تحولات محتملة في القطاع الحكومي والخاص لتمكين الاقتصاد السعودي

مسؤولون ورجال أعمال يعولون على المنشآت الصغيرة والمتوسطة لقيادة دفة التغيير بعد الجائحة

القطاع الخاص محط تحول واهتمام حكومي سيتضاعف بعد انجلاء الجائحة (الشرق الأوسط)
القطاع الخاص محط تحول واهتمام حكومي سيتضاعف بعد انجلاء الجائحة (الشرق الأوسط)
TT

تحولات محتملة في القطاع الحكومي والخاص لتمكين الاقتصاد السعودي

القطاع الخاص محط تحول واهتمام حكومي سيتضاعف بعد انجلاء الجائحة (الشرق الأوسط)
القطاع الخاص محط تحول واهتمام حكومي سيتضاعف بعد انجلاء الجائحة (الشرق الأوسط)

توقع مسؤولون حكوميون ورجال أعمال حدوث تحولات هيكلية محتملة في القطاعين العام والخاص لتمكين الاقتصاد السعودي لمرحلة ما بعد جائحة كورونا، مستدلين بالتغيرات الجارية من استجابة القطاعين للمستجدات على مستويات طبيعة أنماط العمل، وتسيير الإجراءات، وتخطي الظروف، في ظل الأزمة الحالية. وأجمع المسؤولون ورجال الأعمال على أن تكون محطات التغير في القطاع الحكومي للذهاب نحو مزيد من تمكين القطاع الخاص لتولي زمام حركة التنمية الاقتصادية، ورفع الإنتاجية، والتحرر من الاعتماد على القطاع الحكومي.
وجاءت هذه التقديرات خلال لقاء افتراضي عقد ليلة أول من أمس، حضرته «الشرق الأوسط»، تحت عنوان تمكين منظومة الاقتصاد السعودي في زمن الجائحة، نظمه مركز التواصل والمعرفة المالية (أحد مبادرات وزارة المالية السعودية)، وأداره أستاذ الاقتصاد بمعهد الدراسات الدبلوماسية الدكتور رجا المرزوقي، إذ حمل تفاؤلاً واسعاً بعودة الاقتصاد في المملكة للتعافي إذا ما استمرت الاستجابات الحالية لمعالجات الدولة للاقتصاد، وتفاعل المجتمع مع رفع الوعي الوقائي في البلاد.
مؤشرات عالمية
قال أيمن أفغاني، وكيل وزارة الاقتصاد والتخطيط، إن ما يزيد من تفاؤل عودة الاقتصاد السعودي للتعافي، ما تشير إليه بعض المؤشرات العالمية، خاصة للاقتصادات الكبرى المؤثرة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي أفصح مؤشر البطالة فيها عن انخفاض ملحوظ، كما أن مؤشر مديري المبيعات سجل نمواً في أعمال الشركات، مضيفاً أن مؤشرات دولية متصاعدة تتعلق بحركة النقل.
وزاد أفغاني أن الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد السعودي تركزت في محوري تراجع أسعار النفط، وضعف الطلب مع الإجراءات الاحترازية. وكلا العاملين، بحسب أفغاني، بدأ في التعافي مع رفع إغلاق الاقتصاد الوطني، ما يوحي بتنامي البيع وارتفاع السحوبات المالية من البنوك.
مؤشرات نقدية
من ناحيته، لفت الدكتور فهد الدوسري، وكيل محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، إلى أنه رغم ظروف الأزمة العنيفة، فإن مؤشرات النقدية والسيولة لا تزال تبشر بخير حتى مرحلة رفع الإغلاق الاقتصادي، مبيناً أن مؤشرات السلامة البنكية جيدة. كما أن الائتمان المصرفي حتى أبريل (نيسان) الماضي سجل نمواً بواقع 12.2 في المائة، وهو الأعلى منذ 2015، ويعكس مواصلة البنوك تقديم خدمات الائتمان، خاصة على القروض العقارية.
وزاد الدوسري أن عرض النقود بمفهومه الواسع كذلك سجل ارتفاعاً بواقع 1.2 في المائة إلى 2035 مليون ريال (542 مليون دولار)، تمثل نسبة نمو 10 في المائة على أساس سنوي. كما أن معدل كفاية رأس المال بلغ 18 في المائة، ومعدل القروض إلى الودائع 80 في المائة، وتغطية السيولة بواقع 201 في المائة، وجمعيها أعلى من متطلبات معايير بازل.
واستطرد: «لا توجد أي مخاطر حول السيولة»، مفيداً بأن هناك تصاعداً مهولاً في الاستفادة من الدفع الإلكتروني، خاصة عبر نقاط البيع التي استفاد منها 147 ألف متجر، و2800 متجر إلكتروني، مع تكفل «مؤسسة النقد» برسوم نقاط البيع بما يربو على 160 مليون ريال.
أولويات وتحديات
وأمام ذلك، يوضح عبد العزيز الرشيد، مساعد وزير المالية، أنه رغم كل تلك المؤشرات والآمال، أعادت الدولة من خلال خطط الإنفاق أولويات المصروفات، معتبرة الصحة أولاً، بالإضافة إلى دعم مراكز قوى الاقتصاد الوطني، وبينها البرامج والمبادرات المالية المخصصة للقطاع الخاص.
