زياد بهاء الدين: مشروع «الإخوان المسلمين» سقط في مصر بسبب تنظيم الإخوان.. وتكوين «جبهة الإنقاذ» كان خطأ

قال إنه يرفض وصف البرادعي بأنه «خائن» أو «عميل».. وسيظل يدافع عنه رغم اختلافه معه

زياد بهاء الدين: مشروع «الإخوان المسلمين» سقط في مصر بسبب تنظيم الإخوان.. وتكوين «جبهة الإنقاذ» كان خطأ
TT

زياد بهاء الدين: مشروع «الإخوان المسلمين» سقط في مصر بسبب تنظيم الإخوان.. وتكوين «جبهة الإنقاذ» كان خطأ

زياد بهاء الدين: مشروع «الإخوان المسلمين» سقط في مصر بسبب تنظيم الإخوان.. وتكوين «جبهة الإنقاذ» كان خطأ

* زياد بهاء الدين يروي  لـ «الشرق الأوسط»، تجربة 10 سنوات داخل أروقة الحكم في مصر بين الاقتصاد والسياسة (2 - 3)
* يستكمل الدكتور زياد بهاء الدين في حواره المطول مع «الشرق الأوسط»، ما بدأه عن قصة 10 سنوات قضاها داخل أروقة الحكم في مصر ما بين الاقتصاد والسياسة، قبل أن يخرج مستقيلا من الحكومة في يناير  (كانون الثاني) الماضي، بعد تحفظه على إقرار قانون التظاهر الذي اعتبره بمثابة خروج عن المسار الديمقراطي.
ويرى نائب رئيس الوزراء وزير التعاون الدولي السابق، أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر فشلت في الحكم وخسرت مساحة كبيرة من الشعبية والتأييد بسبب سوء إدارة الجهاز التنظيمي للجماعة لكل المراحل السياسية التي مرت بها مصر بعد ثورة 25 يناير، ويعتقد أن خروجه لإسقاط الرئيس المنتخب مرسي، في صحبة من أطلق عليهم «فلول» الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، لا يجعل وصف ثورة يونيو 2013 بـ«ثورة مضادة» وصفا صحيحا، كما أنه يرفض بشدة تسميتها بـ«الانقلاب»، حيث يؤكد على أن مصر شهدت حراكا شعبيا مكثفا خلال 6 أشهر سبقت يونيو، وأن نزول الجيش كان لحظة الذروة لهذا الحراك الثوري. ويعترف بهاء الدين، بأنه كان لديه استعداد لتولي رئاسة أول حكومة بعد 30 يونيو، لولا التدخل السلفي الذي رفض وجوده على رأس حكومة الثورة وقتها، ويؤكد أن الدكتور محمد البرادعي كان ضمن عدد من أصدقائه الذين تدخلوا لإقناعه بمنصب نائب رئيس الوزراء في حكومة الدكتور حازم الببلاوي التي تشكلت بعد ذلك. وإلى نص الجزء الثاني من الحوار.

