كيف نجح تنظيم القاعدة في جعل جندياته سجينات «حقوق مدنية» لا قضايا أمنية؟

أم الرباب وأروى ونجوى.. وجوه نسائية سعودية قاعدية

كيف نجح تنظيم القاعدة في جعل جندياته سجينات «حقوق مدنية» لا قضايا أمنية؟
TT

كيف نجح تنظيم القاعدة في جعل جندياته سجينات «حقوق مدنية» لا قضايا أمنية؟

كيف نجح تنظيم القاعدة في جعل جندياته سجينات «حقوق مدنية» لا قضايا أمنية؟

قبل عشر سنوات من الآن، وتحديدا في 12 مايو (أيار) 2003، دوت انفجارات مفاجئة في شرق العاصمة السعودية (الرياض) وتبيّن بعد لحظات أن الهدف كان ثلاثة مجمعات سكنية، أشهرها مجمع حي الحمراء، يقطنها الكثير من العرب والغربيين وبعض السعوديين، لتحصد الانفجارات «الانتحارية} قتلى وجرحى، وليعلن تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» كما يطلق على نفسه، بداية الحرب العلنية بينه وبين السعودية والسعوديين.
هذه الأيام تمر الذكرى العاشرة لبداية الحرب العلنية في السعودية مع الإرهاب الديني. «الشرق الأوسط» تفتح ملفا تقلب فيه الذاكرة، وتقرأ الحاضر، وتحاول توقع المستقبل، عبر جملة من الأعمال الصحافية المتنوعة، بدايتها في موضوع حول سجينات «القاعدة» من النساء، ومجنداته الموجودات في الخارج، المرأة القاعدية بين خطاب الجهاد ولغة حقوق الإنسان. فإلى أولى قطاف الملف:

في سبتمبر (أيلول) 2004، أطلق تنظيم القاعدة في جزيرة العرب مجلة «الخنساء» لتكون ذراعه في التعامل مع النساء المؤيدات أو المنخرطات في العمل القاعدي. منذ ذلك الحين شكل العنصر النسائي حضورا مؤثرا في سير النشاط القاعدي، سواء على المستوى اللوجيستي، أو على المستوى الدعائي والتحريضي، أو حتى المستوى العملي والتنفيذي. لكن لم يبرز دور النساء بشكل مؤثر في نشاطات الجماعات الإرهابية، ولم تبرز أسماؤهن بشكل صريح إلا منذ نحو السنتين، وكانت أسماء مثل هيلة القصير، ووفاء الشهري، وأروى بغدادي، هي الأكثر ترددا في بعض الأحيان من الأسماء الرجالية في التنظيم.
هذا عن جماعات «القاعدة»، لكن الأمر لم يقتصر على الجماعات «الجهادية» في توظيف النساء، بل تجاوزه إلى الجماعات «المحتسبة»، والتي تشكل في بعض نشاطاتها، وتحشيداتها، نوعا من السند الشعبي حتى لرموز العمل القاعدي، كما حصل في التعبئة العامة على مواقع التواصل الاجتماعي وحتى في الشوارع، مع مسجونات على ذمة قضايا «القاعدة» في السعودية، مثل هيلة القصير، وأروى بغدادي، قبل أن تفر الأخيرة إلى اليمن لتنضم إلى بقية عناصر «القاعدة» هناك بقيادة اليمني ناصر الوحيشي (أبو بصير) والسعودي سعيد الشهري (أبو سفيان الأزدي)، ملبية بذلك نداء السعودية..
وفرت قبلها إلى اليمن وفاء الشهري، التي أطلقت نداء عبر مؤسسة «صدى الملاحم» التابعة لـ«القاعدة» في مايو (أيار) 2010 لنساء «القاعدة» في السعودية محرضة لهن على الهرب إلى اليمن طلبا للأنس مع أزواجهن، عندما وجهت مقالة نشرتها مجلة «صدى الملاحم»، نداء إلى «نساء أرض الحرمين» قالت فيه «إذا عجز الرجال عن الدفاع عنكن والمحافظة عليكن، فتعالين إلى أسود المجاهدين في جزيرة العرب ليكرموكن، ويذودوا عنكن». والحق أن تنظيم القاعدة في السعودية ليس هو الوحيد الذي سن هذه الطريقة في استخدام النساء معه، بكل المجالات العملية واللوجيستية والدعائية، فقد سبقه إلى ذلك تنظيم القاعدة في العراق، بل ونفذ هذا الأمر بشكل متتابع ومنهجي. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) 2005 تم تفجير فندق «غراند حياة» في العاصمة الأردنية عمان، من خلال مجموعة إرهابية، وتبين لاحقا أن العراقية ساجدة الريشاوي، المولودة في 1970، كانت ضالعة في الهجوم، وهي انتحارية من العراق؛ لكنها نجت عندما لم ينفجر حزامها.
وفي الوقت نفسه قتل 19 شخصا في ثلاث هجمات هزت بغداد نفذت إحداها انتحارية ترتدي حزاما ناسفا عند أحد مداخل المنطقة الخضراء المحصنة. ووفقا لما أعلنه اللواء قاسم عطا، الناطق الرسمي باسم خطة فرض القانون في بغداد، فإن منفذة العملية الانتحارية هي فتاة «مختلة عقليا» تم تفخيخها بحزام ناسف وجرى تفجيرها عن بعد بواسطة جهاز للتحكم.
وهذا ليس أول استخدام للمختلات عقليا، أو القاصرات في العمر، في عمليات انتحارية، ففي وقت سابق ذكرت الصحيفة الأميركية «واشنطن بوست» أنه طبقا لسجلات الجيش الأميركي فإن أصغر منفذة انتحارية في العراق سنا كانت تبلغ من العمر 13 عاما. وأضافت الصحيفة أنه منذ الغزو في عام 2003، نفذت 53 امرأة عراقية هجمات انتحارية أو ألقي القبض عليهن قبل تنفيذها، طبقا لبيانات الجيش الأميركي. وقتلن في هذه الهجمات ما يزيد على 370 شخصا، وجرحن 650 آخرين. وفي عام واحد فجرت 31 امرأة نفسها، 17 منهن في محافظة ديالى، شمال شرقي العاصمة بغداد.
وتكشف الصحيفة عن أنها أجرت لقاء، في قرية شرق الفلوجة «مع امرأة ملثمة وصفت نفسها بأنها قيادية في كتيبة نسيبة الأنصارية الاستشهادية (وهنا يحسن فتح قوس للإشارة إلى حرص هذه التيارات على تسمية تشكيلاتها النسائية، المقاتلة أو الداعمة للقتال، بأسماء نسائية تراثية لخلق مرجعية شرعية ونفسية للمجندات، مثل اسم: الخنساء، وأم عمارة، وخولة بنت الأزور.. إلخ). وتعرف الصحيفة هذه الجماعة بأنها «مرتبطة بتنظيم دولة العراق الإسلامية الذي يعمل تحت مظلة تنظيم القاعدة في العراق».
وفي الشيشان، جرى استخدام العنصر النسائي أيضا في المواجهات مع الحكومة الروسية، وكان من أشهر هذه العمليات الهجوم على مسرح موسكو في أكتوبر (تشرين الأول) 2002، وذكرت وكالات الأنباء ووسائل الإعلام، مثل «بي بي سي» أنه كان ضمن المهاجمين للمسرح ومن فيه من الرهائن، 18 امرأة شيشانية ضمن الـ50 عنصرا، وقد قتلن في مسرح قصر الثقافة. ونقلت الأنباء عن مصادر السلطة الروسية في الشيشان، في حينها، قولها إن كثيرا من النساء اللواتي شاركن في عملية الاختطاف تلك لسن شيشانيات، بل من منطقة الشرق الأوسط، وقد جرى تداول اسم خاص لتلك النسوة الشيشانيات المقاتلات، وهو «الأرامل السود» نظرا لكونهن يحملن حقدا شخصيا على الجانب الروسي، بسبب موت أزواجهن أو إخوانهن أو آبائهن، أو أبنائهن، على يد القوات الروسية في الحرب الشيشانية، وهو ما يسري ربما على نظيراتهن في العالم العربي، حيث نرى كثيرا من النساء الفاعلات في «القاعدة» على صلة قرابة مع عناصر رجالية أخرى في التنظيم، كما يتبين من حالة العراقية ساجدة الريشاوي، منفذة هجوم فندق عمان، والسعوديات أروى بغدادي وحنان سمكري ووفاء الشهري، وغيرهن.
يأتي توظيف النساء في العمل القاعدي أو حتى النشاط «الاحتسابي» المتزمت، بسبب حساسية وضع المرأة في المجتمع العربي، خصوصا في مجتمع مثل المجتمع السعودي، حيث تحاط المرأة بسياج من الوقار، الذي يصل إلى درجة من الغموض، ومحاولة تخليصها دوما من الإشكالات الأمنية والقانونية، مراعاة للتقاليد العامة، التي ترى في المرأة «حرمة» بالمعنى اللغوي لكلمة حرمة، مثل حرمة المال والأرض والعرض، فهي أمر يجب حمايته، والقتال دونه، وإبعاده عن الضوء العام، وقصر المسؤولية قدر المستطاع على العنصر الرجالي، وهو أمر يشكو منه الإعلام، ويشكو منه حتى رجال الأمن، بسبب تقييد حركتهم في التحقيق والاحتجاز والتتبع لعناصر خطرة من النساء، كما قال أحدهم لـ«الشرق الأوسط». لكن المفارقة، كما يذكر هذا الشخص، أن الأجهزة الأمنية الرسمية هي التي تراعي هذا الجانب، وتحاول إحاطة النساء بستار من حجب الأسماء وتضييع الهوية، ومحاولة الإسراع بتخليص القضية، لكن تنظيم القاعدة في السعودية هو من لا يجد غضاضة في ذكر الأسماء النسائية والفخر بهن كمجاهدات، ويكفي للبرهنة على ذلك أن أول من ذكر اسم «هيلة القصير» صراحة لم يكن بيانات الداخلية السعودية، بل بيان «القاعدة» من خلال سعيد الشهري في اليمن، ثم وفاء الشهري في مقالتها عنها، ثم مشعل الشدوخي، أحد عناصر «القاعدة» السعوديين في اليمن، الذين يقفون خلف عملية اختطاف الدبلوماسي السعودي عبد الله الخالدي في اليمن.
من هنا، من الخصوصية الثقافية لوضع المرأة في المجتمعات المسلمة المحافظة، كانت الثغرة الأمنية التي حاولت العناصر الإرهابية توظيفها لصالحها، وكثيرا ما كانت المداهمات لمواقع الجماعات الإرهابية تعثر على ملابس نسائية (عباءة، وغطاء وجه) يتنكر بها المنفذون الرجال التابعون للتنظيم، ومن ذلك عمليات اشتباك كثيرة، خصوصا على الحدود اليمنية، مع عناصر التنظيم، منهم من قتل فيها ومنهم لمن قبض عليه. ويبدو أن هذا الأمر صار سلوكا متبعا، لدى تيارات أخرى، فقد ذكرت مصادر من الجانب السعودي أن بعض عناصر ميليشيا الحوثي اليمنية استخدمت هذا التكنيك في مخادعة رجال حرس الحدود، كما ذكرت صحيفة «عكاظ» في تغطيتها لحرب جبل الدخان مع الحوثيين. وفي يناير (كانون الثاني) 2011، ذكر شاب سعودي اسمه هاني الملا كان من أعضاء التنظيم، وظهر على شاشة التلفزيون السعودي في برنامج «همومنا»، أنه بسبب محاصرة قوات الأمن السعودية لهم، والضربات الاستباقية للتنظيم، فقد تخلخلت مفاصل التنظيم داخل المملكة، وجعلت التنظيم يبدو أشبه ما يكون بالضياع، مبينا أن التضييق الأمني الشديد عليهم جعلهم يتخلون عن الكثير من الأدبيات التي لديهم، ولعل أبرزها التنكر بالأزياء النسائية، وهو أمر مخالف للدين والشريعة، لكنهم استندوا إلى قاعدة الغاية تبرر الوسيلة، كما يذكر الشاب هاني الملا.
وكان يوسف العييري، وهو أول وأخطر قائد لتنظيم القاعدة في السعودية (قتل في يونيو/ حزيران، 2003، في اشتباك مع قوات الشرطة بالقرب من مدينة حائل شمال وسط السعودية)، قد أشاد في رسالة بعنوان «دور النساء في جهاد الأعداء» بدور النساء في التنظيم، وقال «سبب مخاطبتنا في هذه الورقات للمرأة هو ما رأيناه من أن المرأة إذا اقتنعت بأمر كانت أعظم حافزا من الرجال لأدائه، وإذا عارضت أمرا كانت من أعظم الموانع له»، مستعرضا في رسالته سيرة الكثير من النساء اللاتي شاركن في القتال في أفغانستان. وكان أستاذ العييري، وهو أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، الذي قتلته قوات أميركية خاصة في منزله السري في أبوت آباد، إحدى ضواحي إسلام آباد بباكستان (في مايو 2011) كان قد نوه بأهمية دور النساء، وكان كثيرا ما يتحدث عن مشاركتهن، خصوصا العربيات، في مرحلة «الجهاد الأفغاني»، وكثير ممن يتذكرون ويعون مرحلة التجييش العام في السعودية «للجهاد» في أفغانستان يتذكرون اصطحاب عدد من الشباب لأمهاتهم أو زوجاتهم في «سياحة جهادية» لأفغانستان.

النساء و«القاعدة»
دخول الإسلاميين، خصوصا السلفيين، وأخص منهم الجهاديين السلفيين، على خطاب حقوق الإنسان، ولغة المواثيق العالمية، هو دخول حديث، سبق لحظة الفوضى العربية، أو ما سمي بالربيع العربي، بقليل، وهو دخول يشوبه الكثير من الاستفادة اللحظية والسريعة، دون الالتزام بمضامين الفكر الذي بنيت عليه منظومة حقوق الإنسان، أي قطف ثمرة الخطاب الحقوقي، بمعنى فتح الحرية المطلقة لعمل الجماعات الأصولية في «الاحتساب» والوصاية، على المجتمع، من دون منح هذا الحق في التساوي في المزايا للآخر المختلف.
باندلاع ما سمي بالربيع العربي في ديسمبر (كانون الأول) 2010، ووصوله إلى الذروة في الثلث الأخير من 2011، وتبين أن الجماعات الإسلامية، وعلى رأسها «الإخوان المسلمون»، هم الطرف المستفيد من مغانم السلطة في الربيع العربي، و«الموضة» العالمية الغربية في التغني بالهبة الديمقراطية العربية، أو ربيع العرب، على غرار «ربيع براغ» الأوروبي، الذي كان للتحرر من الهيمنة السوفياتية الحمراء.. مع هذه المعطيات كلها لانت عريكة الإسلاميين الصقور تجاه فكرة الديمقراطية، لكن عند كثير منهم كآلية استخدامية، نفعية، عملية «تقدر بقدرها» كما تقول القاعدة المعروفة، ولا يتم الالتزام بمنح هذه الحقوق للغير. وقد تجلى هذا الموقف الرافض الحاسم للحل الديمقراطي - كحل نهائي، وأنه مجرد «ضرورة» مرحلية، ولا يجوز التوسع فيه، وأن الحل هو في تطبيق الشريعة فقط، حسب تصورهم - في كلام زعماء السلفيين وبعض وعاظ وخطباء اليمين الإخواني في مصر، مثل وجدي غنيم، ومحمد الظواهري، بل ووصل الحال مع مفتي جماعة الجهاد، السابق، الشيخ سيد عبد العزيز، أو الدكتور فضل كما هو مشهور، إلى «تكفير» النظام الحاكم الحالي في مصر، بقيادة القيادي الإخواني الرئيس محمد مرسي.
لعل خير معبر عن هذا التحول «العملي» الجديد لدى بقية الإسلاميين خارج مصر هو رمز بارز من نجوم «الصحوة» في السعودية، وهو د.ناصر العمر، حيث كتب العمر على موقعه (كما نقل، وشرح، عبد الله الرشيد في جريدة «الشرق الأوسط») مقالا في اليوم المقرر للتصويت على الدستور المصري 15 ديسمبر 2012، أكد فيه أن «الديمقراطية الغربية الليبرالية مناقضة لشريعة الإسلام، لكن البعض يتصور الحال في مصر، وكأن تطبيق الشريعة خيار متيسر فقط يحتاج من القوم دعوة الناس إليه، غافلا عن الكيد السياسي والإعلامي الذي يحرك دهماء الناس نحو قصر الرئاسة، وما يؤازره من مكر إقليمي ودولي». ويؤكد العمر أن «الكفر لا يجوز الإقدام عليه إلا في حال الإكراه، لكن الفقيه هو الذي يفرق بين المفسدتين بالدوس على أدناهما، مدركا أن الكف (عن التصويت) سيكون أشد أثرا في نصرة الباطل». ويلخص العمر الرؤية الصحوية «الاستخدامية» لآلية الديمقراطية ويقول بوضوح مذهل «يمكن الأخذ بالآليات الانتخابية في ظروف معينة، والعمل على أسلمتها بفرض قيود لا تتعداها».
وبمثل هذه الروح «الغنائمية - المرحلية» تم الدخول إلى ملف المعتقلين في السعودية، من بوابة «حقوق الإنسان» وكثير من هؤلاء المعتقلين ينتمون فكرا وسلوكا إلى خطاب القاعدة التفكيري الحاسم، وكثير منهم محبوس على ملاك قضايا تتعلق بـ«القاعدة»، تمويلا، ودعاية، ودعما لوجيستيا، لكن كل هذه الأمور تم التغافل عنها، وفي لحظة لقاء غريبة اجتمعت رغبة أنصار هؤلاء القاعديين، مع رغبة أنصار التيار الحركي الإسلامي، أو «الصحوي» كما يسمى في السعودية، بشكل عام، من جناحه الاحتسابي الاجتماعي، ممثلا بشخص كيوسف الأحمد، إلى جناحه السياسي ممثلا بشخص كسلمان العودة، وتيار الديمقراطية الإسلامية الفكرية، كما في كتابات الشبان النشطاء في موقع «تويتر»، إلى بعض الليبراليين اليساريين، مع بعض النشطاء السياسيين الشيعة، لينضوي الجميع تحت مظلة «حسم»، وهو مسمى لتجمع «جبهوي» حقوقي، يطالب فقط، وبشكل مصمت وشاعري، بالحقوق للجميع، من دون توقف عند الاعتبارات الأمنية، بل وحتى «كفر» من يطالبون بالحقوق له، بمفهوم الحقوق هذا نفسه، في ترديد رومانسي متكرر بكثافة لمقولة تنسب للمفكر والأديب الفرنسي التنويري فولتير الذي توفي 1778 قبل اندلاع الثورة الفرنسية بنحو عقد من السنين، وهي قوله «قد أختلف معك في الرأي، لكنني على استعداد أن أموت دفاعا عن رأيك»، على اختلاف في دقة نسبة هذه المقولة إليه، وفي ملابساتها، لكنها تحولت إلى الكلمة السحرية التي تذوب عندها كل الاختلافات والتناقضات البنيوية العميقة بين من يؤمن بالحرية ومن يحاربها، في المشهد السعودي «التويتري» بشكل خاص.لذلك التقط شخص صحوي معروف بقدراته الكلامية، وثقافته الجيدة، هذا الخيط وركز عليه، وهو إبراهيم السكران، رغم أنه في وقت سابق هاجم تهافت بعض رفاقه الإسلاميين على فكرة «الخطاب المدني»، ومحاولة استدخال فكرة الحرية والديمقراطية إلى نسيج الخطاب السياسي الصحوي في السعودية، قبل موسم الربيع العربي بالطبع، ، وحذر بلغة احتسابية فكرية من «مآلات الخطاب المدني» كما هو عنوان مقالته الإضافية ضد رفاقه من الحقوقيين الصحويين، مخاوف من انحراف هذا النهج عن خطة السلف الصالح، لكنه عاد وضرب بمعول الحقوق المدنية نفسه، مع آلية الاحتساب الشرعي، من أجل نصرة معتقلي وملاحقي الإسلاميين، تحديدا، وركز بشكل أكبر على العنصر النسائي، لنفس الأسباب التي سبق ذكرها حول تأثير التركيز على النساء واستثارة النخوة لهن في المجتمع السعودي.
ففي (14 يوليو/ تموز، 2011) بث إبراهيم السكران على موقع «يوتيوب» خطبة بالصوت والصورة، بعنوان «إلا النساء يا خادم الحرمين» حافلة بالجدال، والمناظرة، مع الإثارة الوجدانية المتكئة على شيمة «النخوة» في ما يخص المحتجزات من النساء على ملاك قضايا أمنية، وكان العنوان الذي اختاره إبراهيم كافيا للدلالة على الغرض من هذه الكثافة الوجدانية والضرب على وتر حساس في المجتمع المتلقي، بصرف النظر عن أن الشريعة نفسها ساوت في الحقوق والواجبات بين النساء والرجال، إلا ما استثني بنص واضح، وأنه ثمة نساء عوقبن بشتى العقوبات في العهود النبوية والراشدية وما تلاها، ولم يحمهن من ذلك كونهن نساء.
أنشئت عدة حسابات على موقع «تويتر» للحشد من أجل ما سمي بملف المعتقلين، لكن الأمور وصلت لمنعطف جديد بعد التركيز على العنصر النسائي الموقوف أمنيا، وترك التركيز، قليلا، على العنصر الرجالي، وقامت بالتفاعل مع هذه الحسابات أسماء تنتمي، كما ذكرنا قبل قليل، إلى التيار القاعدي، والتيار الاحتسابي الإسلامي السلفي، والتيار الإخواني المعارض، كما التيارات الليبرالية اليسارية، ومعها نشطاء من الشيعة، وكان لافتا للانتباه أن يتعاطف ناشط شيعي معارض للدولة، ومهموم بالقضية الشيعية مثل حمزة الحسن، مع نشطاء سلفيين خلص من القصيم أو الرياض!
اعتصام بريدة
وخطاب «القاعدة»
في مارس (آذار) 2013 دعا إبراهيم الربيش، القيادي السعودي البارز في تنظيم القاعدة باليمن، في تسجيل مصور له، العناصر المفرج عنهم في السعودية لمواصلة العمل المسلح بعد إطلاق سراحهم، وشمل ذلك أيضا المرأة. وجاءت الدعوة بعد يوم واحد من صدور بيان شرطة منطقة القصيم حول القبض على عدد من المتجمهرين أمام مقر هيئة التحقيق والادعاء العام في مدينة بريدة، عاصمة منطقة القصيم، وسط السعودية، ومعهم عدد من النساء والأطفال، بعد رفضهم فض الحشد الممنوع بشكل مطلق، وفق النظام السعودي العام، في ما عرف في الإعلام بقضية «اعتصام بريدة».
خطاب الربيش جاء بعد وصول التعبئة والحشد في «تويتر»، بقيادة رموز من شيوخ الصحوة وبعض «النشطاء» الحقوقيين، إلى الذروة، وبعض الفضائيات مثل قناة «الحوار» من لندن، ذات الصبغة الإخوانية، مع هذه القضية ومحاولة تحويلها إلى «بؤرة» تحفيز سياسي تحت مظلة «الحقوق»، وقد أعادت هذه القضية «الزخم» إلى النشاط السياسي المعارض، وشارك فيها كل الأطياف «الجبهوية» التي أشير إليها في هذا السياق، وكان لافتا دخول د.سلمان العودة، القوي والساخن، على هذه القضية من منطلق حقوقي، ولكن وفي قمة هذه الإثارة، وفي قمة نفي أن يكون الحراك له صلة بأي نشاط قاعدي، أو حتى قريب الصلة به من هنا أو هناك، جاء خطاب القيادي القاعدي إبراهيم الربيش محبطا للنشطاء، حتى تمنى بعضهم لو لم يخلق هذا الخطاب. إبراهيم الربيش، وهو مطلوب أمني معلن عنه في القوائم السعودية، تطرق إلى قضية توقيف نساء من بين المشاركات في الاعتصامات المطالبة بإطلاق سراح متهمين بقضايا على صلة بـ«الإرهاب»، قائلا «ما هو ذنب هؤلاء الأخوات؟ لو تتبعنا قضاياهن لوجدنا هذه ذنبها أن زوجها أو أحد محارمها من المجاهدين»، على حد تعبيره. قبل ذلك هدد تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» في 3 يونيو (حزيران) 2010 بشن عمليات اختطاف تستهدف كبار المسؤولين في السعودية، ردا على اعتقال السلطات السعودية امرأة محكوما عليها من قبل القضاء السعودي بـ15 عاما على ذمة قضايا دعم الجماعات الدينية المسلحة في السعودية، وهي هيلة القصير أو «أم الرباب» كما يعرف بها إعلام «القاعدة»، أو «سيدة القاعدة» كما يعرف بها الإعلام السعودي.
في 28 مارس 2012 اختطف تنظيم القاعدة في اليمن نائب القنصل السعودي عبد الله الخالدي، وذلك في مدينة عدن من أمام منزله «أثناء ممارسته مهامه الوظيفية في منح المواطنين اليمنيين تأشيرات دخول المملكة للحج والعمرة والعمل وزيارة الأهل والأقارب وغيرها»، بحسب بيان الداخلية السعودية حينه.
في 17 أبريل (نيسان) 2012، كشفت السلطات الأمنية السعودية النقاب عن تسجيل لمكالمة هاتفية جرت بين علي الحمدان، السفير السعودي في صنعاء، ومشعل الشدوخي أحد المطلوبين للجهات الأمنية السعودية، والذي أعلن اسمه ضمن قائمة الـ«85» في 2 فبراير (شباط) 2009، تمحورت على تفاصيل «الصفقة» المطلوبة من تنظيم القاعدة للإفراج عن الدبلوماسي السعودي المخطوف، وكان التركيز فيها واضحا على المعتقلين السعوديين على ذمة قضايا أمنية ذات طابع «جهادي»، ويتضح أكثر الاهتمام بمسألة «النساء» من المعتقلات.
ومن الأسماء اللواتي نص عليها مفاوض «القاعدة»، مشعل الشدوخي، بالاسم مع السفير السعودي في اليمن، من أجل الإفراج عن الرهينة الدبلوماسي السعودي: فارس الزهراني، ناصر الفهد، عبد الكريم الحميد، عبد العزيز الطويلعي، سليمان العلوان، وليد السناني، علي الخضير، محمد الصقعبي، خالد الراشد. هذا من الأسماء الرجالية، ومن الأسماء النسائية: هيلة القصير، نجوى الصاعدي، أروى بغدادي (هذه أفرج عنها تحت الرقابة والمحاكمة، ثم فرت لاحقا إلى اليمن)، حنان سمكري، نجلاء الرومي، وهيفاء الأحمدي.
وفي النهاية فإن ما قيل من أدبيات، وما جرى من تحالفات، في جلّه، حول ملف المعتقلين الأمنيين في السعودية، هو تمازج مدهش في مكوناته وأفكاره وحراكه، بين صيحة الجهاد، ونداء الحقوق المدنية الإنسانية، ونذير الاحتساب الشرعي.



زيلينسكي: محادثات السلام مع أميركا بناءة ولكنها ليست سهلة

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ب)
TT

زيلينسكي: محادثات السلام مع أميركا بناءة ولكنها ليست سهلة

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ب)

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الأحد، قبل مشاوراته المقررة مع قادة أوروبيين في الأيام المقبلة، إن المحادثات مع ممثلي الولايات المتحدة بشأن خطة السلام في أوكرانيا كانت بناءة ولكنها لم تكن سهلة.

وأجرى زيلينسكي اتصالاً هاتفياً، أمس (السبت)، مع ستيف ويتكوف المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترمب، وجاريد كوشنر صهر ترمب. ومن المتوقع أن يلتقي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وكذلك رئيس وزراء بريطانيا، والمستشار الألماني غداً الاثنين في لندن.

وقال زيلينسكي في خطابه المسائي المصور «يعرف ممثلو أميركا المواقف الأوكرانية الأساسية. كانت المحادثة بناءة، رغم أنها لم تكن سهلة».


هل تصريحات صلاح تحدٍّ لسلطة سلوت أم إعلان نهاية لمشواره؟

صلاح قام بتصريحات نارية تبدو وأنها إشارات لنهاية مسيرته مع ليفربول (ا ف ب)
صلاح قام بتصريحات نارية تبدو وأنها إشارات لنهاية مسيرته مع ليفربول (ا ف ب)
TT

هل تصريحات صلاح تحدٍّ لسلطة سلوت أم إعلان نهاية لمشواره؟

صلاح قام بتصريحات نارية تبدو وأنها إشارات لنهاية مسيرته مع ليفربول (ا ف ب)
صلاح قام بتصريحات نارية تبدو وأنها إشارات لنهاية مسيرته مع ليفربول (ا ف ب)

البعض يرى استحقاق صلاح معاملة تماثل رونالدو وميسي بعد إنجازاته التاريخية مع ليفربول

فتح النجم المصري محمد صلاح أبواب الجدل بشأن مسيرته مع فريقه ليفربول، بعد الانتقادات اللاذعة إلى مدربه الهولندي آرني سلوت الذي أبعده عن التشكيلة في مباراة التعادل مع ليدز يونايتد 3 - 3 مساء أول من أمس، ضمن المرحلة الـ15 من الدوري الإنجليزي الممتاز.

لقد زادت المقابلة الصحافية النارية لصلاح الضغط على سلوت، الذي يعاني بالفعل مع ادعاء الجناح، البالغ من العمر 33 عاماً، أن علاقتهما «انهارت»، في إشارة تُعدّ تحدياً واضحاً لسلطة المدير الفني الهولندي من قبل أحد أبرز لاعبي ليفربول؛ إن لم يكن أفضلهم خلال السنوات الأخيرة.

«الملك المصري»، كما يُطلق عليه مشجعو ليفربول، أطلق تصريحات نارية أصبح من الصعب بعدها تصور كيف يُمكن التوفيق بينه وبين المدير الفني بعد كل هذه الانتقادات الشخصية والعلنية.

وقال صلاح إنه يشعر بأنه «خُذل» من قبل النادي بعد جلوسه على مقاعد البدلاء في المباريات الثلاث الأخيرة، ملمحاً إلى أن المباراة المقررة الأسبوع المقبل أمام برايتون قد تكون الأخيرة له مع بطل إنجلترا قبل الرحيل عن صفوف الفريق في سوق الانتقالات الشتوية.

ويغادر صلاح بعد مباراة برايتون للالتحاق بمنتخب بلاده للمشاركة في نهائيات «كأس أمم أفريقيا» في المغرب.

وأوضح صلاح قبل خروجه من ملعب «إيلاند رود» معقل فريق ليدز: «أنا محبط جداً جداً... لقد قدمت الكثير لهذا النادي على مر السنين، خصوصاً الموسم الماضي».

وأضاف: «الآن أنا جالس على مقاعد البدلاء ولا أعرف لماذا. يبدو أن النادي تخلى عني. هذا هو شعوري. أعتقد أن الأمر واضح جداً أن هناك من أراد أن يحملني كل اللوم عن سوء نتائج الفريق».

وتابع: «تلقيت كثيراً من الوعود في الصيف، وحتى الآن أنا على مقاعد البدلاء منذ 3 مباريات، لذلك لا يمكنني القول إنهم أوفوا بوعودهم. قلت مراراً من قبل إن علاقتي بالمدرب كانت جيدة، وفجأة لم تعد هناك أي علاقة. لا أعرف لماذا، لكن كما أراه، يبدو أن هناك من لا يريدني في النادي». وأردف: «هذا النادي سأظل دائماً أدعمه. أطفالي سيدعمونه دائماً. أنا أحب النادي كثيراً، وسأظل كذلك. اتصلت بوالدتي التي كانت تسأل هل سألعب أمام برايتون أم لا. قلت لها تعالوا إلى مباراة برايتون المقبلة. لا أعرف إن كنت سأشارك فيها أم لا، لكنني سأستمتع بها لعلها الأخيرة».

وتابع: «لا أعرف ما الذي سيحدث الآن. سأكون في (آنفيلد) لأودع الجماهير وأذهب إلى كأس أفريقيا. لا أعرف ما الذي سيحدث عندما أكون هناك».

علاقة الود بين سلوت وصلاح انقلبت مع تدهور نتائج ليفربول (غيتي)cut out

ويعاني صلاح وليفربول خلال الفترة الأخيرة؛ إذ فاز الفريق مرة واحدة في آخر 6 مباريات بمختلف المسابقات، وتراجع إلى المركز الثامن في ترتيب الدوري الممتاز بفارق 10 نقاط عن آرسنال المتصدر.

ويعدّ صلاح ثالث أفضل هداف في تاريخ ليفربول برصيد 250 هدفاً في 420 مباراة، وفاز معه بلقب الدوري الإنجليزي مرتين ودوري أبطال أوروبا مرة واحدة منذ انضمامه من روما الإيطالي عام 2017. لكن اللاعب ظهر بعيداً عن مستواه المعتاد خلال معاناة ليفربول هذا الموسم؛ إذ حقق الفريق فوزين فقط في آخر 10 مباريات بالدوري.

وسجل صلاح 5 أهداف فقط في 19 مباراة هذا الموسم، لكنه كان أساسياً حتى الفوز على وست هام يونايتد 2 - 0 الأسبوع الماضي. وشارك صلاح بديلاً في التعادل أمام سندرلاند 1 - 1 في «آنفيلد» الأربعاء الماضي دون تأثير يُذكر.

ودافع سلوت عن قراره إبقاء صلاح على دكة البدلاء أمام ليدز يونايتد قائلاً: «كان الأمر يتعلق أكثر بالتحكم في المباراة (عند التقدم 3 - 2) ولم نكن بحاجة إلى دعم الهجوم».

وأضاف: «عادة عندما نحتاج إلى هدف، مثل الأسبوع الماضي أمام سندرلاند، نشرك محمد».

من المؤكد أن تصريحات صلاح ستزيد الضغط على سلوت الذي يواجه بالفعل انتقادات كبيرة مع تراجع النتائج.

بالنسبة إلى نادٍ يفخر بقدرته على إدارة شؤونه داخلياً بعيداً عن وسائل الإعلام، ويعتمد على الاستقرار والهدوء، فقد فجرت ثورة صلاح حالة من السخط داخل ليفربول. إنه تمرد مذهل من لاعب حقق عن جدارة مكانة عظيمة في تاريخ النادي على مر العصور.

وما زاد الأمر سوءاً بالنسبة إلى سلوت وليفربول أن هذا الهجوم من صلاح جاء وهو خارج الخطوط يشاهد الفريق يستقبل هدف التعادل القاتل في اللحظات الأخيرة لتنتهي المباراة أمام ليدز بالتعادل 3 - 3 بعد أن كان ليفربول متقدما بهدفين دون رد.

لم ينجح سلوت في إيجاد حلول للمشكلات التي أدت إلى تراجع مستوى ليفربول هذا الموسم، على الرغم من إنفاق النادي نحو 450 مليون جنيه إسترليني لتدعيم صفوفه في فترة الانتقالات الصيفية الأخيرة. لكن كبرى هذه المشكلات وقعت عندما قرر صلاح التعبير عن غضبه الواضح من الطريقة التي يُعامل بها.

يختار صلاح كلماته بعناية شديدة. وفي معظم المباريات منذ وصوله إلى ليفربول قادماً من روما عام 2017، كان النجم المصري يرفض طلبات الصحافيين المنتظرين للتحدث معه. ولا يتغير هذا الأمر إلا عندما يرغب صلاح نفسه في الحديث، كما حدث عندما وقف خارج ملعب «سانت ماري» في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 بعد تسجيله هدفين في المباراة التي فاز فيها ليفربول بثلاثة أهداف مقابل هدفين على ساوثهامبتون ليعلن أنه «ربما يكون أقرب للرحيل من البقاء» في ليفربول، حيث كانت مفاوضات تجديد عقده تسير ببطء.

وحُلّ هذا المأزق عندما وقّع عقداً لمدة عامين في أبريل (نيسان) الماضي، واحتفل صلاح بعقده الجديد بالجلوس على عرشه مرتدياً قميص ليفربول في ملعب «آنفيلد». كان كل هذا بعيداً كل البعد عن الحالة التي ظهر عليها النجم المصري في ملعب «إيلاند رود» مساء أول من أمس. لقد أصبح صلاح بالفعل أقرب للرحيل أكثر من أي وقت مضى، وإذا انتهت مسيرته مع ليفربول بهذه المرارة، فسيكون وداعاً حزيناً للغاية. وإذا كانت كلمات النجم المصري بمثابة تحدٍّ لليفربول وسلوت، فهي معركة من غير المرجح أن يفوز بها، على عكس الوضع في مثل هذا التوقيت من الموسم الماضي... رغم تفهم الحزن الذي يشعر به صلاح بعد هذا المشوار التاريخي بإبقائه على مقاعد البدلاء.

خلد صلاح اسمه في تاريخ هدافي الدوري الإنجليزي الممتاز، بتسجيله 188 هدفاً وتقدّيم 88 تمريرة حاسمة، وبات يحتل المركز الثالث في قائمة هدافي ليفربول على مر العصور، خلف إيان راش وروجر هانت.

في الواقع، يقدم صلاح مستويات هذا الموسم تتناقض تماماً مع ما كان يقدمه خلال الموسم الماضي، حين كان يبدو مدفوعاً برغبة شخصية في إعادة لقب الدوري إلى ملعب «آنفيلد»، وهو ما نجح حقاً في فعله، حيث سجل 34 هدفاً في 50 مباراة بدأها أساسياً في جميع المسابقات. أما خلال الموسم الحالي، فقد شارك صلاح في التشكيلة الأساسية في 16 مباراة، وسجل 5 أهداف فقط.

كان المدير الفني الهولندي يبحث عن حلول في ظل معاناة حامل اللقب، لذا قرر استبعاد صلاح من التشكيلة الأساسية واستكشاف كيفية التأقلم من دونه، ليس فقط على المدى القصير، بل على المدى البعيد أيضاً، حيث يستعد صلاح للانضمام إلى منتخب مصر في كأس الأمم الأفريقية يوم 15 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وهو أمر جعل الجناح المخضرم يدرك أنه لم يعد يضمن المشاركة في التشكيلة الأساسية بشكل تلقائي.

ستُقام المباراة المقبلة على ملعب «آنفيلد»، عندما يواجه ليفربول برايتون يوم السبت، تحت أنظار الجميع، حيث ستكون بمثابة اختبار للجماهير العاشقة لصلاح، التي لم تصب غضبها على سلوت بعدُ رغم تراجع المستوى هذا الموسم. ويرى كثيرون أن صلاح يستحق التقدير ومعاملته مثل الأسطورتين البرتغالي كريستيانو رونالدو والأرجنتيني ليونيل ميسي، خصوصاً أنه كان الأحق بجائزة «الأفضل في العالم» هذا العام وفقاً لأرقامه القياسية على مدار المواسم الـ5 أو الـ6 الماضية.

من الصعب أن نتصور أن النادي سيضحي بالمدير الفني بسبب انتقادات من لاعب في نهاية مسيرته الكروية، مهما كانت تلك المسيرة رائعة.

لقد أظهرت مكانة صلاح وشخصيته الفولاذية قدرته على تحدي سلطات المدير الفني من قبل، كما حدث عندما دخل في مشادة كلامية حادة مع المدير الفني الألماني يورغن كلوب على خط التماس عندما سجل وست هام هدفاً بينما كان ينتظر مشاركته بديلاً في أبريل (نيسان) 2024. في تلك المناسبة، رفض صلاح التوقف في المنطقة التي يمكن للاعبين فيها التحدث إلى وسائل الإعلام، قائلاً ببساطة: «إذا تحدثت، فستشتعل الأمور». أما هذه المرة، فقد اختار صلاح التحدث في ملعب «إيلاند رود»، وهو الأمر الذي أشعل الأمور بالنسبة إلى سلوت وليفربول!


هل ما زال هناك طريق للعودة بين محمد صلاح وليفربول؟

محمد صلاح في كل مكان في ليفربول (رويترز)
محمد صلاح في كل مكان في ليفربول (رويترز)
TT

هل ما زال هناك طريق للعودة بين محمد صلاح وليفربول؟

محمد صلاح في كل مكان في ليفربول (رويترز)
محمد صلاح في كل مكان في ليفربول (رويترز)

لن يُمحى بسهولة من ذاكرة الدوري الإنجليزي واحداً من أكثر التصريحات صدمة في حقبة «البريميرليغ»، حين أعلن محمد صلاح أن علاقته بمدربه آرني سلوت «انهارت»، عقب ثالث مباراة يجلس فيها على دكة البدلاء، وتحديداً بعد التعادل 3-3 أمام ليدز يونايتد.

وبين حديثه عن «رميه تحت الحافلة» ووجود «من لا يريده في النادي»، بدا واضحاً أن الشرخ بين النجم المصري وإدارة ليفربول وصل إلى نقطة حرجة، خصوصاً في لحظة يعاني فيها حامل اللقب من تراجع كبير وضعه في المركز التاسع.

السؤال الآن بحسب شبكة «بي سي سي البريطانية» : هل يمكن إصلاح ما حدث؟ وهل يرتدي صلاح قميص ليفربول مجدداً قبل رحيله المحتمل إلى كأس الأمم الأفريقية؟

علاقة منكسرة بالفعل

بحسب مراسل «بي بي سي البريطانية» سامي مقبل، فقد أكدت مصادر مطلعة أن علاقة صلاح بسلوت «مكسورة فعلياً»، وأن اللاعب لا يرى مستقبلاً مع ليفربول طالما استمر المدرب الهولندي. وهي مفارقة لافتة، بعدما احتفلا معاً قبل ثمانية أشهر فقط بلقب الدوري، وتزامن ذلك مع إعلان عقد جديد ضخم لصلاح.

وتشير المصادر إلى أن صلاح استاء من رواية إعلامية آخذة في الانتشار، مفادها أنه أحد أسباب تراجع أداء الفريق هذا الموسم، وأن سلوت – برأيه – تأثر بهذه الضغوط. كما يعتقد أن التغييرات التكتيكية المرتبطة بسوق الانتقالات لا تخدمه داخل الملعب.

في المقابل، تصر تلك المصادر على حب صلاح الكبير لليفربول وإحباطه العميق من مستوى الفريق مؤخراً، لكن ذلك لم يمنعه من التفكير في خيارات أخرى، في ظل اهتمام واضح من الدوري السعودي وعلى رأسه الهلال بقيادة سيموني إنزاغي.

يوم حاسم ينتظر ليفربول

سيبدأ أسبوع بالغ الحساسية لليفربول وصلاح حيث :

الاثنين: الفريق سيخوض تدريباً مفتوحاً صباحاً قبل السفر إلى ميلانو لمواجهة إنتر في دوري أبطال أوروبا. كل الأنظار ستتجه لمعرفة ما إذا كان صلاح سيشارك في المران، وهل سيرافق الفريق إلى إيطاليا.

الاثنين مساءً: سيلتقي سلوت الإعلام لأول مرة منذ انفجار تصريحات صلاح. وسيواجه سيلاً من الأسئلة:

هل تفاجأ بالتصريحات؟ هل ما زال صلاح جزءاً من خططه؟ هل يمكن إصلاح العلاقة؟

الثلاثاء: مباراة إنتر. فوز يعيد ليفربول إلى المراكز الثمانية الأولى بدوري الأبطال... ولكن هل سيكون صلاح جزءاً منها؟

السبت: ليفربول × برايتون في آنفيلد، المباراة الأخيرة قبل انضمام صلاح لمنتخب مصر استعداداً لكأس أفريقيا في المغرب.

حتى وجوده في الملعب لم يعد مؤكداً. أما رد فعل الجماهير، فهو فصل آخر لا يقل تعقيداً.

ردود الفعل: خطأ فادح من صلاح؟

روب غرين – حارس إنجلترا السابق (راديو بي بي سي فايف): «صلاح عادة لا يتحدث إلا حين تسوء الأمور. لكن تصريحاته هذه منحت سلوت هدية. يمكنه الآن اتخاذ القرار الذي يريد: إمّا إبعاده تماماً وإثبات أن لا أحد أكبر من النادي، أو إعادته بهدوء وبشروطه هو.

لقد ارتكب صلاح خطأً... كان عليه أن يصمت، فالضغط كان سيزداد تلقائياً على المدرب مع كل مباراة يبقى فيها على الدكة.»

كونور مكنامارا – معلق بي بي سي: «صلاح خرج إلى المنطقة المختلطة وهو يعلم تماماً أنه يريد التحدث. بينما كان سلوت يتحدث في المؤتمر الصحافي، كان عدد الصحافيين حول صلاح أكبر من الموجودين في الداخل. كانت تلك لحظة قلبت كل شيء.»

مايكل أوين – نجم ليفربول السابق عبر منصة «إكس»: «يا صلاح... أتفهم كل ما تشعر به. لقد حملت هذا الفريق لسنوات. لكن في كرة القدم لا يمكنك قول ما قلته. ستذهب إلى أفريقيا بعد أيام... كان يجب أن تبتلع غضبك وتنتظر عودتك.»

خلاصة: سبعة أيام حاسمة لمستقبل أسطورة

جميع المؤشرات تقول إن الشرخ كبير، والثقة تراجعت، والوضع انفجر في العلن. والسؤال المطروح في آنفيلد:

هل كان صلاح يوجّه رسائل للخروج؟ أم أنها لحظة غضب لا رجعة عنها؟

خلال الأيام السبعة المقبلة سيُحسم مصير أحد أعظم لاعبي ليفربول في التاريخ... وربما تكون النهاية أقرب مما يظن الجميع.