وأضاف الرشيد، خلال مشاركته في اللقاء، أن وزارة المالية تواجه تحدي تحديد الأفق الزمني، واستشراف المرحلة التي ستستمر فيها الأزمة الراهنة بدقة، لتتواكب الخطط بما يتماشى مع أهداف البلاد الاقتصادية، ومستهدفات «رؤية المملكة 2030»، في الوقت الذي يحفظ فيه مستويات الإنفاق لتمكين مشروعات التنمية.
ويشدد الرشيد على أن وزارة المالية كانت بالغة الحرص في دراسة وتعقب جميع المبادرات والمحفزات فور تنفيذها لمحاولة قياس الأثر، حيث لمست انعكاسات إيجابية سريعة، من بينها -على سبيل المثال- تأجيل الإقرارات الزكوية التي استفادت منها 164 ألف منشأة حصلت على شهادة الزكاة، لتتمكن من استمرار أعمالها. كما استفاد ما يزيد على 250 ألف منشأة من تأجيل الضرائب، وشملت حزمة الـ50 مليار ريال المعلنة قبل أسابيع سداد مستحقات القطاع الخاص.
تداعٍ اقتصادي
من جانبه، يوضح عمار الخضيري، رئيس مجلس إدارة مجموعة «سامبا» المالية، أن أزمة كورونا سيكون لها تداعيات بما لا يقل عن عام، ستكون فيها ظواهر شح العوائد للمستثمرين، وتراجع أسعار الفائدة.
وأضاف الخضيري أن حزم التحفيز والدعم ستؤدي إلى زيادة مالية هائلة في السيولة، كما هو الحال في الاقتصاد الأميركي، لا بد أن تجد لها استثماراً وسط ضعف الطلب، حيث إن خلاف ذلك سيؤدي إلى تضخم في الأسواق.
وبيّن أن أسعار الفائدة البينية بين البنوك تقلصت، إلا أن تكاليف المخاطر ارتفعت. بيد أن العميل -وفقاً للخضيري- استفاد من تراجع سعر الفائدة، في مقابل أن البنوك ستضطر لرفع هامش المخصصات المالية التحوطية من الأزمة.
زيادة التكاليف
إلى ذلك، أفاد محمد أبونيان، رئيس مجلس إدارة «أكوا باور»، بأن القطاع الخاص عانى بكل فئاته نتيجة الجائحة العالمية، إلا أن سرعة استجابة الدولة عززت صمود القطاع أمام الأزمة، مؤكداً أن ذلك لا يمنع من تساقط كثير من المنشآت الصغيرة والمتوسطة المعتمدة على معدل دوران نقدي قصير المدى.
وقال أبونيان: «جهود الحكومة واضحة، بيد أنه لا بد من متابعة حالة المنشآت الصغيرة والمتوسطة من كثب، والتأكد من وصول برامج التحفيز لهم بطريقة تساعدهم على النهوض والعودة»، لافتاً إلى أن الدولة نجحت في معالجة إشكالية الرواتب في المنشآت. وحذر أبونيان من أن تتحول برامج دعم القطاع الخاص إلى زيادة تكاليف، من خلال إعادة التمويل، وتوسيع سقف الدين، مؤكداً أن المنشآت الصغيرة لا تزال تعاني من الوصول للاستفادة من برامج التحفيز.
تغييرات محتملة
ويرى المسؤولون الحكوميون أن التغيرات المحتملة التي ربما تشهدها أروقة قرارات القطاعات في الدولة هي زيادة الدفع لتمكين القطاع الخاص السعودي لمراحل متقدمة يكون فيها أكثر ديناميكية واستقلالاً، إذ يشير وكيل وزارة الاقتصاد والتخطيط، أيمن أفغاني، إلى أن التطلعات، بعد تجربة كورونا، تسير تجاه التركيز على مكونات القطاع الخاص لدفعه نحو التحرر من العقود الحكومية، واستقلاله بالاستثمار في فرص التحول الاقتصادي للوصول إلى درجة تمكنه من التنافس والتفاعل السريع مع معطيات السوق.
وأضاف: «سيكون هناك تحول حكومي نحو تكثيف الاستثمار في البنية الأساسية، ما يعطي مساحات أوسع للقطاع الخاص للموازنة، بالإضافة إلى التوجه نحو متانة سلاسل الإمداد ورفع كفاءتها».
ومن جانبه، يؤكد مساعد وزير المالية عبد العزيز الرشيد أن الدولة اعتنت بتوفير بيئة صديقة متكاملة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة لمزيد من تمكينها، بل ووفرت المحركات كافة نحو الإنتاجية، من خلال منظومة تشريعية وأجهزة حكومية متكاملة، منها هيئة التجارة الخارجية، وهيئة «منشآت»، واستقلال وزارة بالصناعة، وهيئة المحتوى المحلي، للاستفادة من مشروع التحول.
ويؤكد وكيل محافظ «مؤسسة النقد»، الدكتور فهد الدوسري، أن البنك المركزي كذلك يدعم القطاع المصرفي لتوفير بيئة نقدية ذات سيولة مستمرة من أجل تغطية احتياجات القطاع الخاص، لا سيما المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
الفرصة العظيمة
ومن ناحيته، يشير محمد أبونيان، إلى تفاؤل كبير، لا سيما أن من محاسن الأزمة الحالية أنها تشكل فرصة كبيرة لإعادة ترتيب الأمور، ومراجعة نماذج الأعمال، وطرق الإدارة والتشغيل، وتغيير المجالات والأنشطة المحتملة، داعياً القطاع الحكومي كذلك للتوجه ذاته، خاصة ما يتعلق بإعادة النظر في آلية طرح المشروعات، ورفع كفاءة الإنفاق.


