من سيخلف خامنئي؟

5 سيناريوهات محتملة تمثل صراعات البيت السياسي الإيراني

من سيخلف خامنئي؟
TT

من سيخلف خامنئي؟

من سيخلف خامنئي؟

يعد تنصيب المرشد الأعلى في الجمهورية الإيرانية الإسلامية، من أكثر العناصر إثارة للجدل والغموض في فن إدارة الحكم في إيران ما بعد الثورة الإسلامية عام 1979م، بوصفه وضعا فريدا لا تمكن مقارنته مع المؤسسات الأخرى العليا في نظم الدولة الحديثة؛ مثل: رئاسة الجمهورية، أو تولي العرش في النظام الملكي؛ لأن المرشد الأعلى في إيران يمثل المرجعية التي لا يمكن الاستغناء عنها، حتى إن وفاة آية الله الخميني - أول من شغل هذا المنصب - عام 1989م أجبرت خلفاءه على القيام بمراجعة جوهرية للدستور من أجل تسهيل صعود علي خامنئي إلى سدة الحكم خلفا له، وإيجاد مؤسسة جديدة فاعلة يتمتع بمعظم صلاحياتها التي كان الخميني ينفرد بها. وتنشر «الشرق الأوسط» بالتزامن مع مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، ملخصا لدراسة عن «سيناريوهات مستقبل منصب المرشد الأعلى في إيران»، ضمن إصدار (مسارات) للعدد القادم، الذي تصدره إدارة البحوث بالمركز باللغتين العربية والإنجليزية، ويعنى بقراءة أهم الأحداث والأفكار السياسية المعاصرة في العالم الإسلامي وتحليلها.
يمكن فهم القضية من خلال 4 عناصر، هي: المراحل الأولى (1979 - 1984م)، واختيار خامنئي عام 1989م، ومسألة الخلافة منذ عام 1989م إلى الوقت الراهن، والسيناريوهات المحتملة على المديين القصير والمتوسط، إضافة إلى خاتمة توضح الآثار المترتبة على خلافة خامنئي على نطاق أوسع.

* في العنصر الأول (المراحل الأولى: 1979 - 1984م)
* منصب المرشد الأعلى، الذي ينظر إليه في إيران على أنه يجسد ولاية الفقيه، لم يكن وليد ثورة عام 1979م مباشرة، إذ لم يُمِط الخميني اللثام من فوره عن آرائه حيال مكانته ووضعه ضمن نظام الدولة الوليدة التي جاءت على أنقاض نظام الشاه، الذي انهار في فبراير (شباط) عام 1979م، مفضلا مراقبة الوضع والشد والجذب بين المؤيدين والمعارضين، الذين انقسموا حول تعريف نظام الدولة الجديد. وقد دخل الخميني غمار المعركة الانتخابية بصورة تدريجية بدءا من يونيو (حزيران) عام 1979م، عندما بدأ بانتقاد النسخة النهائية من الدستور التي أعلنتها حكومة مهدي بازركان الثورية المؤقتة. وكان أتباع الخميني قد أعلنوا عشية انتخابات الجمعية التأسيسية في يوليو (تموز) عام 1979م عن مقترحات مهمة ومؤثرة، داعين إلى الإعلان عن منصب جديد يحمل اسم «الفقيه»، أو ضمان أن يكون هو أرفع شخصية على الدوام، أي: رئيس الجمهورية، وأن يكون من علماء الدين الشيعة البارزين حسب ما ينص عليه دستور الحكومة الثورية المؤقتة. وعجل فوز حلفاء الخميني في انتخابات الجمعية التأسيسية من سير عملية إنشاء مؤسسة مستقلة للولي الفقيه، طغت على البنية الهيكلية للنظام الجمهوري، وأصبحت أهم مؤسسة في الدولة.
يشار إلى أن جذور فكرة تلك المؤسسة تمتد من سلسلة محاضرات الخميني، التي كان يلقيها في النجف في أواخر الستينات، والتي ضمنها في كتاب له بعنوان «الحكومة الإسلامية»، لأن كثيرا من السلطات الفعلية التي منحها الدستور الإيراني عام 1979م المرشد الأعلى لم تكن موجودة في برنامج الخميني، ولم تكن حاضرة ضمن مبادئ فن الحكم الحديث، إضافة إلى أن المواد المتعلقة بإسناد السلطات العليا، كالقيادة العليا للقوات المسلحة، أو الإشراف على أجهزة الدولة الثلاثة: التنفيذي، والتشريعي، والقضائي، مستمدة من المرجعية التي حددها آية الله محمد باقر الصدر، أحد علماء النجف، ردا على استفسار من مجموعة من علماء الدين الشيعة اللبنانيين، الذين طلبوا منه بيانا حول شكل النظام الإيراني الجديد.
وكان رد الصدر هو تقديم شخصية تحمل اسم «المرجع القائد»، تعهد إليه السلطة في وقت لاحق عن طريق الدستور الإيراني الصادر عام 1979م، الذي تمت المصادقة عليه ودخل حيز التنفيذ بصورة قانونية بعد استفتاء نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1979م. وتم نشر بيان الصدر باللغة الفارسية فورا بعد ذلك، ويبدو أنه حظي بالإعجاب والقبول داخل الأوساط السياسية الإيرانية في المدة بين فصلي الربيع والصيف من عام 1979م، وكان على الأرجح مصدر إلهام لصياغة المادة الخامسة من دستور عام 1979م.
ضرورة أن يكون المرشد الأعلى مرجعا معترفا به عالميا، الذي كان منصوصا عليه في الدستور الإيراني، أدى إلى تقويض آلية خلافة المرشد الأعلى بشكل واضح، وأن ازدياد المخاوف عام 1984م بشأن تقدم سن الخميني وتدهور حالته الصحية، حدا بالنخبة السياسية إلى وضع الترتيبات اللازمة لاختيار خليفة له في حال رحيله المفاجئ، فتم تأسيس مجلس للخبراء، مهمته اختيار مرشد جديد، وكان هذا المجلس هو الهيئة الوحيدة في إيران المؤلفة بالكامل من علماء الدين، إذ يضم 86 عضوا يتم انتخابهم كل 8 سنوات.