* حاول البعض أن يلبس الجماعة ثوب الضحية، في مسألة الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، وقيل إنها ربما تكون قد دفعت إلى ذلك في هذه المرحلة؟ ما رأيك؟
- ليست لدي أي معلومات تجعلني أوافق، لا يهم من قد دفعها أو ساندها في القرار، لأن قرار الترشح كان قرارا خطأ ومخالفا لما أعلنوه من قبل، مصر في هذه المرحلة كانت تحتاج إلى رئيس توافقي أكثر من رئيس يمثل اتجاها سياسيا حادا.
* هل سقط تنظيم الإخوان؟ وهل كانت «أخونة الدولة» هي المسمار الأخير في نعش الجماعة سياسيا؟
- أعتقد أن مشروع الإخوان الذي كان له تيار داعم كبير في مصر، سقط ضحية لتنظيم الإخوان، سقطت فكرة الدولة الإخوانية التي انحاز لها ناس كثيرة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي أعقبت الثورة، فلا يمكن أن نغفل مثلا أن محمد مرسي حصل على 5 ملايين صوت في المرحلة الأولى، وأكثر من 12 مليونا في المرحلة الثانية من الانتخابات عام 2012. كنا نعيب عليه أنه تنظيم تاريخه سري ومغلق وغير قابل للتفاعل والتطور بالسرعة الكافية إلى آخر العيوب التنظيمية التي كنا نعرفها عن الإخوان، والتي ظهرت واضحة في منهجهم في «أخونة الدولة» بمعنى تفضيلك الدائم لمن معك في التنظيم ومن هو قريب منك فقط بعيدا عن الكفاءة. لذلك أرى أن من أفسد حكم الإخوان هو التنظيم نفسه الذي لم ينجح في إدراك حاجته للتطور والانفتاح على المجتمع، فأصبح الناس يرونه منغلقا ومتجها إلى تحقيق مصلحة التنظيم وأعضائه لا مصلحة الوطن.
* أليس من حق أي حزب أو جماعة تصل إلى السلطة بأن تحرك كوادرها لتتولى مناصب المسؤولية كي تتمكن من إدارة الدولة؟ تجربة الوفد مثلا قبل 1952 أو حتى ما قام به الجيش منذ ثورة يوليو كان شبيها بذلك؟
- المقارنة غير جائزة بين الجيش والإخوان، يمكن أن نقارن الإخوان بالوفد قبل ثورة 1952. لكن الجيش ليس حزبا سياسيا، ولا يعبر بوضوح عن آيديولوجية محددة، ولا يمثل فئة معينة من الشعب المصري. من الجائز أن تصف الجيش وتقول إنه له اتجاه محافظ في موضوع ما أو قريب من الاقتصاد، هذا يختلف مع أن يكون للجيش آيديولوجية فكرية، كأن يكون بعثيا أو اشتراكيا، هذا غير موجود في مصر.
* هل هذا يعني قبولك أم رفضك لتدخل الجيش في النشاط المدني؟
- أعتقد أنه يمكن أن يكون ضرورة في أوقات معينة وظروف استثنائية، لكن يجب أن يكون هناك تصور واتفاق في المجتمع حينما تنتهي هذه الظروف على نوع من التخارج التدريجي (phasing out) من العمل المدني. وأنا أختار كلماتي بدقة شديدة، ورأيي أنه في مصر يجب أن يكون هناك حوار في المجتمع –على مدى زمني- حول فكرة التخارج التدريجي للجيش من العمل المدني.
* لماذا يتقبل المصريون الآن ما رفضوه تماما من الإخوان أثناء حكمهم؟
- نحتاج أن نميز بين الموضوعين الاقتصادي والسياسي، حيث إنه لا يمكن دمجهما معا.. لأن تفسير القبول في كل منهما مختلف. لو أخذنا مثلا رفع الدعم، فأنا أعتقد أن هذا له خصوصية. طبعا لا شك في الحالتين أن جزءا منها مرتبط بشعبية الرئيس بالإضافة لثقة الناس فيه. كما أن هناك تغيرا إيجابيا عند الناس نتيجة حالة الحوار السياسي والانفتاح في الكلام خلال سنوات الثورة، اقتنع الناس أن هناك شيئا خطأ في موضوع دعم البنزين و(أسطوانات) الغاز، وأنه من غير المنطقي أن تدافع عن سياسة تجعل سعر الأسطوانة 8 جنيهات، بينما تباع في وقت الذروة والأزمة بـ40 جنيها. وهذا يراه الناس بأعينهم. من المهم أن نقدر للشعب المصري وندرك أنه نضج فكريا في الأمور الاقتصادية.
* هذا هو الشق الاقتصادي، ماذا عن الشق السياسي؟
- الشق السياسي مرتبط أكثر بشعور الناس بوطأة الانفلات الأمني خلال الـ3 سنوات الماضية، وخطورة العمل الإرهابي المتصاعد منذ عام، وتزايد العنف خاصة في الشهور الـ3 الأخيرة، والتي وصلت ذروتها في حادثة سيناء (كرم القواديس)، والهجوم البحري في دمياط. وكل هذا جزء مكن من قبول المجتمع بأوضاع دستورية وسياسية ربما لم يكن يقبل بها سابقا. ولكن من جهة أخرى لا ينبغي أن تتحول مكافحة الإرهاب إلى ذريعة للتضييق على الحريات أو لتعطيل الدستور أو الابتعاد عن المسار الديمقراطي.
* هل ترى أن خيار المصريين الدائم بين الجيش والجماعة هو قدر لم يتغير من 1952 إلى الآن؟ أم أن الأزمة سببها الطرف الثالث في المعادلة، وهو التيار المدني «الغائب الدائم»؟
- التيار المدني ليس غائبا ولكنه طوال الفترة الإخوانية كان مشغولا بمقاومة مشروع الدولة الدينية الذي كان يمثله حكم الإخوان، أما الآن فعلى التيار المدني أن يعيد ترتيب صفوفه وإعادة طرح هويته باعتباره ضد الدولة الدينية وأيضا ضد توغل الحكم العسكري في الشؤون المدنية.
* كيف تعاملتم كحزب سياسي مع فكرة إسقاط رئيس منتخب، عن طريق يتعارض (نظريا) مع قواعد الديمقراطية؟
- أريد أن أقول شيئا هاما في موقفي وموقف الحزب، موقفنا من انتخاب الرئيس مرسي كان في غاية الوضوح، لأننا اعترفنا بانتخابه من اللحظة الأولى، وقلنا هذه انتخابات سليمة في تقديرنا –على ما يبدو، إلا لو كان لدى أحد ما يقدمه من دلائل أخرى. وأن انتخابه كان شرعيا، وأصبحنا حزب معارضة في فترة حكم مرسي. قبلنا اختيار الصناديق، لكننا لم نقبل أن ينحرف الرجل ويأخذ البلد ويذهب بها، ولهذا كان موقفنا مع إسقاط حكم الإخوان، لأنه حكم إن كان جاء بالصندوق والديمقراطية، إلا أنه انحرف عنها وأخذها في مسار مختلف.
* هل تواطأ الساسة والمثقفون على الديمقراطية لكي يزاح الإخوان عن الحكم؟ وهل تتجزأ المبادئ؟
