بديع أبو شقرا: تزعجني الفوقية التي يمارسها بعض النجوم

قال الممثل بديع أبو شقرا، إن نجاح الممثل في تقديم أدوار الشر لا يقاس بمدى تقبله من المشاهد. ويوضح في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «الدور يتبلور عند الممثل على قدر ما هو حقيقي في مشاعره. فيصور الشخصية كما يتخيلها من مفهومه الخاص وضمن واقعها اليومي. ويمكن للممثل أن يحفظ النص المكتوب ويركِّب عليه إضافات تساعده على التمكن منه على أفضل وجه».
ويتابع في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «الخطورة في هذا النوع من الأدوار تكمن في جرعات الشر التي تغلِّفها. فلا يمكن للممثل أن يؤدي الدور بشكل يتعاطف معه المشاهد، فيبرر له شرَّه. ولذلك على الممثل أن يؤدي الدور بحذر وتوازن معاً، فيمشي بين نقاط الشخصية المجرمة من ناحية، وخلفياتها النفسية من ناحية ثانية. فلا شيء يمكن أن يبرر اقتراف الجرم تحت أي ظرف، ومن هذا المنطلق كان الدور الذي لعبته في (بردانة أنا) صعباً ودقيقاً؛ لأنني مشيت فيه بين الألغام».
قدم بديع أبو شقرا في موسم رمضان الدرامي دورين متناقضين، من حيث خطوطهما وطبيعتهما. فلعب في مسلسل «بردانة أنا» دور باسم، الرجل الذي قتل زوجته ممارساً عليها التعنيف الجسدي، بينما قدم في مسلسل «بالقلب» دور الشاب جواد الرومانسي الذي يذوب حباً تجاه من يحب.
في الدور الأول استطاع أبو شقرا أن يقنع المشاهد بمرض الشخصية وخلفياتها الشريرة. أما في الثاني فحمل المشاهد إلى أجواء الحب الدافئ والرجل المثالي في تفانيه تجاه الحبيب.
«في (بردانة أنا) يكمن جمال الدور في المشاعر المتناقضة التي ولَّدها لدى المشاهد، وهو يتابعه منزعجاً من تصرفات (باسم) القاسية وغير الموزونة تجاه زوجته وبناته وحتى تجاه والدته. وبالتالي يشعر المشاهد بالندم لتعاطفه معه كونه فناناً يعزف ويغني ويتمتع بالطرافة، وقد عانى الأمرَّين في صغره». وعما أعجبه في شخصية باسم الشريرة يقول: «لفتتني هذه الشخصية لأنها راهنة وموجودة حالياً بكثرة على المستوى الاجتماعي، ونسمع يومياً بأحداث يقف وراءها هذا النوع من الرجال. فحالات التعنيف الجسدي والنفسي باتت تتكشف بشكل دائم أمام الرأي العام، وما عادت خافية على أحد. وأنا أحب هذا النوع من الأعمال الذي يضرب على الوتر الحساس، وعلى مشكلات نصادفها في مجتمعاتنا».
وعما إذا كانت النجاحات التي حققها في موسم رمضان حملت له نكهة مختلفة هذه السنة، يجيب: «كل نجاح يحققه الممثل يتمتع بنكهة خاصة، تبعاً للوقت الذي أنجز خلاله. فهناك علاقة وطيدة ما بين طبيعة كل نجاح والوقت الذي تحقق خلاله. فالنجاحات التي حققتها منذ 10 سنوات لا تشبه الحالية. هناك عناصر كثيرة تؤثر على مسيرة الفنان، وأهمها التطور والتقدم والخبرات التي يمر بها. فجميعها تنعكس عليه سلباً وإيجاباً وتكون جزءاً من مسيرته. وبعض الأحيان الفشل نفسه يحفز على النجاح ويطور الممثل، فيكون بمثابة تجربة يتعلم منها ويتطور».
وعن الإضافات الارتجالية التي أحاطت بأدائه في «بردانة أنا»، يقول: «هذه الإضافات تنبع من إحساس معين يصيب الممثل، ولذلك لا يجب أن تكون مستهلكة أو (كليشيه) نصادفها بشكل مستمر. وهذه الإضافات على الممثل أن يعرف متى يركن إليها وفي الوقت المناسب؛ لأن المشاهد قد لا يتقبلها في حال كان المشهد لا يحتاجها».
ويصف أبو شقرا دوره في «بالقلب» بالجديد عليه، حيث حمل تجربة تمثيلية لا تشبه غيرها، لا سيما أنها ترتكز على مشاعر رقيقة وأخرى متفجرة: «هي نوع من تجارب أساسية في حياة الفنان وجزء من تطوره. وترافقها في الوقت نفسه تغييرات تصيبه في شخصيته ومعتقداته وتحليله للمواضيع».
وعما إذا كانت مثالية دوره في «بالقلب» دفعته لإبراز كل هذه المشاعر في أدائه، يرد في معرض حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «عندما يمر الإنسان بحادثة يلامس فيها الموت ويجتازها بنجاح، تصيبه تبدلات جذرية كثيرة في شخصيته. فتستيقظ فيه مشاعر لم يكن يعي أهميتها. وهذه الحالة هي التي عاشها (جواد) في مسلسل (بالقلب) عندما كُتب له عمر جديد بعد خضوعه لزراعة قلب. فركزنا على هذه النقطة كفريق عمل يتألف من كاتب رائع وهو طارق سويد، ومخرج شاب سبق وتعاملت معه في (مش أنا) جوليان فرحات، فجاء الدور قريباً إلى المثالية، مع أن كثيرين انتقدوا هذه الشخصية ووصفوها بأنها مشبعة بالأنانية».