* خامنئي مرشدا عامّا

* امتنع مجلس الخبراء، الذي كان دوره هامشيا في أول عملية اختيار للمرشد الأعلى عام 1984م، عن الاضطلاع بدور فاعل في جهود البحث عن خليفة جديد بطريقة سلسة، وظلت المسألة معلقة من دون حل إلى وفاة الخميني في يونيو عام 1989م، إلا أن الخميني أصدر قبل وفاته مرسوما كان له أثر حاسم في ترقية خامنئي ليكون خلفا له، فقد بعث رسالة إلى علماء الدين، أشار فيها إلى أن شرط «المرجعية» الوارد في الدستور يعد ملغى في ما يتعلق باختيار المرشد الأعلى الجديد، الذي يجب أن يتمتع بخصائص وميزات معينة، كأن يمتلك بصيرة سياسية واقتصادية واجتماعية نافذة لا يتمتع بها كبار السن وكبار علماء الدين البعيدين عادة من المشهد السياسي، وخلص الخميني إلى أن مصالح الجمهورية الإيرانية الإسلامية تقتضي أن تتصدر لها شخصية دينية معتدلة، ذات مكانة رفيعة، ولها باع طويل في الميدان السياسي داخل النظام، لتكون قادرة على تعزيز أهداف النظام، وتحقيق طموحاته.
وفاة الخميني في الثالث من يونيو عام 1989م جاءت في لحظة غير مناسبة، إذ كان مجلس مراجعة الدستور قد عقد حينها 16 جلسة، لم يكن أي منها قد بحث مسألة إصلاح مؤسسة القيادة، ولم يكن الخميني قد أعطى أي إشارة إلى خليفته، تاركا خلفاءه في مأزق كبير بخصوص اختيار بديل له. وكانت الخطوة الأولى للجنة المرتجلة التي كانت تعالج شؤون الدولة في أعقاب وفاة الخميني هي إصرارها على دعوة مجلس الخبراء إلى الانعقاد في أقرب وقت. وفي الرابع من يونيو عام 1989م انعقد المجلس لاختيار خلف للخميني من دون التوصل إلى اقتراح شخص بعينه يعتلي سدة الحكم، وتم طرح عدة مقترحات مختلفة ومتفاوتة في مضامينها إلى حد كبير، تطالب كلها باختيار خامنئي. كان الاقتراح الأول يدعو إلى الاستفادة من المادة الدستورية، التي تسمح بتأسيس مجلس قيادة من 3 أشخاص، ويتألف من: الرئيس، ورئيس السلطة القضائية، ورئيس مجلس الخبراء، وهم على الترتيب: حجة الإسلام علي خامنئي، وآية الله موسوي أردبيلي، وآية الله علي مشكيني، في حال عدم وجود مرشح واحد مناسب. ولم ينجح هذا المقترح في حشد الدعم الكافي داخل المجلس، الذي كان يميل إلى الإبقاء على نموذج القائد الأوحد. وأصر المجلس في المحاولة الثانية على تسمية آية الله قلبيجاني، العضو الباقي على قيد الحياة من ثلاثي علماء قم: الخميني، وشريعة مداري، وقلبيجاني، لكن داء الشيخوخة كان قد أصاب قلبيجاني، فاعتزل السياسة تماما في ظروف أدت إلى رفض اختياره. وهنا تدخل رفسنجاني - رئيس مجلس الخبراء حينها - فشرع في سرد رواية عن محتوى اجتماع عقده مع الخميني قبل وفاته، قال فيه الخميني: إن خامنئي قد يكون الزعيم الأنسب، فتمت مصادقة مجلس الخبراء على اختيار خامنئي سريعا، ليسدل بذلك الستار على قضية اختيار خليفة الخميني.
* سيطرة خامنئي وتهميش مجلس الخبراء
* ظل خامنئي مهيمنا على منصب المرشد الأعلى أكثر من عقدين من الزمن، وقدرته على السيطرة على زمام الأمور، إضافة إلى قدرته على المناورة وتحويل مسار الجناح اليساري الوليد المعارض لحكمه في المراحل المبكرة من وجوده في سدة الحكم، تدلان على أن مسألة الخلافة ظلت معلقة تماما منذ صعوده إلى السلطة، ويبدو أن أو حتى إنهاء ولايته، وهو مجلس الخبراء، فوفقا لدستور عام 1989م المعدل، يحتفظ مجلس الخبراء بدوره الأصلي لاختيار المرشد الأعلى في المستقبل خلفا لسلفه الراحل، كما يمتلك المجلس الحق والقدرة على مراقبة أداء المرشد الحالي، وحق خلعه إذا قرر المجلس عدم كفايته وافتقاره إلى المقومات الضرورية التي تحول دون قيامه بمسؤولياته. وهذا الأمر يعني أن المجلس قد يقف في وجه المرشد، ويخلعه من منصبه، لذلك عمد خامنئي ورفسنجاني عام 1991م إلى تغيير القواعد واللوائح التي تنظم انتخابات مجلس الخبراء، ففرضا امتحانات تحريرية لتقويم مدى ملاءمة المرشحين للمجلس، وهو شرط أبطل الاعتماد السابق الذي كان أيسر وأكثر بساطة، وهو الاكتفاء بالحصول على «خطاب إحالة» من أحد كبار المراجع. وأدى هذا التطور إلى وجود مجلس خبراء يسيطر عليه بإحكام المرشد، وإلى فقدان المجلس قدرا كبيرا من الاستقلال السياسي. لكن فرضت بعض الأحداث عام 2014م، أهمها مرض خامنئي، ضرورة عودة مجلس الخبراء إلى سابق عهده، وربما كان خامنئي وراء ذلك أيضا، بسبب رغبته في غرس الوعي في ما يتعلق بتقدم سنه، وترسيخ الحاجة إلى البدء بوضع خطط كفيلة باستمرار مؤسسة القيادة في حال رحيله، على الرغم من أنه من غير المرجح أن يسمي خامنئي خليفة له على المديين القصير أو المتوسط، كما أنه يبدي دائما حذرا شديدا من تفويض أي شخص أيا من صلاحياته الواسعة الممنوحة له بموجب الدستور الحالي.

