تشرنوبل من الإشعاعات النووية إلى الحرائق «غير المسبوقة»

حرائق الغابات بالقرب من محطة تشرنوبل (أرشيفية - أ.ف.ب)
حرائق الغابات بالقرب من محطة تشرنوبل (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

تشرنوبل من الإشعاعات النووية إلى الحرائق «غير المسبوقة»

حرائق الغابات بالقرب من محطة تشرنوبل (أرشيفية - أ.ف.ب)
حرائق الغابات بالقرب من محطة تشرنوبل (أرشيفية - أ.ف.ب)

تعم منطقة تشرنوبل المحظورة رائحة الحرائق غير المسبوقة التي اجتاحتها، ويقول الخبير أولكسندر بورسوك، بأسف، وهو يتنقل بين جذوع الصنوبر المتفحمة، «الغابة هنا لن تنبعث مجدداً».
ويوضح بورسوك، وهو أحد الخبراء العاملين ضمن هذه المحمية الطبيعية التي تشغل غالبية المنطقة، حسب وكالة الصحافة الفرنسية، أنّ النيران التهمت نحو ربع مساحتها.
ولا تزال المنطقة المهجورة إلى حد بعيد، ملوثة بالإشعاعات المنبثقة عن الحادث النووي الذي وقع في محطة تشرنوبل عام 1986، وهي تلف المحطة النووية بدائرة تمتد لثلاثين كيلو متراً.
في بداية أبريل (نيسان)، اندلعت هناك حرائق ضخمة، سعّرت نيرانها رياح شديدة، بالإضافة إلى الطقس الجاف غير المعتاد الذي حلّ في المنطقة.
وتواصلت الحرائق حتى منتصف مايو (أيار)، وتوقفت وفقاً لمنظمة «غرينبيس»، على بعد نحو كيلو مترين من القبة التي تحمي المفاعل المتضرر.
وبرغم الجهود التي بذلها مئات رجال الإطفاء، فإنّ النيران التهمت مساحة 66 ألف هكتار (ربع المنطقة المحظورة)، بينها 42 ألفاً من الغابات، ولم تسمح السلطات بدخول وسائل الإعلام إلى المنطقة إلا خلال الأسبوع الحالي.
ويقول دنيس فيتشنفسكي، وهو خبير آخر ضمن المحمية: «كان الحريق الأكبر منذ حادثة 1986».
ولم تؤدّ النيران إلى ارتفاع مستوى الإشعاعات وفقاً لكييف، لكنها ألحقت أذى شديداً بالنظام البيئي المحلي الذي كان ينمو منذ كارثة 1986 التي تبعها إجلاء مئات آلاف السكان ووقف غالبية النشاطات البشرية في المحيط.
ويوضح بورسوك أنّ «غابات الصنوبر كانت الأكثر تضرراً»، فهذه الأشجار التي يزيد عمرها عن 30 أو 40 عاماً، وقد يبلغ بعضها 90 عاماً، تعرضت إلى نيران تتراوح بين «700 و800 درجة مئوية»، وبالتالي فإنّها ستفنى خلال «عامين أو ثلاثة»، وفقاً له.
وإذا كان الكساء النباتي سيحيا من جديد، فإنّ أشجار الصنوبر ستستبدل بأشجار على غرار البتولا والحور الأكثر صموداً أمام النيران، وفق الخبير الذي يشير في سياق حديثه إلى أنّ الحرائق دمرّت فوق ذلك نحو 10 قرى مهجورة في المنطقة.
ويلفت فيتشنفسكي إلى أن الحياة البرية تضررت أيضاً، إذ برغم تمكن حيوانات مثل الذئاب والأيل والقط البري من الفرار، فقد قضي على ثدييات مثل الأرانب والزواحف.
غير أنّ الخبير في علم الأحياء يشير إلى أنّه منذ انتهاء الحرائق «نشهد تطورات إيجابية»، إذ ثمة حيوانات وطيور تعود إلى المنطقة المتضررة.
وكانت الشرطة أشارت إلى أنّ الحرائق تسبب بها شاب يقيم بالقرب من المنطقة المحظورة، قال إنّه أشعل ناراً في حشائش «للتسلية»، غير أنّ الخبراء يلقون الضوء بدورهم على آثار التغير المناخي الذي تسبّب بحلول طقس جاف وفصل شتاء بدرجات حرارة مرتفعة نسبياً، وبشكل غير معتاد، ووقف منسوب الأمطار عند 63 في المائة فقط من المنسوب الوسطي، ما خلق ظروفاً مؤاتية لتمدد النيران.
ويقول فيتشنفسكي: «في المستقبل، وفي ظل تغيرات مناخية كهذه، ستكون المخاطر موجودة»، وحذّر من أنّه «ينبغي إعادة تنظيم مجمل نظام الرصد والوقاية، وأيضاً أساليب الاستجابة لحالات الطوارئ وسط حرائق مماثلة».
ووقعت كارثة تشرنوبل في 26 أبريل 1986، حينما وقع انفجار في مفاعل ضمن المحطة، وتشير تقديرات إلى أنّ التلوث طال نحو 75 في المائة من أوروبا، وأغلقت المحطة نهائياً في عام 2000.
وتحوّل الموقع في السنوات الأخيرة إلى ما يشبه المعلم السياحي، إذ يزوره عشرات الآلاف سنوياً، آتين من أنحاء العالم كافة.


