العقوبات الأميركية الجديدة تبدأ اليوم ضد النظام السوري

خبراء في واشنطن يتوقعون ضغوطاً كبيرة على موسكو وطهران

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوقع موازنة الدفاع التي تضمنت «قانون قيصر» في ديسمبر الماضي (غيتي)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوقع موازنة الدفاع التي تضمنت «قانون قيصر» في ديسمبر الماضي (غيتي)
TT

العقوبات الأميركية الجديدة تبدأ اليوم ضد النظام السوري

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوقع موازنة الدفاع التي تضمنت «قانون قيصر» في ديسمبر الماضي (غيتي)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوقع موازنة الدفاع التي تضمنت «قانون قيصر» في ديسمبر الماضي (غيتي)

يدخل اليوم «قانون قيصر» حيز التنفيذ حيث يتوقع خبراء أن تسقط عقوباته كالصاعقة على رؤوس كل من يمد يد العون للنظام السوري، ذلك أن القانون «لن يرحم النظام وحلفاءه وأن نتائجه ستكون وخيمة وقاسية على الأفراد والمجموعات التي تتعامل مع نظام الأسد».
وكان المشرعون والخبراء الأميركيون أعدوا مسودة القانون على نار هادئة على مدى 6 أعوام، عدلوا فيها من بنوده وتشاوروا مع خبراء في الشأن السوري من كل الأطياف والبلدان لينتجوا نص قانون متكامل وعقوبات فُصلت على مقاس كل من تستهدفه الإدارة.
وقد رُسمت علامات الاستهداف بشكل أساسي على بلدين أرقا نوم المشرعين منذ زمن: إيران وروسيا إضافة إلى وكلائهما في المنطقة. والرسالة واضحة: تعاونوا مع النظام وستسقط عليكم العقوبات من دون رحمة.
ويفسر النائب الجمهوري مايك مكول، وهو من عرابي «قانون قيصر»، استراتيجية المشرعين فيقول: «نحن نرسل رسالة قوية لبلدان كإيران وروسيا تقوي وتدعم حرب نظام الأسد الوحشية والمستمرة التي يشنها على الشعب السوري، وذلك عبر فرض عقوبات عليها».
ويشير مكول إلى أن عزمه على تمرير القانون منذ العام 2014 يعود إلى التأثير الكبير للصور المروعة التي عرضها المدعو «قيصر» أمام الكونغرس والتي أظهرت جثثاً لسوريين تم تعذيبهم بوحشية من قبل النظام، بينهم أطفال ونساء. حينها، بدأ مكول وزملاؤه بكتابة نص القانون الذي أطلق عليه اسم «قيصر» تيمناً بالمصور العسكري الذي انشق عن النظام وهرب أكثر من 55 ألف صورة توثق جرائم الأسد في السجون والمعتقلات في البلاد. ويتحدث مكول عن قيصر ويقول: «التقيت به ورأيت صوراً مروعة ذكرتني بجرائم الهولوكوست، وكان من الصعب علي أن أصدق أن ما يجري في سوريا يحدث في أيامنا هذه. حينها علمت أنه من المهم جداً أن نعاقب النظام الوحشي وحلفاءه».

