فارغاس يوسا يستحضر 50 عاماً مع بورخيس

كان يرى أن المرء ليس بما يكتب بل بما يقرأ

فارغاس يوسا يستحضر 50 عاماً مع بورخيس
TT

فارغاس يوسا يستحضر 50 عاماً مع بورخيس

فارغاس يوسا يستحضر 50 عاماً مع بورخيس

في مثل هذه الأيام من عام 1986، صادف أن كنت في جنيف عندما صدرت صحف صباح الخامس عشر من يونيو (حزيران) تعلن وفاة عملاق الأدب الأميركي اللاتيني خورخي لويس بورخيس في أحد فنادق المدينة، حيث كان ينزل برفقة زوجته ومساعدته ورفيقة سنواته الأخيرة، ماريا كوداما.
وقد احتاج مجلس بلدية المدينة يومها لثلاث جلسات كي يتخذ قراراً يسمح بدفنه في المقبرة العامة، قبل أن يصلى على جثمانه في الكاتدرائية الكاثوليكية، على بعد خطوات من المنزل الذي عاش فيه اللاهوتي الفرنسي جان كالفين، أحد الآباء المؤسسين للمذهب الإصلاحي الإنجيلي في الكنيسة المسيحية.
وقبل أربعة أيام من وفاته، أحيا بورخيس أمسية أدبية في نادي الأمم المتحدة، كان بين من حضرها ماريو فارغاس يوسا الذي تقاسمنا معه العشاء تلك الليلة في منزل أصدقاء مشتركين، حيث أسرف في الإعراب عن إعجابه واندهاشه وتأثره الشديد بالأديب الأرجنتيني الذي يعترف معظم أدباء أميركا اللاتينية وشعرائها بأنه ملهمهم الأول.
وبعد مرور 34 عاماً بالضبط على رحيل صاحب «الألِف»، يخصص فارغاس يوسا، الحائز على جائزة نوبل للآداب، كتابه الأخير الذي ينزل هذا الأسبوع إلى المكتبات للأديب الأرجنتيني الذي كان غارسيا ماركيز يقول عنه: «إن جائزة نوبل حرمت نفسها من الكاتب الذي كان يستحقها أكثر من أي أديب آخر». والاعتقاد السائد في الأوساط الأدبية أن الأكاديمية السويدية التي كانت تغلب المشارب التقدمية على أعضائها، رفضت منح الجائزة لبورخيس بسبب من مواقفه السياسية، خاصة تأييده لنظام الجنرال بيونتشيت في تشيلي.
يقول فارغاس يوسا، في كتابه الجديد بعنوان «نصف قرن مع بورخيس»، إنه لو طُلب إليه أن يختار كاتباً معاصراً باللغة الإسبانية ستترك أعماله أثراً عميقاً في الأدب العالمي، وتبقى خالدة عبر الأجيال، لما تردد لحظة في اختيار الشاعر الروائي الباحث الأرجنتيني الذي وضع «حفنة من الكتب القصيرة المتقنة حد الكمال، لا زيادة فيها ولا نقصان، حفرت عميقاً في وعي كل الذين كتبوا باللغة الإسبانية»، ثم يضيف: «كان خياله يستل القصص من بطاح الأرجنتين، كما يأتي بها من مجاهل الصين وأزقة لندن، أو أي مكان آخر من الواقع أو عالم الأحلام الذي كان يغوص فيه ويصطاد من درره بتبحر مدهش لامع يثري القراء ويذهلهم، وهو القائل إن الأدب ليس سوى حلم نوجه مساره بمخيلتنا».
ويفرد يوسا، في كتابه، فصلاً واسعاً لمقابلة تلفزيونية أجراها مع بورخيس عام 1981، في منزله بالعاصمة الأرجنتينية، حيث كان يعيش مع خادمته التي تقود خطاه، بعد أن فقد البصر قبل ذلك بسنوات، ومع هر تركي يدعى «بيبو» تيمناً بقط الشاعر البريطاني لورد بايرون الذي كان شديد الإعجاب به، والذي رحل هو أيضاً بعيداً عن مسقط رأسه في إحدى الجزر اليونانية.
