مسار الحل الليبي: ما الفرق بين «إعلان القاهرة» و«مخرجات برلين»؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال طرحه مبادرة لحل الأزمة الليبية بحضور رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح وقائد «الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر (أ.ف.ب)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال طرحه مبادرة لحل الأزمة الليبية بحضور رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح وقائد «الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر (أ.ف.ب)
TT

مسار الحل الليبي: ما الفرق بين «إعلان القاهرة» و«مخرجات برلين»؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال طرحه مبادرة لحل الأزمة الليبية بحضور رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح وقائد «الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر (أ.ف.ب)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال طرحه مبادرة لحل الأزمة الليبية بحضور رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح وقائد «الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر (أ.ف.ب)

طرح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قبل أيام، مبادرة لإحياء الحوار الليبي – الليبي بهدف الوصول إلى حل للأزمة المتفاقمة التي تعيشها الجارة الغربية لمصر. سارعت تركيا إلى رفضها، ومعها حليفتها الليبية، حكومة «الوفاق» برئاسة فائز السراج. في المقابل، أيدتها دول أخرى، بينها روسيا وفرنسا، وكلاهما لاعب أساسي في الساحة الليبية، في حين عرضت دول أخرى لعب دور وساطة لجمع الليبيين مثل الجزائر التي قال رئيسها عبد المجيد تبّون إن بلاده مستعدة لإحياء عرضها السابق في خصوص استضافة حوار ليبي – ليبي (ويأتي في هذا الإطار بالطبع قيام رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح بزيارة للجزائر بناء على دعوة من تبّون). أما الولايات المتحدة، وهي لاعب أساسي أيضاً في ملف ليبيا، فقد اكتفت بتقديم تأييد جزئي للمبادرة المصرية، قائلة إن مسار التسوية يجب أن تقوده الأمم المتحدة التي تعمل أصلاً على حل يقوم أساساً على مخرجات «مؤتمر برلين» الليبي في يناير (كانون الثاني) الماضي.
وفي خضم هذه المبادرات والمواقف السياسية، يبدو الموقف العسكري على الأرض جامداً بعض الشيء، في انتظار انفراجة سياسية أو انفجار عسكري، كما يبدو. فقوات «الوفاق»، بدعم عسكري تركي وبآلاف المرتزقة السوريين، تحشد مقاتليها شرق مصراتة على مشارف مدينة سرت الساحلية، وهي بوابة الهلال النفطي الليبي. وبجانب هذا الحشد، أخذت تركيا «تستعرض عضلاتها» في مياه البحر المتوسط، وأجرت مناورات شاركت فيها طائرات «إف 16» قبالة سواحل مصراتة بغرب ليبيا. أما قوات «الجيش الوطني» فقامت هي الأخرى بتعزيز دفاعاتها في سرت حيث تقع قاعدة جوية ضخمة (قاعدة القرضابية) وكذلك حول مطار الجفرة بوسط ليبيا. ويُزعم أن مرتزقة من مجموعة فاغنر الروسية ينتشرون في هاتين القاعدتين، وهم مزودون بطائرات مقاتلة من طراز ميغ 29 وسوخوي 24. بحسب ما قالت القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم). وبجانب كل ذلك، تداول ناشطون مقاطع مصوّرة (فيديو) لقوات مصرية تتجه صوب الحدود الليبية. لكن السلطات المصرية لم تؤكد ذلك، علما بأن المشاهد قد تكون لتحركات سابقة وأعيد توزيعها على أنها حديثة. لكن كان لافتاً أن رئيس أركان حرب الجيش المصري قام قبل أيام بزيارة تفقدية لقواته على الحدود الغربية مع ليبيا، ما يوحي بأن مصر تهتم بأن لا يتأثر أمنها بما يحصل في ليبيا، خصوصاً في ظل تقدم جماعات إسلامية تدعمها تركيا من غرب ليبيا نحو الشرق.
وفي ظل ما يبدو سباقاً بين مساعي التسوية السياسية والعودة إلى مسار التصعيد العسكري، تعيد «الشرق الأوسط» هنا طرح أبرز بنود المبادرة المصرية الخاصة بحل النزاع الليبي وأيضاً أبرز بنود مخرجات مؤتمر برلين، لرصد إذا كانت هناك اختلافات بينهما:

«إعلان القاهرة»: وقف للنار... وحوار
قدّم الرئيس السيسي المبادرة التي حملت اسم «إعلان القاهرة» خلال مؤتمر صحافي في القاهرة الأسبوع الماضي، وكان محاطاً برئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح وقائد «الجيش الوطني الليبي» المشير خليفة حفتر.
تقوم المبادرة المصرية على مجموعة عناصر تبدأ بوقف للنار (كان يفترض بدؤه يوم الاثنين الماضي – لكن حكومة الوفاق رفضته)، على أن تمهّد هذه الهدنة لعودة الحوار الليبي – الليبي. وكان واضحاً أن المبادرة المصرية شددت على دور الأمم المتحدة في رعاية هذا الحوار، وعلى أن يكون ذلك وفق مخرجات برلين التي نصّت، ضمن ما نصّت عليه، على تعهد الدول الخارجية عدم إرسال مرتزقة والتزام حظر السلاح المفروض على ليبيا. وكما هو معروف، لم يتم الوفاء بأي من تلك الالتزامات، وهو ما تجلّى خصوصاً في إسراع تركيا، مباشرة بعد انتهاء المؤتمر وقبل أن يجف حبر اتفاقه، في بناء جسر جوي نقل آلاف المرتزقة السوريين وكميات ضخمة من العتاد الحربي لدعم حكومة «الوفاق» في غرب ليبيا. وتبرر الولايات المتحدة هذا التصرف التركي بالقول إنه جاء رداً على إرسال روسيا مرتزقة لدعم قوات المشير حفتر خلال تقدمها جنوب طرابلس. وكما هو معروف، قلب الدخول العسكري التركي المباشر موازين معركة طرابلس وأرغم «الجيش الوطني» على الانسحاب كلياً من غرب البلاد.
لكن «إعلان القاهرة» يذهب أبعد من مجرد تقديم عرض هدنة عسكرية والعودة إلى الحوار والتزام الأطراف الخارجية بإخراج مرتزقتها من ليبيا. إذ أنه يقدّم تصوّراً شاملاً ومفصلاً لكيفية التقدم في هذا الحوار وما هي التسويات التي يفترض الوصول إليها. وفي هذا الإطار، تنص المبادرة المصرية على تشكيل مجلس رئاسي جديد من رئيس ونائبين، على أن يكون هؤلاء ممثلين لأقاليم ليبيا الثلاثة: غرب ليبيا ومركزه طرابلس، وشرق البلاد (إقليم برقة) وعاصمته بنغازي، والجنوب (إقليم فزان) وكبرى مدنه سبها. ويفترض، بحسب «إعلان القاهرة»، أن يختار كل إقليم من هذه الأقاليم ممثلاً له في المجلس الرئاسي خلال 90 يوماً، على أن يتم ذلك من خلال توافق أو عبر انتخابات محلية ترعاها الأمم المتحدة، على أن يختار المجلس الرئاسي الجديد رئيساً للوزراء يتقدم بطلب للحصول على الثقة بحكومته من مجلس النواب. وتنص المبادرة المصرية أيضاً على أن «يقوم المجلس الرئاسي باِتخاذ قراراته بالأغلبية، عدا القرارات السيادية المتعلقة بالقوات المسلحة فيتم اتخاذ القرارات أو البت في المقترحات التي يقدمها القائد العام للقوات المسلحة في هذه الحالة بالإجماع وبحضور القائد العام للقوات المسلحة».
وتدخل المبادرة أيضاً في تفاصيل توزيع المناصب الكبرى في الدولة على أقاليم ليبيا الثلاثة. إذ تشير إلى «حصول كل إقليم على عدد متناسب من الحقائب الوزارية طبقاً لعدد السكان عقب التوافق على أعضاء المجلس الرئاسي الجديد وتسمية رئيس الحكومة، على ألا يجمع أي إقليم أكثر من رئاسة للسلطات الثلاث (المجلس الرئاسي - مجلس النواب - مجلس الوزراء) بحيث يحصل إقليم طرابلس على 9 وزارات، وإقليم برقة على 7 وزارات، وإقليم فزان على 5 وزارات، على أن يتم تقسيم الـ6 وزارات السيادية على الأقاليم الثلاثة بشكل متساو (وزارتين لكل إقليم) مع تعيين نائبين لكل وزير من الإقليمين الآخرين».
