إسطنبول و«داعش».. أسئلة أكثر.. وإجابات أقل

«الخارجية» التركية تنفي التعاون.. ومقاتل منشق عن التنظيم المتطرف: سهلوا لنا المرور

إسطنبول و«داعش».. أسئلة أكثر.. وإجابات أقل
TT

إسطنبول و«داعش».. أسئلة أكثر.. وإجابات أقل

إسطنبول و«داعش».. أسئلة أكثر.. وإجابات أقل

منذ بزوغ نجم «داعش»، اتسمت العلاقة التي تربط تركيا بالتنظيم الإرهابي بغموض شديد؛ فالهدف الرئيسي للدولة التركية منذ بدايات الثورة السورية تمثل في الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد. ومع استحالة تحويل هذا الهدف واقعا ملموسا، فضلت أنقرة أن تغدو معبرا للجهاديين المتوجهين إلى سوريا؛ إذ عبر ما يوازي 12.000 مقاتل أجنبي من الأراضي التركية نحو سوريا والعراق.
«هل تتعاون تركيا مع (داعش)؟»، يتساءل ديفيد فيليبس، مدير «برنامج بناء السلام والحقوق» في معهد جامعة كولومبيا لحقوق الإنسان الذي أصدر أخيرا تقريرا عن العلاقة بين «داعش» وتركيا.
صحيح أن تركيا أعلنت انضمامها إلى التحالف الدولي في حربه ضد «داعش» وتعهدت بوضع قاعدة «انجرليك» الجوية في خدمة التحالف، غير أنها ما لبثت أن نفت سماحها للطائرات الأميركية باستعمال قاعدتها، والمحادثات بهذا الشأن لا تزال جارية حتى الآن.
كذلك الأمر بالنسبة لتعهدها باحتضان برنامج لتدريب المعارضة السورية المعتدلة لم يترجم بعد على أرض الواقع.. «تشعر تركيا بالقلق تجاه مطالب الولايات المتحدة الأميركية وتتخوف من أن تدفعها هذه الأخيرة إلى الانخراط في حرب ضد المنظمة الإرهابية ومن ثم الانسحاب مع إلقاء كامل المسؤولية على كاهل الدولة التركية. فالثقة المتزعزعة في السياسة الأميركية لا تقتصر على تركيا فحسب، بل تتعداها إلى جميع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة مثل إسرائيل ودول الخليج»، وفق نديم شحادة مدير «مركز فارس للدراسات الشرق أوسطية» في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية التابع لجامعة تافتس.
وكان كبار المسؤولين الأتراك مثل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو قد نفوا أي تواطؤ مع «داعش». مع ذلك، تطرقت صحف عدة إلى مدى تساهل الجيش التركي مع الجماعة الإرهابية التي تسيطر حاليا على أجزاء واسعة من العراق وسوريا، وكيف يسمح لأفرادها بالسفر عبر الأراضي التركية لتدريب المقاتلين الذين يحاربون القوات الكردية.
وعلى الرغم من نفي الحكومة التركية نفيا قاطعا هذه المزاعم، فإن صحيفة «نيوزويك» نشرت في عددها الصادر في أوائل شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي مقابلة أجرتها مع «شيركو عمر»، وهو اسم مستعار لأحد مقاتلي «داعش» المنشقين الذي روى كيف سافر في شهر فبراير (شباط) الماضي على متن قافلة من شاحنات «داعش» ضمن وحدة من مقاتلي التنظيم من معقلهم في مدينة الرقة السورية، عبر الحدود التركية، وعاد ثانية عبرها، لمهاجمة الأكراد السوريين في مدينة سري كانيه شمال سوريا.
وأضاف عمر قائلا: «طمأننا قادة (داعش) بألا نخاف شيئا على الإطلاق، لأنه هناك تعاونا كاملا مع الأتراك، وأنه لن يحدث مكروه، خصوصا أن هذه هي الطريقة المعتمدة للسفر بانتظام من الرقة وحلب إلى المناطق الكردية الواقعة في أقصى شمال سوريا والتي كان يستحيل الوصول إليها عبر الأراضي السورية، لأن وحدات الحماية الكردية تسيطر على معظم الأراضي في المنطقة الكردية».
كما أكد عمر أنه خلال الفترة التي قضاها مع «داعش» كان ينظر إلى تركيا بوصفها حليفا أساسيا ضد الأكراد الذين يمثلون العدو المشترك لكل من «داعش» وتركيا، وأن التنظيم «ما كان قادرا على نشر مقاتليه في الأجزاء الشمالية من المدن والبلدات الكردية في سوريا لولا الدعم التركي».
وفي السياق نفسه، اتهم المتحدث باسم وحدات الحماية الكردية بولات كان «القوات التركية بمساعدة «داعش» عبر مده بالأسلحة والذخائر..
