إجماع سياسي لبناني على رفض الفتنة والتمسك بالوحدة الوطنية

بعد يوم من الأحداث الأمنية ومواجهات على خلفية شعارات مذهبية استفزازية

إجماع سياسي لبناني على رفض الفتنة والتمسك بالوحدة الوطنية
TT

إجماع سياسي لبناني على رفض الفتنة والتمسك بالوحدة الوطنية

إجماع سياسي لبناني على رفض الفتنة والتمسك بالوحدة الوطنية

أجمع المسؤولون اللبنانيون والقيادات الحزبية على رفض الحوادث الأمنية والمواجهات التي شهدتها بيروت مساء السبت، على خلفية إطلاق شعارات مذهبية استفزازية، محذرين من الانزلاق إلى الفتنة والعودة إلى مشاهد الحرب الأهلية.
واعتبر رئيس الجمهورية ميشال عون أن ما جرى هو جرس إنذار. ودان في بيان «أي تعرض للرموز الدينية لأي مكوّن من مكوّنات العائلة اللبنانية، وما تبع ذلك من أعمال عنف وردود فعل»، مؤكداً أن «مناعتنا الوطنية يستمدها بعضنا من بعض، وقوّتنا كانت وتبقى وستظل في وحدتنا الوطنية أياً كانت اختلافاتنا السياسية».
وأضاف: «أتوجه إلى ضمير كل مسؤول سياسي أو روحي، وإلى الحكماء من اللبنانيين الذين عايشوا أحداث العامين 1975 - 1976 (الحرب اللبنانية) التي ما زالت ماثلة أمامنا، القيام بما يتوجب عليهم، كلّ من موقعه، من أجل وأد أي شكل من أشكال الفتنة الناجمة عن المساس بمقدسات بعضنا الدينية والروحية والمعنوية». ودعا إلى جعل «ما جرى ليل أول من أمس (السبت)، جرس إنذار للجميع لكي يعوا أنه ليس بالتعرض لمقدسات بعضنا نحقق أي مطلب مهما كان محقاً، وليس بالشتائم نحقق عيشاً كريماً، وليس بالاعتداء على العسكريين والتعرض للمتاجر والمؤسسات نصل إلى أهدافنا، لأن أي انتكاسة أمنية إن حدثت لن تكون لمصلحة أي كان».
بدوره، اعتبر رئيس البرلمان نبيه بري أن الفتنة أشد من القتل. وقال في بيان: «هي أشد من القتل، ملعون من يوقظها، فحذار الوقوع في أتونها فهي لن تبقي ولن تذر ولن ينجو منها حتى مدبريها ومموليها».
ومع تأكيده على استنكار التطاول على المقدسات والرموز، اعتبر بري أن «كل فعل من أي جهة أتى، يستهدف وحدة اللبنانيين وأمنهم واستقرارهم وعيشهم الواحد هو فعل إسرائيلي، وأن أي صوت يروج للفتنة بين أبناء الوطن الواحد وأبناء الدين الواحد هو صوت عبري ولو نطق بلغة الضاد».
وعبّر رئيس البرلمان عن تقديره لـ«الجهود المخلصة التي بذلت من القيادات السياسية والروحية والأمنية والعسكرية على مختلف مستوياتها لقطع دابر الفتنة ووأدها في مهدها».
بدوره، كان رئيس الحكومة حسان دياب، استنكر ليل الأحد، الأحداث. وكتب على حسابه بـ«تويتر» قائلاً: «إن رئاسة الحكومة تدين وتستنكر بأشد العبارات، كل هتاف أو شعار طائفي مذهبي، وتهيب بجميع اللبنانيين وقياداتهم السياسية والروحية التحلي بالوعي والحكمة والتعاون مع الجيش والأجهزة الأمنية المكلفة حماية الاستقرار والسلم الأهلي».
وكان قد دخل مساء السبت المراجع الدينية على خط التهدئة، لا سيما السنية والشيعية، إضافة إلى حزب الله وحركة أمل، داعين الجميع إلى الابتعاد عن الفتنة.
وفي بيان لها، حذّرت دار الفتوى «جمهور المسلمين من الوقوع في فخ الفتنة المذهبية والطائفية». وأكدت «أن شتم أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها من أي شخص كائناً من كان لا يصدر إلا عن جاهل ويحتاج إلى توعية».
ودعا بدوره رئيس الحكومة السابق سعد الحريري إلى الأخذ بدعوة دار الفتوى، محذراً «جمهور المسلمين من الوقوع في فخ الفتنة المذهبية».
واستنكر رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، «المحاولات المشبوهة لإثارة الفتن المذهبية بين اللبنانيين، وضرب وحدتهم الوطنية والإسلامية، خدمة لأعداء الدين وتحقيقاً لأهداف سياسية تخدم العدو الصهيوني الذي يتربص بأمننا واستقرارنا ووحدتنا»، مديناً «أي إساءة لأي رمز ديني، من منطلق رفضنا للشتم والإساءة والتعرض لكرامة الرموز الدينية من كل الطوائف والمذاهب».
ورفض أيضاً حزب الله، ما صدر من إساءات، مؤكداً أنه «لا يعبر إطلاقاً عن القيم الأخلاقية والدينية لعامة المؤمنين والمسلمين».
وحذر في بيان له «من مسببي الفتن والمستفيدين منها، وكل أولئك الذين يروجون للفتنة ويدعون لها»، رافضاً بشكل تام كل ما يمكن أن يؤدي إلى الفرقة والاختلاف والتوتر المذهبي والطائفي والديني.
وأمس، عبّر البطريرك الماروني بشارة الراعي في عظة الأحد، عن أسفه لما جرى بالأمس بوضع هذه المطالب المشتركة جانباً، وتحويل التعبير عن الرأي بالشكل الديمقراطي إلى مواجهة بالحجارة وتحطيم المؤسسات والمحلات واستباحة ممتلكات الناس وجني عمرهم، وتشويه وجه العاصمة، والاعتداء على الجيش والقوى الأمنية التي من واجبها حماية المظاهرات السلمية.

وأضاف: «وأسفنا بالأكثر لإدخال المعتقد الديني في الانقسام السياسي وجعل هذا المعتقد وسيلة للنزاع بالأسلحة»، سائلاً: «لماذا نعطي الأسرة العربية والدولية هذه الصورة المشوهة عن لبنان؟ وهل بهذه الممارسات النزاعية نساند الحكم والحكومة في توطيد الاستقرار الضروري للنهوض من حضيضنا؟ أما من جهة المسؤولين السياسيين عندنا، فلا يحق لهم أن يحكموا بذات الذهنية والأسلوب، بعيداً عن الخط الذي يرسمه الدستور والميثاق الوطني ووثيقة اتفاق الطائف نصاً وروحاً. فكيف يمكن أن تأتينا المساعدات العربية والدولية من دون تأمين الاستقرار السياسي، وتصحيح الحوكمة، واعتماد سياسة الحياد، وشبك الأيادي وتوحيد الجهود؟».



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.