وتشير المبادرة المصرية أيضاً إلى قيام مجلس النواب الليبي باعتماد «تعديلات الإعلان الدستوري من خلال لجنة قانونية يتم تشكيلها من قبل رئيس المجلس المستشار عقيلة صالح، وذلك عقب قيام اللجنة (تضم ممثلي أعضاء مجلسي النواب والدولة) بالاتفاق على النقاط الواجب تعديلها في الإعلان الدستوري في مدة لا تتجاوز 30 يوماً بدءاً من تاريخ انعقاد أول جلسة». كما تنص المبادرة على «قيام المجمع الانتخابي لكل إقليم تحت إشراف الأمم المتحدة بتشكيل لجنة من شخصيات وطنية وخبراء دستوريين ومثقفين من ذوي الكفاءة واعتمادها من قبل البرلمان الليبي لصياغة دستور جديد للبلاد يحدد شكل إدارة الدولة اللبيبة وطرحه للاستفتاء الشعبي لإقراره (على أن تنتهي من أعمالها خلال 90 يوماً من تاريخ تشكيها)».
ويحدد إعلان القاهرة «المدة الزمنية للفترة الانتقالية بـ18 شهراً قابلة للزيادة بحد أقصى 6 أشهر يتم خلالها إعادة تنظيم كافة مؤسسات الدولة الليبية خاصة المؤسسات الاقتصادية الرئيسية (المصرف المركزي - المؤسسة الوطنية للنفط – المؤسسة الليبية للاستثمار)، وإعادة تشكيل مجالس إدارة المؤسسات الأخيرة بما يضمن فعالية أداء الحكومة الجديدة وتوفير الموارد اللازمة لإدارة المرحلة الانتقالية انتهاءً بتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية».
وختاماً، تنص الخطة على «اتخاذ الإجراءات التنفيذية اللازمة لتوحيد كافة المؤسسات الاقتصادية والنفطية في شرق وغرب ليبيا، وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية، إلى جانب منع وصول الأموال الليبية إلى أي من الميليشيات، وكذلك العمل على ضمان توزيع عادل وشفاف للموارد الليبية لكافة المواطنين».
وكما هو معروف، لقي «إعلان القاهرة» ترحيباً واسعاً من دول عربية وأجنبية، لكن حكومة «الوفاق» رفضته، وكذلك تركيا. كما كان لافتاً قول الولايات المتحدة، على لسان مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شنكر، إن «المبادرة المصرية... نحن نعتبر أن ثمة جوانب مفيدة منها. لا شك في أن هذه المبادرة تحاول أولاً وقبل كل شيء إصلاح مسألة الانفصال التي حصلت منذ حوالي شهر ونصف عندما انفصل حفتر والجيش الوطني الليبي عن صالح والبرلمان». وكان شنكر يشير هنا إلى اختلاف تردد أنه حصل بين حفتر وعقيلة صالح بعد إعلان الأخير في نهاية أبريل (نيسان) الماضي مبادرة سياسية تنص على إعادة هيكلة السلطة التنفيذية من خلال اختيار مجلس رئاسي جديد من ثلاثة أعضاء، وحكومة منفصلة. كما نصت مبادرة صالح على إعادة كتابة الدستور الليبي وإبقاء مجلس النواب بصفته سلطة تشريعية حتى إجراء انتخابات جديدة.
وقال شنكر أيضاً في تعليقه على إعلان القاهرة: «أصلحت المبادرة (المصرية) هذه الأمور (بين صالح وحفتر) بشكل من الأشكال (...) لكننا نعتبر أن المسار الذي تقوده الأمم المتحدة ومسار برلين هما الإطاران الفعليان وأكثر الإطارات المثمرة لكافة الأطراف حتى تشارك في المفاوضات وتحقق التقدم نحو التوصل إلى وقف إطلاق نار وتثبيته. أعتقد أن المبادرة المصرية تبتعد قليلاً عن هذا الهدف ولكننا نرحب مع ذلك بالجزء المنتج منها».
ولكن ما هو مسار برلين وكيف يختلف عن إعلان القاهرة.

