ليس من الواضح حتى الآن لماذا يصاب بعض الأشخاص بالفيروس الذي يسبب «كوفيد- 19» بمرض شديد، بينما يصاب البعض الآخر بأعراض خفيفة فقط. وهناك بعض الأدلة على أن الحالات المرضية المزمنة، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري، يمكن أن تلعب دوراً في شدة الإصابة.
- عامل جيني
رجح بعض العلماء أن جينات الأشخاص يمكن أن تؤثر على كيفية تفاعل أجسامهم مع الفيروسات الأخرى.
وفي دراسة أجراها علماء أوروبيون، هي الأولى التي توثق صلة إحصائية قوية بين الاختلافات الجينية وبين «كوفيد- 19»، نشرت في 2 يونيو (حزيران) 2020 على موقع «medRxiv»، كشف أحد المؤلفين المشاركين فيها أندريه فرانك، عالم الوراثة الجزيئية في جامعة «كيل» بألمانيا، أن الاختلافات في نقطتين أو «بقعتين» في الجينوم البشري، ترتبط بزيادة خطر فشل الجهاز التنفسي لدى مرضى «كوفيد- 19».
وتتضمن إحدى هذه البقع الجين الذي يحدد فصائل الدم. ووفقاً للدراسة الجديدة فإن نوع الدم مرتبط بزيادة بنسبة 50 في المائة في احتمالية حاجة المريض إلى الحصول على الأكسجين أو استخدام جهاز التنفس الصناعي.
ووجدت الدراسة أن الفيروس التاجي يرتبط ببروتين يسمى «ACE2» يوجد على سطح الخلايا البشرية، بهدف الدخول إليها. ولكن لا يبدو أن المتغيرات الجينية في «ACE2» تحدث فرقاً في خطر الإصابة الحادة بـ«كوفيد- 19».
وحدد العلماء بالفعل أن عوامل مثل العمر، والمرض الكامن، تضع الأفراد في خطر إضافي للإصابة بحالة حادة من «كوفيد- 19»؛ لكن علماء الوراثة يأملون أن يساعد اختبار الحمض النووي في تحديد المرضى الذين سيحتاجون إلى علاج مكثف أو إلى إدخالهم للعناية المركزة.
أخذ الأطباء عينات دم من 1610 مرضى احتاجوا إلى إمدادات أكسجين أو اضطروا إلى استخدام جهاز التنفس الصناعي. وقام فرانك وزملاؤه باستخراج الحمض النووي من العينات، ومسحه باستخدام تقنية سريعة تسمى التنميط الجيني.
كان العلماء يبحثون عن بقع في الجينوم تدعى «لوكس» (locus) وجمعها «لوسي» (loci)، (وهي مواضع ثابتة على الكروموسوم يوجد فيها جين معين أو علامة جينية)؛ حيث يشارك عدد كبير بشكل غير عادي من المرضى المصابين بأمراض شديدة بالمتغيرات نفسها، مقارنة مع أولئك الذين لم يكونوا مرضى.
- فصيلة الدم
وظهر أن اثنين من مواقع «اللوسي» يقعان في أحد هذه المواقع التي يوجد فيها الجين الذي يحدد فصيلة دم الإنسان، وهو الجين الذي يوجه إنتاج بروتين يضع الجزيئات على سطح خلايا الدم. وهذه ليست المرة الأولى التي يتحول فيها الدم من النوع «إيه» (A) إلى خطر محتمل. فقد وجد العلماء الصينيون الذين فحصوا أنواع دم المرضى أيضاً، أن الأشخاص الذين لديهم دم من النوع «A» كانوا أكثر عرضة للإصابة بحالة «كوفيد- 19» الخطيرة.
ولاحظ فرانك أيضاً أن موقع «اللوكس» الذي يقع فيه الجين الذي يحدد فصيلة أو نوع الدم، يحتوي على امتداد من الحمض النووي (DNA) الذي يعمل كمفتاح تشغيل للجين الذي ينتج البروتين المحفز للاستجابات المناعية القوية. كما يتسبب الفيروس التاجي في رد فعل مفرط للجهاز المناعي لدى بعض الأشخاص، مما يؤدي إلى التهاب هائل وتلف في الرئة، وهو ما يسمى «عاصفة السيتوكين»؛ حيث من الممكن نظرياً أن تكون الاختلافات الجينية هي التي تؤثر على تلك الاستجابة.
ووجد فرانك وزملاؤه موقعاً آخر على الكروموسوم 3، يظهر ارتباطاً أقوى بـ«كوفيد- 19»؛ لكن هذه البقعة هي موطن لستة جينات، ولا يمكن حتى الآن تحديد أي منها يؤثر على مسار «كوفيد- 19».
- الكروموسوم 3
وقال أندريا جانا، عالم الأوبئة الوراثية في جامعة «هلسنكي» في فنلندا، إن البيانات بدأت تشير إلى مكان واحد على الكروموسوم 3، كلاعب محتمل مهم. أما جوناثان سيبات، عالم الوراثة في جامعة «كاليفورنيا سان دييغو» الذي لم يشارك في الدراسة الجديدة، فقال إنه ليس من الشائع أن تظهر المتغيرات الجينية خارج دراسات عدد قليل جداً من الأشخاص؛ إذ فشلت المحاولات السابقة للعثور على أي مكان جيني اختلف بشكل كبير بين المرضى والأصحاء.
وتكهن سيبات بأن الدراسة الجديدة نجحت؛ لأن الباحثين ركزوا فقط على الأشخاص الذين يعانون من فشل في التنفس، وكانوا بشكل واضح عرضة لأشكال خطيرة من الإصابة بالفيروس التاجي الجديد.
ستتيح الدراسات الجديدة للعلماء معرفة ما إذا كان هذان الموقعان مهمان حقاً كما يبدو الآن.