- إغلاق الفجوات
وفي ظل وجود عقوبات كثيرة سابقة على النظام السوري من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، سعى المشرعون إلى إغلاق الفجوات في العقوبات السابقة التي ركزت بشكل أساسي على المسؤولين السوريين وقطاع النفط، وذلك من خلال فرض عقوبات جديدة تستهدف كل من يتعامل مع مصرف سوريا المركزي وقطاعي الطاقة والطيران، إضافة إلى البلدان والشركات التي تسعى إلى المساهمة في جهود إعادة الإعمار في سوريا.
ويهدف القانون إلى ثني الشركات والأفراد عن الاستثمار في سوريا والمشاركة في جهود إعادة الإعمار التي تقودها الحكومة السورية، إذ أن الإدارة الأميركية تعتبر أن الأسد يستغل مشاريع إعادة الإعمار لتعزيز موقعه في السلطة ومصادرة الأملاك وإعادة رسم التركيبة السكانية عبر انتزاع ملكية الفقراء. في هذا الإطار، حذر أعضاء الكونغرس المجتمع الدولي «من مد يد العون لنظام الأسد»، فهم لا يرون «مستقبلاً لسوريا مع الأسد في سدة الحكم»، وقد أصدروا بياناً تحذيرياً قاسي اللهجة قالوا فيه: «الشعب السوري عانى كثيراً في ظل حكم الأسد وداعميه. على الإدارة أن تسعى إلى تطبيق صارم لقانون قيصر لتوضح للنظام السوري وحلفائه أن الأسد شخص منبوذ، ولن يتم النظر إليه كقائد شرعي للبلاد. نحث المجتمع الدولي على عدم التعامل اقتصاديا أو دبلوماسيا مع نظام الأسد المجرم تحت طائلة العقوبات». ويظهر هذا البيان التكاتف الحزبي القوي على تطبيق عقوبات قيصر بحذافيرها، ليس بحق إيران وروسيا فحسب، بل تجاه كل بلد أو فرد يسعى للتعامل مع النظام.
وفي ظل التدهور اليومي لليرة السورية مقابل الدولار وانهيار الاقتصاد في كل محاوره، تستعد سوريا لوقع الضربة، واعتبر المبعوث الأميركي الخاص لسوريا جيمس جيفري أن تدهور الليرة دليل على نجاح السياسات الأميركية حتى قبل تطبيق القانون. وقال: «إن انهيار الليرة السورية يثبت أن روسيا وإيران لن تتمكنا من مساعدة نظام الأسد وأن النظام هو نفسه لن يتمكن من إدارة سياسة اقتصادية فعالة بعد اليوم، ولن يتمكن من تبييض الأموال في المصارف اللبنانية».
ويعكس كلام جيفري خلاصة العقوبات الجديدة، إذ أن الإدارة الأميركية حددت ثلاثة محاور تستهدفها العقوبات: النظام السوري ومؤسساته، النظام الروسي والمسؤولين فيه، والنظام الإيراني ووكلاءه.

- توسيع العقوبات
ويسعى «قانون قيصر» إلى توسيع نظام العقوبات السابق عبر استهداف المؤسسات الحكومية السورية، والأفراد، من مدنيين ومسؤولين، الذين يمولون النظام السوري وروسيا وإيران. كما يفرض عقوبات على أصحاب الشركات الأجنبية التي تجمعها صلات بالأسد وحلفائه.
وبحسب نص القانون، سوف تُفرض هذه العقوبات على أي شركة عالمية أو فرد يستثمر في قطاعي الطاقة أو الطيران، وكل من يزود الخطوط الجوية السورية بقطع غيار وصيانة إضافة إلى كل من يقدم ديوناً للنظام.
ويفرض القانون عقوبات على أي حكومة أو مجموعة تُسهل من صيانة أو توسيع إنتاج الحكومة السورية المحلي للغاز الطبيعي والبتروليوم ومشتقاته. كالشركات الروسية والإيرانية الخاصة التي تحاول استغلال الحرب للسيطرة على موارد سوريا الطبيعية وبنيتها التحتية. كما ستشمل العقوبات مصرف سوريا المركزي، إذا ما ثبت أنه يشارك في عمليات غسل أموال.
ويقترح القانون فرض عقوبات متعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان على مسؤولين سوريين بدءاً من الرئيس السوري ورئيس الوزراء ونائبه، مروراً بقادة القوات المسلحة البرية والبحرية ومسؤولي الاستخبارات، ووصولاً إلى المسؤولين في وزارة الداخلية من إدارة الأمن السياسي والمخابرات والشرطة، وقادة الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، والمسؤولين عن السجون التي يسيطر عليها النظام ورؤساء الفروع الأمنية كافة.
وكما هي الحال في عقوبات من هذا النوع، سيكون أصعب تحدٍ أمام الإدارة الأميركية هو السيطرة على تأثيرها على المدنيين، لذلك أضاف المشرعون بنوداً تستثني المساعدات الإنسانية من العقوبات، عبر إعطاء الرئيس الأميركي الصلاحية بعدم فرض العقوبات على المنظمات غير الحكومية التي توفر المساعدات الإنسانية لسوريا.