* 5 سيناريوهات لخلافة خامنئي

* يشار هنا إلى مدى قلق مجلس الخبراء واهتمامه بقضية منصب المرشد الأعلى، بوصف المجلس سيكون محط التطورات المستقبلية في ما يخص القيادة، وأن المجلس سيكون له رئيس جديد يحل محل آية الله محمود هاشمي شاهرودي - القائم بتصريف أعماله الحالي - قبل نهاية العام الحالي حسب التقويم الفارسي (مارس «آذار» عام 2015م)، وأن مدة الرئيس الجديد ستكون قصيرة على أي حال، لأن المجلس على مشارف انتخابات جديدة في نهاية مارس عام 2015م.
يجدر التنبيه إلى أن الكفة تميل في نظام الدولة الإيرانية حاليا إلى مصلحة «السبعينيين»، الذين حافظوا على مناصبهم السياسية الرفيعة منذ الأيام الأولى لقيام الجمهورية الإيرانية الإسلامية، وتنظر الدراسة إلى أن عهد أحمدي نجاد كان محاولة لتغيير الأجيال داخل السلطة التنفيذية، لكنها أخفقت فعاد كبار السن مرة أخرى.
وبالتالي النتائج المحتملة لتشكيل القوى إذا تمت دعوة مجلس الخبراء إلى اختيار القائد الجديد بعد الانتخابات التي ستجرى في مارس عام 2015م، ويمكن توقع 5 سيناريوهات أساسية للوصول إلى منصب المرشد الأعلى، هي:
1 - الاختيار التوافقي الأوحد: فإذا لم يترك خامنئي إشارة تدل على ترشيح خليفة بعينه بعد وفاته فقد يلجأ المجلس إلى المفاضلة بين الخيارات المطروحة، فيتجه إلى الخيار الانتقالي الأوحد إذا لم يظهر مرشح قوي. والاسم الذي يرجحه هذا السيناريو هو محمود هاشمي شاهرودي، عالم الدين العراقي المولد، الذي استقر في إيران عام 1980م بصفته الممثل الشخصي لآية الله باقر الصدر، والذي يتمتع بسمعة طيبة بين الإصلاحيين والأحزاب والشخصيات المحافظة على حد سواء.
2 - حلول جماعية: وهي العودة إلى السيناريو الذي تم اتخاذه عام 1989م، بإنشاء مجلس للقيادة يتألف من: الرئيس، ورئيس السلطة القضائية، ورئيس مجلس الخبراء، على أن تستغرق تلك القيادة الجماعية مدة محدودة إلى أن تتمكن القوى السياسية من الوصول إلى تسوية لشكل مؤسسة القيادة من خلال عملية إصلاح دستوري. ومن شأن هذا السيناريو أن يلقى قبولا لدى جيل الشباب من المحافظين والإصلاحيين، وتبرز فيه شخصيتا: الرئيس حسن روحاني، وصادق لاريجاني رئيس السلطة القضائية.
