محتجون يحرقون مطعماً في أتلانتا بعد مقتل شاب أسود بنيران الشرطة (صور)

النيران تلتهم مطعم «ويندي» في أتلاتنا بعدما أضرم محتجون النار فيه (أ.ب)
النيران تلتهم مطعم «ويندي» في أتلاتنا بعدما أضرم محتجون النار فيه (أ.ب)
TT

محتجون يحرقون مطعماً في أتلانتا بعد مقتل شاب أسود بنيران الشرطة (صور)

النيران تلتهم مطعم «ويندي» في أتلاتنا بعدما أضرم محتجون النار فيه (أ.ب)
النيران تلتهم مطعم «ويندي» في أتلاتنا بعدما أضرم محتجون النار فيه (أ.ب)

أغلق محتجون طريقاً سريعاً رئيسياً في مدينة أتلانتا الأميركية وأضرموا النار في مطعم كانت الشرطة قد أطلقت عنده النار على شاب أسود خلال محاولته الفرار من الاعتقال فأردته قتيلاً.
ومن المؤكد أن هذا الحادث الذي التقطته عدسات الكاميرات سيشعل المزيد من الاحتجاجات في أنحاء الولايات المتحدة، حسبما ذكرت وكالة «رويترز» للأنباء.

واندلعت الاضطرابات بعد حلول الظلام في أتلانتا عاصمة ولاية جورجيا، حيث أعلنت رئيسة بلدية المدينة كيشا لانس بوتمس في وقت سابق من أمس (السبت)، أنها قبلت الاستقالة الفورية لقائدة شرطة المدينة إريكا شيلدز بعد وفاة ريشارد بروكس (27 عاماً) مساء الجمعة عند أحد مطاعم سلسلة «وينديز» للوجبات السريعة.

وأكد كارلوس كامبوس، المتحدث باسم الشرطة، في وقت متأخر من مساء السبت، أن الشرطة عزلت الضابط الذي قيل إنه قتل بروكس رمياً بالرصاص وأحالت آخر إلى إجازة إدارية.
ولم تكشف السلطات بعد عن اسمي الضابطين المتورطين في إطلاق الرصاص وكلاهما من البيض.

وأظهرت لقطات على محطة تلفزيون محلية النيران تلتهم المطعم طوال أكثر من 45 دقيقة قبل وصول فرق الإطفاء في حماية عدد من أفراد الشرطة. وبحلول ذلك الوقت كان المبنى الواقع بجوار محطة للوقود قد تحول إلى كومة من الركام المتفحم.

وشارك متظاهرون آخرون في مسيرة إلى الطريق السريع رقم 75 وأوقفوا المرور قبل أن تتدخل الشرطة.
وقالت بوتمس في مؤتمر صحافي: «لا أعتقد أن استخدام القوة المميتة كان مبرراً وقد طالبت بإقالة الضابط على الفور».

من جانبهم، قال محامو بروكس إنه أب لطفلة صغيرة كانت تحتفل بعيد ميلادها السبت. وجاءت وفاته بنيران الشرطة بعد أكثر من أسبوعين من احتجاجات حاشدة مناهضة للعنصرية في جميع أنحاء الولايات المتحدة عقب موت الأميركي من أصل أفريقي جورج فلويد (46 عاما) بعدما جثم شرطي على عنقه لما يقرب من تسع دقائق في أثناء القبض عليه في 25 مايو (أيار).
واندلعت احتجاجات في أتلانتا أمس (السبت)، قرب موقع إطلاق الرصاص وطالب أكثر من مائة شخص بتوجيه اتهامات جنائية إلى الضابطين.

واستُدعيت الشرطة إلى المطعم بسبب بلاغات ذكرت أن بروكس غلبه النوم داخل سيارته وهو في طابور استلام الطلبات. وقال مكتب التحقيقات في جورجيا إن الضابطين حاولا اقتياده بعدما فشل في اختبار ميداني يكشف ما إذا كان ثملاً أو متعاطياً للمخدرات.
وأظهر مقطع فيديو صوّره أحد المارة بروكس يقاوم ضابطين وهو مستلقٍ على الأرض خارج المطعم قبل أن يتمكن من الفكاك والركض باتجاه مرآب سيارات ومعه ما بدا أنه مسدس صاعق خاص بالشرطة. فيما أظهرت لقطات أخرى صوّرتها كاميرات المطعم بروكس وهو يدير رأسه ويركض موجّهاً المسدس على الأرجح نحو الضابطين اللذين يطاردانه قبل أن يطلق أحدهما النار عليه من مسدسه ليسقط الشاب على الأرض.

وقال فيك رينولدز مدير مكتب التحقيقات في جورجيا، في مؤتمر صحافي منفصل، إن بروكس ركض مسافة ست سيارات تقريباً عندما تحول بظهره باتجاه أحد الضباط ووجه إليه ما في يده. واضاف «عند هذه النقطة، نزع الضابط المسدس من حافظته وأطلق الرصاص وضرب السيد بروكس في مرآب السيارات حيث سقط».

وقال محامون يمثلون أسرة بروكس للصحافيين إن شرطة أتلانتا لم يكن لها الحق في استخدام القوة المميتة حتى لو استخدم المسدس الصاعق ضدها خصوصاً أنه سلاح غير مميت.
من جانبه، قال المحامي كريس ستيوارت: «لا يمكنك أن تطلق النار على أحدهم إلا إذا كان يوجه سلاحاً نارياً نحوك».

بدوره، قال بول هوارد، المدعي العام لمقاطعة فولتون، في بيان أرسله بالبريد الإلكتروني إن مكتبه «بدأ بالفعل تحقيقاً مكثفاً ومستقلاً في الحادث» بينما ينتظر نتائج مكتب التحقيقات بجورجيا.
وقالت بوتمس إن نائب قائد الشرطة رودني بريانت، وهو رجل أسود، سيتولى منصب القائم بأعمال قائد شرطة المدينة خلفاً لشيلدز التي شغلت المنصب منذ ديسمبر (كانون الأول) 2016.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