يقول فارغاس يوسا إنه عندما سأل بورخيس لماذا لا يوجد كتاب واحد من أعماله أو عنه في مكتبته الغنية، أجابه بقوله: «أعتني كثيراً بمكتبتي. ومن أنا لأضع نفسي في مصاف شوبنهاور؟».
ويستفسر يوسا، في تلك المقابلة، عن جملة قالها بورخيس وتركت أثراً مؤلماً في نفسه كان يعاوده كلما جلس للكتابة، وجاء فيها: «هذيان وضلال كتابة الرواية، والاستفاضة على مئات الصفحات في وصف ما تكفي له جملة واحدة»، فيجيب بورخيس: «نعم، إنه خطأ وضلال، لكنه من اختراعي أنا».
لم يكن بورخيس معجباً بالروايات التي يستثني منها بعض أعمال جوزيف كونراد، وهنري جيمس الذي يعده «من عيار آخر»، ويضع «ألف ليلة وليلة» في مقام العمل الأنطولوجي الذي لا حدود له.
حاول فارغاس يوسا، في تلك المقابلة الطويلة مع بورخيس، أن يستدرجه للحديث في السياسة، فلم يغنم منه سوى ببعض التلميحات الغامضة، مثل: «النزعة القومية لها محلها في الأدب، لكنها خطأ في السياسة، إذ لا يصح أن نريد شيئاً ضد آخر. لا يمكن أن نحب إنجلترا مثلاً ضد فرنسا، علينا أن نحب الاثنتين معاً»، ثم يقول: «أنا من دعاة السلم، رغم تحدري من أصول عسكرية، وأعتقد أن الحرب -أي حرب كانت- جريمة. وإذا سلمنا بمبدأ أن ثمة حروباً عادلة، ولا شك في أن بعض الحروب كانت عادلة -مثل حرب الأيام الستة بين إسرائيل والعرب- لو سلمنا بأن حرباً واحدة فقط عادلة، لفتحنا الباب أمام تبرير أي حرب، خاصة إذا وصمنا من يعارضها بالخيانة».
وعن النظام السياسي الذي يفضله بورخيس على غيره، يقول: «أنا فوضوي، وأعد أن الدولة شر، لكنه شر لا بد منه في الوقت الراهن. ولو كنت ديكتاتوراً، لتنحيت عن منصبي، وعدت إلى أدبي، لأني لا أملك حلاً للمشكلات التي نعيشها؛ أنا مضطرب محتار متألم، كجميع أبناء بلادي».
«كل شيء يتوق إلى وحدة ذاته» هي عبارة سبينوزا الأثيرة عند بورخيس الذي يقول إنه يصر على أن يكون بورخيس، ولا يتوق لأن يكون شخصاً آخر، رغم أنه ليس راضياً عن نفسه، خاصة «أن الأشياء التي قرأتها كثيرة، وقليلة هي التي عشتها... والمرء ليس بما يكتب، بل بما يقرأ».
وفي تلك المقابلة التي أجراها يوسا لتلفزيون بلاده البيرو، كشف بورخيس أنه كان يدرس اللغة الاسكندنافية التي تتحدر منها اللغات السويدية والنرويجية والدانماركية والآيسلندية، وأن اليابان هي البلد الذي استحوذ على إعجابه أكثر من أي بلد آخر.
ويرفض بورخيس، في نهاية المقابلة، الحديث عن الانتقادات التي كانت توجه إليه بسبب من أفكاره ومواقفه السياسية، مكتفياً بالقول: «علينا الحذر عندما نختار أعداءنا لأننا نصير نشبههم مع مرور الوقت».