- المبادئ لا تتجزأ ومبادئنا لم تتغير نهائيا. لسبب واضح، أننا نرى أنه بقدر ما كانت ثورة يناير ثورة حقيقية بقدر ما 30 يونيو وجدت نفس التعبير الثوري، والجملة التي نرددها كثيرا في الحزب هي أننا قريبون ومتعاونون مع كل من لا يعتبر يونيو انقلابا، ولا يعتبر يناير مؤامرة خارجية. فنحن نبدأ من أن الحالتين كانتا تعبيرا عن تغير ثوري حقيقي في البلد. ونحن جزء من تيار كان بلا شك في الأشهر الكثيرة التي سبقت 30 يونيو مشاركا بشكل فعلي في محاولة إسقاط هذا الحكم (الإخوان). وهي مسألة لا يمكن أن ننكرها، وفعلناها بمفهومنا؛ الذي قد يبدو اليوم متواضعا.. لكن رأيي أن هذا أيضا يبخسه بعضا من حقه، فالنظر إلى 30 يونيو على أنها «فجأة الجيش نزل وتخلص من الإخوان»، تغفل أنه خلال 6 أشهر- على الأقل من نوفمبر (تشرين الثاني)، وقت صدور الإعلان الدستوري الشهير- كان هناك حراك في الشارع، وأعتقد أننا كنا في مقدمته.
* ألا ترى أن في خروج مؤيدي الرئيس الأسبق مبارك (ما سمي بالفلول) خلال مظاهرات 30 يونيو، ثم سيطرتهم على معظم المشهد السياسي يجعل من الممكن وصفها بـ«الثورة المضادة»؟
- ما حدث أن 30 يونيو جمع قوى كثيرة جدا في وعاء واحد.. كل القوى التي كانت في هذا الوقت راغبة في التخلص من الحكم الإخواني.. وهذا شاهدناه جميعا بأعيننا.
فكان من بينها من انتصروا من أجل اتجاه التغيير والديمقراطية بعد ثورة يناير، ومنها من كان يمثل الحزب الوطني ونظام مبارك، ومنها من كنا نطلق عليه في هذا الوقت «حزب الكنبة»، وهم المواطنون غير المنحازين سياسيا لأي اتجاه، لكن غير راضين عن استمرار حكم الإخوان. أما ما جاء بعد ذلك هو صراع ما بين قوى سياسية مختلفة، كل منها يعبر عن موقفه.
* لقد خرجتم في يناير- كما قلتم وقتها- لإسقاط حكم وصف بأنه عسكري، فكيف تقبلون وتشتركون في حكم هو أيضا ذو خلفية عسكرية، ألا تشعر بالتناقض؟
- إن مواقفي ومواقف حزبي بعد 30 يونيو لم تختلف مطلقا عن كل ما قلته قبلها. في كل مرة كنا ضد توغل المؤسسة العسكرية على الحكم المدني. وفي كل مرة كنا ضد صدور قوانين تقمع الحريات والتي كنا ضدها وقت مرسي أيضا.
كما أن موقفي من قانون التظاهر يعلمه الجميع، وموقفي من قانون التحقيق مع الطلبة في الجامعات، وموقفنا من قانون الجمعيات وكنا ولا نزال مؤيدين لحرية العمل الأهلي، وموقفنا من تحصين قرارات رئيس الجمهورية بأي شكل نحن ضده بصورة مطلقة. موقفنا من التوسع في اختصاص المحاكم العسكرية معروف أيضا. ممثلانا في لجنة الـ50 (الجمعية التأسيسية لوضع الدستور المصري) هدى الصدة ومحمد أبو الغار، كانا مع نص أضيق في اختصاص المحاكم العسكرية.
موقفنا لم يتغير. وكل شيء انتقدناه في حكم الرئيس مرسي وحكم الإخوان، لا يزال موقفنا منه لم يتغير مطلقا منذ 30 يونيو وحتى اليوم؛ حتى وأنا في الحكومة.
* هل شاركت بفاعلية في جبهة الإنقاذ؟
- لم أشارك في جبهة الإنقاذ بفاعلية قد أكون حضرت مرة أو اثنتين فقط، بسبب انشغالي بالملف الاقتصادي في الحزب، وبقضايا الصعيد. لكن لم أكن على الإطلاق فاعلا في إدارتها.
* هل كنت مؤيدا لدورها ووجودها؟
- كنت معترضا على بعض الأشياء، منها أن التحالف السياسي الذي يجمعه العداء لتيار معين فكرة مربكة، لأنها بالضرورة تدفعك إلى الخلف في قدرتك على طرح قضايا اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، لأنك مصر على الحفاظ على مساحة عريضة جدا من الاتفاق بين أشخاص مختلفين. وأعتقد أن أعضاءها لم ينتبهوا إلى أن الناس بقدر ما كانوا رافضين الإخوان، لم يكونوا متحمسين لشكل جبهة الإنقاذ في هذا الوقت أيضا، لأنها كانت تبتعد تدريجيا عن مشاعرهم ورغباتهم الحقيقية.
* هل بالفعل تم ترشيحك لمنصب رئيس الوزراء بعد 30 يونيو، وأنك رفضت؟
- لا أعرف ما هي آليات الترشيح، فقد كنت خارج مصر في زيارة لشقيقتي في رومانيا، وكان ذلك عقب مشاركتي في مظاهرات يوم 30 يونيو والأول من يوليو، سافرت يوم 2 يوليو، على اعتبار أن المسألة منتهية وتتجه إلى تغيير جذري ما، وأن الذي كنا نحاربه لن يستمر وسيسقط حتما. ثم سمعت خبر ترشيحي لرئاسة الوزراء على التلفزيون، وعلمت بخبر الفيتو (الاعتراض) عليه من التيار السلفي؛ واعتبرت أن المسألة منتهية.
* هل كان لديك استعداد لتولي المنصب؟
- كان لدي استعداد نعم، لكن وقف الرفض السلفي حائلا أمامي، وأعتقد أنه كان مؤثرا في دائرة صنع القرار (وقتها)، ونذكر مدى أهمية وجود السلفيين في هذه اللحظة، ومشاركتهم القوية يوم 3 يوليو 2013 عندما أعلنت خارطة الطريق. والشيء الآخر، أنني كنت متحفظا لعدم معرفتي بالقواعد التي سيتم بها إدارة المرحلة المقبلة (آنذاك)، مثل من سيكون فعليا في الحكم، ومن سيكون فعليا صاحب القرار، وخاصة أن الإعلان الدستوري لم يكن صدر بعد.
* هل تدخل الدكتور محمد البرادعي بعد ذلك لإقناعك بالانضمام إلى حكومة 30 يونيو برئاسة الدكتور حازم الببلاوي؟
- تدخل إلى حد كبير، وآخرون. ومن بينهم زملاء في الحزب وبعض أصدقائي.
* أقنعوك بالانضمام إلى الحكومة؟
- نعم،، كلهم أصدقاء أثق في رأيهم بشكل عام، كان هناك أكثر من طرف تدخل لإقناعي، ومنهم الدكتور البرادعي.
* على ذكر الدكتور البرادعي، هل كان يتفاوض بالفعل مع الإخوان بعد 30 يونيو؟
- نعم، هو شخصيا قال كلاما على هذا النسق، ولو نتذكر، أنه قال في استقالته ما معناه أنه كان من الممكن تجنب حدوث رابعة لو كان استمر في مسار ما.
* وهل وصلت مفاوضاته وقتها لما يمكن وصفه لـ«حل يرضي جميع الأطراف»؟
- كنت مشغولا بالحالة الاقتصادية ومشاكلها، وهذه المفاوضات كانت تتم عبر مؤسسة الرئاسة، واتصالي بالملف السياسي لم يبدأ حقيقة إلا في أعقاب فض رابعة، فقد عرضت بعدها على مجلس الوزراء مبادرة متكاملة لحماية المسار الديمقراطي، وانعقد المجلس خصيصا في هذا اليوم لمناقشة هذه الورقة، ولكن لم نصل إلى اتفاق يومها. فتأجل عرضها مرة أخرى إلى جلسة ثانية، وتناقشنا مرة أخرى، وأجريت تعديلات على الورقة، وصدرت بقرار مجلس الوزراء يوم 21 أغسطس (آب).
* كيف تقيم استقالة البرادعي وانسحابه في هذه اللحظة التاريخية المعقدة؟
- سأظل مدافعا عن الدكتور البرادعي- كما فعلت من اللحظة الأولى- باعتبار أنه في نهاية الأمر هو حر في قراره، أيا كان تقدير كل منا لصحة أو عدم صحة موقفه، لكن أرفض اتهامه بأنه «خائن وعميل».