مقالات ذات صلة

صفقات تجاوزت 12 مليار دولار في مؤتمر «كوب 16»

الاقتصاد جانب من المؤتمر الصحافي الختامي لمؤتمر «كوب 16» بالرياض (الشرق الأوسط)

صفقات تجاوزت 12 مليار دولار في مؤتمر «كوب 16»

يترقب المجتمع البيئي الإعلان عن أهم القرارات الدولية والمبادرات والالتزامات المنبثقة من مؤتمر الأطراف السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16).

عبير حمدي (الرياض)
يوميات الشرق تكريم الفائزين الثلاثة ضمن مبادرة «حلول شبابية» بالتزامن مع «كوب 16» (واس)

منصّتان وشركة... «حلول شبابية» سعودية مبتكرة لمختلف التحديات البيئية

لم تكن الحلول التي قُدِّمت في مؤتمر «كوب 16» للقضايا البيئية والمناخيّة الملحّة، وقضايا تدهور الأراضي والجفاف، قصراً على الحكومات والجهات الخاصة ذات الصلة.

غازي الحارثي (الرياض)
بيئة الاستفادة من التقنيات الحديثة في تشجير البيئات الجافة واستعادة الأراضي المتدهورة من أهداف المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير (تصوير: تركي العقيلي) play-circle 00:55

السعودية تستهدف تحويل 60 % من مناطقها إلى «غابات مُنتجة»

يواصل «المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير» استقبال الحضور اللافت من الزوّار خلال نسخته الثانية في العاصمة السعودية الرياض، بتنظيم من المركز الوطني لتنمية…

غازي الحارثي (الرياض)
الاقتصاد الوزير السعودي يتسلم رئاسة السعودية رسمياً لمؤتمر «كوب 16» في الرياض (الشرق الأوسط)

«كوب 16 الرياض» يجمع صناع السياسات لإعادة تأهيل الأراضي ومكافحة التصحر

اجتمع عدد كبير من صنُاع السياسات والمنظمات الدولية والدوائر غير الحكومية وكبرى الجهات المعنية، الاثنين، في الرياض، للبحث عن حلول عاجلة للأزمات البيئية.

آيات نور (الرياض) عبير حمدي (الرياض) زينب علي (الرياض)
الاقتصاد وكيل وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية د. أسامة فقيها مع عدد من المتحدثين (الشرق الأوسط) play-circle 01:04

فقيها لـ«الشرق الأوسط»: مساعٍ سعودية لزيادة التزامات الدول بمكافحة تدهور الأراضي

أكد وكيل وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية الدكتور أسامة فقيها لـ«الشرق الأوسط» أن المملكة تسعى ليكون مؤتمر «كوب 16» نقطة تحول تاريخية بمسيرة «الاتفاقية».

زينب علي (الرياض)

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.