نائب رئيس الوزراء في حكومة 30 يونيو: أهم معاركنا إسقاط الجمعية التأسيسية الأولى

التفسيرات التآمرية التي صاحبت أداء المجلس العسكري كان سببها سلسلة من الاختيارات الخاطئة والأداء المضطرب

نائب رئيس الوزراء في حكومة 30 يونيو: أهم معاركنا إسقاط الجمعية التأسيسية الأولى
TT

نائب رئيس الوزراء في حكومة 30 يونيو: أهم معاركنا إسقاط الجمعية التأسيسية الأولى

نائب رئيس الوزراء في حكومة 30 يونيو: أهم معاركنا إسقاط الجمعية التأسيسية الأولى

* زياد بهاء الدين يروي لـ («الشرق الأوسط») تجربة 10 سنوات داخل أروقة الحكم في مصر بين الاقتصاد والسياسة (1 - 3)
* الحوار مع الدكتور زياد بهاء الدين أشبه بالبحث عن «قالب سكّر» داخل كوب ماء، فهو حذر إلى أقصى درجة، كلما حاولت أن تحاصره ذاب، وكلما اجتهدت أكثر تلاشى أسرع. لكن إذا قررت أن تستوعب أثره في الماء.. ستكتشف قيمته.
تردد نائب رئيس الوزراء السابق طويلا في أن يفتح قلبه ويتكلم في حوار مطول مع «الشرق الأوسط»، يحكي تفاصيل قصته داخل أروقة الحكم في مصر خلال 10 سنوات هي عمر تجربته في العمل العام، تحفّظ أن يذكر أسماء كثيرة ومواقف كثيرة، بحكم أن أصحابها في مواقف لا تسمح لهم بـ«حق الرد»، رفض أن يفصح عن رأيه في أشخاص ومواقف حرصا على حرج اللحظة التي تمر بها مصر، واعتذر عن عشرات الأسئلة وطلب حذف عشرات الأجوبة، في حوار حكمه «القانون» تخصصه ومجال عمله، كما لم يخلُ من قدر من «السياسة». برز اسم بهاء الدين وسجل في التاريخ، عندما نادت به جموع المتظاهرين التي خرجت في 30 يونيو (حزيران) 2013 ليكون رئيسا للوزراء في أول حكومة تشكلت بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، لكن القدر أتى به نائبا لرئيس الوزراء الدكتور حازم الببلاوي الذي تحمّل مسؤولية واحدة من أخطر الحكومات في تاريخ مصر وإلى نص الجزء الأول من الحوار:

* كيف جاء ترشيحك لمنصب رئيس هيئة الاستثمار المصرية عام 2004 في ظهورك الرسمي الأول في العمل العام؟
- عملت قبلها بـ3 سنوات، أول عمل حكومي لي كمستشار قانوني لوزير الاقتصاد (آنذاك) د. يوسف بطرس غالي، اشتركت وقتها في إعداد تشريعات كثيرة خاصة بسوق المال وقانون الاستثمار وقانون الشركات والتأجير التمويلي والإيداع المركزي للأوراق المالية في البورصة، فارتبط اسمي بالقوانين الاقتصادية، ثم تركت وزارة الاقتصاد وعدت إلى العمل بالمحاماة، وبعدها بفترة شكلت حكومة الدكتور أحمد نظيف في 2004 وكان من ضمن وزرائها محمود محيي الدين وزير الاستثمار، وهو من رشحني لرئاسة هيئة الاستثمار، وبالفعل توليت رئاستها بعد تشكيل الوزارة بـ3 أشهر.
* وما دوافعك لقبول هذا المنصب، مع معرفتك بأوضاع النظام المصري وقتها؟
- ارتبط دافعي بفكرة التفرقة بين العمل السياسي والعمل التكنوقراطي، بالمشاركة في خدمة الاقتصاد الوطني، فهناك من يهتم بالعمل السياسي بمفهومه المحدد، ولكن هذا مختلف عمن يكون لديه الاستعداد للعمل لبناء مؤسسات وطنية، وأنا سعيد وفخور بما أنجزته في هذا العمل، حيث تم تطوير هيئة الاستثمار، وزاد حجم الاستثمارات الأجنبية التي وردت إلى مصر في تلك الفترة، ووصل إلى أعلى معدل له منذ بداية الاستثمار في مصر.
* لماذا لم تنضم إلى الحزب الوطني الحاكم في ذلك الوقت؟
- لم يكن لدي طموح سياسي، وقد عرض علي بالفعل الانضمام إلى الحزب الوطني في فترة تجديده، وشاركت بالرأي في اجتماعات مختلفة حول مستقبل الحزب ولائحته الأساسية، وفي نهاية هذه المناقشات عرض علي الانضمام كأحد أعضاء المكاتب العليا فيه واعتذرت.
* صنفك البعض في تلك الفترة بأنك كنت ضمن فريق جمال مبارك، ما صحة هذا التصنيف؟
- التصنيفات في الغالب مدفوعة بتصفية حسابات سياسية وفيها كثير من عدم الدقة، فلا يوجد في مصر تفرقة بين السياسي والتكنوقراطي، والمفترض أنه يكون أمرا طبيعيا أن تكون بعيدا عن العمل السياسي وتشغل منصبا حكوميا مهما، وهذا أمر موجود في دول كثيرة. ولو كنت من مجموعة جمال مبارك لما أنكرت ذلك كما أنكره الكثيرون ممن كانوا قريبين منه، ولكن الواقع أنني لم أكن في الحزب ولا في مجموعته ولا على اتصال مباشر به خلال السنوات السابقة على الثورة.
* قد يكون سبب ذلك قربك الشديد من الدكتور محمود محيي الدين؟
- هذا موضوع مختلف، لأني كنت فعلا قريبا وما زلت من الدكتور محمود محيي الدين على المستوى الإنساني والشخصي، وهذا أمر يسعدني؛ محمود محيي الدين صديق عزيز ولا يزال، فهو زميل دراسة حيث درسنا معا في إنجلترا، واتفقنا في أشياء كثيرة في قضية الاستثمار والترويج له وكيفية دفعه، واختلفنا في أشياء أخرى، وكان من مزاياه أنه مدرك تماما لفكرة أنه يجب أن يستفيد البلد ممن اعتبرهم خبرات وكفاءات، حتى لو كان انتماؤهم السياسي غير محسوب على الحزب الحاكم.
* ألم تفاجأ بخروجه من الوزارة ومن مصر كلها قبل شهور من ثورة يناير؟ خصوصا أنه كان مرشحا لرئاسة الوزراء كما أشيع وقتها؟
- لم أفاجأ لأنه أبلغني بذلك، وكنت أتابع معه المناقشات التي تجري بينه وبين الدولة في ذلك الوقت، وكنت أعرف رغبته في تغيير مجال عمله، وشعوره بأن هذا هو الوقت المناسب لتحقيق هذا التغيير بعد أن وصل إلى سكة «مسدودة» هنا في مصر، ولا أريد أن أقول أشياء نقلا عنه، لكن تأثير خروجه علي كان مختلفا لأني لم أربط بقائي في العمل الرسمي ببعد سياسي، فالأمر كان بالنسبة لي هو أنني أؤدي مهام وظيفية وفق فكرة بناء المؤسسات التي أوضحتها.
* اقتربت بشكل ما من دائرة صنع القرار في مصر، إلى أي مدى ترى صدق مشروع التوريث؟
- لم أقترب إلى الحد الذي يجعلني أستطيع أن أقول: هل كان هناك مشروع يجري تنفيذه بالفعل أم لا، خصوصا في السنوات الأربع الأخيرة قبل الثورة؟ ربما كان اتصالي الوحيد بمحمود محيي الدين بصفته وزير الاستثمار وبصفته صديقا وببعض الأصدقاء الآخرين بالحزب الوطني الذين ما زالت تربطني بهم علاقة صداقة، لكن لم أكن قريبا من الدائرة العليا. لكن رأيي كمواطن ومتابع، أعتقد أنه سواء كان هناك مشروع حقيقي جار تفعيله أو لم يكن، فإن ما كان يحدث كافيا للإيحاء للمجتمع المصري كله بأنه جار تنفيذ مشروع التوريث، وهذا يجعله مشروعا حقيقيا فعلا، وتصرفات مؤسسة الرئاسة ساعدت على ذلك.
* بمعنى أنك لا تبرئ مبارك وأسرته من هذا المشروع؟
- على الأقل هم تركوا «التوريث». يبدو كأنه أمر جار تنفيذه بالفعل، ولم يكن رفضهم قاطعا أو حقيقيا. وشعور المواطن بوجود مشروع توريث كان يتزايد مع مرور الوقت، لهذا لا يفرق وجود خطة محكمة من عدمه لأنه ترك الأمور تنحدر في هذا الاتجاه.
* هل عرض عليك فعليا أي منصب وزاري في هذه الفترة، خصوصا مع تكهنات كثيرة رشحتك لحقائب وزارية عقب نجاحك في هيئة الاستثمار؟
- بعد استقالة محيي الدين، نقل لي عن رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف هذا الأمر، وسئلت عن استعدادي لتولي وزارة الاستثمار، لكني رفضت لأني حسمت أمري من البداية بأن حجم اشتغالي بالعمل العام يقتصر على العمل التكنوقراطي ولا يتجاوزه إلى العمل السياسي تحت أي ظرف، ولم أغير هذا الرأي إلا بعد ثورة يناير، أما قبلها فكانت اختياراتي قائمة على أنه لا مانع، بل إنه واجب على كل شخص عنده فرصة للمشاركة في بناء مؤسسات وطنية ألا يتردد في ذلك.
* هل رفضت الوزارة لعدم رغبتك في أن تحسب على الحزب الوطني الحاكم بكل ما أثير حوله من شبهات؟
- لم أكن راضيا عن أداء الحزب الوطني وعلاقته بالدولة وتحوله إلى وسيلة لحماية المصالح الخاصة، ولذلك رفضت أن أكون عضوا، ولكن لا يعجبني ما حدث بعد ثورة يناير من مبالغة في نفي الصلة والاتصال بالحزب والنظام، خصوصا ممن كانوا أعضاء بالفعل في الحزب الوطني أو مستفيدين من النظام. ما أقوله هو الحقيقة، لقد رفضت أن أكون عضوا في الحزب لكن لي أصدقاء كانوا أعضاء به، وأعلم أن بعض الناس دخلته من باب الفساد والتقرب إلى السلطة واعتلاء المناصب، لكن هناك أيضا أناس انضموا له للمساهمة في العمل الوطني، وهي اختيارات، وأنا اخترت ألا أدخل العمل السياسي مطلقا قبل ثورة يناير، خصوصا من بوابة الحزب الوطني.
* بعد 4 سنوات تفصلنا عن تلك الأيام، بم تسمي ما حدث في يناير (كانون الثاني) 2011؟
- ثورة بلا شك.. اندفاع الناس بهذا الشكل وخروج هذه الأعداد من المصريين، لا يمكن أن يكون مؤامرة، لست محلل علوم سياسية لكن خروج الناس كان وراءه رغبة في التغيير، كنت مثل كثيرين غير متوقع أن يكون حجم الغضب الشعبي بهذا الشكل. فاجأتني الثورة مثلما فاجأتهم، واشتركت فيها كمواطن عادي، وكنت حاضرا في ميدان التحرير، ولكن لم تربطني رابطة بأي تنظيم سياسي من المشاركين فيها أو المنظمين لها.
* إذا اتفقنا أن ما حدث يمكن أن يطلق عليه «ثورة»، هل ترى أن التغيير الراديكالي يتناسب مع طبيعة البناء الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لمصر؟
- مناسب أو غير مناسب مساءلة أكاديمية، لكن الثورة قامت ليس لأنها الأنسب بل لأنها حتمية، بمعني أنه كان هناك انسداد تام في المجتمع ووسائل التغيير الممكنة لم تعد مجدية، فكان يجب أن تحدث ثورة.
* ألا ترى أن ثمن هذا الفعل الثوري كان كبيرا على المجتمع المصري؟
- يسهل الآن القول إن الأفضل ربما كان الطريق الإصلاحي حينما نجد أن الثورة لم تحقق معظم أهدافها في التغيير الإيجابي، لكن هذا كلام نظري. الإصلاح كان قد أصبح مستحيلا في السنوات الأخيرة لحكم مبارك، فانفجرت الثورة لأنها صارت حتمية وضرورية. أنا بالمناسبة بطبيعتي أميل إلى العمل الإصلاحي عن العمل الثوري، ولكن هذا لا يجعلني أقيم الثورة بشكل مختلف.
* إلى أي مدي تتفق معي في أن سوء استخدام تعبير «الثورة» أفقده قيمته كمصطلح سياسي، وأجهض قيمته التاريخية والمعنوية؟
- لا أظن أن قيمته التاريخية والمعنوية أجهضت، قد يوجد حاليا رد فعل من جانب الرأي العام لأنه يقرن كل المصاعب والمشكلات بحدوث الثورة في يناير. والعمل الإعلامي مؤثر جدا لا يجعلك تدرك القناعة الحقيقية للناس إلى أين تتجه في ضوء خطاب تعبوي واحد سائد، لكن لا شك أن حدوثها كان حتميا، لكن لأسباب كثيرة. الثورة اتخذت مسارا مضطربا، وهذا لا يعني إدانة الثورة في لحظة حدوثها لأنها كانت تعبيرا عن رغبة صادقة عند الشعب المصري في التغيير ورفض استمرار الأوضاع السابقة.
* ما تعليقك حول ما أثير عن دور أطراف داخلية أو خارجية في إشعال ثورة المصريين في يناير؟
- لا أبحث عن التفسير التآمري في ظل وجود تفسير واضح ومقنع، وهو أن يناير كانت ثورة حقيقية مدفوعة برغبة الشعب في التغيير وفي إسقاط النظام السائد. أما من يملك معلومات محددة يستطيع من خلالها أن يؤكد أن يناير «مخطط»، فعليه أن يتقدم بها.
* ما تقييمك لأداء المجلس العسكري الذي تولى مسؤولية إدارة مصر بعد تخلي مبارك عن الحكم؟
- بحسب طبيعية عملي فأنا أقدر من يتولى مسؤولية إدارة عمل تنفيذي في وقت بهذه الصعوبة التي كانت مصر فيها ولا تزال، وأي انتقاد لكل من تولى مسؤولية الحكم من يناير إلى اليوم يبدأ بهذا التحفظ، أما عن تقييمي فأرى أنه كان هناك فرصة تاريخية لرسم مستقبل مصر بصورة أفضل، وهذا لم يحدث، فقد تم رسم مسار دستوري مضطرب جعل الثورة تفقد زخمها وقدرتها على التغيير الإيجابي.
* كنت نائبا في أول برلمان تشكل بعد الثورة عام 2012، ماذا قدم النائب زياد بهاء الدين في تجربته البرلمانية الأولى بعد يناير؟
- سعيد بتجربتي البرلمانية وفخور بها للغاية، فالمعركة الانتخابية كانت ثرية جدا بالنسبة إلي وبالنسبة إلى مصر كلها، كانت انتخابات مفتوحة وكان فيها أخطاء كثيرة، ولكن بشكل شخصي ورغم أن عائلتي من أسيوط ونشاط جمعية أحمد بهاء الدين الثقافية هناك وأشرف عليه بنفسي منذ عام 1998 بلا انقطاع، لكن لم تكن تربطني بأسيوط رابطة سياسية، وأكثر ما استفادته منذ يناير هو الإقامة والاتصال الحقيقي بالناس في أسيوط، وهذه تجربة مهمة جدا في حياتي. أكيد كان هناك مشكلات تعرضت لها وربما تتعرض لما هو أكثر، فقد حذرنا من غياب ضوابط إجراء الانتخابات في أمرين: الأول التمويل، فبعض الأحزاب السياسية انهمرت عليها سيول من التمويل غير موثق وغير معروف المصدر، خصوصا في الأرياف. والأمر الآخر أن الدولة تركت استخدام المساجد، كمنابر للعمل السياسي، وهذا أمر يتعارض تماما مع أصول العمل السياسي في الدولة المدنية.
* ونجحت على قائمة الحزب المصري الديمقراطي.
- وكنت رئيس كتلة الحزب البرلمانية المكونة من 21 عضوا، وقد كانت تجربة العمل داخل البرلمان صعبة، وقد شكلنا تعاونا مع حزب المصريين الأحرار ونجحنا في تقديم بعض الأفكار والتشريعات المهمة، لكن الأهم أننا استطعنا أن نوقف اندفاع قطار تغيير هوية البلد، كانت أهم معاركنا في إسقاط الجمعية التأسيسية الأولى.
* لماذا انسحبت بعد انتخابك في أول جمعية تأسيسية تشكلت لكتابة الدستور المصري الجديد؟
- كنت مرشحا للجمعية مع الزميل والصديق أحمد سعيد رئيس حزب المصريين الأحرار، وكان زميلي في هذه المعركة، وفي يوم انتخاب الجمعية التأسيسية في قاعة المؤتمرات، وقبل إعلان النتيجة، كان قد تم تداول أسماء أعضائها، وكنت فيها أنا وأحمد، فأجرينا مع الدكتور سعد الكتاتني رئيس البرلمان وقتها اجتماعا استغرق ساعتين لنحاول إقناعه بأن تشكيل الجمعية حتى لو حظي بالأغلبية القانونية المطلوبة من البرلمان فهو غير مقبول لأنه تشكيل منحاز ولن يكتب له النجاح. ولم نخرج بأي نتيجة، ورغم ذلك أعلن التشكيل كما هو واعتمد المجلس النتيجة، وبعد ربع ساعة أعلنت مع أحمد سعيد انسحابنا وكتلنا البرلمانية من الجمعية، وقتها كنا نحو 10 أعضاء، ومع مرور أسبوعين وصل العدد إلى 38 وقبل أن تسقط من نفسها صدر الحكم القضائي ببطلان تشكيلها.
* إلى أي مدى ترى شبهة مؤامرة وراء حل البرلمان بعد شهور من انتخابه؟
- لست من مؤيدي نظرية المؤامرة، وأذكرك أن حزبي وأحزابا أخرى وعددا من السياسيين حذروا من عدم دستورية هذا القانون، وقت صدوره وقبل إجراء الانتخابات، لكنها كانت فترة كما وصفتها مليئة بالاضطراب الدستوري. كما أن حكم المحكمة الدستورية في هذا الشأن منسجم تماما مع حكمين سابقين تم بموجبهما حل برلماني 1984 و1987. يمكن أن نقول إن الحكم صدر بسرعة بعد 7 شهور فقط.. يجوز.. لكنه أمر لا يجعلها مؤامرة، وهذا يكفيني للاطمئنان لهذا الحكم.
* هل عايشت أي تجاوزات إخوانية في الانتخابات البرلمانية عام 2012، بصفتك شاهد عيان ومنافسا لكوادرهم فيها؟
- من التجاوز ما يوصف بالعرف الدائم في الانتخابات، مثلا وصفت بأني «حزب وطني» وشيوعي من قبل مرشحي الإخوان في أسيوط، وليلة الانتخابات أعلنوا ترشحي للوزارة في حكومة الجنزوري وانسحابي من انتخابات البرلمان وعودتي إلى القاهرة لحلف اليمين، وهو ما لم يكن صحيحا، وغير ذلك من ألعاب سياسية معتادة في كل الانتخابات، لكن التجاوزات الفعلية كانت في أمرين: الأول هو استخدام الكارت الطائفي، وكان أمرا متجاوزا لكل الحدود، فأي شخص يعمل في الصعيد يدرك تماما خطورة هذا الأمر، فأنت عندما تفرق بين المرشحين بأن هؤلاء «إسلاميون» وهؤلاء كتلة «صليبية» فأنت تدعو إلى فتنة مرعبة، وهذه جريمة لا تغتفر في أي وقت. الأمر الآخر كان التسيب في التمويل بشكل مبالغ، وللأمانة كانت أموال السلفيين أكثر من الإخوان.
* هل حاول الإخوان استمالتك ومجموعتك الحزبية خلال زمالتكم في البرلمان؟
- الإخوان حاولوا بعض المحاولات لتحقيق ما كانوا يعتقدون أنه توافق بمفهومهم، وهذه كانت الإشكالية. مثلا رشحوني رئيسا للجنة الاقتصادية في البرلمان، ولكن كحزب ومجموعة الأحزاب المتسقة معنا، أخدنا قرارا بعدم قبول مناصب رئاسية في اللجان، لأنه كان واضحا لنا أن دافعهم كان من أجل تجميل الصورة فقط.
* إلى أي مدى تقيم أداء الجماعة وقيادتها في هذه التجربة القصيرة كحزب حاكم؟
- هي تجربة فشلت، ولا أريد التعليق على رئيس البرلمان، لكن الجماعة في إدارة البرلمان كانت فاشلة تماما، بمعنى أن البرلمان بعد فترة وجيزة فقد مصداقيته بين الناس وصار يبدو كأنه مكان لـ«الطنطنة وكتر الكلام»، وبه خليط من الممارسات التي كنا نعيبها على برلمانات مبارك. والإخوان أيضا كانوا كثيري الحديث عن أن يكون حكمهم حكما توافقيا، لكن عند الفعل الحقيقي غلبت عليهم في البرلمان فكرة «أنا معايا الأغلبية.. أنا أخلص»، وهذا نفس ما حدث في الرئاسة والحكومة بعد ذلك.

* زياد.. ابن أحمد بهاء الدين

* يعتبر الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين قامة وقيمة كبيرة في تاريخ الصحافة مصريا وعربيا، لا يذكر اسمه إلا ويتبعه صفة «المحترم». وهي الصفة التي يقول نجله زياد إنها ميراثه الحقيقي عن أبيه، ويكمل: «بالطبع استمتعت بمظلة شهرته، التي منحتني حماية خاصة في بداية حياتي». ويعتبر زياد أن الفترة التي قضاها مع والده في دولة الكويت في النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي هي واحدة من أهم فترات حياته، لأن الكويت وقتها - بحسب وصفه - كانت منارة ثقافية مشعة على الخليج العربي، قبل أن تظلمه الثورة الإيرانية.
درس زياد في كلية الحقوق بجامعة القاهرة مثل والده، لكنه تميز عليه بأن درس في ذات الوقت في كلية الاقتصاد بالجامعة الأميركية، ليتخرج منهما في عامي 1986 و1987، قبل أن يحصل على منحة للماجستير في قانون الأعمال الدولي من جامعة لندن سنة 1989، ثم يحصل على الدكتوراه من نفس الجامعة في القانون عام 1997.
بدأت علاقة زياد بهاء الدين بالسياسة وهو طالب في جامعة القاهرة من خلال أنشطة الأسرة الطلابية القريبة من الفكر الاشتراكي القومي، لكنه اختار أن تبدأ علاقته بالعمل العام بعيدا عن السياسة أو العمل الحزبي، لكن كمتخصص «تكنوقراط» في مجال الاقتصاد. ساعدته صداقة مع الدكتور محمود محيي الدين على أن يحقق أفكاره عندما أسند إليه منصب رئيس هيئة الاستثمار عام 2004، وقد أحدث نقلة هامة في تاريخ الاستثمار خلال رئاسته للهيئة التي امتدت حتى عام 2007، ويصف دكتور زياد عمله في هيئة الاستثمار قائلا: «تجربتي كانت محاولة حقيقية لفكرة استكشاف آليات السوق المنضبطة كوسيلة مهمة لزيادة النمو والتنمية الاقتصادية وتحسين أوضاع الناس». شغل بهاء الدين منصب أول رئيس للهيئة العامة للرقابة المالية قبل أن يستقيل في أعقاب ثورة يناير 2011، ويتجه إلى العمل السياسي من خلال مشاركته لتأسيس الحزب المصري الديمقراطي، ويقول بهاء الدين: «الثورة جعلتني أخلق توازنا بين تجربة الجامعة التي غلب عليها الانتماء اليساري وتجربة العمل الحكومي التي غلب عليها الفكر الرأسمالي، وتحقق ذلك بالديمقراطية الاجتماعية، وهو ليس اسم الحزب فقط، لكنه تيار فكري نحاول من خلاله الاعتماد على اقتصادات السوق، لكن مع وجود شبكة حماية اجتماعية قوية جدا تضمن أن يتاح للناس الفرصة في الاستفادة من الاقتصاد الحر، وهو قريب من فكرة الطريق الثالث في أوروبا».
نجح زياد في أن يصبح نائبا في «برلمان» الثورة الأولى في يناير 2011، قبل أن يكون نائبا أيضا في «حكومة» الثورة الثانية في يونيو (حزيران) 2013، وبين المنصبين وبعدهما تمتد رحلته مع العمل السياسي الذي أصبح جزءا منه، وهو يشغل حاليا منصب نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي، واحد من أحزاب المعارضة الواعدة.
لم ينسَ بهاء الدين الابن والده خلال رحلته مع العمل العام، فأسس مع أسرته ورفاق الكاتب الكبير «جمعية أصدقاء أحمد بهاء الدين الثقافية»، التي يشغل منصب نائب رئيسها، وقد أسهم نشاطها في افتتاح قصر ثقافة أحمد بهاء الدين بمسقط رأسه في صعيد مصر، في قرية صدفا بمحافظة أسيوط.



تصعيد «الانتقالي» الأحادي يهزّ استقرار الشرعية في اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي باليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي باليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
TT

تصعيد «الانتقالي» الأحادي يهزّ استقرار الشرعية في اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي باليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي باليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)

يشهد شرق اليمن، وتحديداً وادي حضرموت ومحافظة المهرة، واحدة من أكثر موجات التوتر خطراً منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل (نيسان) 2022، وسط تصاعد في الخطاب السياسي، وتحركات عسكرية ميدانية، وإعادة رسم للتحالفات داخل المعسكر المناهض للحوثيين؛ الأمر الذي يضع البلاد أمام احتمالات مفتوحة قد تنعكس على كامل المشهد اليمني، بما في ذلك مسار الحرب مع الجماعة الحوثية، وواقع الإدارة المحلية، ووضع الاقتصاد المنهك.

وفي هذا السياق، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي بوضوح نيته المضي نحو تعزيز سيطرته الأمنية في وادي حضرموت. وقال علي الكثيري، رئيس الجمعية الوطنية للانتقالي، إن «الانتصارات الأخيرة شكلت بارقة أمل لأبناء حضرموت»، مشيراً إلى أن «مرحلة ما بعد التحرير تتطلب تضافر الجهود للحفاظ على المكتسبات».

رئيس مجلس الانتقالي الجنوبي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني عيدروس الزبيدي (أ.ب)

وكان لافتاً حديثه عن أن «تأمين وادي حضرموت يمثل أولوية قصوى»، في إشارة مباشرة إلى مطلب الانتقالي القديم بإخراج القوات الحكومية من الوادي واستبدالها بقوات «النخبة الحضرمية» الموالية له، بالتوازي مع تأكيده أنّ الجنوب «مقبل على دولة فيدرالية عادلة»، في تكرار لرؤيته الداعية إلى إنهاء الوحدة بصيغتها الحالية.

بالنسبة للانتقالي، فإن السيطرة على وادي حضرموت والمهرة ليست مجرد توسع جغرافي؛ بل جزء من رؤية استراتيجية تهدف إلى ترسيخ النفوذ جنوباً استعداداً لأي تسوية سياسية مقبلة بخاصة في ظل مطالب المجلس باستعادة الدولة التي كانت قائمة في جنوب اليمن قبل 1990.

موقف العليمي

في المقابل، صعّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي خطابه بعد أن غادر العاصمة المؤقتة عدن بالتوازي مع تصعيد المجلس الانتقالي؛ إذ شدد بشكل واضح على «انسحاب القوات الوافدة من خارج حضرموت والمهرة» وتمكين السلطات المحلية من إدارة شؤون المحافظتين.

وجاءت مواقف العليمي من خلال تصريحاته أمام السفراء الراعيين للعملية السياسية في اليمن، وأخيراً من خلال اتصالات هاتفية مع محافظي حضرموت والمهرة، في رسالة أراد من خلالها تقديم دعم مباشر للسلطات المحلية والدفع نحو تهدئة التوتر بعيداً عن الخطوات الأحادية التي أعلنها المجلس الانتقالي.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وشدد العليمي على ضرورة «عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه»، محذراً من مخاطر التصعيد على الاقتصاد والواقع الإنساني. كما دعا إلى «تحقيق شامل في الانتهاكات المرافقة للإجراءات الأحادية»، في إشارة إلى الاعتقالات والإخفاءات التي تقول جهات حقوقية إنها رافقت عمليات الانتقالي في بعض المناطق الجنوبية.

ويبرز من هذه التصريحات حجم الهوة داخل مجلس القيادة الرئاسي نفسه؛ إذ يتحرك كل طرف من أطرافه بشكل مستقل، بينما تتسع الفجوة بين مواقف العليمي والانتقالي بشأن مستقبل الإدارة الأمنية والعسكرية للشرق اليمني.

مخاوف واسعة

يثير تصاعد الأحداث في شرق اليمن مخاوف من أن تتحول حضرموت والمهرة، وهما أكبر محافظتين في البلاد مساحة، إلى بؤرة صراع داخلي قد تجرّ اليمنيين إلى فوضى جديدة. فالمنطقة، التي تمتاز بامتدادات جغرافية واسعة وثروات نفطية ومنافذ برية مهمة مع السعودية وسلطنة عُمان، حافظت لسنوات على نمط من الاستقرار النسبي مقارنة بمناطق الحرب الأخرى.

لكن دخول قوات إضافية وفرض وقائع أمنية وعسكرية قد يؤدي إلى تقويض الإدارة المحلية التي تعتمد على التوازنات القبلية والسياسية، وعرقلة إنتاج النفط الذي يمثل شرياناً اقتصادياً أساسياً، مع ارتفاع خطر الجماعات المتطرفة التي تستغل عادة الفراغات الأمنية، إضافة إلى تعميق الانقسام داخل مجلس القيادة الرئاسي وانعكاس ذلك على قدرته في إدارة ملفات الحرب والسلم.

كما يهدد التصعيد بتفاقم الأزمة الإنسانية في بلد يعيش أكثر من 23 مليون من سكانه على المساعدات، بينما تشير تقارير أممية إلى أن 13 مليوناً قد يبقون بلا دعم إنساني كافٍ خلال العام المقبل.

تنسيق الزبيدي وصالح

على خلفية هذه التطورات، أجرى طارق صالح اتصالاً برئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي، في خطوة أضافت طبقة جديدة من التعقيد، بخاصة وأن الطرفين عضوان في مجلس القيادة الرئاسي الذي يقوده العليمي.

وحسب بيان الانتقالي، ناقش الطرفان «سبل التنسيق المشترك لإطلاق معركة لتحرير شمال اليمن من الحوثيين»، مؤكدين أن «المعركة واحدة والمخاطر واحدة»، مع الإشارة إلى تعاون مستقبلي لمواجهة «الجماعات الإرهابية» بما فيها الحوثيون وتنظيم «القاعدة».

المجلس الانتقالي الجنوبي يطالب باستعادة الدولة التي كانت قائمة في جنوب اليمن قبل 1990 (أ.ف.ب)

هذا التواصل ليس عادياً؛ فهو يجمع بين قيادتين تنتميان لمدرستين سياسيتين مختلفتين، الزبيدي بمشروعه الانفصالي جنوباً، وطارق صالح بمشروع «الجمهورية الثانية» شمالاً. لكن المشترك بينهما هو الرغبة في إعادة ترتيب موازين القوة داخل المعسكر المناهض للحوثيين، وتشكيل محور عسكري قادر على التحرك خارج حسابات الحكومة الشرعية، غير أن الرهان دائماً سيكون منوطاً بالإيقاع السياسي الذي تقوده الرياض.

وحسب مراقبين، يسعى الطرفان إلى استثمار الجمود في مسار التفاوض مع الحوثيين وملء الفراغ الناجم عن التغاضي الدولي تجاه الوضع في اليمن؛ وذلك لصياغة تحالف جديد يعيد تشكيل الخريطة السياسية، ويمنح كلاً منهما مساحة أكبر للتأثير، لكن كل ذلك يبقى غير مضمون النتائج في ظل وجود التهديد الحوثي المتصاعد.

بين الحوثيين والانتقالي

تأتي هذه التطورات في وقت تتراجع فيه العمليات القتالية بين الحكومة والحوثيين على معظم الجبهات. ومع أن الحوثيين يواصلون الحشد والتجنيد، فإن خطوط الجبهة الداخلية بين شركاء «معسكر الشرعية» باتت أكثر اشتعالاً من خطوط القتال مع الحوثيين أنفسهم.

ويحذّر خبراء من أن أي انقسام إضافي داخل هذا المعسكر سيمنح الحوثيين هامشاً أوسع لتعزيز نفوذهم، خصوصاً أنهم يراقبون من كثب ما يجري في الشرق، حيث تعتمد الحكومة الشرعية على الاستقرار هناك لضمان مرور الموارد والتحركات العسكرية.

وبين دعوات الانتقالي إلى «مرحلة ما بعد التحرير»، ومطالب العليمي بعودة القوات إلى تموضعها السابق، ومحاولات الزبيدي وطارق صالح لتشكيل موقف موحد، يجد سكان حضرموت والمهرة أنفسهم أمام مشهد معقد يشبه صراع نفوذ متعدد الطبقات.

وفد سعودي برئاسة اللواء محمد القحطاني زار حضرموت لتهدئة الأوضاع (سبأ)

فالمنطقة التي لطالما عُرفت بقبائلها وامتدادها التجاري والاجتماعي مع دول الخليج، باتت اليوم ساحة اختبار لمعادلات سياسية تتجاوز حدودها، وسط مخاوف من أن يقود هذا التصعيد إلى هيمنة على السلطة تتناسب مع المتغيرات التي فرضها المجلس الانتقالي على الأرض، بالتوازي مع تحذيرات من انفجار جديد يعمّق الانقسام اليمني بدلاً من رأبه.

وفي كل الأحوال، يرى قطاع عريض من اليمنيين والمراقبين الدوليين أن العامل الحاسم يظل مرتبطاً بموقف الرياض التي تمسك بخيوط المشهد الرئيسية، وقد دعت بوضوح إلى خفض التصعيد والتهدئة، عادَّة أن أي فوضى في المناطق المحررة في الجنوب والشرق اليمني ستنعكس سلباً على جهود إنهاء الحرب مع الحوثيين، مع اعترافها الواضح أيضاً بعدالة «القضية الجنوبية» التي يتبنى المجلس الانتقالي الجنوبي حمل رايتها.


«خطط الإعمار الجزئي» لرفح الفلسطينية... هل تُعطّل مسار «مؤتمر القاهرة»؟

يستخدم أفراد الدفاع المدني حفارة للبحث عن رفات الضحايا في أنقاض مبنى مدمر في مخيم البريج للاجئين (أ.ف.ب)
يستخدم أفراد الدفاع المدني حفارة للبحث عن رفات الضحايا في أنقاض مبنى مدمر في مخيم البريج للاجئين (أ.ف.ب)
TT

«خطط الإعمار الجزئي» لرفح الفلسطينية... هل تُعطّل مسار «مؤتمر القاهرة»؟

يستخدم أفراد الدفاع المدني حفارة للبحث عن رفات الضحايا في أنقاض مبنى مدمر في مخيم البريج للاجئين (أ.ف.ب)
يستخدم أفراد الدفاع المدني حفارة للبحث عن رفات الضحايا في أنقاض مبنى مدمر في مخيم البريج للاجئين (أ.ف.ب)

حديث عن خطط للإعمار الجزئي لمناطق في قطاع غزة، تقابلها تأكيدات عربية رسمية بحتمية البدء في كامل القطاع، بعد نحو أسبوعين من تأجيل «مؤتمر القاهرة» المعني بحشد تمويلات ضخمة لإعادة الحياة بالقطاع المدمر وسط تقديرات تصل إلى 35 مليار دولار.

تلك «الخطط الجزئية» التي تستهدف مناطق من بينها رفح الفلسطينية، تقول تسريبات عبرية إن حكومة بنيامين نتنياهو وافقت على تمويلها، وهذا ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» تماشياً مع خطط أميركية سابقة حال التعثر في الانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق غزة، وأشاروا إلى أن مؤتمر القاهرة للإعمار سيعطل فترة من الوقت؛ ولكن في النهاية سيعقد ولكن ليس قريباً ومخرجاته ستواجه عقبات إسرائيلية في التنفيذ.

ونقل موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مسؤول إسرائيلي قوله إن تل أبيب وافقت مبدئياً على دفع تكاليف إزالة الأنقاض من قطاع غزة وأن تتحمل مسؤولية العملية الهندسية الضخمة، وذلك بعد طلب من الولايات المتحدة الأميركية، وستبدأ بإخلاء منطقة في رفح جنوبي القطاع من أجل إعادة إعمارها.

ويتوقع، وفق مصادر الصحيفة، أن تكون إسرائيل مطالبة بإزالة أنقاض قطاع غزة بأكمله، في عملية ستستمر سنوات بتكلفة إجمالية تزيد على مليار دولار.

وترغب الولايات المتحدة في البدء بإعادة إعمار رفح، على أمل أن تجعلها نموذجاً ناجحاً لرؤية الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتأهيل القطاع، وبالتالي جذب العديد من السكان من مختلف أنحائه، على أن يعاد بناء المناطق الأخرى في مراحل لاحقة، وفق الصحيفة الإسرائيلية.

تلك التسريبات الإسرائيلية، بعد نحو أسبوعين من تصريحات للمتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، تميم خلاف، لـ«الشرق الأوسط»، أكد خلالها أن القاهرة تعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين على تهيئة البيئة المناسبة لنجاح مؤتمر «التعافي المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة». في معرض ردّه على سؤال عن سبب تأجيل المؤتمر.

وفي 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قال مصدر مصري مطلع لـ«الشرق الأوسط» إن المؤتمر «لن ينعقد في موعده (نهاية نوفمبر) وسيتأجل». وأرجع ذلك إلى التصعيد الحالي بالقطاع، وسعي القاهرة إلى توفر ظروف وأوضاع أفضل على الأرض من أجل تحقيق أهدافه، تزامناً مع تقرير عن مخططات إسرائيلية لتقسيم قطاع غزة لقسمين أحدهما تحت سيطرة إسرائيلية والآخر تتواجد فيه «حماس» ولا يتجاوز نحو 55 في المائة من مساحة القطاع.

صبيان يحتميان من المطر وهما جالسان على عربة يجرها حمار في دير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

واعتمدت «القمة العربية الطارئة»، التي استضافتها القاهرة في 4 مارس (آذار) الماضي، «خطة إعادة إعمار وتنمية قطاع غزة» التي تستهدف العمل على التعافي المبكر، وإعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين، وذلك وفق مراحل محددة، وفي فترة زمنية تصل إلى 5 سنوات، وبتكلفة تقديرية تبلغ 53 مليار دولار. ودعت القاهرة إلى عقد مؤتمر دولي لدعم إعادة الإعمار في غزة، بالتنسيق مع الأمم المتحدة.

ويرى عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير رخا أحمد حسن، أن تلك الخطط لن يوافق عليها ضامنو وبعض وسطاء اتفاق غزة باعتبارها مخالفة للاتفاق، وتطرح مع تحركات إسرائيلية لتعطيل المرحلة الثانية بدعوى أهمية البدء في نزع سلاح القطاع أولاً.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عبد المهدي مطاوع، أن موافقة إسرائيل على تمويل الإعمار الجزئي وعودة الترويج له إسرائيلياً، يشير لعدم احتمال الوصول لمرحلة ثانية واللجوء لخطة بديلة تحدث عنها جاريد كوشنر صهر ترمب بالبناء في المناطق الخارجة عن سيطرة «حماس» ما دامت الحركة لم تُنهِ بند نزع السلاح، مشيراً إلى أن عودة الحديث عن خطط الإعمار الجزئي تؤخر الإعمار الشامل وتعطي رسالة للدول التي ستمول بأن ثمة عقبات، وبالتالي ستعطل عقد مسار مؤتمر القاهرة.

وفي 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أكد كوشنر، في مؤتمر صحافي بإسرائيل، أن إعادة إعمار غزة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي «مدروسة بعناية وهناك اعتبارات جارية حالياً في المنطقة الخاضعة لسيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي، ما دام أمكن تأمينها لبدء البناء كغزة جديدة، وذلك بهدف منح الفلسطينيين المقيمين في غزة مكاناً يذهبون إليه، ومكاناً للعمل، ومكاناً للعيش»، مضيفاً: «لن تُخصَّص أي أموال لإعادة الإعمار للمناطق التي لا تزال تسيطر عليها (حماس)».

فلسطينيون نازحون يسيرون أمام المباني المدمرة في حي تل الهوى في الجزء الجنوبي من مدينة غزة (أ.ف.ب)

تلك الخطط الجزئية تخالف مواقف عربية، وشدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، في اتصال هاتفي، الخميس، على ضرورة التنفيذ الكامل لاتفاق وقف الحرب في القطاع، وحتمية البدء في عملية إعادة إعمار القطاع، وفق بيان للرئاسة المصرية.

وفي مقابلة مع المذيع الأميركي تاكر كارلسون، بـ«منتدى الدوحة»، الأحد الماضي، قال رئيس الوزراء القطري، محمد عبد الرحمن آل ثاني «لن نتخلى عن الفلسطينيين، لكننا لن نوقّع على الشيكات التي ستعيد بناء ما دمره غيرنا».

ويعتقد عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية» أن طلب قطر قبل أيام بتحمل إسرائيل تمويل ما دمرته «تعبير عن موقف عربي صارم للضغط لعدم تكرار التدمير»، مشيراً إلى أن مصر تدرك أيضاً أن إسرائيل تتحرك في الخطة البديلة بإعمار جزئي في رفح لكن القاهرة تريد تعزيز الموقف العربي المتمسك بالإعمار الكامل، والذي سيبدأ مؤتمره مع بدء المرحلة الثانية التي تشمل انسحاباً إسرائيلياً. بينما يرى المحلل السياسي الفلسطيني أن الموقف العربي سيشكل ضغطاً بالتأكيد لكن هناك وجهات نظر متباينة، مشيراً إلى أن مؤتمر إعمار القاهرة مرتبط بحجم التقدم في المرحلة الثانية ونزع السلاح بالقطاع؛ إلا أنه في النهاية سيحدث، لكن ليس في القريب العاجل وستكون مخرجاته مهددة بعقبات إسرائيلية.


جبايات الحوثيين تعمّق الركود الاقتصادي وتغلق عشرات الشركات

ملايين اليمنيين الخاضعين للحوثيين يعيشون في ظروف صعبة جراء ضيق سبل العيش (أ.ف.ب)
ملايين اليمنيين الخاضعين للحوثيين يعيشون في ظروف صعبة جراء ضيق سبل العيش (أ.ف.ب)
TT

جبايات الحوثيين تعمّق الركود الاقتصادي وتغلق عشرات الشركات

ملايين اليمنيين الخاضعين للحوثيين يعيشون في ظروف صعبة جراء ضيق سبل العيش (أ.ف.ب)
ملايين اليمنيين الخاضعين للحوثيين يعيشون في ظروف صعبة جراء ضيق سبل العيش (أ.ف.ب)

تتواصل الأزمة الاقتصادية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بصورة متسارعة، مع تصاعد شكاوى التجار من الزيادات الجديدة في الضرائب والرسوم المفروضة عليهم، وهي إجراءات وصفوها بـ«التعسفية»، كونها تمتد إلى مختلف الأنشطة التجارية دون استثناء.

في هذا السياق، أكد تقرير دولي حديث أن الضغوط المالية المفروضة على القطاع الخاص باتت تهدد بقاء مئات الشركات الصغيرة والمتوسطة، كما دفعت بالفعل العديد منها إلى إغلاق أبوابها خلال الأشهر الماضية.

وحسب التقرير الصادر عن «شبكة الإنذار المبكر للاستجابة للمجاعة»، فإن الوضع الاقتصادي في مناطق الحوثيين «يستمر في التدهور بوتيرة متصاعدة»، نتيجة الحملات المتكررة للجبايات التي تستهدف المطاعم والمتاجر والفنادق وقطاعات التجزئة.

وأشار التقرير إلى أن سلطات الحوثيين فرضت مؤخراً رسوماً إضافية على التجار تحت مبرر دعم الإنتاج المحلي، غير أن تلك الرسوم جاءت في سياق سلسلة ممتدة من القيود المالية والتنظيمية التي أثقلت كاهل أصحاب الأعمال.

الحوثيون تجاهلوا مطالب التجار بالتراجع عن زيادة الضرائب (إعلام محلي)

واحد من أبرز هذه الإجراءات كان فرض ضريبة جمركية بنسبة 100 في المائة على السلع غير الغذائية المستوردة، وهو ما أدى -وفق التقرير- إلى إغلاق عدد كبير من محلات التجزئة والمؤسسات الصغيرة التي لم تعد قادرة على تحمّل ارتفاع التكلفة التشغيلية والانخفاض المتواصل في الطلب. وتزامن ذلك مع استمرار الحوثيين في تجاهل مطالب التجار بالتراجع عن هذه الزيادات، رغم الاحتجاجات التي شهدتها صنعاء خلال الأسابيع الماضية.

تراجع غير مسبوق

يشير التقرير الدولي إلى أن العمل بالأجر اليومي والأعمال الحرة التي كانت تشكّل مصدر دخل رئيسياً للأسر الفقيرة والمتوسطة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، باتت تواجه تراجعاً غير مسبوق نتيجة خسائر الدخل وتراجع القدرة الشرائية.

ويحذّر التقرير من أن استمرار هذا التراجع سيقلل «على الأرجح» من قدرة الأسر على الحصول حتى على الغذاء بالتقسيط، وهو إحدى آخر الوسائل التي كان يعتمد عليها السكان خلال السنوات الماضية لمواجهة الضائقة المعيشية.

المزارعون والتجار في مناطق سيطرة الحوثيين يعانون من الجبايات (رويترز)

وفي المقابل، استعرض التقرير الإجراءات الاقتصادية التي تنوي الحكومة المعترف بها دولياً اتخاذها، ومنها رفع سعر الدولار الجمركي بنسبة 100 في المائة.

وعلى الرغم من التأكيدات الحكومية أن المواد الغذائية الأساسية مستثناة من هذا التعديل، يتوقع محللون أن ترتفع أسعار السلع غير الغذائية بنحو 6 إلى 7 في المائة، وسط مخاوف من استغلال بعض التجار للوضع ورفع الأسعار بنسب أكبر في ظل ضعف الرقابة المؤسسية.

استمرار الأزمة

تتوقع «شبكة الإنذار المبكر» أن تستمر حالة الأزمة واسعة النطاق في اليمن (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي للأمن الغذائي) حتى مايو (أيار) من العام المقبل على الأقل.

ويعزو التقرير الدولي ذلك إلى تأثيرات الصراع الاقتصادي بين الحوثيين والحكومة اليمنية الشرعية الذي أدى إلى تقويض النشاط التجاري، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتدهور بيئة الأعمال، بالإضافة إلى ضعف سوق العمل وانحسار القدرة الشرائية للمواطنين.

أما في محافظات الحديدة وحجة وتعز فيتوقع التقرير استمرار حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة)، نتيجة آثار الهجمات الأميركية والإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت البنية التحتية الحيوية مثل المنشآت والمواني في الحديدة، بالإضافة إلى عجز سلطات الحوثيين عن إعادة تأهيل هذه المرافق.

الحوثيون متهمون بتدمير مستقبل جيل يمني بكامله جراء انقلابهم (إ.ب.أ)

وقد أدى هذا الوضع إلى انخفاض شديد في الطلب على العمالة، وتراجع مصادر الدخل الأساسية للأسر في هذه المناطق.

وتناول تقرير الشبكة التطورات المتعلقة بالوديعة السعودية للبنك المركزي اليمني، وتوقعت أن تُسهم هذه المبالغ في تعزيز المالية العامة ومعالجة عجز الموازنة، بما يمكن الحكومة من استئناف بعض التزاماتها المتوقفة، بما في ذلك صرف الرواتب.

ومع ذلك، يؤكد التقرير أن هذا الدعم «قصير الأجل» ولا يعالج المشكلات الهيكلية العميقة التي يعاني منها الاقتصاد اليمني، خصوصاً في جانب الإنتاج وفرص العمل وبيئة الاستثمار.