* ليس للأمر علاقة بـ«الخيانة والعمالة» ولكن ألا يمكن أن نصف موقفه بـ«سوء التقدير»؟
- بالعكس، لأن من سمات القرار الجماعي أنك إما أن تشارك فيه أو ترفضه، إذا رفضته فإن من حقك الخروج منسحبا، لكن الصعوبة أن تظل في مكانك وتقول: «أنا ضده ولكن أنا موجود». وفي مثال يخصني شخصيا، كان موقفي من قانون التظاهر من اللحظة الأولى أنه خطأ قانوني وسياسي، وقلت ذلك.. إذن عندما يصدر القانون، ليس أمامك سوى أن تقول إما أنك اقتنعت بوجهة النظر التي تقول إنه سليم، أو تقول سأغادر.. لا يوجد بديل آخر.
* يصف البعض ما حدث معك ومع البرادعي باللفظ السياسي التالي «تم استخدامكما وحرقكما أمام الرأي العام لإنهاء دوركما السياسي»، ما تعليقك؟
- جائز.. لكن دعني أوضح شيئا.. هناك فارق كبير بين من يدخل العمل العام لكي يحافظ على نفسه، ومن يدخل لاعتقاده أنه من الممكن أن يفعل شيئا مفيدا في لحظة معينة، ثم يتحمل العواقب. إذا كان هناك من سعى إلى حرق البرادعي أو وزراء جبهة الإنقاذ أو أنا تحديدا، فقد يكون نجح أو لم ينجح، لكن في الحالتين هذا ليس اعتبارا أساسيا- بالنسبة لي- عندما تقرر الدخول بنية القيام بعمل مفيد.
بالتأكيد هذا الأمر، يهم ذلك الشخص الذي يبني لنفسه تصورا سياسيا كبيرا في المستقبل، لكن أنا شخصيا أرى أنه إذا كان تم «حرقنا» فسيأتي من هو أفضل منا، وانتهى الأمر. وإذا كان هناك من نجح في إخراجي من الساحة السياسية، فليكن، وأنا فعلت ما يمكنني فعله في لحظة معينة وضميري مستريح.
* ما هي أهم إنجازات حكومة الببلاوي من وجهة نظرك؟ وإلى أي مدى أنت راض عن دورك فيها؟
- أعتقد أن حكومة الببلاوي فعلت ما كان يمكن عمله في الجانب الاقتصادي، في الأشهر القليلة التالية لانتقال السلطة. فالوضع الاقتصادي كان- من دون مبالغة- ليس في حالة خطورة فقط، بل في حالة انهيار.
نتحدث عن موارد ليست موجودة في البلد، احتياطيات ناضبة في كل الاتجاهات، توقف تام للنشاط الاقتصادي، ووضع غير قابل للاستمرار نهائيا. لذا أعتقد أن أول ما فعلناه سد هذه الفجوة الكبرى حتى تبدأ الأمور في اتخاذ مجرى أفضل.
أهم ملامح ذلك يلخصه 3 عناوين عريضة في تقديري، الملمح الأول هو أن تأتي في لحظة بها عجز موازنة وانخفاض شديد في الإنفاق وتتمكن من عمل ما يدعى بـ«رد الفعل العكسي». حيث قررنا في هذه اللحظة بالذات أن نزيد من الإنفاق العام بشكل غير مسبوق، أي بما أن الاقتصاد متوقف تماما: «سننزل ونصرف». ولذلك كنا نتكلم آنذاك عما يسمى بـ«حزمة التحفيز» التي بلغت 27 مليار جنيه (نحو 3.85 مليار دولار) ممولة من الموازنة العامة، واستكملت بعد ذلك بمبلغ آخر.
واتخذ الإنفاق العام اتجاها عنيفا (aggressive)، وإلا كانت الحركة الاقتصادية توقفت تماما. الشيء الآخر، بالطبع كان هناك استعداد من دول الخليج لمساعدتنا، لكن أظن أننا تحركنا بسرعة كافية معهم بما يسمح بأن تأتي التدفقات بالفعل، وتجد منافذ للصرف. وكنت شخصيا متوليا لملف التنسيق مع دولة الإمارات في المعونة الاقتصادية، وأعتقد أنه بالتعاون مع وزارة التخطيط تحديدا استطعنا أن نقدم لهم بسرعة ما يمكن تمويله مما كان له أثر سريع في تنشيط الاقتصاد. كما أدرت شخصيا مسألة استعادة العلاقة مع بنك الاستثمار الأوروبي، والبنك الأوروبي للتنمية والإعمار، والبنك الدولي.
وفي نهاية الـ6 أشهر، التي توليت فيها المنصب، أعدنا التعامل حتى مع الاتحاد الأفريقي، وسويسرا والدنمارك وألمانيا وفرنسا.. وإذا عدنا إلى الملفات ستجد أنني وقعت اتفاقات مع كل هذه الدول التي كانت توقفت عن تمويلنا في أعقاب 30 يونيو.
والأمر الثالث هو أن حكومة الببلاوي، رغم كل ما قيل بعد ذلك، نجحت في أن تدفع ببعض العناصر الهامة في أجندة العدالة الاجتماعية؛ حتى خلال تلك الفترة الوجيزة. وعلى رأسها الحد الأقصى للأجور، والحد الأدنى للأجور الذي يتنصل منه الجميع اليوم كما لو كان عيبا رغم أهميته، وقانون منع تعارض المصالح الذي قدمته بنفسي لمكافحة الفساد وتمت الموافقة عليه وهو سارٍ إلى اليوم، وزيادة المعاشات بنسبة 50 في المائة خلال تلك الفترة، وتوفير الأموال الكافية لإعفاء الطلبة من الرسوم، توفير الموارد الكافية لشراء القطن والقمح بأسعار تسمح للفلاح بأن يستمر، وغيرها من أشياء حققناها.
* هل يتحمل الإخوان ما وصل إليه الاقتصاد المصري في 30 يونيو من انهيار؟
- الموقف في 30 يونيو كان نتيجة تراكمية، مع مجيء الإخوان كان قد مضى أكثر من عامين على الثورة، وعجلة الاقتصاد شبه متوقفة، مصانع تغلق والبطالة تتزايد والاحتياطي النقدي يتناقص، لكن أظن ما ينسب إلى الإخوان خلال فترة حكمهم سواء وهم حزب الأغلبية في البرلمان أو توليهم الرئاسة، هو فشلهم على الأقل في وقف النزيف وإدارة الاقتصاد بشكل أفضل، كما أن تواجدهم على رأس الحكم قد أدى إلى تفاقم الأزمة بسبب الخوف من «أخونة» الدولة وما أدت إليه من توقف الاستثمار.
* كنت وزيرا على قمة المجموعة الاقتصادية.. وكانت أهم معاركك الحكومية سياسية، من معركة المسار الديمقراطي إلى موقعة قانون التظاهر.. ما تعليقك؟
- صحيح.. وتعليقي ما قلته في أكثر من مناسبة قبل ذلك، بأنني أعتقد أنني أمضيت أكثر من 95 في المائة من وقتي في الملف الاقتصادي، ولذلك فأنا سعيد جدا بما انتهى إليه في الفترة الوجيزة التي كنت موجودا فيها. لكن الجزء الظاهر إعلاميا هو الجزء السياسي. ولا يوجد بلد في العالم الوزير فيها ليس سياسيا، ولا يوجد شيء اسمه أن يكون الوزير في حكومة وليس له رأي في الموضوع، هذا من جهة.
لكن من جهة أخرى، أنا كنت وما زلت مقتنعا أنه حتى من منظور الاهتمام بالملف الاقتصادي، هناك ضرورة لمتابعة الملف السياسي والتحقق من أنه يسير بالشكل السليم، لأن ما يخدم الاقتصاد في النهاية ليس مجرد إحصائيات وأرقام، ولكن المناخ السياسي.. والمناخ السياسي إذا كان مواتيا يتقدم الاقتصاد، وإذا كان غير ذلك حدث العكس. ففي الحالتين، ذلك من صميم عملي أولا، وهو أيضا من واجب أي وزير في أي حكومة.
 