3 - استعادة أحداث عام 1989م في الأذهان (الصعود الجديد للرئيس): وينظر هذا السيناريو إلى دور السلطة التنفيذية في تعيين منصب المرشد الأعلى كما حدث مع خامنئي نفسه، إذ كان رئيسا للدولة عندما تولى هذا المنصب عقب الخميني. ويدعم هذا السيناريو أن من يتقلد منصب الرئاسة حاليا هو الشخصية الدينية حسن روحاني، وقد يحاول بعض وسطاء السلطة الضغط من أجل ترقيته لخلافة خامنئي. وتنحصر فرص نجاح هذا السيناريو، الأكثر ميلا إلى السياسة، في مدى نقله إلى حيز الواقع عبر وجود شخصيات دينية لائقة يمكنها الاحتفاظ بمنصب الرئاسة في المستقبل المنظور. ومن المتوقع وفق هذا السيناريو أن يسعى روحاني إلى إعادة انتخابه مرة أخرى عام 2017م، ليمهد الطريق لنفسه لكي يكون في موقف قوة إذا رحل خامنئي قبل عام 2021م.
4 - تدخل قوي من قوى خارجية: يطرق هذا السيناريو احتمال تدخل فاعل من أطراف خارجية في عملية البحث عن مرشد، بهدف تقديم كل طرف رئيسا صوريا له يكون خلفا لخامنئي، ويحافظ على مصالحه الاقتصادية الضخمة المكتسبة، وستكون قيادة الحرس الثوري الإيراني الأوفر حظا لاختطاف منصب المرشد الأعلى، بسبب ازدهار قوتها ومصالحها الاقتصادية الضخمة الذائعة الصيت. وسيمثل هذا السيناريو انحسارا لأهمية الطبقة السياسية غير العسكرية وتأثيرها، لا سيما الأحزاب الإصلاحية. ويرتبط تحقق هذا السيناريو بحظوظ الحرس الثوري الإيراني في السنوات القليلة المقبلة، وقدرته على الاحتفاظ بامتيازاته الاقتصادية، خصوصا في حال الوصول إلى اتفاق نووي بين إيران والغرب، وفتح الاقتصاد الإيراني على مشاركة أجنبية ومحلية أوسع في المشروعات الاقتصادية. ومن الشخصيات المناسبة لتحقيق هذا الدور مصباح يزدي، وبعض الشخصيات الأخرى من الجناح الأشد تطرفا من المحافظين، مثل: حامد رسائي، أو أحمد خاتمي، وكلاهما نائب برلماني متشدد عن طهران. وقد يكون صادق لاريجاني من الشخصيات الأقرب إلى الجناح المعتدل، مع مراعاته مصالح الحرس الثوري الإيراني.
5 - مرحلة الكرسي الشاغر: وهو أن تمر البلاد بمرحلة «الكرسي الشاغر» ولو مدة وجيزة جدا، على غرار ما حدث في الفاتيكان في المدة بين وفاة البابا وانتخاب خليفة له. ومن المرجح أن تكون هذه المرحلة قصيرة، وسيتم تجاوزها من خلال إنشاء مجلس قيادة مؤقت لدرء احتمال اندلاع أنشطة متطرفة في المناطق المضطربة في البلاد، وهو سيناريو محتمل لا ينبغي تجاهله واستبعاده تماما، خصوصا أن خامنئي ما زال يحجم إلى الآن عن تسمية خليفة له.