مقالات ذات صلة

انخفاض تكلفة إنتاج المياه بالسعودية 50 % وخطط لمشاريع بـ15.4 مليار دولار

الاقتصاد نائب وزير البيئة والمياه والزراعة المهندس منصور المشيطي يتحدث إلى الحضور في ملتقى «ميزانية 2025» (الشرق الأوسط)

انخفاض تكلفة إنتاج المياه بالسعودية 50 % وخطط لمشاريع بـ15.4 مليار دولار

أكد نائب وزير البيئة والمياه والزراعة المهندس منصور المشيطي أن ما حققته المملكة بمحطات إنتاج المياه المحلاة خلال 8 أعوام يعادل ما تم تحقيقه في 4 عقود ماضية

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جانب من الجلسة الحوارية في «ملتقى ميزانية 2025» بالرياض (الشرق الأوسط)

الخطيب: 5 % نسبة مساهمة السياحة في الاقتصاد السعودي

قال وزير السياحة السعودي أحمد الخطيب إن القطاع السياحي حقق تقدماً كبيراً حيث ارتفعت مساهمته في الاقتصاد إلى 5 % بنهاية العام الماضي

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جانب من الجلسة الحوارية في «ملتقى ميزانية 2025» بالرياض (الشرق الأوسط)

الخريف: نتوقع إصدار 1100 رخصة صناعية في السعودية بنهاية 2024

قال وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي، بندر الخريف، إنه خلال العام الحالي، من المتوقع أن يتم إصدار 1100 رخصة صناعية، فيما دخل 900 مصنع حيز الإنتاج.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد وزير المالية السعودي محمد الجدعان (الشرق الأوسط) play-circle 01:31