تصعيد «الانتقالي» الأحادي يهزّ استقرار الشرعية في اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي باليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي باليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
TT

تصعيد «الانتقالي» الأحادي يهزّ استقرار الشرعية في اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي باليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي باليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)

يشهد شرق اليمن، وتحديداً وادي حضرموت ومحافظة المهرة، واحدة من أكثر موجات التوتر خطراً منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل (نيسان) 2022، وسط تصاعد في الخطاب السياسي، وتحركات عسكرية ميدانية، وإعادة رسم للتحالفات داخل المعسكر المناهض للحوثيين؛ الأمر الذي يضع البلاد أمام احتمالات مفتوحة قد تنعكس على كامل المشهد اليمني، بما في ذلك مسار الحرب مع الجماعة الحوثية، وواقع الإدارة المحلية، ووضع الاقتصاد المنهك.

وفي هذا السياق، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي بوضوح نيته المضي نحو تعزيز سيطرته الأمنية في وادي حضرموت. وقال علي الكثيري، رئيس الجمعية الوطنية للانتقالي، إن «الانتصارات الأخيرة شكلت بارقة أمل لأبناء حضرموت»، مشيراً إلى أن «مرحلة ما بعد التحرير تتطلب تضافر الجهود للحفاظ على المكتسبات».

رئيس مجلس الانتقالي الجنوبي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني عيدروس الزبيدي (أ.ب)

وكان لافتاً حديثه عن أن «تأمين وادي حضرموت يمثل أولوية قصوى»، في إشارة مباشرة إلى مطلب الانتقالي القديم بإخراج القوات الحكومية من الوادي واستبدالها بقوات «النخبة الحضرمية» الموالية له، بالتوازي مع تأكيده أنّ الجنوب «مقبل على دولة فيدرالية عادلة»، في تكرار لرؤيته الداعية إلى إنهاء الوحدة بصيغتها الحالية.

بالنسبة للانتقالي، فإن السيطرة على وادي حضرموت والمهرة ليست مجرد توسع جغرافي؛ بل جزء من رؤية استراتيجية تهدف إلى ترسيخ النفوذ جنوباً استعداداً لأي تسوية سياسية مقبلة بخاصة في ظل مطالب المجلس باستعادة الدولة التي كانت قائمة في جنوب اليمن قبل 1990.

موقف العليمي

في المقابل، صعّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي خطابه بعد أن غادر العاصمة المؤقتة عدن بالتوازي مع تصعيد المجلس الانتقالي؛ إذ شدد بشكل واضح على «انسحاب القوات الوافدة من خارج حضرموت والمهرة» وتمكين السلطات المحلية من إدارة شؤون المحافظتين.

وجاءت مواقف العليمي من خلال تصريحاته أمام السفراء الراعيين للعملية السياسية في اليمن، وأخيراً من خلال اتصالات هاتفية مع محافظي حضرموت والمهرة، في رسالة أراد من خلالها تقديم دعم مباشر للسلطات المحلية والدفع نحو تهدئة التوتر بعيداً عن الخطوات الأحادية التي أعلنها المجلس الانتقالي.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وشدد العليمي على ضرورة «عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه»، محذراً من مخاطر التصعيد على الاقتصاد والواقع الإنساني. كما دعا إلى «تحقيق شامل في الانتهاكات المرافقة للإجراءات الأحادية»، في إشارة إلى الاعتقالات والإخفاءات التي تقول جهات حقوقية إنها رافقت عمليات الانتقالي في بعض المناطق الجنوبية.

ويبرز من هذه التصريحات حجم الهوة داخل مجلس القيادة الرئاسي نفسه؛ إذ يتحرك كل طرف من أطرافه بشكل مستقل، بينما تتسع الفجوة بين مواقف العليمي والانتقالي بشأن مستقبل الإدارة الأمنية والعسكرية للشرق اليمني.

مخاوف واسعة

يثير تصاعد الأحداث في شرق اليمن مخاوف من أن تتحول حضرموت والمهرة، وهما أكبر محافظتين في البلاد مساحة، إلى بؤرة صراع داخلي قد تجرّ اليمنيين إلى فوضى جديدة. فالمنطقة، التي تمتاز بامتدادات جغرافية واسعة وثروات نفطية ومنافذ برية مهمة مع السعودية وسلطنة عُمان، حافظت لسنوات على نمط من الاستقرار النسبي مقارنة بمناطق الحرب الأخرى.

لكن دخول قوات إضافية وفرض وقائع أمنية وعسكرية قد يؤدي إلى تقويض الإدارة المحلية التي تعتمد على التوازنات القبلية والسياسية، وعرقلة إنتاج النفط الذي يمثل شرياناً اقتصادياً أساسياً، مع ارتفاع خطر الجماعات المتطرفة التي تستغل عادة الفراغات الأمنية، إضافة إلى تعميق الانقسام داخل مجلس القيادة الرئاسي وانعكاس ذلك على قدرته في إدارة ملفات الحرب والسلم.

