق طرق انتقائية واعتبارات عنصرية».
وتعد أزمة اختفاء رغيف الخبز الحالية في صنعاء واحدة من الأزمات المتعددة التي اعتادت الميليشيات على التسبب بوقوعها منذ انقلابها، وارتكابها لسلسلة طويلة من الجرائم والانتهاكات بحق اليمنيين بمناطق سيطرتها.
ومنذ مطلع العام الحالي، نفذت الجماعة نحو 4 حملات تعسف وجباية طالت مخابز وأفران صنعاء، إلى جانب العشرات من حملات الجباية التي طالت المئات من المخابز بمدن يمنية أخرى.
وفي حملة نهب واستهداف حوثية سابقة بحق هذه الشريحة، أغلقت الجماعة أكثر من 115 مخبزاً وفرناً بعدد من مديريات أمانة العاصمة، تحت تسميات وذرائع حوثية باطلة.
وأكدت مصادر محلية حينها لـ«الشرق الأوسط» أن مكتب الصناعة والتجارة الخاضع لسلطة الحوثيين في صنعاء أعاد حينها، عقب الإغلاق، فتح 20 مخبزاً وفرناً، من أصل 115 كانت قد تعرضت للإغلاق، بعد دفع ملاكها مبالغ مالية للجماعة.
وعلى مدى الأعوام الماضية من عمر الانقلاب، شهدت صنعاء العاصمة ومدن أخرى، نتيجة ممارسات الجماعة، توقفاً شبه تام لعدد كبير من المخابز والأفران، منها ما أغلقته أيادي الانقلابيين بحملاتهم الابتزازية، وأخرى أغلقت أبوابها احتجاجاً على الانتهاكات الحوثية بحق زملائهم.
ولجأ ملاك أفران ومخابز خلال تلك الفترة إلى تنفيذ إضرابات عن العمل واحتجاجات واسعة، لكنها لم تجد نفعاً أمام ميليشيات هدفها الوحيد مواصلة جرائم الحبس والتهديد والاعتداء والإغلاق والنهب بحق أصحاب هذه المهنة.
وتعمدت الجماعة الانقلابية -وفق مراقبين يمنيين- إغراق البلاد بأزمة إنسانية مأساوية، حيث تؤكد منظمات دولية أن 21 مليون شخص، من أصل 27 مليوناً، باتوا في حاجة إلى مساعدات إنسانية، فيما فقد أكثر من 100 ألف شخص أرواحهم جراء الأوبئة والأمراض القاتلة التي تفشت في ظل الحرب الحوثية.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

العالم العربي مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

لجأت الجماعة الحوثية إلى مواجهة مخاوفها من مصير نظام الأسد في سوريا بأعمال اختطاف وتصعيد لعمليات استقطاب وتطييف واسعة وحشد مقاتلين

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.