«في الآونة الأخيرة، غضت تركيا النظر عن هجمات (داعش) على كوباني، وقد أشار شهود عيان إلى أن تركيا شجعت الهجمات ضد المدينة لمنع نشوء كيان كردي مستقل في سوريا»، وفق فيليبس.
بالإضافة إلى تناول كثير من وسائل الإعلام التواطؤ بين الدولة التركية والتنظيم الإرهابي، جاءت التصريحات التي أدلى بها كمال كليتشدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري، لتصب في الخانة نفسها حين تحدث عن البيان الصادر عن مكتب المدعي العام في أضنة في 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2014 الذي ورد فيه أن تركيا زودت الجماعات الإرهابية بالأسلحة، وعرض مقابلات أجريت مع سائقي الشاحنات الذين سلموا هذه الأسلحة إلى المجموعات الإرهابية، بحسب تقرير فيليبس. من جهته، أشار نائب الرئيس بولنت تذكا والعضو في حزب الشعب الجمهوري إلى أنه تم إيقاف 3 شاحنات في أضنة للتفتيش في 19 يناير (كانون الثاني) 2014، كان قد تم تحميلها بالأسلحة في مطار إيسينبوجا في أنقرة، خلال توجهها إلى الحدود حيث كان من المفترض أن يتسلمها عناصر المخابرات التركية للعبور بها إلى سوريا ومن ثم تسليمها لـ«داعش» والجماعات الإرهابية.
إلى ذلك، ذكرت صحيفة «ديلي ميل» في 25 أغسطس (آب) 2014 أن الكثير من المقاتلين الأجانب انضموا إلى «داعش» في سوريا والعراق عبر تركيا من دون أن تحاول الدولة التركية ردعهم. وتوضح هذه المقالة بالتفصيل كيفية انتقال المقاتلين الأجانب، خاصة من المملكة المتحدة، إلى سوريا والعراق من خلال «أوتوستراد الجهاد»، وهي التسمية التي باتت تطلق على الحدود التركية، فالجيش التركي إما يغض النظر عن هذه التحركات، أو يتقاضى من الجهاديين ما لا يزيد على 10 دولارات لتسهيل عبورهم. وقد أشارت «سكاي نيوز» البريطانية إلى حصولها على وثائق تظهر أن الحكومة التركية ختمت جوازات سفر عدد من المقاتلين الأجانب الذين عبروا الحدود التركية إلى سوريا للانضمام إلى «داعش».
هذا وذكرت محطة «CNN» التركية في 29 يوليو (تموز) 2014 أن أماكن مثل دوزجي وأدابازاري، التي تقع في قلب العاصمة التركية إسطنبول، أصبحت بؤرا لتجمع للإرهابيين. وتحدث تقرير جامعة كولومبيا عن تجمعات دينية يتم فيها تدريب مسلحين من «داعش»، وتطرق إلى شريط فيديو يظهر إحدى الجماعات التابعة لـ«داعش» تقيم صلاة في آمرلي، أحد أحياء إسطنبول. كما صرح أحد المسؤولين في التنظيم الإرهابي لصحيفة «واشنطن بوست» في 12 أغسطس 2014، أن «بعض مقاتلي الدولة الإسلامية، حتى الذين يحتلون مناصب رفيعة في التنظيم، تمكنوا من الحصول على العلاج في المستشفيات التركية» بحسب التقرير.
«يتشارك التنظيم الإرهابي (داعش) وحزب العدالة والتنمية في تركيا القيم والمفاهيم ذاتها. وعلى الرغم من استخدامهما تكتيكات مختلفة، فإن (الروحية) تبقى هي نفسها» وفق فيليبس.
«بقي إردوغان وداود أوغلو في صف الرئيس الأسد حتى أواخر صيف 2011 أي 6 أشهر من اندلاع الثورة السورية. وأعتقد أن سياستهما تغيرت حين أدركا أن هذه السياسة سوف تقضي على الثورة. وهما يريان اليوم في (داعش) جزءا أساسيا من المشكلة نتجت عن الفشل في التعامل مع الأزمة السورية. فهما قد شعرا أن حليفهما الأميركي تخلى عنهما حين لم يقدم لهما الدعم في سياستهما وتركهما يواجهان عواقبها منفردين. وهما بكل بساطة غير مستعدين للدخول في حرب ضد (داعش) الذي يعتبرانه مجرد ظاهرة، من دون توفر استراتيجية شاملة للتعامل مع المشكلة الأساسية» وفق شحادة.
أما فيليبس فيعتبر أن تركيا أبرمت اتفاقا مع الشيطان. فمع تفجير ريحانلي ومجموعة الحوادث الأخرى التي شهدتها، ناهيك بسيل الانتقادات الدولية الموجة إليها، تدفع تركيا غاليا ثمن قراراتها غير المحسوبة جيدا.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».