وزير المالية: ميزانية السعودية 2025 تستهدف مواصلة التوسع في الإنفاق الاستراتيجي

أكد وزير المالية السعودي محمد الجدعان، أن ميزانية عام 2025 تستهدف مواصلة التوسع في الإنفاق الاستراتيجي على المشروعات التنموية وفق الاستراتيجيات القطاعية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد الوزيران الجدعان والإبراهيم في جلسة حوارية ضمن ملتقى «ميزانية 2025» (واس) play-circle 00:28

الجدعان في ملتقى الميزانية: «رؤية 2030» هدفت إلى المحافظة على مالية مستدامة

قال وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، إن النمو المستدام يعتمد على مالية مستدامة، وإن «رؤية 2030» هدفت إلى المحافظة على مالية عامة مستدامة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

بكين تُحذر واشنطن من حرب تعريفات «مدمِّرة للطرفين»

مشاة في حي تجاري بمدينة شينزين الصينية (رويترز)
مشاة في حي تجاري بمدينة شينزين الصينية (رويترز)
TT

بكين تُحذر واشنطن من حرب تعريفات «مدمِّرة للطرفين»

مشاة في حي تجاري بمدينة شينزين الصينية (رويترز)
مشاة في حي تجاري بمدينة شينزين الصينية (رويترز)

حذَّرت وسائل الإعلام الرسمية الصينية، الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أن تعهده بفرض تعريفات إضافية على السلع الصينية بسبب تدفقات الفنتانيل، قد يجرُّ أكبر اقتصادين في العالم إلى حرب تعريفات مدمِّرة للطرفين.

وقال ترمب، الذي سيتولى منصبه في 20 يناير (كانون الثاني)، يوم الاثنين، إنه سيفرض «رسوماً جمركية إضافية بنسبة 10 في المائة، فوق أي رسوم جمركية إضافية» على الواردات من الصين، حتى تشن بكين حملة صارمة على الاتجار بالمواد الكيميائية الأولية المستخدمة في صنع العقار القاتل.

وتحدد القوتان العظميان مواقفهما قبل عودة الرئيس السابق إلى البيت الأبيض. وأسفرت فترة ولاية ترمب الأولى عن حرب تجارية أربكت سلاسل التوريد العالمية وألحقت الضرر بكل اقتصادات العالم مع ارتفاع التضخم وتكاليف الاقتراض.

وحذرت افتتاحيات صحف الحزب الشيوعي الصيني، «تشاينا ديلي» و«غلوبال تايمز»، في وقت متأخر من يوم الثلاثاء، ترمب، من جعل الصين «كبش فداء» لأزمة الفنتانيل في الولايات المتحدة أو «اعتبار حُسن نية الصين أمراً مفروغاً منه فيما يتعلق بالتعاون في مكافحة المخدرات».

وقالت «تشاينا ديلي»: «العذر الذي قدمه الرئيس المنتخب لتبرير تهديده بفرض رسوم جمركية إضافية على الواردات من الصين بعيد المنال. لا يوجد فائزون في حروب التعريفات الجمركية. إذا استمرت الولايات المتحدة في تسييس القضايا الاقتصادية والتجارية من خلال سلاح التعريفات الجمركية، فلن تترك أي طرف دون أن يلحق به أذى».

وبدأ خبراء الاقتصاد في تخفيض رؤيتهم لأهداف النمو للاقتصاد الصيني -الذي تبلغ قيمته 19 تريليون دولار- لعامي 2025 و2026، تحسباً لمزيد من التعريفات الجمركية التي وعد بها ترمب خلال الحملة الانتخابية، ويُحذر الخبراء الأميركيون من الاستعداد لزيادة في تكلفة المعيشة.

وقال لويس كويغس، كبير خبراء الاقتصاد الآسيوي في «ستاندرد آند بورز غلوبال للتصنيفات الائتمانية»، التي خفَّضت، يوم الأحد، توقعاتها لنمو الصين لعامي 2025 و2026 إلى 4.1 و3.8 في المائة على التوالي: «في الوقت الحالي، الشيء الوحيد الذي نعرفه على وجه اليقين هو أن المخاطر في هذا المجال عالية. ما افترضناه في خط الأساس لدينا هو زيادة شاملة (للتعريفات الجمركية) من نحو 14 في المائة الآن إلى 25 في المائة. وبالتالي، فإن ما افترضناه هو أكثر قليلاً من 10 في المائة على جميع الواردات من الصين».