كما يهدد التصعيد بتفاقم الأزمة الإنسانية في بلد يعيش أكثر من 23 مليون من سكانه على المساعدات، بينما تشير تقارير أممية إلى أن 13 مليوناً قد يبقون بلا دعم إنساني كافٍ خلال العام المقبل.

تنسيق الزبيدي وصالح

على خلفية هذه التطورات، أجرى طارق صالح اتصالاً برئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي، في خطوة أضافت طبقة جديدة من التعقيد، بخاصة وأن الطرفين عضوان في مجلس القيادة الرئاسي الذي يقوده العليمي.

وحسب بيان الانتقالي، ناقش الطرفان «سبل التنسيق المشترك لإطلاق معركة لتحرير شمال اليمن من الحوثيين»، مؤكدين أن «المعركة واحدة والمخاطر واحدة»، مع الإشارة إلى تعاون مستقبلي لمواجهة «الجماعات الإرهابية» بما فيها الحوثيون وتنظيم «القاعدة».

المجلس الانتقالي الجنوبي يطالب باستعادة الدولة التي كانت قائمة في جنوب اليمن قبل 1990 (أ.ف.ب)

هذا التواصل ليس عادياً؛ فهو يجمع بين قيادتين تنتميان لمدرستين سياسيتين مختلفتين، الزبيدي بمشروعه الانفصالي جنوباً، وطارق صالح بمشروع «الجمهورية الثانية» شمالاً. لكن المشترك بينهما هو الرغبة في إعادة ترتيب موازين القوة داخل المعسكر المناهض للحوثيين، وتشكيل محور عسكري قادر على التحرك خارج حسابات الحكومة الشرعية، غير أن الرهان دائماً سيكون منوطاً بالإيقاع السياسي الذي تقوده الرياض.

وحسب مراقبين، يسعى الطرفان إلى استثمار الجمود في مسار التفاوض مع الحوثيين وملء الفراغ الناجم عن التغاضي الدولي تجاه الوضع في اليمن؛ وذلك لصياغة تحالف جديد يعيد تشكيل الخريطة السياسية، ويمنح كلاً منهما مساحة أكبر للتأثير، لكن كل ذلك يبقى غير مضمون النتائج في ظل وجود التهديد الحوثي المتصاعد.

بين الحوثيين والانتقالي

تأتي هذه التطورات في وقت تتراجع فيه العمليات القتالية بين الحكومة والحوثيين على معظم الجبهات. ومع أن الحوثيين يواصلون الحشد والتجنيد، فإن خطوط الجبهة الداخلية بين شركاء «معسكر الشرعية» باتت أكثر اشتعالاً من خطوط القتال مع الحوثيين أنفسهم.

ويحذّر خبراء من أن أي انقسام إضافي داخل هذا المعسكر سيمنح الحوثيين هامشاً أوسع لتعزيز نفوذهم، خصوصاً أنهم يراقبون من كثب ما يجري في الشرق، حيث تعتمد الحكومة الشرعية على الاستقرار هناك لضمان مرور الموارد والتحركات العسكرية.

وبين دعوات الانتقالي إلى «مرحلة ما بعد التحرير»، ومطالب العليمي بعودة القوات إلى تموضعها السابق، ومحاولات الزبيدي وطارق صالح لتشكيل موقف موحد، يجد سكان حضرموت والمهرة أنفسهم أمام مشهد معقد يشبه صراع نفوذ متعدد الطبقات.

وفد سعودي برئاسة اللواء محمد القحطاني زار حضرموت لتهدئة الأوضاع (سبأ)

فالمنطقة التي لطالما عُرفت بقبائلها وامتدادها التجاري والاجتماعي مع دول الخليج، باتت اليوم ساحة اختبار لمعادلات سياسية تتجاوز حدودها، وسط مخاوف من أن يقود هذا التصعيد إلى هيمنة على السلطة تتناسب مع المتغيرات التي فرضها المجلس الانتقالي على الأرض، بالتوازي مع تحذيرات من انفجار جديد يعمّق الانقسام اليمني بدلاً من رأبه.

وفي كل الأحوال، يرى قطاع عريض من اليمنيين والمراقبين الدوليين أن العامل الحاسم يظل مرتبطاً بموقف الرياض التي تمسك بخيوط المشهد الرئيسية، وقد دعت بوضوح إلى خفض التصعيد والتهدئة، عادَّة أن أي فوضى في المناطق المحررة في الجنوب والشرق اليمني ستنعكس سلباً على جهود إنهاء الحرب مع الحوثيين، مع اعترافها الواضح أيضاً بعدالة «القضية الجنوبية» التي يتبنى المجلس الانتقالي الجنوبي حمل رايتها.


«خطط الإعمار الجزئي» لرفح الفلسطينية... هل تُعطّل مسار «مؤتمر القاهرة»؟

يستخدم أفراد الدفاع المدني حفارة للبحث عن رفات الضحايا في أنقاض مبنى مدمر في مخيم البريج للاجئين (أ.ف.ب)
يستخدم أفراد الدفاع المدني حفارة للبحث عن رفات الضحايا في أنقاض مبنى مدمر في مخيم البريج للاجئين (أ.ف.ب)
TT

«خطط الإعمار الجزئي» لرفح الفلسطينية... هل تُعطّل مسار «مؤتمر القاهرة»؟

يستخدم أفراد الدفاع المدني حفارة للبحث عن رفات الضحايا في أنقاض مبنى مدمر في مخيم البريج للاجئين (أ.ف.ب)
يستخدم أفراد الدفاع المدني حفارة للبحث عن رفات الضحايا في أنقاض مبنى مدمر في مخيم البريج للاجئين (أ.ف.ب)

حديث عن خطط للإعمار الجزئي لمناطق في قطاع غزة، تقابلها تأكيدات عربية رسمية بحتمية البدء في كامل القطاع، بعد نحو أسبوعين من تأجيل «مؤتمر القاهرة» المعني بحشد تمويلات ضخمة لإعادة الحياة بالقطاع المدمر وسط تقديرات تصل إلى 35 مليار دولار.