* المنصب والأجيال الشابة

* مسألة خلافة خامنئي لا تزال شائكة ومبهمة، بسبب التطورات السياسية في الجمهورية الإيرانية الإسلامية، فضلا عن أن الظروف الحالية لإيران ستعمل على إنعاش مجلس الخبراء، وبث الروح فيه من جديد، بعد أن مر بحقبة طويلة من السبات العميق، والمرحلة مرشحة لمزيد من المواجهات الحزبية إذا نجح رفسنجاني في السيطرة على المجلس في مارس عام 2015م.
خامنئي سيكون بحاجة ماسة إلى وضع استراتيجية لجذب الأجيال الشابة من الأحزاب السياسية التابعة له، وكذلك سيفعل معارضه آية الله مصباح يزدي مع الأجيال الشابة التابعة له، وهو ما يعني أن مرحلة ما بعد خامنئي يمكن أن تستهل بجيل جديد على الفور، لن يتوانى عن إعلان مطالبه بوصفه جزءا من النخبة السياسية في إيران.
من الآن إلى موت خامنئي ستكون مختلف الأحزاب في سباق مع الزمن للوصول إلى حل دائم لمعضلة منصب المرشد الأعلى، تلك المؤسسة التي ستظل هي الأقوى والأكثر أهمية في الجمهورية الإيرانية الإسلامية.

* نوافذ على الداخل الإيراني

* - منصب المرشد الأعلى في إيران لم يكن وليد ثورة عام 1979م مباشرة.. فالخميني لم يكشف سريعا عن آرائه حول مكانته في نظام الدولة الوليدة
- الخميني أصدر قبل وفاته مرسوما بإلغاء شرط «المرجعية» الوارد في الدستور كان له أثر حاسم في ترقية خامنئي خلفا له
- رفسنجاني سرد رواية عن إشارة الخميني إلى أن خامنئي هو الزعيم الأنسب.. فصادق مجلس الخبراء على اختياره خليفة له
- خامنئي هيمن على منصب المرشد الأعلى.. وأضعف مجلس الخبراء الذي يخوله دستور 1989م المعدل مراقبة أدائه.. وخلعه.. واختيار المرشد الجديد
- لن يسمي خامنئي خليفة له.. لأنه يبدي حذرا شديدا من تفويض أي شخص أيا من صلاحياته الواسعة الممنوحة له بموجب الدستور الحالي
- مجلس الخبراء قد يلجأ إلى الخيار الانتقالي الأوحد إذا لم يظهر مرشح قوي.. والمرشح لذلك هو هاشمي شاهرودي عالم الدين العراقي المولد
- إيران قد تشهد ترقية رئيس الجمهورية إلى منصب المرشد الأعلى على غرار ما حدث مع خامنئي نفسه.. ويدعم ذلك أن من يتقلد منصب الرئاسة حاليا هو الشخصية الدينية حسن روحاني
- قيادة الحرس الثوري الإيراني الأوفر حظا لاختطاف منصب المرشد الأعلى.. بسبب ازدهار قوتها ومصالحها الاقتصادية الضخمة.. وهو ما يمثل انحسارا لأهمية الطبقة السياسية غير العسكرية
- خلافة خامنئي لا تزال شائكة ومبهمة.. بسبب التطورات السياسية في إيران.. والمواجهات الحزبية ستزداد إذا نجح رفسنجاني في السيطرة على مجلس الخبراء في انتخابات مارس 2015م



ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.