مخرجات مؤتمر برلين
أعلن المشاركون في مؤتمر برلين (19 يناير الماضي)، وهم ممثلو 13 دولة بالإضافة إلى منظمات دولية وإقليمية، أن «الغاية الوحيدة من مسار برلين الذي تعهدنا فيه بدعم خطة الثلاث نقاط المطروحة من قبل الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، السيد غسان سلامة (استقال لاحقاً)، على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، هي مؤازرة الأمم المتحدة في توحيد صفوف المجتمع الدولي في دعمه للوصول إلى حلّ سلمي للأزمة الليبية. فما من حل عسكري في ليبيا».
وقال المشاركون في المؤتمر في بيانهم الختامي: «نلتزم بالامتناع عن التدخل في النزاع المسلّح الليبي أو في الشؤون الليبية الداخلية ونحثّ كافة الأطراف الدولية الفاعلة على الالتزام بالمثل».
وأشاد المشاركون أيضاً «بالدور المحوري الذي تؤديه الأمم المتحدة في سبيل تسهيل عملية سياسية وتصالحية ليبية داخلية وشاملة للجميع ترتكز على الاتفاق السياسي الليبي (أي اتفاق الصخيرات) الموقع عام 2015 والمؤسسات المنبثقة عنه (أي المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق)، وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2259 لعام 2015. وغيرها من القرارات ذات الصلة الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والمبادئ المتفق عليها في باريس وباليرمو»، وهما مؤتمران خاصان بليبيا.
ويدعو المؤتمر «جميع الأطراف المعنية إلى مضاعفة جهودها المبذولة من أجل إدامة وقف الأعمال العدائية والتخفيف من حدة التصعيد ووقف دائم لإطلاق النار. وفي هذا الصدد نكرر التأكيد على المهمة الحيوية التي يضطلع بها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة. كما ندعو إلى اتخاذ خطوات ذات مصداقية ومتسلسلة ومتبادلة ويمكن التحقق منها، بما في ذلك خطوات ذات مصداقية نحو تفكيك المجموعات المسلحة والميليشيات من قبل جميع الأطراف».
ويدعو البيان الختامي أيضاً «إلى إنهاء كل التحركات العسكرية من قبل أطراف النزاع أو تلك الداعمة لها بشكل مباشر، في جميع الأراضي الليبية وفوقها، وذلك اعتباراً من بداية عملية وقف إطلاق النار».
وتنص مخرجات مؤتمر برلين أيضاً على «العودة إلى العملية السياسية». وفي هذا الإطار، أعلن المشاركون في المؤتمر «دعم الاتفاق السياسي الليبي بمثابته إطاراً قابلاً للتطبيق من أجل الحل السياسي في ليبيا. كما ندعو إلى تأسيس مجلس رئاسي يقوم بمهامه على الوجه الأمثل وتشكيل حكومة ليبية واحدة وموحّدة وشاملة وفعالة يصادق عليها مجلس النواب».
وجاء في نص المخرجات أيضاً: «نحث جميع الأطراف الليبية على استئناف العملية السياسية الشاملة التي تتولى ليبيا قيادتها وتمسك بزمامها تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، والمشاركة فيها بشكل بنّاء وبما يمهد الطريق لإنهاء الفترة الانتقالية عبر انتخابات برلمانية ورئاسية حرة وعادلة وشاملة ونزيهة تنظمها مفوضية وطنية عليا للانتخابات مستقلة وفعالة».
كما دعا البيان الختامي «إلى التوزيع الشفاف والخاضع للمساءلة والعادل والمنصف للثروة والموارد العامة بين مختلف المناطق الجغرافية الليبية، بما في ذلك عبر اللامركزية ودعم البلديات بما ينهي تظلماً جوهرياً وسبباً للاتهامات المتبادلة».
وتابع البيان «إننا نتمسك بالأهمية القصوى لاستعادة واحترام وصون نزاهة جميع المؤسسات السيادية الليبية ووحدتها وحكومتها الشرعية، ولا سيما مصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الليبية للاستثمار والمؤسسة الوطنية للنفط وديوان المحاسبة الليبي».
ورحب البيان أيضاً بـ«أن كلاً من رئيس الوزراء فايز السراج والمشير خليفة حفتر قد قاما بتسمية ممثليهما في لجنة 5+5 العسكرية التي اقترحتها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا دعماً منها لعملية التنفيذ الواردة كملحق لهذه الخلاصات».
وكما يبدو من مخرجات مؤتمر برلين فإنها لا تختلف جوهرياً عن الأفكار التي جاءت في «إعلان القاهرة» الذي كان أكثر تفصيلاً ووضوحاً في خصوص مسار التسوية وشكل المؤسسات الليبية المستقبلية. وتلتقي المبادرتان عند أهمية وقف النار والعودة إلى مسار التفاوض العسكري بين قوات حكومة «الوفاق» وقوات المشير حفتر، وهو ما يتم حالياً عبر حوار «5+5» الذي ترعاه الأمم المتحدة.