ويهدد ترمب بكين برسوم جمركية أعلى بكثير من الرسوم الجمركية التي فُرضت على السلع الصينية خلال ولايته الأولى التي تراوحت بين 7.5 و25 في المائة.

ونقلت صحيفة «غلوبال تايمز» عن جاو لينغيون، المحلل في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية في بكين، قوله: «تمتلك الصين بالفعل نموذجاً للتعامل مع سياسة الرسوم الجمركية الأميركية السابقة». وأضاف أن «استخدام قضايا مكافحة المخدرات لزيادة الرسوم الجمركية على السلع الصينية أمر غير مقبول وغير مقنع».

وقال الرئيس الصيني شي جينبينغ، لرئيس الوزراء السنغافوري السابق، لي هسين لونغ، إن اقتصاد الصين سيستمر في النمو والتطور على المدى الطويل، خلال اجتماع في بكين، يوم الثلاثاء، بعد تعليقات ترمب، حسبما ذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا).

وذكرت التقارير أن لي قال لشي: «لا ينبغي لأحد أن يقلل من شأن تصميم الشعب الصيني على نجاح أمته والوقوف شامخة في العالم»، وهي الملاحظة التي قالت مقالة منفصلة في «غلوبال تايمز» إنها «مقصودة أيضاً لبعض الأشخاص في المجتمع الدولي».

وتوقع خبراء اقتصاديون في استطلاع أجرته «رويترز» الأسبوع الماضي فرض تعريفات جمركية أميركية إضافية تتراوح من 15 إلى 60 في المائة. وقال معظمهم إن بكين ستحتاج إلى ضخ مزيد من التحفيز لتعزيز النمو الاقتصادي وتعويض الضغوط على الصادرات.

وقال ترمب في وقت سابق إنه سيفرض تعريفات جمركية تتجاوز 60 في المائة على السلع الصينية. ويهز التهديد المجمع الصناعي الصيني، الذي يبيع سلعاً تزيد قيمتها على 400 مليار دولار سنوياً للولايات المتحدة، ومئات المليارات الأخرى في مكونات المنتجات التي يشتريها الأميركيون من أماكن أخرى.

وعلى صعيد موازٍ، انخفضت أرباح الصناعة في الصين مرة أخرى في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ولكن بشكل أقل حدة من الشهر السابق مع استمرار ضغوط الانكماش، فيما ظل الطلب ضعيفاً في الاقتصاد الذي ضربته الأزمة بقيمة 19 تريليون دولار.

كما أن الرياح المعاكسة الجديدة الناجمة عن التعريفات الجمركية الأميركية الإضافية، التي تعهد ترمب بفرضها في يومه الأول في البيت الأبيض، قد تهدد القطاع الصناعي في الصين العام المقبل، مما يقلل من أرباح التصدير.

وواجه القطاع المترامي الأطراف، الذي يشمل شركات التعدين والمعالجة والتصنيع، صعوبة في البقاء مربحاً في مواجهة الطلب المحلي الضعيف الذي تضرر من أزمة العقارات المستمرة منذ سنوات، والبطالة وتوترات التجارة المتزايدة. وتعهَّد صنَّاع السياسات بالوفاء بهدف الحكومة لنمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو 5 في المائة هذا العام حتى مع تعهد ترمب بفرض مزيد من الرسوم الجمركية على السلع المصنَّعة في الصين.

وأظهرت بيانات المكتب الوطني للإحصاء، يوم الأربعاء، أن الأرباح الصناعية في أكتوبر انخفضت بنسبة 10 في المائة على أساس سنوي، وهو أفضل من انخفاض بنسبة 27.1 في المائة في سبتمبر (أيلول)، على الرغم من أن الأرباح انخفضت بنسبة 4.3 في المائة في الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري، مقابل انخفاض بنسبة 3.5 في المائة في الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى سبتمبر.

وقال يو وينينغ، من المكتب الوطني للإحصاء في بيان مصاحب، إن الأرباح في معظم الصناعات تحسنت مقارنةً بالشهر السابق، حيث لعبت محركات جديدة مثل المعدات والتصنيع عالي التقنية دوراً داعماً قوياً.