تلك «الخطط الجزئية» التي تستهدف مناطق من بينها رفح الفلسطينية، تقول تسريبات عبرية إن حكومة بنيامين نتنياهو وافقت على تمويلها، وهذا ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» تماشياً مع خطط أميركية سابقة حال التعثر في الانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق غزة، وأشاروا إلى أن مؤتمر القاهرة للإعمار سيعطل فترة من الوقت؛ ولكن في النهاية سيعقد ولكن ليس قريباً ومخرجاته ستواجه عقبات إسرائيلية في التنفيذ.

ونقل موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مسؤول إسرائيلي قوله إن تل أبيب وافقت مبدئياً على دفع تكاليف إزالة الأنقاض من قطاع غزة وأن تتحمل مسؤولية العملية الهندسية الضخمة، وذلك بعد طلب من الولايات المتحدة الأميركية، وستبدأ بإخلاء منطقة في رفح جنوبي القطاع من أجل إعادة إعمارها.

ويتوقع، وفق مصادر الصحيفة، أن تكون إسرائيل مطالبة بإزالة أنقاض قطاع غزة بأكمله، في عملية ستستمر سنوات بتكلفة إجمالية تزيد على مليار دولار.

وترغب الولايات المتحدة في البدء بإعادة إعمار رفح، على أمل أن تجعلها نموذجاً ناجحاً لرؤية الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتأهيل القطاع، وبالتالي جذب العديد من السكان من مختلف أنحائه، على أن يعاد بناء المناطق الأخرى في مراحل لاحقة، وفق الصحيفة الإسرائيلية.

تلك التسريبات الإسرائيلية، بعد نحو أسبوعين من تصريحات للمتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، تميم خلاف، لـ«الشرق الأوسط»، أكد خلالها أن القاهرة تعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين على تهيئة البيئة المناسبة لنجاح مؤتمر «التعافي المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة». في معرض ردّه على سؤال عن سبب تأجيل المؤتمر.

وفي 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قال مصدر مصري مطلع لـ«الشرق الأوسط» إن المؤتمر «لن ينعقد في موعده (نهاية نوفمبر) وسيتأجل». وأرجع ذلك إلى التصعيد الحالي بالقطاع، وسعي القاهرة إلى توفر ظروف وأوضاع أفضل على الأرض من أجل تحقيق أهدافه، تزامناً مع تقرير عن مخططات إسرائيلية لتقسيم قطاع غزة لقسمين أحدهما تحت سيطرة إسرائيلية والآخر تتواجد فيه «حماس» ولا يتجاوز نحو 55 في المائة من مساحة القطاع.

صبيان يحتميان من المطر وهما جالسان على عربة يجرها حمار في دير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

واعتمدت «القمة العربية الطارئة»، التي استضافتها القاهرة في 4 مارس (آذار) الماضي، «خطة إعادة إعمار وتنمية قطاع غزة» التي تستهدف العمل على التعافي المبكر، وإعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين، وذلك وفق مراحل محددة، وفي فترة زمنية تصل إلى 5 سنوات، وبتكلفة تقديرية تبلغ 53 مليار دولار. ودعت القاهرة إلى عقد مؤتمر دولي لدعم إعادة الإعمار في غزة، بالتنسيق مع الأمم المتحدة.

ويرى عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير رخا أحمد حسن، أن تلك الخطط لن يوافق عليها ضامنو وبعض وسطاء اتفاق غزة باعتبارها مخالفة للاتفاق، وتطرح مع تحركات إسرائيلية لتعطيل المرحلة الثانية بدعوى أهمية البدء في نزع سلاح القطاع أولاً.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عبد المهدي مطاوع، أن موافقة إسرائيل على تمويل الإعمار الجزئي وعودة الترويج له إسرائيلياً، يشير لعدم احتمال الوصول لمرحلة ثانية واللجوء لخطة بديلة تحدث عنها جاريد كوشنر صهر ترمب بالبناء في المناطق الخارجة عن سيطرة «حماس» ما دامت الحركة لم تُنهِ بند نزع السلاح، مشيراً إلى أن عودة الحديث عن خطط الإعمار الجزئي تؤخر الإعمار الشامل وتعطي رسالة للدول التي ستمول بأن ثمة عقبات، وبالتالي ستعطل عقد مسار مؤتمر القاهرة.

وفي 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أكد كوشنر، في مؤتمر صحافي بإسرائيل، أن إعادة إعمار غزة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي «مدروسة بعناية وهناك اعتبارات جارية حالياً في المنطقة الخاضعة لسيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي، ما دام أمكن تأمينها لبدء البناء كغزة جديدة، وذلك بهدف منح الفلسطينيين المقيمين في غزة مكاناً يذهبون إليه، ومكاناً للعمل، ومكاناً للعيش»، مضيفاً: «لن تُخصَّص أي أموال لإعادة الإعمار للمناطق التي لا تزال تسيطر عليها (حماس)».

فلسطينيون نازحون يسيرون أمام المباني المدمرة في حي تل الهوى في الجزء الجنوبي من مدينة غزة (أ.ف.ب)

تلك الخطط الجزئية تخالف مواقف عربية، وشدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، في اتصال هاتفي، الخميس، على ضرورة التنفيذ الكامل لاتفاق وقف الحرب في القطاع، وحتمية البدء في عملية إعادة إعمار القطاع، وفق بيان للرئاسة المصرية.

وفي مقابلة مع المذيع الأميركي تاكر كارلسون، بـ«منتدى الدوحة»، الأحد الماضي، قال رئيس الوزراء القطري، محمد عبد الرحمن آل ثاني «لن نتخلى عن الفلسطينيين، لكننا لن نوقّع على الشيكات التي ستعيد بناء ما دمره غيرنا».

ويعتقد عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية» أن طلب قطر قبل أيام بتحمل إسرائيل تمويل ما دمرته «تعبير عن موقف عربي صارم للضغط لعدم تكرار التدمير»، مشيراً إلى أن مصر تدرك أيضاً أن إسرائيل تتحرك في الخطة البديلة بإعمار جزئي في رفح لكن القاهرة تريد تعزيز الموقف العربي المتمسك بالإعمار الكامل، والذي سيبدأ مؤتمره مع بدء المرحلة الثانية التي تشمل انسحاباً إسرائيلياً. بينما يرى المحلل السياسي الفلسطيني أن الموقف العربي سيشكل ضغطاً بالتأكيد لكن هناك وجهات نظر متباينة، مشيراً إلى أن مؤتمر إعمار القاهرة مرتبط بحجم التقدم في المرحلة الثانية ونزع السلاح بالقطاع؛ إلا أنه في النهاية سيحدث، لكن ليس في القريب العاجل وستكون مخرجاته مهددة بعقبات إسرائيلية.