- ضربة جديدة
ورغم هذه الاستثناءات، يتخوف البعض من أن الأوضاع المعيشية المتدهورة أصلاً في سوريا لن تتمكن من استيعاب أي ضربة جديدة جراء العقوبات، خاصة أنها ستحول دون إعادة تأهيل البنى التحتية وإصلاح خدمات أساسية أخرى. وفي حال إصرار الأسد على البقاء في الحكم، وهو سيناريو محتمل يقلق منه المشرعون، سيكون من الصعب السيطرة على تأثير العقوبات على السوريين الذين يعيش نحو 80 في المائة منهم اليوم تحت خط الفقر.
إضافة إلى ذلك، سيظهر التأثير الأبرز لهذه العقوبات على قطاع الغاز والنفط المتأزم أصلاً بسبب العقوبات السابقة. فسوريا تستورد نحو 60 في المائة من احتياجاتها المحلية للغاز، لكنها بالكاد تستطيع تأمين 24 في المائة من احتياجات سكانها في الوقت الحالي.
ولا يعني دخول القانون حيز التنفيذ، أن رفع العقوبات غير مطروح لكن بشروط، إذ يشدد القانون على انفتاح الولايات المتحدة على الحل الدبلوماسي من خلال تسوية أساسها تنحي نظام الأسد، ووقف دعم روسيا وإيران له. وفي هذا الإطار يضع القانون شروطاً ستة لرفع العقوبات الأميركية، هي: «وقف قصف المدنيين من قبل الطائرات الروسية والسورية، رفع الحصار عن المناطق المحاصرة من قبل القوات الإيرانية والروسية والسورية والسماح بمرور المساعدات الإنسانية وبتحرك المدنيين بحرية، إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين والسماح بدخول منظمات حقوق الإنسان إلى السجون والمعتقلات السورية، وقف قصف المراكز الطبية والمدارس والمناطق السكنية والتجمعات المدنية كالأسواق من قبل القوات السورية والإيرانية والروسية، والمجموعات التابعة لها، عودة المهجرين السوريين بطريقة آمنة وإرادية ومحترمة ومحاسبة مرتكبي جرائم حرب في سوريا وإحقاق العدالة لضحايا جرائم الحرب التي ارتكبها النظام السوري».
وستكون الأشهر القادمة حاسمة في تقييم هذه العقوبات وتحديد فعاليتها، وستراقب الإدارة الأميركية بحذر أي تغيير في الموقف الروسي الداعم للأسد، آملة أن «تؤدي العقوبات إلى رفع الغطاء كلياً عن النظام، وإلى إفلاس النظام الإيراني ووكلائه في المنطقة»، حسب محللين في واشنطن.



«بريكست» بريطانيا... الحمى أقل زخماً

نتائج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا تزال تثير جدلاً سياسياً واجتماعياً (أ.ب)
نتائج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا تزال تثير جدلاً سياسياً واجتماعياً (أ.ب)
TT

«بريكست» بريطانيا... الحمى أقل زخماً

نتائج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا تزال تثير جدلاً سياسياً واجتماعياً (أ.ب)
نتائج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا تزال تثير جدلاً سياسياً واجتماعياً (أ.ب)

خلال السنوات الـ8 التي مرت منذ التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) عام 2016، كُتبت ملايين الكلمات عن آثاره. وحتى يومنا هذا، لا تزال قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تقسم البريطانيين.

في المملكة المتحدة، هيمن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على النقاش السياسي لسنوات، سيما بين عامي 2016 و2019. وبدا الأمر وكأن الملحمة لا نهاية لها. كنت نائباً في البرلمان ووزيراً في الحكومة البريطانية طوال ذلك الوقت. وأعلم كم من الوقت استهلك الجدل الذي يبدو بلا نهاية.

لكن الساحة السياسية في المملكة المتحدة اليوم أصبحت أقل زخماً بحمى البريكست. واستقر النقاش الآن على شواغل أطول أجلاً: كيف يمكننا تنمية الاقتصاد؟ وكيف يمكننا التعامل مع مستويات الهجرة المرتفعة للغاية؟ وكيف يمكن للمملكة المتحدة أن ترسم طريقها في الساحة الدولية؟

وزير الخزانة البريطاني السابق كوازي كوارتنغ (غيتي)

في الأثناء، وفي أوروبا نفسها، هناك مشاكل ملحة لا علاقة لها بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والمشاكل التي تواجهها أوروبا تماثل بشكل ملحوظ مشاكل بريطانيا.

يُنظر إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على اعتبار أنه عمل غريب وضرب من الجنون من جانب البريطانيين، في الوقت الذي أصبحت فيه القوى الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي وألمانيا وفرنسا أكثر تركيزاً على الداخل وأكثر تفتتاً من الناحية السياسية.

