في زمن «كورونا»... «رهاب الروبوتات» يثير قلق العمال

بعد استخدامه في التعقيم والقطاع الصحي

أحد الروبوتات في مستشفى «سيركولو دي فاريزي» في إيطاليا بالقرب من مريض «كورونا» (أ.ف.ب)
أحد الروبوتات في مستشفى «سيركولو دي فاريزي» في إيطاليا بالقرب من مريض «كورونا» (أ.ف.ب)
TT

في زمن «كورونا»... «رهاب الروبوتات» يثير قلق العمال

أحد الروبوتات في مستشفى «سيركولو دي فاريزي» في إيطاليا بالقرب من مريض «كورونا» (أ.ف.ب)
أحد الروبوتات في مستشفى «سيركولو دي فاريزي» في إيطاليا بالقرب من مريض «كورونا» (أ.ف.ب)

عندما يكون التواصل البشري خاضعاً لقيود صارمة، يمكن للروبوتات أن تنقذ أرواحاً ومصانع، وهي برزت كثيراً منذ انتشار جائحة «كوفيد- 19»؛ لكن هل ستساهم أيضاً في مفاقمة مشكلة البطالة الناجمة عن الأزمة الصحية؟
تقوم ذراع متحركة بتقديم الشراب في حانة في إشبيلية، بينما يقيس روبوت على شكل إنسان الحرارة، ويوجه المرضى في مستشفى أنتويرب (أنفير) الجامعي، ويوزع روبوت على شكل كلب المعقمات في مركز تجاري في بانكوك، وتنقل حاوية مبردة مسيرة عن بعد مشتريات عائلة في واشنطن، وفقاً لما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية.
انتشرت هذه المشاهد كثيراً مع اتساع رقعة الوباء، ودخول الناس في الحجر.
يقول سيريل كبارة، أحد مؤسسي شركة «شاركس روبوتيكس» الفرنسية الناشئة: «عندما يكون هناك تهديد على الإنسان يجب إرسال روبوت».
وتم تكييف روبوت هذه الشركة المسمى «كولوسوس» الذي شارك في مكافحة الحريق في كاتدرائية نوتردام عام 2019، ليتمكن من تعقيم أبنية.
ويوضح كبارة: «قبل أربع إلى خمس سنوات عندما عرضنا (كولوسوس)، تعرضنا للاستهزاء؛ لأن الإطفائيين كانوا يقولون: (هؤلاء سيسلبوننا عملنا). وقد اعتمد الروبوت (كولوسوس) منذ ذلك الحين في فرق الإطفاء في باريس ومرسيليا». ويضيف: «كلما تقدمنا، تلاشت المقاومة».
وقد أثبتت الروبوتات قدراتها، ليس فقط في قطاعَي النظافة الصحية والطب؛ حيث يؤكد المقاول: «بينت هذه الأزمة أنه ينبغي تأمين استمرارية النشاط حتى لو حصلت أزمة صحية أو غير ذلك. قال لنا كثير من الصناعيين إن الروبوتات تسمح لهم بالاستمرار في عملهم، ولولاها لتوقف العمل».
لكن الروبوت قد يتحول سريعاً من منقذ للنشاط التجاري والصناعي إلى مدمر لفرص العمل.
يقول مارك مورو، من مركز «بروكينغز» للأبحاث في واشنطن، في مدونة على موقع «إيكونوميست إنتليجنس يونيت»: «الركود المتفاقم قد يؤدي إلى الاتكال بشكل كبير على المكننة والأتمتة».
ويرى كارل فريي، الباحث في جامعة أكسفورد، خلال مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية: «الذين يعتبرون أن الأتمتة لا تلغي فرص عمل في القطاع الصناعي، مخطئون».
وهو يطرح أرقاماً تتعلق بالصين التي تعتمد الأتمتة بشكل سريع، مع اعتماد 650 ألف آلة في عام 2018، بينما فقدت 12.5 مليون فرصة عمل في القطاع الإنتاجي بين 2013 و2017.
وتفيد دراسة أعدتها «آي إي يونيفرسيتي» في إسبانيا، بأن «رهاب الروبوتات» بدأ ينتشر في الصين مع الأزمة الصحية. فقبل الجائحة الراهنة، كان 27 في المائة فقط يدعمون الحد من الأتمتة؛ لكن النسبة تضاعفت الآن لتصل إلى 54 في المائة؛ بينما نسبة المعارضة الأكبر تسجل في فرنسا مع 59 في المائة.
وأظهرت الدراسة أنه كلما كان الشخص المستطلع رأيه صغيراً في السن، ولا يحمل شهادات عالية، كان الخوف من الأتمتة أكبر.
ويوضح كارل فريي: «عبر التاريخ، سمح التقدم التكنولوجي باستحداث فرص عمل كثيرة، إلا أن الأمر أقل في العالم الرقمي» راهناً باستثناء «أمازون».
أما الوظائف التي تتطلب مؤهلات أكبر، فقد يهددها تطور الذكاء الصناعي القادر على التصنيف والتقييم والتخطيط، كما يرى مارك مور الذي يعتبر أن «ما من فئة من العمال ستكون بمنأى هذه المرة» خلافاً للأزمات الاقتصادية السابقة.
وثمة دول مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة تجمع بين أتمتة واسعة وبطالة متدنية، إلا أن كارل فريي يتوقع ارتفاعاً في «القلق من الأتمتة» ما إن تتراجع حدة الوباء الراهن.
لكن من غير المرجح بروز حركة عالمية مناهضة لهذه الآلات على ما يفيد الباحث البريطاني؛ لأن الضحايا الرئيسيين سيكونون في المناطق الصناعية التي عانت منذ عقود من تراجع اقتصادي.


مقالات ذات صلة

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
صحتك امرأة تعاني من «كورونا طويل الأمد» في فلوريدا (رويترز)

دراسة: العلاج النفسي هو الوسيلة الوحيدة للتصدي لـ«كورونا طويل الأمد»

أكدت دراسة كندية أن «كورونا طويل الأمد» لا يمكن علاجه بنجاح إلا بتلقي علاج نفسي.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.