لكنَّ بعض خبراء الاقتصاد في القطاع الخاص عزوا التحسن في أكتوبر جزئياً إلى تأثير القاعدة المنخفضة من العام السابق. ونَمَت الأرباح الصناعية في أكتوبر 2023 بنسبة 2.7 في المائة، متراجعةً عن مكاسب مزدوجة الرقم في كل من أغسطس (آب) وسبتمبر من العام الماضي.

وقال لين سونغ، كبير خبراء الاقتصاد الصيني في «آي إن جي»: «بالنسبة إلى بيانات شهر أكتوبر وحدها، فإن المستوى على أساس سنوي به الكثير من التشويش بسبب التأثيرات الأساسية، ويمكن أن يُعزى الاختلاف إلى حد كبير إلى هذا السبب. وبشكل عام، لا تزال الأرباح تحت بعض الضغوط هذا العام كما يظهر الانخفاض بنسبة 4.3 في المائة على أساس سنوي حتى الآن، على الرغم من وجود أمل في أنه مع بدء مزيد من تخفيف السياسات، ستصبح بيئة التشغيل أكثر ملاءمة العام المقبل».

وأشارت المؤشرات الاقتصادية المنفصلة في وقت سابق من هذا الشهر، إلى ضعف الطلب على نطاق واسع، حيث بلغت أسعار المستهلك أضعف مستوياتها في أربعة أشهر، فيما استمرَّ الناتج الصناعي في الاتجاه نحو الانخفاض، وانخفضت أسعار المساكن الجديدة بأسرع وتيرة لها في 9 سنوات.

وأظهرت البيانات في وقت سابق من هذا الشهر أن أسعار المنتجين انخفضت بنسبة 2.9 في المائة على أساس سنوي في أكتوبر، وهو أعمق من الانخفاض بنسبة 2.8 في المائة في الشهر السابق، وأسوأ من الانخفاض المتوقع بنسبة 2.5 في المائة... ويعد ذلك أكبر انخفاض في 11 شهراً.

وتعمق الانكماش في المصانع في قطاعات استخراج البترول والغاز الطبيعي ومعالجة النفط والفحم وتصنيع المنتجات الكيماوية وتصنيع السيارات. وحذَّر ما هونغ، كبير المحللين في مؤسسة أبحاث «جي دي دي سي إي»، من أن «أرباح تصنيع المواد الخام وتصنيع السلع الاستهلاكية لا تزال تواجه ضغوطاً للانخفاض أكثر»، مضيفاً أنه «بالنظر إلى شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، وفي ضوء مؤشر أسعار المنتجين الذي لا يزال في النطاق السلبي، فإن سعر المواد الخام التي يمثلها الفحم لا تزال تحت الضغط، ولا تزال هوامش ربح الشركات الصناعية في اتجاه هبوطي بطيء».

وتغطي أرقام الأرباح الصناعية الشركات التي تبلغ إيراداتها السنوية 20 مليون يوان (2.8 مليون دولار) على الأقل من عملياتها الرئيسية.

وكانت حزمة الديون المحلية الصينية البالغة 1.4 تريليون دولار -والتي جرى الكشف عنها في وقت سابق من نوفمبر- أقل من التوقعات لتحفيز قوي لتعزيز الاستهلاك، مما يعني أن المستثمرين ما زالوا ينتظرون روافع مالية أكثر مباشرة.

كما ستتعرض عائدات التصدير الصينية للضغط بسبب الرسوم الجمركية الأميركية، مما سيؤثر في الشركات المصنِّعة. وأظهر استطلاع أجرته «رويترز» لآراء خبراء اقتصاديين أن ترمب قد يفرض رسوماً جمركية بنسبة 40 في المائة على الواردات من الصين.

ووفق مينشنغ، فإنه إذا زادت الرسوم الجمركية تدريجياً إلى 40 في المائة وليست دفعة واحدة، فإن الشحنات السريعة قبل الرسوم الجمركية الجديدة قد تساعد على تعويض تأثير الرسوم الجمركية الأعلى لاحقاً، مما يؤدي إلى انخفاض الصادرات بنسبة 1.7 في المائة في عام 2025، فيما إذا فُرضت رسوم جمركية إضافية بنسبة 10 في المائة فقط، فقد يأتي نمو صادرات الصين في عام 2025 بنسبة 0.2 في المائة.