عبده خال كاتب رواية بوليسية... هل توقف نموه؟

 نوبوكوف
نوبوكوف
TT

عبده خال كاتب رواية بوليسية... هل توقف نموه؟

 نوبوكوف
نوبوكوف

كنت أتهيأ للكتابة حين باغتتني رغبة في تصفح محتوى صفحة «الثقافة» في جريدة أجنبية. فوقع بصري، لحظة انبساط محتواها أمامي، على عنوان مُرَكبٍ من جزأين؛ الجزء الأول «مُلائِمَةٌ للقراءةِ في ليالي الشتاء»، وعرفت من الجزء الثاني أن الملائِمَةَ للقراءة هي عدد من روايات الجريمة يقترح مُعِدُّوها الاستمتاع بقراءتها في عطلة «الكريسماس». تلك قائمة لا أتوقع أن تقترحها الصحافة الثقافية العربية. «يا للمصادفة الغريبة» قلت في داخلي، فالمقالة التي كنت أنوي كتابتها تتمحور حول رواية الجريمة، أو الرواية البوليسية؛ لا أُفرقُ هنا بين النوعين. وكان للمصادفة امتداد آخر، إذ فرغت، وقبل قراءة تلك القائمة، من قراءة روايتين، هما روايتا جريمة «فسوق» لعبده خال، و«اللص والكلاب» للروائي العربي الكبير نجيب محفوظ.

عبده خال

ثنائية الركض والزحف

ركضت عبر «فسوق» عبده خال لأنها كانت القراءة الثانية، أو الثالثة؛ ووجدت في تعليقاتي وشخبطاتي في هوامش صفحاتها ما يغني عن قراءتها زاحفاً. أما أثناء قراءة رواية محفوظ، وكانت القراءة الثانية، كنت القارئ المتأني والبطيء لأنني لم أستطع مقاومة الرغبة في تفحص التقنية السردية فيها، ورصد لعبة الضمائر التي لا بد أن محفوظ استمتع بها أثناء الكتابة، واستمتع باستباق تلاعبه بالقارئ المحتمل بانتقاله من ضمير إلى آخر على نحو قد يجعل القراءة بطيئةً، أومُشوِشَّةً لبعض القراء.

يبدأ الفصل الأول بصوت السارد العليم - المحدود - بضمير الغائب: «مرة أخرى يتنفس نسمة الحرية، ولكن الجو غبار خانق وحر لا يُطاق. وفي انتظاره وجد بدلته الزرقاء وحذاءه المطاط، وسواهما لم يجد في انتظاره أحداً» (5). وابتداءً من الكلمتين الأخيرتين من السطر الثامن، يتحول ضمير الغائب إلى ضمير المخاطب المثنى، إلى صوت سعيد مهران مُخاطباً زوجتة سابقاً وزوجها الغائبين: «نبوية عليش، كيف انقلب الاسمان اسماً واحداً؟ أنتما تعملان لهذا اليوم ألف حساب، وقديماً ظننتما أن باب السجن لن ينفتح، ولعلكما تترقبان في حذر» (5)، ثم إلى ضمير المتكلم «ولن أقع في الفخ، ولكني سأنقض في الوقت المناسب كالقدر» (5). وقبل نهاية الصفحة بسطرين، يتحول الخطاب إلى مونولوغ داخلي بضمير المُخاطب المفرد: «استعِن بكل ما أوتيت من دهاء، ولتكن ضربتك قوية كصبرك الطويل وراء الجدران» (5). وفي مكان آخر فيما بعد، يلتقي ضميرا المتكلم والمخاطب الجمع معاً في كلام سعيد مهران، وهو يتحدث إلى مستشارين متخيلين في محاكمة متخيلة: «لست كغيري ممن وقفوا قبلي في هذا القفص، إذ يجب أن يكون للثقافة عندكم اعتبار خاص، والواقع أنه لا فرق بيني وبينكم إلا أني داخل القفص وأنتم خارجه...» (100). من المستبعد ألا يتذكر البعض همبرت همبرت في رواية فلاديمير نابوكوف «لوليتا» وهو يخاطب المحلفين أثناء محاكمته. اللافت في الأمر أن سعيد وهمبرت «بطلان» مضادان «antiheroes»، ومُبَئِران، وساردان إشكاليان غير موثوقين في روايتي جريمة؛ سعيد مهران لص وقاتل، وهمبرت همبرت «بيدوفايل/pedophile/ المنجذب جنسياً للأطفال» وقاتل. مأزق أخلاقي يجد القارئ نفسه مُسْتَدْرَجاً إلى التورط فيه في حال تماهيه مع الشخصية جراء تقلص أو تلاشي المسافة الجمالية بينه وبينها.