​اليمن يكافح لمواجهة الكوليرا... وتكتم حوثي على الإصابات

تشغيل مركز حورة الطبي بشبوة اليمنية أسهم في مواجهة انتشار الكوليرا (الأمم المتحدة)
تشغيل مركز حورة الطبي بشبوة اليمنية أسهم في مواجهة انتشار الكوليرا (الأمم المتحدة)
TT

​اليمن يكافح لمواجهة الكوليرا... وتكتم حوثي على الإصابات

تشغيل مركز حورة الطبي بشبوة اليمنية أسهم في مواجهة انتشار الكوليرا (الأمم المتحدة)
تشغيل مركز حورة الطبي بشبوة اليمنية أسهم في مواجهة انتشار الكوليرا (الأمم المتحدة)

كان الصياد اليمني محمد يحصل بسهولة على رزقه اليومي، وتوفير احتياجات أسرته الغذائية، حيث يذهب إلى البحر في سواحل محافظة شبوة الواقعة إلى الشرق من مدينة عدن، لكن هذا الأمر أصبح صعباً بعد أن اضطر للجلوس بجوار طفله الذي أصيب بالكوليرا.

تعلّم محمد الصيد في سن مبكرة، وورث معرفة البحر من أسلافه، ويُكافح لتوفير احتياجات أسرته المكونة من تسعة أفراد، حيث تقع قرية حورة التي يسكنها على بُعد 50 كيلومتراً من أقرب مركز طبي، وكانت هذه الرحلة تمثل سفراً مرعباً لمعظم القرويين الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف التنقل أو العلاج. ويقول الرجل إنه عندما يمرض أحد من السكان، يصبح توفير الرعاية الصحية اللازمة له عبئاً ثقيلاً.

اليمن يكافح لمواجهة الكوليرا بعد تسجيل أكثر من 100 ألف إصابة (الأمم المتحدة)

وتؤكد الأمم المتحدة أن عودة انتشار الكوليرا تسبب في تسجيل عشرات الآلاف من حالات الاشتباه، منها أكثر من 30 ألف حالة منذ بداية العام، ورصدت ازدياد عدد الحالات في محافظة شبوة بشكل مُلاحظ ضمن أكثر الفئات ضعفاً ممن لديهم وصول محدود للخدمات الصحية الأساسية أو ليس لهم القدرة على الوصول إلى هذه الخدمات أصلاً.

وفي حين أن الأمطار الغزيرة والفيضانات زادت من انتشار الكوليرا، يذكر الصياد أنه شهد وفاة امرأة في الطريق إلى أقرب مركز صحي بسبب توقف الحركة بفعل الفيضانات الأخيرة، ولهذا ذكرت المنظمة الدولية للهجرة أنها استجابت لهذه الأزمة وقامت بإعادة فتح مركز «حورة» الطبي الذي صُمم لمعالجة مجموعة واسعة من المشكلات الصحية، مع التركيز بشكل رئيسي على الكوليرا.