كان سقوط حكومة ميشال بارنييه بفرنسا، في بداية ديسمبر (كانون الأول)، مثالاً على مشكلة أوروبية لا علاقة لها بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. جاء رحيل بارنييه، بعد 3 أشهر فقط، بعد وقت قصير من انهيار الائتلاف في ألمانيا، الذي دفع باتجاه إجراء انتخابات مبكرة في فبراير (شباط) 2025، بدل الموعد الذي توقعه الجميع في سبتمبر (أيلول).

في بريطانيا، بطبيعة الحال، حصلنا على نصيبنا العادل من الانتخابات المبكرة. كان قرار ريشي سوناك بإجراء الانتخابات في يوليو (تموز) 2024 أحدث دعوة لإجراء انتخابات مبكرة، بعد الانتخابات المبكرة الناجحة التي أجراها بوريس جونسون عام 2019، وانتخابات تيريزا ماي المبكرة الكارثية عام 2017.

تظهر كل هذه الانتخابات المبكرة كيف أن الخروج البريطاني استشرف عصراً يتسم بقدر أكبر من عدم اليقين والفوضى. لا شك أن الأمور أصبحت أقل قابلية للتنبؤ بها بعد خروج بريطانيا، برغم أن المؤرخين سوف يتناقشون بلا أدنى شك حول ما إذا كان خروج بريطانيا أحد أبرز أعراض عصر الاضطرابات، أو بالأحرى أحد تداعياتها.

يشير نجاح دونالد ترمب في الانتخابات الأميركية عام 2016 إلى أن الخروج البريطاني، الذي سبق انتخابات ترمب، كان جزءاً من مجموعة أوسع من المتغيرات.

كانت القضايا التي أدت إلى بريكست؛ بما فيها ركود النمو الاقتصادي والهجرة الجماعية وفقدان الهوية بالنسبة للعديد من الناس في الغرب، هي القضايا نفسها التي ساهمت إلى حد كبير في انتصارات ترمب الانتخابية في عامي 2016 و2024.

يواجه البريطانيون أسئلة ملحة عن النمو الاقتصادي (إ.ب.أ)

في بداية عام 2025، يواجه الاتحاد الأوروبي وبريطانيا مشاكل تراجع النمو وارتفاع الهجرة نفسها. وتكمن خلف هذه الأسئلة القضايا المتعلقة بسياسات الهوية، والسياسات المثيرة للانقسام والمتعلقة بالعرق والجنس.

ويُقال إن الهوس المتصور بسياسات الهوية كان سبباً في إلحاق ضرر هائل بالديمقراطيين، كما بدا واضحاً في أحد الإعلانات الانتخابية الجمهورية، الذي يقول: «كامالا من أجلهم، والرئيس ترمب من أجلكم!».

هذه الرسالة المؤثرة بكل فعالية ألمحت إلى أن الديمقراطيين صاروا منغمسين في قضايا مثل حقوق المتحولين جنسياً، والاستخدام الصحيح للضمائر الشخصية، فضلاً عن مجموعة كاملة من النقاشات «المقبولة سياسياً» التي لم تكن على الإطلاق بين اهتمامات غالبية الأميركيين.

في أوروبا، هناك أيضاً مسألة الطاقة الرخيصة. وإلى أي مدى يتعيّن على الناس العاديين أن يدفعوا مقابل «التحول في الطاقة» لتصفير الكربون في اقتصاد بلدانهم عبر التخلي عن الوقود الأحفوري؟ لم تسبق أي قارة أوروبا في جهود «تصفير الكربون» أو الترويج للتخفيف من استخدام الوقود الأحفوري. ومع ذلك، لم تشهد أي قارة صعوداً أقوى للشعبوية اليمينية من أوروبا. فالشعبوية اليمينية عموماً ليست صديقة لـ«التحول الطاقي» والطاقة الخضراء.

من الواضح أن كل هذه المشاكل تتجاوز قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي التي تبدو أضيق وأكثر محدودية؛ إذ تنحسر أكثر في الزمن الماضي.

لكن بالنسبة لعشاق الاتحاد الأوروبي، فهناك شعور بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان بمثابة خسارة لكل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. وهم يزعمون أن المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي كان بوسعهما التعامل مع هذه القضايا بشكل أكثر فاعلية.

غير أن الحقيقة الواقعية تشير إلى خلاف ذلك. فمن المرجح ألا يختلف الوضع الراهن من عدم اليقين والخلافات السياسية إذا ظلت المملكة المتحدة داخل الاتحاد الأوروبي. خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في حد ذاته لم يتسبب في الوعكة التي يعيشها الآن كل بلدان الغرب.

*وزير الخزانة البريطاني السابق