البداية المُزاحة بالاستطراد

هنا البداية الأولى، الأصلية، للمقالة، وقد أزاحها إلى هذا المكان الاستطراد السابق، ولا أخفي أنني مِلْتُ إلى الاسترسال فيه. البداية الأصلية: الروائي والأكاديمي موكوما وانغوغي ودعوته في «نهضة الرواية الأفريقية» إلى فتح التقليد الأدبي الأفريقي للقص الشعبي ومنه الرواية البوليسية؛ «جائزة القلم الذهبي» بكونها، في الأساس، مشروعاً يرفع القص الشعبي العربي من الهامش ويُنزله في المركز وبؤرة الاهتمام في المشهد الأدبي؛ ملف صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية عن الرواية البوليسية في العالم وخُلُوِّه من أي ذكر لرواية بوليسية عربية واحدة، ثلاثة عوامل شكلت دافعاً على الكتابة عن الرواية البوليسية، وعن عبده خال، الذي أراه مشروع كاتب رواية بوليسية يعيش في كمون، أو لأقل، في حالة «توقف نمو» (ARRESTED DEVELOPMENT)، بغض النظر عمّا إذا كان يرى نفسه كذلك أم لا. الأمر مجرد رأي شخصي.

وانغوغي... الانحياز إلى الرواية البوليسية

بالإضافة إلى مناداته باعتبار الكتابات المبكرة - ما قبل جيل ماكيريري - جزءاً لا يتجزأ من «الخيال الأدبي والنقدي الأفريقي» (نهضة الرواية الأفريقية، 34)؛ دعا وانغوغي إلى فتح التقليد الأدبي الأفريقي للأدب المكتوب باللغات المحلية وللأدب الشعبي، مؤكداً على الرواية البوليسية بالذات، واصفاً مجيء أدباء ماكيريري بأنه مثل «تسونامي أدبي» طمر الكتابات المبكرة «تحت سيل من الروايات الواقعية» التي كتبوها بالإنجليزية. وكانت قوة وزخم حركتهم السبب في إخفاق النقد الأدبي في استرداد الحقبة الأدبية المبكرة. لقد أرسى أولئك الأدباء تسلسلاً هرمياً «يعلي شأن كل ما هو أدبي على الفنون الشعبية» (253)، بينما الفجوة بين الأدبي والشعبي، في رأيه، مجرد تباينات سطحية، لا تعني له ولجيله شيئاً ذا بال، فهم يقرأون «الأدب جنباً إلى جنب الأدب الشعبي» أو يقرأون «ما هو أدبي مع ما هو شعبي في آن معاً» (255). ويرى أن النقد الأدبي الأفريقي الملتزم بالخط الفكري الممتد من تشينوا أتشيبي إلى تشيماماندا أديتشي كاذب ومزيف، وأنه ومجايليه يتطلعون إلى نقدٍ أدبي يتيح لهم قراءة الأعمال الأدبية لشكسبير وأتشيبي ونغوغي وا ثيونغو، على سبيل المثال، إلى جانب الروايات الشعبية والبوليسية.

الرواية الشعبية من الهامش إلى المركز

لا اسم في الذاكرة الأدبية العربية لناقد أو روائي أو أكاديمي عربي دعا، مثل وانغوغي، إلى الالتفات نقداً أو بحثاً إلى الرواية الشعبية العربية، فالمشهد العربي عموماً يشيح باهتمامه واعترافه بها عنها، وإن ينظر إليها فبنظرة دونية، باعتبارها أدباً من الدرجة الثانية، أو ليست من الأدب على الإطلاق. وكان الوضع سيستمر لو لم يطرح المستشار تركي آل الشيخ مشروع «جائزة القلم الذهبي»، لينقلها من الهامش إلى المركز، مثيراً بذلك موجات من التصفيق والترحيب، مقابل «حلطماتِ» وهمهماتِ رفضٍ لم يجرؤ على رفع صوته في وجه المشروع. الوضع سيكون مختلفاً تماماً لو لم يكن «الرسمي» مصدرَ القرار والتنفيذ لمشروع «القلم الذهبي».