تطوع مجتمعي

بينت المنظمة الدولية للهجرة في تقرير حديث أنه وفي سبيل تمكين المجتمعات أسهمت جهودها في مكافحة الكوليرا بأكثر من مجرد تقديم الخدمات الطبية، حيث حشدت فريقها من متطوعي المجتمع المحلي لرفع الوعي بمكافحة الوباء، والالتزام بمساعدة المجتمعات في إدارة مواجهة تفشيه.

وتقول المتطوعة جميلة إنها تأثرت بشدة بمعاناة المجتمع، لذا قررت أن تصبح عاملة صحية لمساعدتهم. وذكرت أنه وطوال فترة تفشي الكوليرا تضمنت الأهداف الرئيسية تقديم الخدمات الصحية الأساسية، وتحسين الثقافة الصحية للمجتمع، والترويج لممارسات الصحة العامة، من خلال المتطوعين الذين ساعدوا بشكل كبير في تقديم الإرشادات الصحية العامة.

متطوعون يمنيون يتولون توعية السكان بطرق الوقاية من الكوليرا (الأمم المتحدة)

ووفق التقرير الأممي، فإن تغيير ممارسات المجتمع والتأسيس لعادات جديدة كانت مهمة مليئة بالتحديات، ولكن هِمّة المتطوعين كانت عالية، وإنه ومن خلال الزيارات المنزلية، شجعوا العائلات على تنفيذ أنشطة تحمي صِحتهم وسلامتهم، ابتداء من الترويج للوعي بنظافة اليدين وانتهاء بالدعوة لتطبيق ممارسات المياه النظيفة، وتعزيز الشعور بالمسؤولية الجماعية.

وبحسب الهجرة الدولية بدأت فرق التطوع أنشطتها في مركز «حورة» الطبي، ولكن تفشي الكوليرا تعدى سكان القرية، حيث أثر أيضاً على المهاجرين من القرن الأفريقي الذين يواجهون تحديات كبيرة في الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية، وللتعامل مع هذه الاحتياجات طلبت المنظمة مساعدة فرقها الطبية المتنقلة الموجودة على طرق الهجرة الرئيسية.

تعاون وثيق

طبقاً لما ذكرته منظمة الهجرة الدولية، فإنها وبالتعاون الوثيق مع وزارة الصحة العامة والسكان في اليمن والمكاتب الصحية المحلية، وسّعت جهودها بشكل مستمر لتقديم المساعدات الفورية للمناطق المتأثرة بالكوليرا والإسهال المائي الحاد.

وتضمنت استراتيجية المنظمة إيجاد خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة داخل المراكز لمنع انتقال العدوى بين المرضى والطاقم الطبي. وتقديم أجهزة الكلورة ذاتية العمل، ومواد معالجة المياه، وحقائب النظافة والتعامل مع الكوليرا للمجتمعات الضعيفة.

وزير الصحة اليمني يتفقد مركز عزل الكوليرا في محافظة أبين (إعلام حكومي)

وتبين «الهجرة الدولية» أن المتطوعين في مركز «حورة» الطبي تعاملوا مع المشاكل الصحية الفورية بخاصة الكوليرا، ولم يقتصر دورهم على إحداث تغيرات إيجابية لتعزيز الرعاية الصحية للجماعات الضعيفة فحسب، ولكن ومنذ بدء التفشي، كان المتطوعون يقدمون خدمات الرعاية الصحية والجلسات التثقيفية للنساء والأطفال والرجال الذين لطالما حُرموا من هذه الخدمات في السابق.

وتواصل الحكومة اليمنية الكفاح بالتعاون مع المنظمات الدولية لمواجهة هذا الوباء، خاصة مع بدء موسم الأمطار الحالي، إذ سارعت إلى افتتاح مراكز لعلاج حالات الإصابة بالكوليرا في جميع المحافظات الخاضعة لسيطرتها، إلا أن الحوثيين يواصلون التكتم على أرقام الإصابات ويرفضون تخصيص مراكز لعلاج هذا الوباء.

وتظهر أحدث بيانات منظمة الصحة العالمية أن عدد الإصابات في مناطق سيطرة الحوثيين بلغت أكثر من 93 ألف حالة، حتى مطلع شهر يوليو (تموز) الحالي، فيما تم تسجيل بقية الحالات وتمثل نسبة 17 في المائة في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً.