اتهام الحكومة السودانية بـ«التساهل» في مواجهة عناصر النظام المعزول

صورة أرشيفية للمظاهرات التي عرفتها شوارع الخرطوم في ذكرى مرور عام على الانتفاضة التي أطاحت بنظام البشير (أ.ب)
صورة أرشيفية للمظاهرات التي عرفتها شوارع الخرطوم في ذكرى مرور عام على الانتفاضة التي أطاحت بنظام البشير (أ.ب)
TT

اتهام الحكومة السودانية بـ«التساهل» في مواجهة عناصر النظام المعزول

صورة أرشيفية للمظاهرات التي عرفتها شوارع الخرطوم في ذكرى مرور عام على الانتفاضة التي أطاحت بنظام البشير (أ.ب)
صورة أرشيفية للمظاهرات التي عرفتها شوارع الخرطوم في ذكرى مرور عام على الانتفاضة التي أطاحت بنظام البشير (أ.ب)

شهدت العاصمة السودانية، الخرطوم، لليوم الثاني على التوالي، أمس، انتشاراً كثيفاً لقوات الجيش والشرطة والمرور، التي فرضت طوقاً أمنياً مشدداً حول مقر القيادة العامة للقوات المسلحة والشوارع الرئيسية، المؤدية إلى وسط الخرطوم، رغم سريان حظر التجوال الجزئي، الذي تفرضه السلطات لمجابهة جائحة «كورونا».
وانتقدت لجان المقاومة الشعبية الحكومة الانتقالية بشدة، على ما سمته «تساهلها» في مواجهة عناصر نظام الإسلاميين المعزول، وتسييرهم لمظاهرة، متحدين قانون حظر الطوارئ الصحية، المفروض في البلاد، وتعريض حياة الناس للخطر، وعدم استخدام الحزم اللازم معهم من قبل السلطات.
وتظاهر العشرات من أنصار نظام الرئيس المعزول عمر البشير، أول من أمس، على بُعد شارعين من القيادة العامة، على الرغم من حالة الإغلاق شبه التام للعاصمة الخرطوم، وهو ما أثار حالة من الاستياء في الشارع السوداني، بسبب السماح لتجمعات مخالفة لقوانين الطوارئ الصحية المفروضة في البلاد.
وضجَّت مواقع التواصل الاجتماعي بانتقادات حادة للحكومة الانتقالية والقوات النظامية، لعدم تعاملها بحسم مع أنصار النظام المعزول، فيما تتزايد الهواجس والشكوك في الشارع حول التشدد الأمني غير المعتاد.
وأثار أنصار النظام المعزول من الإسلاميين حالة من البلبلة والفوضى أثناء مظاهراتهم، وسبق أن اعتدت مجموعة منهم بالحجارة على منزل أسرة عبد العظيم كشة، أحد شهداء مجزرة فض الاعتصام الشهير، أمام القيادة العامة للجيش، في الثالث من يونيو (حزيران) الماضي، ما أدى لإصابة والده بجروح طفيفة.
واعتبر رئيس الوزراء عبد الله حمدوك مظاهرة عناصر النظام المعزول خرقاً لأوامر الحظر الصحي، واعتداءهم على أسرة الشهيد «كشة» استهدافاً لقيم ثورة ديسمبر، وتعبيراً عن درجة من السوء لا يمكنّ أن يوصف بها إلاّ من ينسبون أنفسهم للنظام المعزول.
وأضاف حمدوك في اتصال هاتفي بالأسرة أن الشعب حكم عليهم بثورته، التي كان الشهيد عبد السلام في قلبها، بالسقوط والذهاب لمزبلة التاريخ.
ورصدت «الشرق الأوسط» الإجراءات المشددة عند مداخل الكباري والشوارع الرئيسية المؤدية إلى العاصمة، ومنع حاملي تصاريح الطوارئ من دخول الخرطوم، واستثناء فقط القوات النظامية والكوادر الطبية العاملة.
وقال مصدر عسكري لـ«الشرق الأوسط» إن التعزيزات الأمنية المشددة حول القيادة ووسط الخرطوم هي إجراءات احترزاية من الجيش، تحسباً لأي تحركات محسوبة نظام الرئيس المعزول.
وأضاف المصدر موضحاً أن الاستعدادات الأمنية المكثفة من قبل الجيش: «جاءت في إطار التحوطات الأمنية، لردة فعل منسوبي النظام المعزول على القرارات، التي أصدرتها مؤخراً لجنة تفكيك واجتثاث نظام الثلاثين من يونيو، التي استهدفتهم بشكل مباشر».
واعتبر والي (حاكم) ولاية الخرطوم المكلف، يوسف آدم الضي، تنظيم مجموعة من فلول النظام المعزول مظاهرة في الخرطوم «خرقاً للحظر الصحي المفروض من قبل السلطات»، ووجه الأجهزة كافة باتخاذ التدابير، التي تضمن أمن وسلامة ومواجهة التفلتات والمتفلتين.
وقال الوالي في بيان أمس: «في الوقت الذي تواجه فيه البلاد جائحة (كورونا)، نتفاجأ بمن يتحدون السلطات، ويخرقون إجراءات الحظر الصحي، في مسلك غير مسؤول، ولا يقيم وزناً لحياة المواطنين»، مبرزاً أن هذا الفعل «يكشف الإفلاس السياسي والأخلاقي، الذي وصل إليه فلول النظام المعزول»، وتابع قائلاً: «كلما تقدمت ثورة ديسمبر (كانون الأول) من تحقيق أهدافها، وكشف فساد رموز نظامهم المعزول، تتحرك الفلول لإيقاف مسيرة كشف فساد قادتهم»، مؤكداً استمرار الحكومة في كشف فساد النظام المعزول، وأن «الشعب لن يسمح بعودتهم مرة أخرى للحكم».
من جهتها، انتقدت لجان المقاومة التابعة لـ«قوى إعلان الحرية والتغيير»، المرجعية السياسية للحكومة الانتقالية، ما سمته التهاون والتقصير من قبل السلطات الأمنية في مواجهة عناصر النظام المعزول، ومنسوبي حزب المؤتمر المؤتمر الوطني «المنحل»، والسماح لهم بخرق قوانين الطوارئ، وتنظيم مظاهرات تطالب بإسقاط حكومة الثورة.
وطالب أعضاء لجان المقاومة بإعادة هيكلة القوات النظامية، وإقالة وزير الداخلية ومدير عام قوات الشرطة لتفريطهم في ملاحقة رموز النظام السابق، ومواجهة استفزازاتهم، وحثت الحكومة المدنية على أن تتعامل بالحزم اللازم مع منسوبي النظام المعزول.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.