وعن أهمية الفريق الذي يعمل معه عادة في كل عمل تمثيلي، يقول: «هذه البيئة التي تسودها أجواء التعاون مع فريق ما، هي التي تنعكس سلباً أو إيجاباً على العمل. فالأسماء لا تصنع النجاحات؛ بل الهواجس المشتركة والموجة نفسها التي يعملون ضمن أجوائها هي الأهم. فالعمل مع أسماء لامعة لا يضمن النجاح، ولكنه قد يسهم في تأمين الانتشار والتسويق ليس أكثر».
يتحدث بديع أبو شقرا عن وضع الدراما اللبنانية، لا سيما أنها حققت في رمضان نجاحاً ملحوظاً: «لطالما كانت الدراما المحلية حاضرة بقوة، إلا أن الظروف عاكستها وحاربتها بشكل أو بآخر. وهناك عوائق كثيرة حاربناها وتصدينا لها كي تبقى هذه الدراما وتستمر وتصبح منتجاً مطلوباً. ولكنها مع الأسف تعاني من عدم دعمها رسمياً. وهذا الأمر يصح أيضاً على الأفلام السينمائية. فكم من فيلم لبناني وصل إلى العالمية بفضل جهود ومبادرات فردية. وبرأيي المخرج والمنتج والكاتب يصح وصفهم بالانتحاريين، فهم يخوضون التجربة دون خوف أو تردد. فالدراما اللبنانية لم تتوقف نجاحاتها ولكنها في المقابل لم يتم تكريسها كصناعة رسمية وقطاع منتج ومربح. وهي تعاني تماماً كمؤسستي تلفزيون لبنان وإذاعة لبنان الرسميتين. وهاتين الأخيرتين هما في حالة تراجع لعدم إيلائهما الاهتمام المطلوب والدعم من الدولة اللبنانية».
ويشارك بديع أبو شقرا في الفيلم اللبناني «مفاتيح مكسورة» من إخراج جيمي كيروز، الذي يشارك في مهرجان كان السينمائي في دورته الثالثة والسبعين لهذا العام، ويقام بين 22 و26 يونيو (حزيران) الجاري. ويشارك فيه أبو شقرا إلى جانب عدد من الممثلين اللبنانيين أمثال رولا بقسماتي وطارق يعقوب ومنير معاصري، وغيرهم.
والى جانب عرض مسلسلات «العميد» و«بردانة أنا» و«بالقلب» انتهى أخيراً بديع أبو شقرا من تصوير مسلسلَي «راحوا» مع كارين رزق الله، و«من الآخر» مع ريتا حايك ومعتصم النهار.
وفي سؤال حول الممثل اللبناني عامة ودوره في أعمال مختلطة يتصدرها نجوم سوريون يرد: «الممثل يبقى ممثلاً مهما كانت جنسيته. كل ما في الأمر أن الممثل السوري يسهم في التسويق لعمل ما خارج لبنان. وهذا واقع يجب الاعتراف به؛ لأنهم اشتغلوا وجاهدوا للوصول إلى هذه النقطة، وليتحولوا إلى منتج أساسي في الأعمال الدرامية».
ولكن هل صدف ومثَّلت أمام أشخاص لا تتحمَّلهم؟ يرد: «لا أعتقد أن هناك ممثلين لا أتحملهم؛ بل أختلف معهم حول وجهات نظر معينة، وهذا أمر طبيعي على المستوى الفكري. ومن الطبيعي أن يقف الممثل أحياناً أمام أشخاص يرتاح لهم أكثر من غيرهم بفضل صداقة تربطه بهم. ولكن وفي الوقت نفسه هذه القاعدة لا تصح دائماً؛ إذ إن الصداقة لا تكفي كي يشعر الطرفان بالانسجام في التمثيل بعضهما مع بعض، وأحياناً كثيرة لا تخدمه كما يتوقع. ولكن ما يزعجني في بعض النجوم المعروفين هو تصرفهم بفوقية مع الآخرين».
وهل عشت تجربة مماثلة؟ «أبداً لم يسبق أن صادفتها؛ بل أشاهدها تطبق على ممثلين وفنانين صاعدين، وأعتبرها عادة مدمرة للممثل والمطرب معاً».
وعن كيفية اختياره لأدواره اليوم، يقول: «ليست عندنا رفاهية الاختيار؛ لا بل تأمين الاستمرارية. ولذلك أعمل على التوازن بين خياراتي كي تحمل ما يضيف إلى مسيرتي».
أما القواعد الذهبية التي يجب أن تتبعها المواهب الجديدة التي تنوي دخول مجال التمثيل، فهي برأيه: «التركيز على التحرر من مفاهيم معينة وإعادة النظر فيها. فالممثل لا يجب أن يفكر بشكل تقليدي؛ بل يكون منفتحاً إلى أقصى الحدود».