«السوشيال ميديا» عصية على «كورونا»

«السوشيال ميديا» عصية على «كورونا»
TT

«السوشيال ميديا» عصية على «كورونا»

«السوشيال ميديا» عصية على «كورونا»

كان رجل الصناعة الشهير هنري فورد هو الذي قال إن «الشركة التي توقف حملاتها الإعلانية أملاً في توفير المال مثل الشخص الذي يوقف ساعته أملاً في توفير الوقت»، وهو أمر أثبتته التجارب والسنين ونتائج الأعمال؛ لذلك، فالإعلان يمرض ولا يموت، يتراجع ولا ينقطع، يتأثر سلباً ثم يعود أقوى وأكثر فاعلية.
يلعب الإعلان دوراً مؤثراً في عالم الأعمال، لكن دوره في صناعة الإعلام أكثر حيوية؛ إذ يرفدها بمعظم ما تحتاجه مالياً لتستديم وتزدهر، وسواء كان الإعلان سياسياً أو تجارياً، فإن اعتماد المؤسسة الإعلامية عليه أساسي، ومن دونه تضمحل أو تندثر، أو تدخل في أنفاق مظلمة من التقشف والتقتير، بما يغير طبيعتها، أو يقلص أهميتها، ويُعجزها عن تدبر نفقات التشغيل.
لذلك، تبقى عيون القائمين على صناعة الإعلام مسلطة على معدلات الإنفاق الإعلاني، ومنتبهة إلى توجهات مخططي الحملات، ورانية إلى التقدم والازدهار الاقتصاديين، ومهتمة بالرواج والانتعاش التجاريين، وهي أمور تبدو غائبة اليوم؛ فـ«كورونا» ما زال يضرب بعنف، ولعل ما نال قطاع الأعمال منه لا يقل خطورة عما أصاب قطاع الصحة العامة.
لقد تضرر الاقتصاد بشدة بسبب سياسات الإغلاق والتدابير الاحترازية وغياب اليقين تحت وطأة تلك الجائحة، بشكل انعكس بوضوح على مخصصات الإعلان، إذ تتوقع دراسات موثوقة تراجع حجم الإنفاق الإعلاني على مستوى العالم بنحو 50 مليار دولار أميركي، في عام 2020، وبينما كانت التنبؤات تشير إلى ازدهار القطاع وتحقيق نسبة نمو تبلغ 7.1 في المائة في العام الجاري، فإن التوقعات المُحدثة، عقب ضربات «كورونا» وتأثيراتها الحاسمة، تفيد بتراجع نسبته 8.1 في المائة، وفق بيانات مركز بحوث الإعلانات العالمي (WARC).
سيعتقد البعض أن هذه الخسائر التي مُني بها قطاع الإعلام جراء التراجع المؤثر في مخصصات الإنفاق الإعلاني ستشمل كل الوسائل، وستُخلف ضحايا في القطاعات الإعلامية كلها، لكن يبدو أن هذا الاعتقاد خاطئ.
أظهرت شركات التكنولوجيا العملاقة القائمة على تشغيل مواقع التواصل الاجتماعي الأكثر رواجاً قابلية أكبر لامتصاص الضغوط، وتحمل الصدمات، واستيعاب المخاطر، وعبر شبكات أمان ضخمة، قوامها الرئيسي احتياطات مالية هائلة، ونفقات تشغيل قابلة للترشيد والتعديل، استطاعت امتصاص الصدمة الأولى التي تفاعلت في مطلع العام، ومن خلال أنموذج أعمال مرن وحداثي وأكثر مواءمة لبيئات الأزمات والكوارث، نجحت في مجابهة التحدي، من دون تكاليف موجعة.
في دراسة أجراها الاتحاد العالمي للمعلنين، في مارس (آذار) الماضي، شملت مسؤولي التخطيط الإعلاني في 32 شركة عالمية، تعمل في عشرة قطاعات صناعية وتجارية، بإنفاق إعلاني سنوي يناهز 57 مليار دولار أميركي، أفاد 81 في المائة منهم بأنهم ألغو أو أجلوا حملاتهم الإعلانية المقررة في العام الحالي، لكن 79 في المائة من هؤلاء أكدوا أنهم بصدد تطوير حملات إعلانية بديلة تماشياً مع الظروف التي خلقها «كورونا».
تراجع الإنفاق الإعلاني على إعلانات الطرق بنسب تراوحت بين 50 في المائة و80 في المائة على مستوى العالم، إذ لا يسير كثير من الناس في الشوارع في ظل «كورونا»، ومن المتوقع أن تنخفض عائدات الإعلان في الصحافة المطبوعة بنسبة 19.5 في المائة، والسينما بنسبة 31.6 في المائة، والتلفزيون بنسبة 13.8 في المائة، لكن مواقع التواصل الاجتماعي لن تشهد انخفاضاً مماثلاً في نسبة الإنفاق الإعلاني عبرها، وجل ما ستعانيه في هذا الصدد هو تباطؤ في نمو عائداتها الإعلانية، فبدلاً من تحقيق زيادة نسبتها 20 في المائة ستكتفي بارتفاع في حدود 9.8 في المائة، وفق تقديرات مركز بحوث الإعلانات العالمي.
في ظل «كورونا» تتوقف قطاعات كبيرة من الجمهور عن السفر والذهاب إلى المطاعم وشراء الملابس والسيارات وزيارة دور السينما، لكن هؤلاء يستمرون في مطالعة مواقع التواصل الاجتماعي والتفاعل عبرها، ويبحثون عن معلومات ومشتريات ذات طبيعة صحية أو غذائية، ما يجعل هذه المواقع الاختيار الأفضل لميزانيات الإعلان المرصودة سلفاً، ويبقيها بمنأى عن التأثيرات الموجعة العميقة لـ«كورونا».
كشفت الجائحة، وتداعياتها على مجال الإعلان، أن المستقبل، بكوارثه وهداياه، يلعب في صف «السوشيال ميديا» والشركات العملاقة التي تقف وراءها.



«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)
TT

«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)

مرة أخرى يتجدَّد الصراع بين عملاقَي التكنولوجيا «أبل»، و«ميتا»، مثيراً تساؤلات بشأن مدى «حماية خصوصية بيانات المستخدمين». وبينما رأى خبراء التقتهم «الشرق الأوسط» أن المعركة الأخيرة جزء من نزاع مستمر بين «أبل»، و«ميتا» يتيح لهما البقاء على عرش التكنولوجيا الرقمية، فإنهم أشاروا إلى أن تأثير الصراع بشأن الخصوصية قد يمتد إلى مواقع الأخبار.

المعركة الأخيرة بدأت منتصف الشهر الحالي، مع تحذير وجَّهته شركة «أبل» بشأن تقديم منافستها «ميتا» مالكة «فيسبوك» و«إنستغرام» نحو «15 طلباً للوصول العميق إلى البيانات، في إطار قانون الأسواق الرقمية الجديد بالاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يضعف حماية بيانات المستخدمين».

ووفق «أبل»، فإنه «إذا حصلت طلبات (ميتا) على الموافقة، فسيكون باستطاعتها من خلال تطبيقاتها: (فيسبوك)، و(إنستغرام)، و(واتساب)، رؤية كل الرسائل القصيرة ورسائل البريد الإلكتروني والصور والمواعيد، وكل بيانات مكالمات المستخدمين». ونبَّهت «أبل»، في بيانها، إلى أن «مجموعة من الشركات تستخدم قانون الأسواق الرقمية الأوروبي؛ للوصول إلى بيانات المستخدمين». ولكن في المقابل، نفت «ميتا» هذه الاتهامات، وعدَّتها «حججاً تستخدمها (أبل) في إطار ممارساتها المضادة لحرية المنافسة». وقالت، في بيان لها، إن «(أبل) لا تعتقد بالتوافق بين الأجهزة الأخرى».

تعليقاً على ما هو حاصل، قال أنس بنضريف، الصحافي المغربي المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، إن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) هو امتداد لمعارك سابقة متكررة ومتجددة بين عملاقَي التكنولوجيا». وأردف: «هناك قانونان يحكمان السوق الرقمية في أوروبا: الأول هو قانون الخدمات الرقمية الذي يستهدف منع الاحتكار وحماية بيانات المستخدمين. والثاني هو قانون الأسواق الرقمية الذي يجبر الشركات على إتاحة معلوماتها للمطوّرين».

وأوضح بنضريف أن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) مرتبط بقانون التسويق الرقمي، إذ تعدّ (ميتا) من المطوّرين المتاحة تطبيقاتهم، مثل (إنستغرام) و(فيسبوك) على هواتف (أبل)». وتوقّع أن تنتهي المعركة لصالح «ميتا»، مبرراً ذلك بأن «حجة (أبل) ضعيفة وغير كافية، وخصوصية بيانات المستخدمين محمية قانوناً في أوروبا، إلا أن مخالفة (ميتا) لقوانين حماية الخصوصية تُعرِّضها لغرامات كبيرة... وفي أي حال الصراع هو جزء من معركة تستهدف الضغط على (أبل) لفتح خدماتها وإتاحتها على منتجات تابعة لشركات أخرى».

للعلم، حسب قانون الأسواق الرقمية الأوروبي، لا يسمح للشركات المشغّلة للمنصّات الحصول على امتيازات خاصة. وتطالب المفوضية الأوروبية شركة «أبل» بأن تغدو أجهزتها متوافقة مع التكنولوجيا التي تنتجها شركات أخرى.

وبموجب إجراءات المفوضية الأوروبية يتوجب على «أبل» تقديم وصف واضح للمراحل والمواعيد النهائية المختلفة والمعايير والاعتبارات التي ستطبقها أو تأخذها في الاعتبار عند تقييم طلبات التشغيل البيني من مطوري التطبيقات، مع تزويد المطورين بتحديثات منتظمة، وتقديم التعليقات وتلقيها فيما يتعلق بفاعلية حل التشغيل البيني المقترح. ومن المتوقع صدور قرار من المفوضية بشأن ما إذا كانت «أبل» تلتزم بشرط قابلية التشغيل البيني، بحلول مارس (آذار) المقبل، وفق ما نقلته «رويترز».

من جهة ثانية، صرَّح محمد الصاوي، الصحافي المصري المتخصص في الرصد والتحليل الإعلامي، لـ«الشرق الأوسط» شارحاً أن «التوترات المستمرة بين (أبل) و(ميتا)، إلى جانب قانون الأسواق الرقمية في الاتحاد الأوروبي، تسلط الضوء على الأهمية المتزايدة لتنظيم شركات التكنولوجيا الكبرى، خصوصاً فيما يتعلق بالخصوصية والمنافسة». وأضاف أن «التحذير الذي أطلقته (أبل) بشأن (ميتا) أثار ذلك جدلاً حول ما إذا كانت مثل هذه الممارسات قد تضعف حماية البيانات للمستخدمين، والتركيز المتجدد على قانون الأسواق الرقمية يعد جزءاً من جهود الاتحاد الأوروبي لمنع شركات التكنولوجيا الكبرى من استغلال هيمنتها، حيث يهدف القانون إلى ضمان المنافسة العادلة عن طريق تقييد الشركات من منح نفسها مزايا خاصة، أو الوصول إلى بيانات المستخدمين بشكل مفرط دون موافقة».

وأشار الصاوي إلى أن «تأثير قانون الأسواق الرقمية يمتد إلى ما هو أبعد من شركات التكنولوجيا الكبرى، حيث قد يؤثر أيضاً على المواقع الإخبارية، لا سيما تلك التي تعتمد على منصات مثل (فيسبوك) في توزيع منتجاتها». وأوضح أن «القانون قد يجبر المنصات على معاملة أكثر عدلاً، ما يضمن ألا تتضرر المواقع الإخبارية من الخوارزميات أو ممارسات البيانات المتحيزة، كما يفرض إعادة التفكير في كيفية جمع البيانات الشخصية ومشاركتها وحمايتها عبر المنصات، مما يشير إلى تحول نحو أنظمة رقمية أكثر شفافية».

وعدّ الصاوي «قانون الأسواق الرقمية محاولةً لإعادة التوازن في ديناميكيات القوة في السوق الرقمية، ما قد يؤثر بشكل كبير على المبدعين في مجال المحتوى، بما في ذلك المواقع الإخبارية، في كيفية تفاعلهم مع المنصات... في حين يضمن استمرار الصراع بين (أبل) و(ميتا) بقاءهما متربعتين على عرش المنافسة الرقمية».

وحقاً، يأتي الصراع الأخير بين «أبل» و«ميتا» في وقت قرَّرت فيه هيئة حماية البيانات الآيرلندية فرض غرامة قيمتها 251 مليون يورو على شركة «ميتا»؛ بسبب عملية اختراق واسعة لبيانات نحو 29 مليون مستخدم على مستوى العالم في عام 2018.