جبايات الحوثيين تعمّق الركود الاقتصادي وتغلق عشرات الشركات

ملايين اليمنيين الخاضعين للحوثيين يعيشون في ظروف صعبة جراء ضيق سبل العيش (أ.ف.ب)
ملايين اليمنيين الخاضعين للحوثيين يعيشون في ظروف صعبة جراء ضيق سبل العيش (أ.ف.ب)
TT

جبايات الحوثيين تعمّق الركود الاقتصادي وتغلق عشرات الشركات

ملايين اليمنيين الخاضعين للحوثيين يعيشون في ظروف صعبة جراء ضيق سبل العيش (أ.ف.ب)
ملايين اليمنيين الخاضعين للحوثيين يعيشون في ظروف صعبة جراء ضيق سبل العيش (أ.ف.ب)

تتواصل الأزمة الاقتصادية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بصورة متسارعة، مع تصاعد شكاوى التجار من الزيادات الجديدة في الضرائب والرسوم المفروضة عليهم، وهي إجراءات وصفوها بـ«التعسفية»، كونها تمتد إلى مختلف الأنشطة التجارية دون استثناء.

في هذا السياق، أكد تقرير دولي حديث أن الضغوط المالية المفروضة على القطاع الخاص باتت تهدد بقاء مئات الشركات الصغيرة والمتوسطة، كما دفعت بالفعل العديد منها إلى إغلاق أبوابها خلال الأشهر الماضية.

وحسب التقرير الصادر عن «شبكة الإنذار المبكر للاستجابة للمجاعة»، فإن الوضع الاقتصادي في مناطق الحوثيين «يستمر في التدهور بوتيرة متصاعدة»، نتيجة الحملات المتكررة للجبايات التي تستهدف المطاعم والمتاجر والفنادق وقطاعات التجزئة.

وأشار التقرير إلى أن سلطات الحوثيين فرضت مؤخراً رسوماً إضافية على التجار تحت مبرر دعم الإنتاج المحلي، غير أن تلك الرسوم جاءت في سياق سلسلة ممتدة من القيود المالية والتنظيمية التي أثقلت كاهل أصحاب الأعمال.

الحوثيون تجاهلوا مطالب التجار بالتراجع عن زيادة الضرائب (إعلام محلي)

واحد من أبرز هذه الإجراءات كان فرض ضريبة جمركية بنسبة 100 في المائة على السلع غير الغذائية المستوردة، وهو ما أدى -وفق التقرير- إلى إغلاق عدد كبير من محلات التجزئة والمؤسسات الصغيرة التي لم تعد قادرة على تحمّل ارتفاع التكلفة التشغيلية والانخفاض المتواصل في الطلب. وتزامن ذلك مع استمرار الحوثيين في تجاهل مطالب التجار بالتراجع عن هذه الزيادات، رغم الاحتجاجات التي شهدتها صنعاء خلال الأسابيع الماضية.

تراجع غير مسبوق

يشير التقرير الدولي إلى أن العمل بالأجر اليومي والأعمال الحرة التي كانت تشكّل مصدر دخل رئيسياً للأسر الفقيرة والمتوسطة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، باتت تواجه تراجعاً غير مسبوق نتيجة خسائر الدخل وتراجع القدرة الشرائية.

ويحذّر التقرير من أن استمرار هذا التراجع سيقلل «على الأرجح» من قدرة الأسر على الحصول حتى على الغذاء بالتقسيط، وهو إحدى آخر الوسائل التي كان يعتمد عليها السكان خلال السنوات الماضية لمواجهة الضائقة المعيشية.

المزارعون والتجار في مناطق سيطرة الحوثيين يعانون من الجبايات (رويترز)

وفي المقابل، استعرض التقرير الإجراءات الاقتصادية التي تنوي الحكومة المعترف بها دولياً اتخاذها، ومنها رفع سعر الدولار الجمركي بنسبة 100 في المائة.

وعلى الرغم من التأكيدات الحكومية أن المواد الغذائية الأساسية مستثناة من هذا التعديل، يتوقع محللون أن ترتفع أسعار السلع غير الغذائية بنحو 6 إلى 7 في المائة، وسط مخاوف من استغلال بعض التجار للوضع ورفع الأسعار بنسب أكبر في ظل ضعف الرقابة المؤسسية.

استمرار الأزمة

تتوقع «شبكة الإنذار المبكر» أن تستمر حالة الأزمة واسعة النطاق في اليمن (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي للأمن الغذائي) حتى مايو (أيار) من العام المقبل على الأقل.

ويعزو التقرير الدولي ذلك إلى تأثيرات الصراع الاقتصادي بين الحوثيين والحكومة اليمنية الشرعية الذي أدى إلى تقويض النشاط التجاري، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتدهور بيئة الأعمال، بالإضافة إلى ضعف سوق العمل وانحسار القدرة الشرائية للمواطنين.

أما في محافظات الحديدة وحجة وتعز فيتوقع التقرير استمرار حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة)، نتيجة آثار الهجمات الأميركية والإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت البنية التحتية الحيوية مثل المنشآت والمواني في الحديدة، بالإضافة إلى عجز سلطات الحوثيين عن إعادة تأهيل هذه المرافق.

الحوثيون متهمون بتدمير مستقبل جيل يمني بكامله جراء انقلابهم (إ.ب.أ)

وقد أدى هذا الوضع إلى انخفاض شديد في الطلب على العمالة، وتراجع مصادر الدخل الأساسية للأسر في هذه المناطق.

وتناول تقرير الشبكة التطورات المتعلقة بالوديعة السعودية للبنك المركزي اليمني، وتوقعت أن تُسهم هذه المبالغ في تعزيز المالية العامة ومعالجة عجز الموازنة، بما يمكن الحكومة من استئناف بعض التزاماتها المتوقفة، بما في ذلك صرف الرواتب.

ومع ذلك، يؤكد التقرير أن هذا الدعم «قصير الأجل» ولا يعالج المشكلات الهيكلية العميقة التي يعاني منها الاقتصاد اليمني، خصوصاً في جانب الإنتاج وفرص العمل وبيئة الاستثمار.