في مقالته الموسومة بـ«جائزة القلم الذهبي وصناعة مشهد مختلف» المنشورة في مجلة «القافلة» (نوفمبر/ديسمبر 2024)، يكتب الأستاذ الدكتور حسن النعمي أن «جائزة القلم الذهبي»، «فريدة من نوعها في بناء جسور التلاقي بين الرواية والسينما» (31). ما أراه هو أن فرادة وتميز الجائزة ينبعان أساساً من التفاتها إلى المهمش، أو حتى غير المعترف به؛ القص الشعبي بطيف أنواعه. القص الشعبي هو الأساس والقواعد التي تبني عليها الجائزة «جسور التلاقي بين الرواية والسينما»، وما الرواية الأدبية «الواقعية» سوى مضاف إلى الجائزة على نحو استدراكي وعرضي.

وأتفق مع الدكتور النعمي في أن الجائزة ستصنع مشهداً مختلفاً، بيد أنه اختلاف من المحتمل أن يدفع، وعلى نحو لافت، بالقص الشعبي عموماً، والرواية البوليسية خاصة، إلى الواجهة، ما قد يؤدي إلى دخولها في مجال رادارت الصحافة والنقد. فتخرج الرواية البوليسية العربية من جب غيابها الملحوظ الذي ناقشته الصحافة العربية، وكُتِبَ عن أسبابه مراراً وتكراراً، قبل أن يتأكد - غيابها - عالمياً، أيضاً، من خلال ملف صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية (جولة حول العالم عبر 80 رواية بوليسية). وكان عبده وازن (إندبندنت عربية) وباقر صاحب (جريدة «الصباح»)، ممن كتبوا عن هذا الغياب الذي وصفه وازن بالفادح.

غياب الرواية البوليسية في «المجلة العربية»

لم تسعفني ذاكرتي إلا برواية محلية واحدة (فسوق) عبده خال وأنا أفكر فيما أشارك به في ملف «المجلة العربية» عن غياب الرواية البوليسية العربية (نُشر الملف في 1/4/2011). «فسوق» رواية بوليسية بامتياز حتى وإن لم يصرح مؤلفها بأنها كذلك، لاحتوائها على عناصر الرواية البوليسية الثلاثة: الجريمة، نبش قبر جليلة محسن الوهيب وسرقة جثتها ومضاجعتها؛ «المجرم/السارق، داود الناعم/شفيق الميت»؛ التحقيق والقبض على المجرم. أو وفقاً لتنظير تزفيتان تودوروف في «تصنيف القص البوليسي»، يتألف المتن الحكائي في «فسوق»، كما في أي رواية بوليسية، من القصة الأولى، وهي سرقة جثة جليلة، والقصة الثانية، قصة التحقيق المنتهية بالتعرف على من سرق الجثة ليمارس معها «النكروفيليا». القصة الأولى، كما يُنَظِّر تودوروف، تحكي ما يحدث بالفعل، بينما تشرح الثانية، قصة التحقيق، «كيف عرف القارئ أو السارد» عنها. بالتحديد تنتمي «فسوق» إلى النوع المعروف باسم «police procedural»، القص البوليسي الذي تأخذ فيه إجراءات وأساليب عمل الشرطة موقعاً مركزياً في البنية والثيمات والحدث كما يوضح جون سكاغز في كتابه «قص الجريمة».

لم يخطر ببال عبده خال أنه سيصبح ذات يوم عضواً في لجنة تحكيمٍ روايات جريمة/بوليسية جزءٌ من مهمتها. ربما يحفزه هذا على السماح لكاتب «فسوق» في داخله بالنمو والتطور، ليكتب روايات بوليسية أخرى.

* ناقد وكاتب سعودي